حقيقة الشهادة
في رحاب الولي
قد يتصور البعض أن القتل في ساحة المعركة هو هزيمة وتراجع على المستوى العام وهي خسارة وانتهاء على المستوى الفردي. ومن هذه الخلفية ينطلق ليفهم الشهادة على أنها حالة عزاء وحزن و... ومن هنا نطرح هذا السؤال:
عدد الزوار: 429
قد يتصور البعض أن القتل في ساحة المعركة هو هزيمة وتراجع على المستوى العام وهي خسارة وانتهاء على المستوى الفردي. ومن هذه الخلفية ينطلق ليفهم الشهادة على أنها حالة عزاء وحزن و... ومن هنا نطرح هذا السؤال:
هل القتل في ساحة الحرب نصر أم هزيمة؟
حتى نعرف الجواب الصحيح لهذا السؤال علينا أن نقف في البداية عند المعنى الحقيقي للنصر.
ما هو النصر الحقيقي
إن النصر والهزيمة لا ينبعان من فراغ بل هما تابعان لهدف الإنسان والقدرة على تحقيق هذا الهدف، فبحسب الهدف الذي يرسمه الإنسان وقدرته على تحقيق هذا الهدف يكون النصر أو الهزيمة. فالحصول على أمر ما قد يكون نصراً لشخصٍ، وهو بعينه هزيمة لشخص آخر، فالتاجر الصغير الذي يهدف إلى ربح مائة ـ مثلاً ـ إذا ربحها يكون هذا نصراً بالنسبة له، وأما التاجر الكبير الذي يهدف إلى ربع ألف ـ مثلاً ـ إذا لم يربح إلا مائة يعتبر هذا هزيمة بالنسبة إليه وليس نصراً.
فمن خلال معرفة الأهداف التي رسمها الإنسان لنفسه يتم تحديد انتصار أو هزيمته.
ولكن هذا كله لا يعني أن النصر الحقيقي مرتبط بما يرسمه الإنسان لنفسه من أهداف، سواء كانت شريفة أو وضيعة، سواءً كانت أهدافه صحيحة أم سقيمة مزيّفة.
إن النصر الحقيقي لا يكون إلا من خلال تحقيق الأهداف الصحيحة والحقيقة، وأما الأهداف الزائفة فلا تولد إلا نصراً زائفاً.
الهدف الحقيقي والهدف الزائف
إن الهدف الحقيقي الذي رسمه الله سبحانه وتعالى للإنسان يتلخص بقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾1.
فالهدف إذاً هو الوصول إلى مقام العبادة والقرب من الله سبحانه وتعالى.
وفي هذا المجال يقول الإمام الخميني قدس سره: "إذا انتصرنا في هذه المرحلة من السير العرفاني، فإن موتنا نصر كما أن حياتنا نصر أيضاً. جدوا لكي تنتصروا في ميدان المبارزة بين الله والشيطان، ميدان الجهاد بين النفس الإنسانية والروح، فإذا انتصرتم في هذه المرحلة فلا تخشوا الهزائم لأنها ليست هزائم"2.
"أنتم غلبتم أهواءكم، أنتم في خلف الجبهات وإخوانكم في الجبهات، جاهدتم أنفسكم وعلمتم أن الحياة أبدية وأن هذه الحياة الحيوانية المادية زائلة، فأنتم إذن منتصرون وما دامت هذه عقيدتكم فأنتم الغالبون حتى ولو انهزمتم صورياً ومادياً"3.
فهذا الهدف الحقيقي وكل ما عداه فهو زائف زائل، وعندما نقيس الشهادة بهذا الهدف نجدها الطريق الأقصر لتحقيقه والحصول عليه، فهي إذاً النصر الحقيقي لأنها القادرة على تحقيق الهدف الحقيقي.
