الشفاعة
بحوث عامة
الشَّفاعةُ في اللغة: كلام الشَّفِيعِ لِلْمَلِكِ في حاجة يسأَلُها لغيره. وشَفَعَ إِليه: في معنى طَلَبَ إِليه. والشَّافِعُ: الطالب لغيره يَتَشَفَّعُ به إِلى المطلوب، يقال: تَشَفَّعْتُ بفلان إِلى فلان فَشَفَّعَنِي فيهِ واسم الطالب شَفِيوالمُشَفِّعُ: الذي يَقْبَل الشفاعةِ والمُشَفَّعُ: الذي تُقْبَل شَفَاعَتُه1.
عدد الزوار: 779
ما هي الشفاعة؟
الشَّفاعةُ في اللغة: كلام الشَّفِيعِ لِلْمَلِكِ في حاجة يسأَلُها لغيره. وشَفَعَ إِليه: في معنى طَلَبَ إِليه. والشَّافِعُ: الطالب لغيره يَتَشَفَّعُ به إِلى المطلوب، يقال: تَشَفَّعْتُ بفلان إِلى فلان فَشَفَّعَنِي فيهِ واسم الطالب شَفِيوالمُشَفِّعُ: الذي يَقْبَل الشفاعةِ والمُشَفَّعُ: الذي تُقْبَل شَفَاعَتُه1.
والمراد من الشفاعة هنا هو طلب الشفيع من الله كي يغفر الله ذنوب شخص معين ويدخله الجنة، فهي في الحقيقة باب من أبواب رحمة الله تعالى، جعله من خلال هذا الشفيع المتمثل بالرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام وغيرهم ممن يأذن له الله تعالى بذلك، لأجل تكريمهم وإظهار علو شأنهم ومقامهم.
يقول الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم صلى الله عليه وآله:
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً﴾2.
وقد فسرت الروايات المقام المحمود بالشفاعة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله:
"إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثي، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان! اشفع، يا فلان! اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد: فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود"3.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله:
"إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي فيشفعني الله فيهم"4.
والشفاعة كما ذكرنا هي باب من أبواب رحمة الله تعالى فهي لا تكون إلا بإذنه وإرادته:
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾5.
ويقول في آية أخرى:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾6.
ما هو الدليل على الشفاعة؟
إن الشفاعة من المسائل الواضحة والتي ذكرت في القرآن الكريم، يدل على ثبوتها العديد من آيات الكتاب والأحاديث المروية عن المعصومين عليهم السلام، وسنستعرض، فيما يلي بعضا منها:
الآيات القرآنية:
بالإضافة إلى ما مر معنا من الآيات السابقة قوله تعالى:
﴿يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾7.
فهي تدل على أن الشفاعة موجودة بالأصل إلا أنها مشروطة بمن أذن الله تعالى له فيها.
قوله تعالى:
﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾8.
وقد فسرت الروايات هذا العطاء من الله للنبي صلى الله عليه وآله بالشفاعة ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى:
﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾9.
"الشفاعة، والله الشفاعة، والله الشفاعة"10.
الأحاديث الشريفة:
منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
"لأشفعن يوم القيامة لمن كان في قلبه جناح بعوضة إيمان"11.
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله:
"يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا"12.
وفي رواية ثالثة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله:
"لكل نبي دعوة قد دعا بها وقد سأل سؤلا، وقد خبأت دعوتي لشفاعتي لأمتي يوم القيامة"13.
وعنه صلى الله عليه وآله:
"إني أشفَّع يوم القيامة فأشفع، ويشفَّع علي فيشفع ويشفَّع أهل بيتي فيشفعون"14.
من هم الشفعاء؟
لقد أكرم الله سبحانه وتعالى بعضا من عباده، حينما وجد منهم خُلقا رفيعاً ونفسا طاهرة، بأن شفعهم في ذنوب العباد ومن الذين ذكرت الروايات أن لهم الشفاعة بالإضافة إلى النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام الذين مرت الروايات في شفاعتهم:
1- الأنبياء عامة:
ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله:
"ثلاثة يشفعون إلى الله عز وجل فيشفعهم: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء15.
2- العلماء:
حيث ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام:
"إذا كان يوم القيامة... قيل للعابد: انطلق إلى الجنة، وقيل للعالم: قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم"16.
