يتم التحميل...

مقاصد القرآن_2

مفاهيم قرآنية

لقد عرض القرآن الكريم بالإضافة إلى مطالب العقيدة الخطوط العامة للشريعة المطهرة واحتوى على أمهات المطالب الأخلاقية والسلوكية فهناك حديث عن الأخلاق الإيمانية التي ينبغي التخلّق بها بدلاً من الأخلاق الجاهلية التي ينبغي نبذها، وغير ذلك وفي ما يلي بعض الحديث عن تلك المقاصد.

عدد الزوار: 25

لقد عرض القرآن الكريم بالإضافة إلى مطالب العقيدة الخطوط العامة للشريعة المطهرة واحتوى على أمهات المطالب الأخلاقية والسلوكية فهناك حديث عن الأخلاق الإيمانية التي ينبغي التخلّق بها بدلاً من الأخلاق الجاهلية التي ينبغي نبذها، وغير ذلك وفي ما يلي بعض الحديث عن تلك المقاصد.

الخطوط العامة للشريعة المطهرة في القرآن

إن التغيير الجذري الذي استهدفه القرآن الكريم لإنسان الجاهلية ومن ورائه مطلق إنسان، لم ينحصر في البعد العقيدي فقط بل استهدف سلوكه وعلاقته بربه والإنسان الآخر والطبيعة، لذلك كان كتاب اللَّه هو الذي رسم للإنسان خط السير والمنهج بما اشتمل عليه من شريعة وحكمة، كما أن الإنسان الذي حكم عقله بضرورة شكر الخالق على نعمه وبضرورة عبادته وإطاعته، كان لا بد لهذا الكتاب أن يبيّن لهذا الإنسان الذي لم يهتد بعقله إلى هذا، كيف يطيع اللَّه وما الذي يوجب محبته وقربه وما يوجب البعد والنأي عنه لذا اشتمل القرآن على بيان طرق عبادته تعالى العبادة الحقة ومصاديق ذلك كما اشتمل على الأحكام من الحلال والحرام، كل ذلك ليكون الإنسان على بيّنة من ربّه ولينال طرفي النجاة الإيمان والعمل الصالح يوم:
﴿لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا 1.

كما أنه بهذه الشريعة تستقيم حياة البشر ويسودها العدل لذا لم تدع الشريعة مجالاً من مجالات الحياة إلا وكان لها فيه حكم.

فالقرآن الكريم تحدث عن الإنسان وقرر مساواة النساء بالرجال في ما هو من خصائص الإنسانية واستوصى بالأيتام خيراً:
﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ .

وتقرير حق الميراث للرجل والمرأة:
﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ.

ودعا إلى نبذ العادات السيئة والظالمة كوأد البنات، وقتل الأبرياء:
﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.

وأحلّ الطيبات وحرّم الخبائث وغير ذلك كثير مما لا يسع الحديث عنه.

وقد راعى القرآن في نظامه وتشريعه مصالح البشرية، وجارى العقلاء فيما جروا عليه في معاملاتهم في حدود منفعتهم الاجتماعية والعامة، وحارب كل مظاهر الفساد والانحراف الاجتماعي.

وأمر الناس بسلوك الجادة الوسطى وتخير العدل:
﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى 2.

إلى ما هناك من نظم وقوانين صرح بها القرآن مما لا مجال لذكره في هذه العجلة.

يقول الإمام الخميني رحمهم الله:
"ومن مطالب القرآن الشريف بيان قوانين ظاهر الشريعة والآداب والسنن الإلهية.
53
وقد ذكرت كلياتها ومهماتها في هذا الكتاب النوراني والعمدة في هذا القسم الدعوة إلى أصول المطالب وضوابطها مثل باب الصلاة والزكاة والخمس والحج والصوم والجهاد والنكاح والإرث والقصاص والحدود والتجارة وأمثالها

وحيث أن هذا القسم وهو علم ظاهر الشريعة عام المنفعة ومجعول لجميع الطبقات من حيث تعمير الدنيا والآخرة، وتستفيد كل طبقات الناس منه بمقدارها، فالدعوة إليه كثيرة لهذه الجهة.

وفي الأحاديث الشريفة والأخبار أيضاً خصوصياته وتفاصيله إلى حد وافر، وتصانيف علماء الشيعة في هذا القسم أكثر وأعلى من سائر الأقسام" 3.

الأخلاقيات الإيمانية في القرآن

موضوع آخر من موضوعات القرآن الكريم ومقصد من مقاصده هو الأخلاقيات الإيمانية وما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون بوحي من إيمانهم، في مقابل ما هم عليه الكافرون والفاسقون بوحي من ضلالهم.

