بعض مداليل العيد الوارد ذكره في القرآن الكريم
عيد الأضحى المبارك
قال تعالى: ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[1].. أنظروا إلى أدب المسيح عيسى ابنِ مريم عليه السلام!.. هو رَفعَ هذا الطَلب إلى السَماء، ولكن بشيءٍ من التحوير والتبديل، ما قال: "اللهمّ!.. أنزل علينا مائدةً لنأكل منها، وتطمئنَّ قلوبنا"، بل قال:
عدد الزوار: 285قال تعالى: ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[1].. أنظروا إلى أدب المسيح عيسى ابنِ مريم عليه السلام!.. هو رَفعَ هذا الطَلب إلى السَماء، ولكن بشيءٍ من التحوير والتبديل، ما قال: "اللهمّ!.. أنزل علينا مائدةً لنأكل منها، وتطمئنَّ قلوبنا"، بل قال:
أولاً: ﴿تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾[2]..أي أن يكون هذا اليوم يوماً خالداً في الأمة وليس يوماً لخصوص من رأوا الآية بل للأوّلين والآخرين على حدّ سواء، يقول المسيح عليه السلام: "رَبّنا أنتَ عندما تُنزل علينا مائدة، فهذا لطف وكرامة تنزلهما على الأمة، لذا فإننا نتخذُ هذا اليَوم عِيداً لأوّلنا وآخرنا، أي في كُلِّ عامٍ نتذكّرُ فيه إنزال هذهِ المائدة، نحتفل بذلك اليَوم.. فإن كان نزولُ المائدة من السماء مناسبة للاحتفال والعِيد، فكيفَ بنزول ما هو أعظم من المائدة"؟!
ثانياً: ﴿وَآيَةً مِّنكَ﴾[3].. هذهِ المائدة آيةٌ إلهية، وآيةٌ سماوية، أي: اجعل هذهِ المائدة علامة من علامات العناية الخاصة بأُمّة المسيح عليه السلام.
ثالثاً: ﴿وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[4].. ثم دعا أخيراً باستدرار الرزق من الله إذ جَعلَ الأكلَ من هذا الطعام في مرحلةٍ لاحقة.
فإذاً، إنّ المسيح عليه السلام طلب أن يكون هذا الطعام آية، وعلامة من علامات العناية الإلهية، وهذا أمر معنويّ، ثُمَّ بعد ذلك طلب الرزق الماديّ.. فالحواريّون جعلوا الطعام مُقدّماً على اطمئنان القَلب، بينما المسيح عليه السلام جَعلَ اطمئنانَ القَلب مُقدّماً على الأكل وعلى الرزق.
رابعاً: إنّ هذه المائدة التي ينزلها الله تعالى على الأمّة أصبحت تشكّل تكليفاً جديداً للأمّة بضرورة الإيمان والرجوع إلى الله وعدم السقوط في المعصية، لأنّ بها تمّت الحجّة على الناس، يقول تعالى: ﴿قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾[5] لذا إن كفرتم بهذه النعمة سيكون هناك عذاب خاصّ بكم.
.. ولكنّ هذا التهديد لم يَكُن حَصراً على الحواريّين، بل يشمل كلّ إنسان نزلت عليه مائدة سماوية، فمن شملتهُ النفحات الإلهيّة في شهرِ رمضان المُبارك، وأحيا ليلة القَدر إحياءً مُناسباً، ورَقَّ قلبه، وجرت دمعته، وأحسَّ بجوٍّ خاصّ، فهذهِ مائدة سماوية نزلت عليه.
فإذاً، لنحذَر المعصية بَعدَ مواسم الطاعة، فالإنسان الذي عمل شَهراً كاملاً: قامَ ليلاً، وصامَ نهاراً، وتلا كتابَ رَبه، ومرّت عليهِ ليالي القَدر ببركاتها المعهودة، وبَعدَ الشَهر الكريم في أوّلِ يَوم من أيام العِيد وقعَ في هفوة قوليّة أو نظريّة ولو الصغيرة، آلا يُعدُّ هذا من باب الكُفران بالنعمة الإلهيّة، بنعمة المائدة؟.. ولهذا البعض في شهرِ شوال يرى قساوةً في قلبه، فالبَعض في يوم العيد يرتكب ما لم يَكُن يرتكبه قَبلَ شهرِ رمضان المُبارك، علينا أن نحذر كُفران النِعم الباطنية والمعنويّة، فربّ العالمين هدّد الحواريّين بأنَّ الكُفران بَعدَ نزول المائدة فيهِ عذابٌ عَظيم!..
وفي الختام من الضروريّ التعرّض لمسألة ابتلائية كبيرة تصيب أكثرنا في أيام الأعياد، وهي مسألة الإسراف في الطعام، فقد نُقل عن أمير المؤمنين عليه السلام: "دخلت عليه يوم عيد، فإذا عنده فاثور (أي خوان) عليه خبز السمراء، وصفحة فيها خطيفة (أي لبن يطبخ بدقيق)، وملبنة (أي ملعقة).. فقلت: يا أمير المؤمنين!.. يوم عيدٍ وخطيفةٍ؟.. فقال: إنما هذا عيدُ من غُفر له"[6].
وهذه الرواية تشير إلى مسألة ابتلائية كبيرة وهي أننا في الأعياد نتفنّن في المَطْعَمِ والمَشرَب، بل أكثر من ذلك نُبتلى بالإسراف والتبذير برمي الطعام، ولعلّ ذلك كان سائداً حتى في زمن أمير المؤمنين عليه السلام، ولذلك استنكر السائل بقوله: "يَومُ عِيدٍ وخطيفة"..
(إنّما هو عيدُ مَن غُفِرَ له): وهو نفس المعنى الذي أورده رسول الله في الخطبة الغرّاء التي استقبل بها شهر رمضان المبارك والتي قال فيها: (فإنّ الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم)، فإنّ من يقطع بالمغفرة، بإمكانه أن يفرح، ولكن إن كان شاكّاً في المغفرة عليه التوقف عن هذا الفرح.
* زاد الرحمة في شهر الله، جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية
[1] المائدة: 114.
[2] المائدة: 114.
[3] المائدة: 114.
[4] المائدة: 114.
[5] المائدة: 115.
[6] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر اشوب، ج1.