يتم التحميل...

مراسم حج النبي صلى الله عليه وآله

حجة الوداع

انتهت أعمالُ العمرة، وكان النبيُّ صلّى اللّه عليه وآله يكره أن ينزل ويمكثَ في دار أحد في المدة التي بين العمرة والحج؛ ولهذا أمر بأن تُضرب له خيمة خارج مكة.

عدد الزوار: 276

انتهت أعمالُ العمرة، وكان النبيُّ صلّى اللّه عليه وآله يكره أن ينزل ويمكثَ في دار أحد في المدة التي بين العمرة والحج؛ ولهذا أمر بأن تُضرب له خيمة خارج مكة.

لقد حلَّ اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، فخرجَ زوّار بيت اللّه الحرام في ذلك اليوم من مكة إلى أرض عرفات ليقفوا في اليوم التاسع وهو يوم عرفة من ظهر ذلك اليوم وحتى الغروب منه.

وقد قَصَد النبي عرفات أيضاً في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة -الذي يُدعى يوم التروية أيضاً-من طريق منى، وتوقّف في "منى"إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع ثم ركب بعيره، وتوجه نحو عرفات، ونزل في خيمة كانت قد ضربت له في مكان يُدعى "نمره". وقد ألقى في ذلك الاجتماع الهائل خطاباً تاريخياً هاماً وهو على ناقته.

خطابُ النبيّ التاريخي في حجة الوداع

.... في ذلك اليوم الذي كانت عرفات تشهد فيه اجتماعاً عظيماً وحَشداً بشرياً هائلاً، لم يشهد مثله شَعبُ الحجاز من قبل حتى ذلك اليوم، كان نداءُ التوحيد وشعار الإسلام يدوّي في ربوع تلك المنطقة التي كانت فيما مضى من الزمان موطن المشركين ومسكن الوثنيين، ولكنها قد تحولت الآن إلى قاعدة الموحِّدين، وملتقى عباد اللّه المؤمنين.

في هذه المنطقة بالذات أي أرض عرفات نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وصلّى الظهر والعصر وهو يؤُمُّ مئة ألف، ثم خطب فيهم خطابَهُ التاريخيّ وهو راكب على راحلته، وكان أحد أصحابه وكان رفيع الصوت قويه يكرر كلماته صلّى اللّه عليه وآله ليسمعه آخر من في ذلك الحشد.


لقد بدأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ذلك الخطاب هكذ: "أيّها الناسُ اسمَعُوا قَولي واعقلوه، فإني لا أدري لَعلِّي لا ألقاكُم بعدَ عامي هذا بهذا الموقف أبداً.أيُّها الناسُ إنَّ دماءكُم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلَقوا ربَّكُم ".

وتأكيداً لحرمة أموال المسلمين ودمائهم، قال صلّى اللّه عليه وآله لربيعة بن أُمية: "قُل يا أيُّها الناسُ إن رسولَ اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول: هَلاّ تدرون أيّ شهر هذا "؟

فأجابو: الشهرُ الحرام الذي يحرم فيه القتال وإراقة الدماء.فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله لربيعة: "قُل لَهُم: إن اللّه قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تَلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا ".

ثم قال صلّى اللّه عليه وآله لربيعة: "قل: يا أيُّها الناسُ إن رسول اللّه يقول هل تدرون أيّ بَلد هذا؟ "

فأجابوا جميع: البلدُ الحرام، الذي يحرُم فيه القتال والعدوان.فقال رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله لربيعة: "قل لَهُم: إن اللّه قد حَرَّم عليكُم دماءكم وأموالكم إلى أن تَلقوا ربّكم كحرمة بلدكم هذا ".

ثم قال صلّى اللّه عليه وآله لربيعة: "قُل لهم: هل تَدرُون أي يوم هذا؟ "

فأجابوا بأجمعهم: يوم الحج الأكبر.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لربيعة: "قُل لَهُم: إنّ اللّه قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربَّكم كحرمة يومكم هذا. أيَّها الناس: إن كل دم كان في الجاهلية موضوع، وإن أول دمائكم أضعُ دم ابن ربيعة بن الحارث وكان من أقرباء النبي".