يقول الإمام الخميني رحمهم الله:
"ومن مقاصده ومطالبه الدعوة إلى تهذيب النفوس وتطهير البواطن من أرجاس الطبيعة وتحصيل السعادة. وبالجملة كيفية السير والسلوك إلى اللَّه، وهذا المطلب الشريف منقسم إلى شعبتين مهمتين: إحداهما: التقوى بجميع مراتبها المندرجة فيها التقوى عن غير الحق والإعراض المطلق عما سوى اللَّه. وثانيهما: الإيمان بتمام المراتب والشؤون المندرجة في الاقبال إلى الحق، والرجوع والإنابة إلى ذاته المقدسة، وهذا من المقاصد المهمة لهذا الكتاب الشريف وأكثر مطالبه ترجع إلى هذا المطلب إما بلا واسطة أو مع الواسطة" 4.
54

والأخلاق ليست شيئاً ثانوياً في هذا الدين، كما أنها شاملة للسلوك البشري كلّه ولا يوجد عمل واحد يخرج عن دائرة الأخلاق فالصلاة لها أخلاق هي الخشوع والكلام له أخلاق وهو الإعراض عن اللغو، والتعامل مع الآخرين له أخلاق هي الوفاء والصدق ورعاية العهد.

والرسول صلى الله عليه وعلى آله قال تعالى فيه:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.

ولكنه أيضاً الخلق من خصوصيات الإيمان ومقتضياته.

وقد عني القرآن بإبراز الجانب السلوكي الأخلاقي للعقيدة المنحرفة قال تعالى:
﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ 5.

يقابل ذلك إبراز السلوك الأخلاقي الصحيح المصاحب للعقيدة الصحيحة.
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا 6.

فالقرآن هو مفتاح سعادة الإنسان وباب فلاحه:
﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لِتَشْقَى.

وهو شفاء ورحمة لكل من تمسك به، وفي ما يلي نماذج من ايات القرآن تكشف عن عمق معانيه ودقة أفكاره في مجال نظام السير والسلوك إلى اللَّه تعالى:

العلاقة مع اللَّه

فالقرآن الكريم يوثّق الإيمان في القلب ويربط ذلك القلب باللَّه في جميع أحواله لأنه يربط الأحوال كلها والوجود كله باللَّه: فالمولد والممات بيد اللَّه، والرزق بيد اللَّه بجميع ألوانه وأشكاله، وبيده الضر والنفع، ثم البعث والحساب والثواب والعقاب كلها بيد اللَّه.

فاللَّه تعالى في كتابه يعرّفنا بنفسه لنعرفه كيف ينبغي لجلال وجهه.

فهو يعرفنا بأنه "سميع بصير".

وأنه "يعلم السرّ وأخفى" 7.

وأنه "ما يكون من نجوى ثلاث إلا هو رابعهم.."8.

ليولد في قلوبنا ذلك الإحساس برقابة اللَّه، فنحرص على نقاوة أعمالنا ومشاعرنا.

ويعرفنا بأن "له مقاليد السماوات والأرض"9.

وأنه بيده "ملكوت كل شي‏ء".

لنتطلع إليه وحده في السرّاء والضراء، ولنواجه المصاعب والشدائد بالصبر والتعلق به وبفرجه المنزل من عنده.

ويعرفنا بأنه "الرزاق ذو القوة المتين" 10.

وأنه "يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" 11.

يعلمنا بذلك لا يشغلنا القلق على الرزق وإن البشر ليسوا هم من يتصرفون في أرزاقنا، بل ذلك كله بيده وحده وكذلك يعرفنا بأنه هو الذي يحيي ويميت، وليس هذا شأن فحسب بل هو بعدُ ملك ومالك يوم الدين.

هذا ما تقرره هذه الآيات وآيات أخرى ليعيش القلب آفاق معرفة اللَّه تعالى ومنهجاً وسلوكاً، فيعيش حياته كلها مع اللَّه.

العلاقة مع الآخر

وكما عُني القرآن بإبراز الجانب السلوكي الأخلاقي للعقيدة المنحرفة فيندّد به كذلك أولى عناية واضحة بإبراز السلوك الأخلاقي الصحيح وأفق التعاطي الصحيح مع الآخرين.

﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور 12.

﴿لَا ينْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين 13.

الاستقامة

ويمكن بحق أن نلخص مبادى‏ء الإسلام كلها بكلمة الاستقامة، فإنها الكلمة الشاملة للاستقامة في العقيدة بما فيها التوحيد عن الشبيه، والاستقامة في الأعمال والأخلاق وجميع التعاليم.

ومعنى الاستقامة هو أن نقف عند حدود اللَّه ولا ننحرف عن الحق إلى الباطل وعن الهداية إلى الضلال أن نسير بعقيدتنا وأقوالنا وأفعالنا على الصراط المستقيم، وقد سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وعلى آله أن يقول في الإسلام قولاً لا يسأل عنه أحداً بعده فقال صلى الله عليه وعلى آله:
"قل آمنت باللَّه ثم استقم".

﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم 14.

﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ 15.

﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 16.

﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 17.

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين 18.

﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا19.

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا 20.

*دروس قرآنية، سلسلة المعارف الاسلامية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: 6، آب 2009م- 1430ه. ص: 52-57.


1- الأنعام:158.
2- النحل:90.
3- القران الثقل الأكبر، ص44.
4- م.ن. ص40 39.
5- القلم:16 9.
6- الفرقان:63.
7- طه:7.
8- المجادلة:7.
9- الزمر:63.
10- الذاريات:58.
11- الرعد:26.
12- الشورى:43 40.
13- الممتحنة:8.
14- الملك:22.
15- هود:112.
16- الأنعام:79.
17- الأنعام:162.
18- الفاتحة:5.
19- الكهف:110.
20- الواقعة:69.

2010-06-09