3- الشهداء:
فإن للشهداء منزلة عظيمة عند الله تعالى وقد وردعن رسول الله صلى الله عليه وآله:
"الشهيد يغفر له في أول كل دفقة من دمه، ويزوج حوراوين ويشفع في سبعين من أهل بيته"17.
وفي رواية أخرى عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قال:
يحمل الناس على الصراط يوم القيامة فيتقاذع بهم جنبتا الصراط تقاذع الفراش في النار: ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء والصالحين فيشفعون، ويخرجون فيشفعون ويرجون فيشفعون فيجابون"18.
4- الإنسان المؤمن:
المخلص في تقواه وإيمانه، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام:
"المؤمن مؤمنان: فمؤمن صدق بعهد الله ووفى بشرطه، وذلك قول الله عز وجل: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾19 فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة، وذلك ممن يشفع ولا يشفع له، ومؤمن كخامة الزرع، تعوج أحيانا وتقوم أحيانا، فذلك ممن تصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة، وذلك ممن يشفع له ولا يشفع"20.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:
"يا فضل إنما سمي المؤمن مؤمنا لأنه يؤمن على الله فيجيز الله أمانه، ثم قال: أما سمعت الله يقول في أعدائكم إذا رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم"21.
من الذي تناله الشفاعة؟
هناك صفات لا بد أن تتوفر في الإنسان حتى تشمله الشفاعة، وهي بحسب المستفاد من الروايات ما يلي:
1- صحة العقيدة:
فإن إنكار أصول الدين يمنع من نيل الشفاعة في الآخرة، يقول تعالى:
﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِين * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾22. فهذه الآية الكريمة تشير إلى شرط التوحيد.
وفي آية أخرى:
﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾23.
وهي كذلك لا تنال الغلاة كما في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله:
"رجلان لا تنالهما شفاعتي: صاحب سلطان عسوف غشوم، وغال في الدين مارق"24.
2- عدم الاستخفاف بالصلاة:
في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله:
"لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته، ولا يرد علي الحوض لا والله"25.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام لما أمر باجتماع قرابته حوله وقد حضرته الوفاة قال لهم:
"إن شفاعتنا لن تنال مستخفا بالصلاة"26.
فالصلاة هي عمود الدين وإذا ضيعها الإنسان واستخف بها، لن يكون ممن تناله الشفاعة.
أيها المؤمن لا تغتر:
إن وجود الشفاعة لا تسوغ للإنسان الوقوع في معصية الله أو التهاون في أداء الطاعات اتكالا منه على الشفاعة، فإن الشفاعة لا تنال إلا من رضي الله عنه وأذن بالشفاعة له، ومعاندة الرحمن تستجلب النقمة فصحيح أنه رحمن رحيم ولكنه شديد العقاب أيضاً.
وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام:
"اعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه"27.
ولا ينسجم طلب الرضا مع تعمد المعصية ومعاندة الحكم الشرعي.
ولا بد للمؤمن الذي يقع في المعصية أن يبادر إلى التوبة قبل حلول الأجل فالتوبة هي باب الرحمة المفتوح على مصراعيه والمضمونة نتائجه ولا يستسلم لتسويلات النفس الأمارة بالسوء وليتذكر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
"لا شفيع أنجح من التوبة"28.
*معرفة أهل البيت، سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2004م، ص79-87.
1- لسان العرب، لابن منظور، ج8، ص143.
2- الإسراء:79
3- كنز العمال، المتقي الهندي، ج14، ص39.
4- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1471.
5- البقرة:255
6- يونس:3
7- طه:109
8- الضحى:5
9- الضحى:5
10- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج8، ص57.
11- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1471.
12- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1471.
13- الخصال، الشيخ الصدوق، ص29.
14- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج8، ص30.
15- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج8، ص56.
16- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج8، ص56.
17- شفاعة الملائكة والأنبياء عليهم السلام والعلماء والشهداء، مركز المصطفى صلى الله عليه وآله، ص19.
18- شفاعة الملائكة والأنبياء عليهم السلام والعلماء والشهداء، مركز المصطفى صلى الله عليه وآله، ص12.
19- الأحزاب:23
20- الكافي، للشيخ الكليني، ج2، ص248.
21- الشعراء:97-100
22- المدثر:46-48
23- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج8، ص53.
24- الخصار، للشيخ الصدوق، ص63.
25- الكافي، للشيخ الكليني، ج6، ص400.
26- وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج4، ص27.
27- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1471.
28- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج8، ص5.