بل نجد الإمام الخميني قدس سره يعتبر أن وضع الشهادة في ميزان الأمور المادية هو إهانة للشهادة. فهي أعلى وأشمخ من أن تقارن بمثل هذه الأمور، يقول قدس سره: "يجب أن يعلم عملاء أمريكا أن الشهادة في سبيل الله لا يمكن أن تقاس بالغلبة أو الهزيمة في ميادين القتال، مقام الشهادة نهاية العبودية والسير والسلوك في العالم المعنوي. لا تحقروا مقام الشهادة لتقابلوها بفتح خرمشهر أو سائر المدن، إنها أوهام القوميين الباطلة"4.
الشهادة فوز ونصر
ما دامت الشهادة تحقق هدف الإنسان الحقيقي فلا يمكنها إلا أن تكون النصر الحقيقي الذي يمكن أن يحصل عليه الإنسان ويحققه.
يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن قُتِلنا أو قَتَلنا فإن الحق معنا. إن قُتلنا فإننا سنقتل في سبيل الحق وهذا هو النصر، أو قَتلنا ففي سبيل الحق وهو النصر أيضاً".
ويقول قدس سره: "هنيئاً لهؤلاء الشهداء ما نالوه من لذّة الأنس، ومجاورة الأنبياء العظام، والأولياء الكرام، وشهداء صدر الإسلام. وأكثر من ذلك هنيئاً لهم بلوغهم نعم الله التي هي (رضوان من الله أكبر)".
هذه الحقيقية التي رفع أمير المؤمنين عليه السلام صوته عالياً بها عندما ضربه ذلك الشقي، ليبقى صدى تلك الصرخة يتردد في آفاق الزمن ليقرع أسماع شيعته ومحبيه ويتعلموا الدرس: "فزت ورب الكعبة"!
الشهادة سعادة
فما دامت الشهادة هي النصر وهي الطريق الذي يحقق الهدف الإلهي لوجود الإنسان على أرض، فليس غريباً على الشهيد أن تطوى لأجله كل العوائق وتزال عن طريق في الدنيا والبرزخ في الآخرة.
فالشهادة هي السعادة الحقيقية للإنسان في كل حياة ينتقل إليها.
يقول الإمام الخميني قدس سره: "كم هم سعداء أولئك الذين يقضون عمراً طويلاً في خدمة الإسلام والمسلمين وينالون في نهاية عمرهم الفيض العظيم الذي يتمناه كل عشاق لقاء المحبوب، كم هم سعداء وعظماء أولئك الذين اهتموا طيلة حياتهم بتهذيب النفس والجهاد الأكبر وفي نهاية أعمارهم التحقوا بركب الشهداء معززين مرفوعي الرأس، كم هم سعداء وفائزون أولئك الذين لم يقعوا في شباك الوساوس النفسية وحبائل الشيطان طيلة أيام حياتهم ـ في بأسائها وضرائها ـ وخرقوا آخر الحجب بينهم وبين المحبوب، وبلِحاهم المخضبة بالدماء التحقوا بركب المجاهدين في سبيل الله تعالى"5.
"لقد نال السعادة أولئك الذين سعوا باختيار منهم وبجهادهم ونضالهم ووقفوا صفاً واحداً أمام الكفر وسلموا أرواحهم لبارئهم وانتقلوا إليه سعداء مرفوعي الرأس"6.
وكلام الإمام الخميني قدس سره هذا يعكس الخط الإسلامي والفهم القرآني الصحيح الذي أشارت إليه الآية الكريمة في وصف الشهداء ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ...﴾7.
فالإنسان المؤمن والعارف بالحقائق، يطمع بمقام الشهادة الرفيع، الذي يرفعه إلى الله تعالى ويوصله إلى السعادة الأبدية والخالدة.
فكيف يمكن الحصول على مقام الشهادة واللحاق بركب الشهادة؟
* الشهادة في فكر الامام الخميني. نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. إعداد: مركز نون للتأليف والترجمة. ص: 19-23.
1- الذاريات:56.
2- صحيفة النور، ج14. ص226.
3- صحيفة النور، ج16، ص58.
4- صحيفة النور، ج29.
5- صحيفة النور، ج17، ص57.
6- صحيفة النور، ج14، ص40.
7- آل عمران:170.