الموضوع: تربية الانسان الهدف النهائي لبعثة الانبياء
خطاب
الحاضرون: نساء جنوب مدينة طهران، وحرس الثورة وأهالي (دشت مغان)
عدد الزوار: 82
التاريخ 8 خرداد 1358 هـ. ش/ 3 رجب 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: نساء جنوب مدينة طهران، وحرس الثورة وأهالي (دشت مغان)
بسم الله الرحمن الرحيم
هدف الأنبياء
إن النهضات التي قام بها الانبياء والاولياء (عليهم السلام) جديرة بالتأمل اننا حيث نعتبر أنفسنا تابعين لمدرسة الانبياء، علينا التأمل في تلك النهضات، للتعرف على ابعادها والأهداف التي سعى الأنبياء لتحقيقها. فما هو هدف نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) من النهضة الإسلاميّة وماذا كان هدف أئمتنا (عليهم السلام)؟ هل كان يتلخص في قطع أيدي الظالمين؟ هل كانت دعوة الانبياء من أجل التخلص من خصوم المستضعفين، وما أن يتحقق النصر لهم ينتهي عملهم. هل هدف الانبياء ان لا يكون هناك ظالم فحسب، أم ان الهدف أسمى من ذلك؟ إذا كان الهدف أسمى فإنه يجب علينا، نحن الذين نتبع الانبياء ونتبع مدرسة الإسلام، أن يكون هدفنا الهدف ذاته تبعاً لأولئك عظماء الدين والدنيا.
هل كان هدفنا يقف عند اسقاط النظام البهلوي والتخلص من الملكية؟ هل كان رخاء الشعب وتحقق أهدافه المادية هدفنا الأول والأخير؟ هل جاء الأنبياء ليساعدوا الناس والمجتمع على تأمين الحياة المادية؟ هل كان هدف الانبياء القضاء على المستكبرين وحصول المستضعفين على معيشة دنيوية، أم أن الهدف كان اسمى من ذلك؟ كل هذا التعداد من الانبياء وهذه الرسالات إنما هو من أجل القضاء على المستكبرين وتحقيق الرخاء لعامة الناس، أم كان الهدف أسمى من ذلك؟ هل أرسل الله تبارك وتعالى الانبياء من أجل تعمير الدنيا فحسب، أم أن الهدف أسمى من ذلك؟
الهدف النهائي و استقرار الحكومة القرآنية
إذا كان الهدف يتلخص بالغلبة على المستكبرين فحسب، فإننا قد حققنا تقريباً هذا الهدف وتغلبنا، عليهم لقد تغلب شعبنا على الاجانب وقطع يد الخائنين، وسيقتلع هذه الجذور المتبقية أيضاً، ولكن ليس هذا هو الهدف، لو كان الهدف يقف عند انقاذ سكان وتنظيم أمر معيشتهم، فإن هذا سيتحقق أيضاً إن شاء الله وبهمة الجميع، ولكن ليس هذا كل الهدف. بل الهدف أن يكون بلدنا بلداً إسلامياً، أن تكون إدارة بلدنا تحت قيادة القرآن وتحت قيادة النبي الأكرم وبقية الاولياء العظام، وما زوال المستكبرين إلا البداية. إن رخاء المستضعفين أحد أهداف الإسلام.
الحرية والاستقلال مقدمة للهدف النهائي
النظام الإسلامي ليس كالأنظمة والمدارس المادية التي كل همتها متوجهة نحو تأمين مرتع! كل همها ان يكون هناك مساكن، أن تحقق الرخاء- طبعاً هذا بالنسبة لتلك الصادقة منها بينما الإسلام هدفه أسمى من ذلك. إن مدرسة الإسلام، مدرسة مادية معنوية وإنما يقبل الإسلام المادية في ظل المعنويات والاخلاق وتهذيب النفس. لقد جاء الإسلام لتهذيب الانسان، لتربية الانسان، ان جميع المدارس التوحيدية جاءت لتربية الانسان .. اننا مكلفون بتربية الانسان .. انتن أيتها السيدات اللاتي تحملتن المشقة وجئتن إلى هنا، انكن مكلفات بتربية الانسان، مكلفات بإعداد الانسان المهذب في أحضانكن.
إن هدف الإسلام وهدف جميع الانبياء هو تربية الناس، وتحقق الصورة الانسانية من خلال اعداد الإنسان المعنوي والواقعي، المهم في نظر الانبياء تربية الانسان، تم تذليل كل الصعاب. فالبلد فيه إنسان مهذب لا يعاني من مشاكل، لأن الانسان المهذب يقوم بتأمين جميع أبعاد السعادة للبلد. الإنسان المؤمن بالله تبارك وتعالى، الإنسان الملتزم، الإنسان المهذب، يقطع يد الظالم. ولكن هذا هو الهدف، فهذه إحدى الخدمات التي يقوم بها كان يقوم بتأمين الحرية للناس، يقوم بتأمين الاستقلال للبلد، ولكن ليس هذا كل الهدف .. يعمل على تأمين الرخاء للشعب، ولكن ليس هذا كل الهدف.
