يتم التحميل...

مقاصد القرآن_1

مفاهيم قرآنية

لقد تضمّن القرآن الكريم المقاصد الإيمانية الكاملة والحقائق الضرورية لكمال الإنسان ورقيه ووصوله إلى مقام القرب الإلهي. قال تعالى:"إِنَّ هَذَا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" 1.

عدد الزوار: 32

لقد تضمّن القرآن الكريم المقاصد الإيمانية الكاملة والحقائق الضرورية لكمال الإنسان ورقيه ووصوله إلى مقام القرب الإلهي.

قال تعالى:
﴿إِنَّ هَذَا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ 1.

وفي ما يلي نذكر بعضاً من مقاصد القرآن العليا ومضامينه الراقية.

معرفة اللَّه

إن قضية الألوهية هي الموضوع الرئيسي في العقيدة وتشمل الحيّز الأكبر من الكتاب.

وما نزل القرآن ليقول للناس إن هناك إلهاً فإنهم يعرفون ذلك بغير قران.

يقول تعالى:
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ 2.

ولا ليقول للناس إن هناك إلهاً فاعبدوه فهم يعرفون ذلك ويقومون بالعبادة من ذات أنفسهم وبالطريقة التي يريدون.

﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى.. 3.

فمشكلة البشرية لم تكن أنهم لا يعرفون وجود اللَّه ولا يعبدونه فإن الفطرة البشرية تتجه إلى اللَّه من تلقاء نفسها بغير كتاب منزل ولا رسول مرسل، إنما مشكلتهم أنهم لا يعرفونه المعرفة الحقة ومن ثم لا يعبدونه كما ينبغي له العبادة.
﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ 4.

فأصبح الإله مساوقاً للبشر في صفات النقص والضعف، لذا كان لا بد من تصحيح الخطأ وبيان الصواب.

من هنا، حفل القرآن الكريم ببيان المعارف الإلهية الحقة، ودعا إلى توحيد اللَّه تعالى بما يليق بذاته وصفاته وأفعاله.

ففي مقام توحيد الذات نجد قوله تعالى:
﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ 5.

وقوله تعالى:
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ6.

وقوله تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ 7.

وينفي وجود الشريك، قال تعالى:
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا 8.

﴿قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً9.

وفي مقام بيان الصفات نجد قوله تعالى:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى...10.

وفي مقام توحيد الأفعال نجد قوله تعالى:
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى 11.

وقوله تعالى:
﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ 12.

الإحتجاجات الإلهية

يستعين القرآن الكريم في إبلاغ رسالته بلغتين هما لغة الإستدلال المنطقي، ولغة الإحساس، الأولى تخاطب العقل والأخرى تخاطب القلب، بالنسبة للعقل فقد اعتبره القرآن والإسلام حجة وسنداً ودعا إلى إعماله والإستفادة منه، كما ذم من عطّله ولم يهتد بهداه.

قال تعالى:
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ 13.

وانسجاماً مع ذلك فقد سلك القرآن الكريم في إثبات معارفه وما يدعو إليه مسلك العقل ونهجه فأقام الدلائل والبراهين على مدّعياته، وليس هذا فحسب بل طلب من الاخرين استدلالاً عقلياً فقال:
﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 14.

وفي الوقت الذي يدعو فيه القرآن إلى إعمال العقل يبيّن موانع إصابة العقل للحق والصواب كاتباع الظن، وتقليد الاباء واتباع الهوى.

قال تعالى:
﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ15.

فالقرآن لم يدع الإنسان إلى الإيمان بغير دليل بل ساق أدلة برهانية عقلية وأخرى وجدانية، وخاطب الفطرة الإنسانية.

ومن نماذج إقامة البراهين العقلية قوله تعالى:
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ 16.

يستدل القرآن على وجود اللَّه تعالى من خلال البديهيات التالية:
الإنسان موجود حي "بالحس والوجدان".

الإنسان لم يخلق من عدم "لأن الوجود من العدم محال".

الإنسان لم يخلق نفسه "لأنه لو أوجد نفسه لاستغنى بوجوده عن ايجاده".

فلا بد من خالق حي17.

ومن نماذج مخاطبة القلب قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام:
﴿قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ18.

حيث يستثير وجدانهم ليتفكروا كيف يمكن لهؤلاء أن يكونوا الهة وهم لا ينفعون لا يضرون.

وأمثال ذلك مما فيه توجيه للفطرة المركوزة في جبلة الإنسان كثير، كقوله تعالى:
﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ 19.

وقوله:
﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ 20.


معرفة الأنبياء والاعتبار من قصصهم

قصص الأنبياء عليه السلام
﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ 21.

استعمل القرآن الكريم الأسلوب القصصي في تبليغ المفاهيم والعبر والمقاصد، لما لهذا الأسلوب من أثر كبير في القلوب وكرر قصص الأنبياء السابقين ليؤكد أنهم جاؤوا بكلمة واحدة كرروها جميعاً في نداءاتهم للبشرية وهي لا إله إلا اللَّه، وأن أعبدوا اللَّه ما لكم من إله غيره.

قال تعالى:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ... ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ 22.

ويشكل القصص القرآني جانباً هاماً من النص القرآني حتى ورد في بعض الأحاديث أنها ثلث القرآن وتتركز بشكل أساس في السور المكية التي حمل بعضها اسم واحد من الأنبياء ك يونس وإبراهيم وهود وغيرها وهذا الاستخدام الواسع لأسلوب القصة يفيد بوضوح أن القصة القرآنية لها مدخلية مهمة في تحقيق الأغراض والأهداف القرآنية.