وهكذا ألغى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عادة الثارات الجاهلية المشؤومة وبدأ بأقربائه. ثم قال صلّى اللّه عليه وآله: "إنّكُم ستَلقونَ ربَّكُم فيسألُكم عَن أعمالكم وَقَد بلّغتُ فَمَن كانت عندَه أمانة فليؤدِّها إلى من ائتمنَهُ عليها.

أيّها الناسُ إنَّ كل رباً موضوع ولكن لكم رؤوسُ أموالكم لا تَظلِمُونَ ولا تُظلَمون وإنَّ ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كلُّه. أيها الناس إن الشيطان قد يئس مِن أن يُعبَد بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يُطَع فيما سوى ذلك فقد رضيَ به ممّا تحقرون من أعمالِكُم أو رضي منكُم بمحقَّرات الأعمال، فاحذرُوه على دينكم.

أيّها الناس إنَ النسيء زيادة في الكفر يُضلّ به الذين كَفَروا يُحلّونه عاماً ويحرِّمونَهُ عاماً ليواطِئُوا عِدَّة ما حرّم اللّه فَيحلّوا ما حرّم اللّه ويُحرّموا ما أحلَّ اللّه وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السماوات والأَرض وإن عدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرُم، ثلاثة متوالية -ذو القِعدة وذو الحجة وشهر المحرم ورجب.

أيّها الناس إن لكم على نسائكم حَقاً ولهنّ عليكم حق: لكم عليهن أن لا يوطئن فُرشَكُم أحداً تكرهونه -أي لا تضيِّفن في بيوتكم من تكرهونه. وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبيّنة فإن فعلنَ فان اللّه قد أذن لكم أن تهجُروهنَّ في المضاجع، وتضربُوهُنَّ ضرباً غير مبرَّح، فإن انتهين فلَهُنَّ رزقُهُنَّ وكسوتُهنَ بالمعروف واستَوصُوا بالنساء خيراً فإنَّهنَ عندكم عَوان لا يملكن لأنفسهنَّ شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهُن بأمانة اللّه واستحللتم فروجَهُنَّ بكلمات اللّه فاعقلوا أيها الناسُ قولي فإني قد بلّغتُ وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبداً أمراً بَيِّناً كتاب اللّه وسنة نبيّهِ.

أيها الناس اسمَعوا قولي واعقلوه تَعلَّمُن أنّ كل مسلم أخ للمسلم وإنَّ المسلمين إخوة فلا يحلُّ لامرئ من أخيه إلا ما أعطاهُ عن طِيب نفس منهُ فلا تظلُمُنَّ أنفسكُم ألا فَليبلّغ شاهُدكم غائبكم لا نبيّ بعدي ولا أُمّة بَعدكُم ".


وهنا قطعَ النبي صلّى اللّه عليه وآله خطابه، ورفع سبّابَتهُ نحو السماء كعلامة على الشهادة وهو ينكتها إلى الناس وقال: "اللَّهم اشهَد اللّهم اشهَد اللّهم اشهَد ".

ولقد مكث رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله في عرفات حتى غروب اليوم التاسع، وعندما اختفى قرصُ الشمس عن الأُفق، واظلمَّ الفضاء بعض الشيء ركبَ ناقته، وأفاضَ إلى المزدلفة وأمضى فيها شطراً من الليل ولم يزل واقفاً من الفجر إلى طلوع الشمس في المشعر، ثم توجَّه في اليوم العاشر إلى "منى"وأدّى مناسكها من رمي الجمار والذبح والتقصير ثم توجَّه نحو مكة لأداء بقية مناسك الحج.


*راجع: سيد المرسلين، الشيخ جعفر الهادي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، قم/إيران، 1422هـ، ج2، ص633-637.

2012-10-19