يتم التحميل...

في معجزة الأنبياء

القرآن معجزة النبي (ص)

نعتقد: أنّه تعالى إذ ينصّب لخلقه هادياً ورسولاً لابدّ أن يعرِّفهم بشخصه، ويرشدهم إليه بالخصوص على وجه التعيين، وذلك منحصر بأن ينصب على رسالته دليلاً وحجّة يقيمها لهم، إتماماً للّطف، واستكمالاً للرحمة.وذلك الدليل لابدّ أن يكون من نوع لا يصدر إلاّ من خالق الكائنات ومدبر الموجودات...

عدد الزوار: 357

عقيدتنا في معجزة الأنبياء
نعتقد: أنّه تعالى إذ ينصّب لخلقه هادياً ورسولاً لابدّ أن يعرِّفهم بشخصه، ويرشدهم إليه بالخصوص على وجه التعيين، وذلك منحصر بأن ينصب على رسالته دليلاً وحجّة يقيمها لهم، إتماماً للّطف، واستكمالاً للرحمة.

وذلك الدليل لابدّ أن يكون من نوع لا يصدر إلاّ من خالق الكائنات ومدبر الموجودات، أي: فوق مستوى مقدور البشر، فيجريه على يدي ذلك الرسول الهادي، ليكون معرِّفاً به ومرشداً إليه، وذلك الدليل هو المسمى بالمعجز أو المعجزة، لأنه يكون على وجه يعجز البشر عن مجاراته والإتيان بمثله.

وكما أنّه لابد للنبي من معجزة يظهر بها للناس لإقامة الحجة عليهم، فلابد أن تكون تلك المعجزة ظاهرة الإعجاز بين الناس على وجه يعجز عنها العلماء وأهل الفن في وقته، فضلاً عن غيرهم من سائر الناس، مع اقتران تلك المعجزة بدعوى النبوّة منه، لتكون دليلاً على مدّعاه، وحجة بين يديه، فإذا عجز عنها أمثال أولئك عُلم أنّها فوق مقدور البشر وخارقة للعادة، فيعلم أنّ صاحبها فوق مستوى البشر، بما له من ذلك الاتصال الروحي بمدبّر الكائنات.

وإذا تمَّ ذلك لشخص من ظهور المعجز الخارق للعادة، وادّعى ـ مع ذلك ـ النبوة والرسالة، يكون حينئذ موضعاً لتصديق الناس بدعواه والإيمان برسالته والخضوع لقوله وأمره، فيؤمن به من يؤمن ويكفر به من يكفر.

ولأجل هذا وجدنا أنّ معجزة كل نبي تناسب ما يشتهر في عصره من العلوم والفنون، فكانت معجزة موسى عليه السلام هي العصا التي تلقف السحر وما يأفكون، إذ كان السحر في عصره فنّاً شائعاً، فلما جاءت العصا بطل ما كانوا يعملون، وعلموا أنّها فوق مقدورهم وأعلى من فنّهم، وأنّها ممّا يعجز عن مثله البشر ويتضاءل عندها الفن والعلم.

وكذلك كانت معجزة عيسى عليه السلام، وهي إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، إذ جاءت في وقت كان فن الطب هو السائد بين الناس، وفيه علماء وأطباء لهم المكانة العليا، فعجز علمهم عن مجاراة ما جاء به عيسى عليه السلام.

ومعجزة نبيّنا الخالدة هي القرآن الكريم، المعجز ببلاغته وفصاحته، في وقت كان فن البلاغة معروفاً، وكان البلغاء هم المقدّمون عند الناس بحسن بيانهم وسموِّ فصاحتهم، فجاء القرآن كالصاعقة، أذلّهم وأدهشهم، وأفهمهم أنّهم لا قِبَل لهم له، فخنعوا له مهطعين عندما عجزوا عن مجاراته وقصروا عن اللحاق بغباره.

ويدلّ على عجزهم أنّه تحدّاهم بإتيان عشر سور مثله فلم يقدروا، ثمّ تحدّاهم أن يأتوا بسورة من مثله فنكصوا، ولما علمنا عجزهم عن مجاراته مع تحدّيه لهم، وعلمنا لجوءهم إلى المقاومة بالسنان دون اللسان، علمنا أنّ القرآن من نوع المعجز، وقد جاء به محمّد بن عبد الله مقروناً بدعوى الرسالة.
فعلمنا أنّه رسول الله، جاء بالحق وصدق به، صلّى الله عليه وآله.

*عقائد الامامية، الشيخ محمد رضا المظفر، ص: 53-54.

2010-02-28