وعن ذلك يقول الإمام الخميني رحمهم الله:
"فرب نفوس لا تكون حاضرة لأخذ التعاليم بصراحة اللهجة وإلقاء أصل المطلوب بشكل ساذج ولا تتأثر بهذا النحو.

ورب نفوس لا شغل لها بالقصص والحكايات والتواريخ وإنما علاقتها بلب المطلب ولباب المقاصد ورب قلوب تتناسب مع التخويف والإنذار وقلوب لها الإلفة مع الوعد والتبشير"23.

كما أن القصة في القرآن لا تخلو من نكات بلاغية، وقيمة تاريخية، ولمسات أدبية فنية ودروس مستفادة، ومعاينة القدوة في سلوكه ومواقفه وبيان تجارب الآخرين وغير ذلك.

يقول الإمام الخميني رحمهم الله في هذا الأمر:
"ومن مقاصد هذه الصحيفة النورانية قصص الأنبياء والأولياء والحكماء، وكيفية تربية الحق إياهم، وتربيتهم الخلق. فإن في تلك القصص فوائد لا تحصى وتعليمات كثيرة.. ففي قصة خلق ادم عليه السلام والأمر بسجود الملائكة، وتعليمه الأسماء وقضايا إبليس وادم التي كرر ذكرها في كتاب اللَّه من التعليم والتربية والمعارف والمعالم لمن كان "له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد" 24 ما يحيّر الإنسان.. فليس هذا الكتاب كتاب قصة وتاريخ بل هو كتاب السير والسلوك إلى اللَّه، وكتاب التوحيد والمعارف والمواعظ والحكم" 25.

كما أن من الظواهر التي تلفت النظر في القرآن ظاهرة التكرار في القصص وغيرها حيث نجد الحديث عن نبي واحد في أكثر من ، ويبدو ذلك جلياً في الحديث عن نبي اللَّه موسى عليه السلام، وحين ننظر إلى القرآن على أنه كتاب هداية وتربية لهذه الأمة والبشرية، تتوضح لدينا حكمة ذلك لأن التربية تحتاج إلى التذكير الدائم، وليست التربية كلاماً يقال مرة وكفى قال تعالى:
﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ 26.

معرفة المعاد وبيان أحواله

هناك جانب آخر أخذ حيزاً هاماً من مطالب ومضمون النص القرآني وهو مسألة الإيمان باليوم الآخر وإقامة الأدلة والبراهين على إثباته.

حتى أن القرآن الكريم يلحق مسألة الإيمان باليوم الآخر في كثير من المواضع بالإيمان باللَّه مباشرة إثباتاً ونفياً فيصف المؤمنين بأنهم هم الذين يؤمنون باللَّه واليوم الاخر ويصف الكافرين بأنهم لا يؤمنون باللَّه ولا باليوم الآخر.

والقرآن في حديثه المستفيض عن المعاد أراد إثباته أولاً للجاحدين به والمنكرين للبعث والحساب، فساق الأدلة النظرية والبراهين العقلية وأتبعها بأمور وجدانية يراها الإنسان بأم عينه.

﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوج27.

ثم ببيان حوادث جربت في التاريخ وأورد قصتها القرآن لمزيد يقين كقصة أصحاب الكهف وعزير الذي أماته اللَّه مائة عام ثم بعثه.

ولئن كان للحديث عن البعث والحساب بعض أسبابه التي تعود إلى إنكار العرب الباتّ للبعث، ولكن بعضه الآخر كان لضرورة ترسيخ هذه العقيدة في نفوس المؤمنين لما لها من تأثير بالغ في سلوك الإنسان فإنه لا شي‏ء يمكن أن يدفع الإنسان للتنازل عن المتاع الزائد على الحدّ المدفوع إليه بغريزته والإلتزام بالحدود التي رسمها اللَّه إلا الإيمان الجازم بأن ما يتركه في الدنيا طاعة للَّه يلقاه في الآخرة مضاعفاً، ولا يزول أبداً.

ويغدو حديث القرآن عن الآخرة بمثابة شريط حافل بالمشاهد الحيّة حتى لكأن الإنسان يخيل إليه أنه يراها عياناً وليست حديثاً عن المستقبل. إنه شريط يجمع بين مشاهد العذاب ومشاهد النعيم ليختار الإنسان أيهما شاء.

قال تعالى:
﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ *وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ً * عُرُبًا أَتْرَابًا* لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ* ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ * وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ 28.

* دروس قرآنية. سلسلة المعارف الاسلامية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: 6، آب 2009م- 1430ه. ص: 45-50.


1- الإسراء:9.
2- لقمان:25.
3- الزمر:3.
4- الأنعام:91.
5- الحديد:3.
6- النور:35.
7- الزخرف:84.
8- الأنبياء:22.
9- الإسراء:42.
10- الحشر:23 22.
11- الأنفال:17.
12- الحشر:24.
13- الأنفال:22.
14- البقرة:111.
15- النجم:23.
16- الطور:35.
17- انظر موجز علوم القران، داود العطار، ص63.
18- إبراهيم:72 71.
19- الواقعة:59 58.
20- الواقعة:64 63.
21- يوسف:111.
22- الأعراف:59 58.
23- الاداب المعنوية لقراءة القران الكريم، ص39.
24- ق:37.
25- القران الثقل الأكبر، ص40.
26- الذاريات:55.
27- ق:11 9.
28- الواقعة:44 27.

2010-06-09