الهدف الأصلي تربية الإنسان بجميع أبعاده
الانسان ليس حيواناً، الانسان كائن يحلق بسعادته في مدارج الكمال، ويحقق بكماله أسمى المقامات. وإذا انحرف فإنه يكون أدنى من أدنى الكائنات. إن الانبياء عندما شاهدوا الناس غارقين في الفساد على صعيد الأخلاق على صعيد العقائد، على صعيد الأعمال، ألهمهم الله تبارك وتعالى الدين لينقذوا الإنسان بجميع أبعاده .. لو كان الإنسان حيواناً مثل بقية الحيوانات، ولكنه حيوان مدِّبر، حيوانله صنعة، لما كانت هناك حاجة لبعثة الانبياء، لأن هذا الطريق يدركه الماديين بأنفسهم. إن مجيء الأنبياء إنما هو ليقوموا بتعليم الناس الحقائق التي يجهلونها، والطرق التي لا يدركونها. الانبياء جاؤوا للارشاد إلى مقام أعلى إلى مقام انساني أرفع. ان القرآن كتاب بناء الانسان جاء من أجل صناعة الانسان، وليس كتاب صناعة الحيوان، ليس كتاب إعمار المادية، بل كل شيء، إنه يقوم بتربية الإنسان بجميع أبعاده، فهو يقبل الماديات ولكن في ظل المعنويات، يجعل الماديات تبعاً للمعنويات.
الطريق طويلة لتحقق الدولة الإسلامية
إن بلدنا يكون بلداً اسلامياً عندما تتحقق فيه تعاليم الإسلام، وأما إذا لم تكن فيه التعاليم الإسلاميّة فلا يعد إسلامياً مهما قلنا جمهورية إسلاميّة، فالجمهورية الإسلاميّة ليست لفظاً، فبأصواتنا لا تتحقق الجمهورية الإسلاميّة. نعم، النظام الرسمي يصبح نظاماً جمهورياً، ولكنه لا يصبح إسلامياُالا إذا طبقت فيه أحكام الإسلام .. حتى مع تطبيق القانون الأساسي لا يكون إسلامياً، ومع وجود مجلس الشورى لا يكون إسلامياً، فهذه كلها مقدمات، انكم إنما تستطيعون القول بأن البلد بلد إسلامي عندما تصبح السوق إسلامية، عندما يكون هناك تهذيب للنفس، لا مثل أسواقنا التي هي مأوى للاحتكار والتعدي والظلم! يصبح البلد إسلامياً عندما يصبح الرجل والمرأة إسلاميين، عندما يكون جميع الأفراد إسلاميين. عندما تكون القدوة السيدة الزهراء (سلام الله عليها) عندما يكون القدوة نبي الإسلام. إن بلدنا يكون بلداً إسلامياً ونستطيع الادعاء بأن لدينا جمهورية إسلامية، عندما تتحقق فيه جميع هذه المعاني الموجودة في الإسلام .. إننا الآن في أول الطريق، لقد قمنا بتثبيت الجمهورية الإسلاميّة بأصواتنا، وقطعنا يد الخائنين أيضاً وسنقتلع الجذور المتبقية، ولكن هذا ليس كافياً فمازالت الطريق طويلة، سواء طريق تأمين الحياة الكريمة للمحتاجين والذي هو أملنا، او طريق المعنويات وهو الطريق الاسمى.
سعادة البشرية في ظل المعنويات
أيتها السيدات المحترمات! إعملن على تهذيب أنفسكن، وهذبن أولادكن، قمن بتربية أولادكن تربية إسلامية، ففي الإسلام كل شيء، تّخلَقْن بالأخلاق الإسلاميّة والتجئن للإسلام .. أيها السادة المحترمون! أيتها السيدات المحترمات. قولوا لبيك لنداء الإسلام، إن الإسلام لم يأت لتأمين العلف! وإنما لنهج لتأمين المعنويات. لا تكن جميع الصيحات من أجل الماديات فهذا يتعارض مع الإسلام. إذا تحققت المعنويات فإن الماديات تصبح معنوية تبعاً لها. إن الإسلام يقبل الماديات تبعاً للمعنويات، إن الأساس هو المعنويات، والبلد بمعنوياته يكون بلداً إسلامياً. ليس الإنسان حراً ليفعل ما يشاء بأن يسرق أو يخون. اليوم يوم الامتحان لكم، لقد أصبحتم أحراراً، لقد أصبحتم مستقلين. اصبحتم احراراً لتفعلواما تشاؤون؟ ولتقولوا ما تشاؤون؟ كلا، لقد منّ الله تعالى عليكم بالحرية يختبركم بها لير ماذا تفعلون، ماذا سنفعل بهذه الحرية؟ ماذا سنفعل بالذين تحت ايدينا، ماذا سنفعل مع اخوتنا، ماذا سنفعل مع أخواتنا، ليست الحرية وحدها تمثل سعادة الأمة، ليس الاستقلال وحده يمثل سعادة الأمة، ليست المادة وحدها تحقق سعادة الأمة، المادة تحقق السعادة في ظل المعنويات، المعنويات هي الأهم. اسعوا إلى كسب المعنويات العلم وحده لافائدة فيه. إن العلم مع المعنويات يكون ناجع, الأدب وحده لا فائدة فيه، وإنما الأدب مع المعنويات. المعنويات هي التي تضمن السعادة للبشر, فاسعوا لكسب المعنويات أثناء تحصيل العلم، حصِّلوا المعنويات، لتكن في الجامعات معنويات، لتكن في المدارس معنويات، لتكن في اماكن التعليم معنويات، لتكونوا ان شاء الله سعداء جعلكم الله جميعاً .. سعداء.
والسلام عليكم ورحمة الله
* صحيفة الإمام، ج7، ص: 379,377