النبوة ولطف الله
مباحث النبوة العامة
أنّ النبوّة وظيفة إلهية وسفارة ربّانية، يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في إنسانيّتهم، فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية إرشادهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة، لغرض تنزيههم وتزكيتهم من درن مساوئ الأخلاق ومفاسد العادات، وتعليمهم الحكمة والمعرفة...
عدد الزوار: 264
عقيدنا في النبوّة
نعتقد: أنّ النبوّة وظيفة إلهية وسفارة ربّانية، يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في إنسانيّتهم، فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية إرشادهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة، لغرض تنزيههم وتزكيتهم من درن مساوئ الأخلاق ومفاسد العادات، وتعليمهم الحكمة والمعرفة، وبيان طريق السعادة والخير، لتبلغ الإنسانية كمالها اللائق بها، فترتفع إلى درجاتها الرفيعة في الدارين دار الدنيا ودار الآخرة.
ونعتقد: أنّ قاعدة اللطف ، توجب أن يبعث الخالق ـ اللطيف بعباده ـ رسله لهداية البشر وأداء الرسالة الإصلاحية، وليكونوا سفراء الله وخلفاءه.
كما نعتقد: أنه تعالى لم يجعل للناس حق تعيين النبي أو ترشيحه أو انتخابه، وليس لهم الخيرة في ذلك، بل أمر كلّ ذلك بيده تعالى، لأنه ﴿أعلمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتهُ﴾1.
وليس لهم أن يتحكّموا فيمن يرسله هادياً ومبشِّراً ونذيراً، ولا أن يتحكّموا فيما جاء به من أحكام وسنن وشريعة.
النبوّة لطف
إنّ الإنسان مخلوق غريب الأطوار، معقَّد التركيب في تكوينه وفي طبيعته وفي نفسيّته وفي عقله، بل في شخصية كلّ فرد من أفراده، وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة، وبواعث الخير والصلاح من جهة أخرى.
فمن جهة: قد جبل على العواطف والغرائز من حب النفس والهوى والأثرة وإطاعة الشهوات، وفطر على حب التغلُّب والاستطالة والاستيلاء على ما سواه، والتكالب على الحياة الدنيا وزخارفها ومتاعها، كما قال تعالى: ﴿إنَّ الإنسان لَفِي خُسْر﴾2، و: ﴿إنّ الإنسان لَيَطْغى أن رآهُ استَغنَى﴾3، و: ﴿إنَّ النَّفسَ لامَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾4، إلى غير ذلك من الآيات المصرِّحة والمشيرة إلى ما جُبلت عليه النفس الإنسانية من العواطف والشهوات.
ومن الجهة الثانية: خلق الله تعالى فيه عقلاً هادياً يرشده إلى الصلاح ومواطن الخير، وضميراً وازعاً يردعه عن المنكرات والظلم ويؤنبه على فعل ما هو قبيح ومذموم.
ولا يزال الخصام الداخلي في النفس الإنسانية مستعراً بين العاطفة والعقل، فمن يتغلِّب عقله على عاطفته كان من الأعلين مقاماً والراشدين في إنسانيتهم والكاملين في روحانيتهم، ومن تقهره عاطفته كان من الأخسرين منزلة والمتردّين إنسانية والمنحدرين إلى رتبة البهائم.
وأشد هذين المتخاصمين مراساً على النفس هي العاطفة وجنودها، فلذلك تجد أكثر الناس منغمسين في الضلالة ومبتعدين عن الهداية، بإطاعة الشهوات وتلبية نداء العواطف، ﴿وَمَا أكَثَرُ النَّاسِ وَلَو حَرَصتَ بِمُؤمِنينَ﴾5.
على أنّ الإنسان لقصوره وعدم اطّلاعه على جميع الحقائق وأسرار الأشياء المحيطة به والمنبثقة من نفسه، لا يستطيع أن يعرف بنفسه كل ما يضرّه وينفعه، ولا كل ما يسعده ويشقيه، لا فيما يتعلّق بخاصّة نفسه، ولا فيما يتعلّق بالنوع الإنساني ومجتمعه ومحيطه، بل لا يزال جاهلاً بنفسه، ويزيد جهلاً أو إدراكاً لجهله بنفسه كلّما تقدّم العلم عنده بالأشياء الطبيعية والكائنات المادية.
وعلى هذا، فالإنسان في أشّد الحاجة ليبلغ درجات السعادة إلى من ينصب له الطريق اللاحب، والنهج الواضح إلى الرشاد وإتباع الهدى، لتقوى بذلك جنود العقل، حتى يتمكن من التغلب على خصمه اللّدود اللجوج عندما يهيئ الإنسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل والعاطفة.
وأكثر ما تشتد حاجته إلى من يأخذ بيده إلى الخير والصلاح عندما تخادعه العاطفة وتراوغه ـ وكثيراً ما تفعل ـ فتزيِّن له أعماله وتحسن لنفسه انحرافاتها، إذ تريه ما هو حسن قبيحاً، أو ما هو قبيح حسناً، وتلبس على العقل طريقه إلى الصلاح والسعادة والنعيم، في وقت ليس له تلك المعرفة التي تميّز له كلّ ما هو حسن ونافع وكل ما هو قبيح وضار، وكل واحد منّا صريع لهذه المعركة من حيث يدري ولا يدري، إلاّ من عصمه الله.
ولأجل هذا يعسر على الإنسان المتمدِّن المثقَّف ـ فضلاً عن الوحشي الجاهل ـ أن يصل بنفسه إلى جميع طريق الخير والصلاح، ومعرفة جميع ما ينفعه ويضّره في دنياه وآخرته، فيما يتعلَّق بخاصة نفسه أو بمجتمعه ومحيطه، مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه ممّن هو على شاكلته وتكاشف معهم، ومهما أقام بالاشتراك معهم المؤتمرات والمجالس والاستشارات.
فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ولطفاً بهم ﴿رَسُولاً مِنهُم يَتلوُا عَلَيهِم ءاياتهِ وَيُزكِّيهِم ويُعلّمُهُمُ الكِتَابَ والحِكمَةَ﴾6، وينذرهم عمّا فيه فسادهم، ويبشّرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم.
وإنّما كان اللطف من الله تعالى واجباً، فلانّ اللطف بالعباد من كماله المطلق، وهو اللطيف بعباده الجواد الكريم، فإذا كان المحل قابلاً ومستعداً لفيض الجود واللطف، فإنّه تعالى لابد أن يفيض لطفه، إذ لا بخل في ساحة رحمته، ولا نقص في جوده وكرمه.
وليس معنى الوجوب هنا أنّ أحداً يأمره بذلك فيجب عليه أن يطيع، تعالى عن ذلك، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك: إنّه واجب الوجود، أي: اللزوم واستحالة الانفكاك.
*عقائد الامامية، الشيخ محمد رضا المظفر، ص: 48-52.
1- الأنعام: 124.
2- العصر: 2.
3- العلق: 6 ـ 7.
4- يوسف: 53.
5- يوسف: 103.
6- الجمعة: 2.