ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر
زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه
إنّ ليلة القدر وإحياءها لمن الفرص الربّانيّة العظيمة التي منحها الله تعالى للإنسان، كي يتوجّه بقلبه وعقله إليه سبحانه، فيطلب منه العون والستر والرحمة والمغفرة، وتقدير ما هو حسن لدينه ودنياه في قابل أيّامه الآتية.
عدد الزوار: 895﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ١ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ ٢ لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡر مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡر﴾[1].
استقبال ليلة القدر
إنّ ليلة القدر وإحياءها لمن الفرص الربّانيّة العظيمة التي منحها الله تعالى للإنسان، كي يتوجّه بقلبه وعقله إليه سبحانه، فيطلب منه العون والستر والرحمة والمغفرة، وتقدير ما هو حسن لدينه ودنياه في قابل أيّامه الآتية.
إنّها محطّة روحيّة ومعنويّة، يستطيع المرء من خلالها أن يعيد وصال ما انقطع بينه وبين ربّه، إن أحسن استغلالها وإحياءها.
إنّها ليلة مفتوحة لعباد الله كلّهم، أن يقفوا بين يديه ويتضرّعوا إليه، فللمذنب نصيب فيها بأن يستغفر الله ويتوب إليه على ما اقترف من ذنوب ومعاصٍ وآثام، وللمطيع نصيب فيها بأن يطلب من الله الاستزادة في طاعته والثبات على إيمانه ودينه.
تسميتها
إنّ تسمية هذه الليلة بليلة القدر، إنّما هو لما تختزنه من مضامين، وقد قيل: إنّها سُمّيت بذلك:
1. لشرفها، حيث إنّ القدر في اللغة هو الشرف، كما تقول: فلان ذو قدر عظيم، أي ذو شرف.
2. لتقدير مآل العباد في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمته تعالى وبيان إتقان صنعه وخلقه.
3. لعظمة العبادة فيها قدراً، عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»[2].
خصائصها في سورة القدر
إنّه لو أردنا بيان خصائص هذه الليلة المباركة فيكفينا ما ورد عنها في سورة القدر المباركة، لنقول إنّها:
1. الليلة التي أنزل الله فيها القرآن، قال تعالى: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ﴾.
2. ليلة مباركة، قال تعالى: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَة مُّبَٰرَكَةٍۚ﴾.
3. ليلة يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام، قال سبحانه: ﴿فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ﴾[3].
4. ليلة فضلُ العبادة فيها عن غيرها من الليالي، قال تعالى: ﴿لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡر مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡر﴾.
5. ليلة تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة، قال سبحانه: ﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡر﴾.
6. ليلة خالية من الشرّ والأذى، حيث تكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبرّ، وتكثر فيها السلامة من العذاب، قال تعالى: ﴿سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ﴾.
فضائلها في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)
1. ليلة القضاء: فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها لله -جلّ ثناؤه- يفعل ما يشاء في خلقه»[4].
2. اقتران بقاء القرآن بها: كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: «لو رفعت ليلة القدر، لرفع القرآن»[5].
3. يُضاعف فيها الأجر: سُئل الإمام الصادق (عليه السلام)؛ كيف تكون ليلة القدر خير من ألف شهر؟ قال: «العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر»[6].
4. يُكتب فيها تقديرُ حياة العباد: سأل سليمان المرزويّ الإمام الرضا (عليه السلام) قائلاً: ألا تخبرني عن ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ﴾ في أيّ شيء أُنزلت؟ قال: «يا سليمان، ليلة القدر يقدّر الله عزّ وجلّ فيها ما يكون من السنة إلى السنة، من حياة أو موت، أو خير، أو شرّ، أو رزق. فما قدّره في تلك الليلة فهو من المحتوم»[7].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «تنـزّل فيها الملائكة والروح والكتبة الى سماء الدنيا، فيكتبون ما هو كائن في أمر السنة وما يصيب العباد فيها. قال: وأمر موقوف لله تعالى فيه المشيئة، يقدّم منه ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، وهو قوله تعالى: ﴿يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ﴾[8]»[9].
فضل إحيائها
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى أن يُغفل عن ليلة إحدى وعشرين، وعن ليلة ثلاثة وعشرين، ونهى أن ينام أحد تلك الليلة»[10].
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أحيا ليلة القدر، حُوِّل عنه العذاب إلى السنة...»[11].
وعنه أيضاً (صلى الله عليه وآله): «قال موسى: إلهي، أريد قربك.
قال: قربي لمن استيقظ ليلة القدر.
قال: إلهي، أريد رحمتك.
قال: رحمتي لمن رحم المساكين ليلة القدر.
قال: إلهي، أريد الجواز على الصراط.
قال: ذلك لمن تصدّق بصدقة ليلة القدر.
قال: إلهي، أريد أشجار الجنّة وثمارها.
قال: ذلك لمن سبّح تسبيحة في ليلة القدر.
قال: إلهي، أريد النّجاة من النّار.
قال: ذلك لمن استغفر في ليلة القدر.
قال: إلهي، أريد رضاك.
قال: رضاي لمن صلّى ركعتين في ليلة القدر»[12].
وعنه (صلى الله عليه وآله): «يفتح أبواب السماوات في ليلة القدر، فما من عبد يصلّي فيها إلّا كتب الله تعالى له بكلّ سجده شجرةً في الجنّة لو يسير الراكب في ظلّها مئة عام لا يقطعها، وبكلّ ركعة بيتاً في الجنّة من درّ وياقوت وزبرجد ولؤلؤ، وبكلّ آية تاجاً من تيجان الجنّة»[13].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «من أحيا ليلة القدر، غُفرت له ذنوبه، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء، ومثاقيل الجبال، ومكاييل البحار»[14].
سرّ تعدّد لياليها
لا شكّ في أنّ ليلة القدر هي الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم، وأنّها من ليالي شهر رمضان المبارك، حيث قال الله تعالى: ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ﴾، وقال في آية أخرى: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ﴾، وهذا يعني أنّ القرآن الكريم قد نزل في هذه الليلة.
ولكن أيّ ليلة هي من ليالي شهر رمضان؟
إنّنا لو أردنا جمع الأحاديث الواردة في هذا الشأن لتبيّن معنا، أنّ بعضها قد ذكر وقتها بشكل عام، وأنّها في العشر الأواخر من شهر رمضان، وبعضها الآخر خصّصه بليالٍ معيّنة:
1. في العشر الأواخر: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»[15].
2. في إحدى ليالٍ ثلاث لا غير: ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، وليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان، وليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان. عن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الليالي التي يُرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال: «تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين»[16].
ورُوي أيضاً أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) سُئل عن ليلة القدر، فقال: «التمسها في ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين»[17].
والسؤال هنا، ما سرّ اختفاء الليلة بين الليالي الثلاث هذه؟
يمكن القول: إنّ سرّ ذلك يكمن في أن يتوجّه الناس للاهتمام بإحياء هذه الليالي، واغتنام أكبر قدر كافٍ من الوقت وساعات ليالي شهر رمضان المبارك بالدعاء والتضرّع إلى الله سبحانه.
إنّ هذه الليلة المباركة فرصة ثمينة لا ينبغي للمؤمن تضييعها، فلا بدّ من استغلال وقتها في ما يرضي الله تعالى، من قراءة للقرآن الكريم، ودعاء، وصلوات، بل ومطالعة الكتب العلميّة والمفيدة؛ فإنّ ذلك كلّه ممّا يقع في مرضاة الله سبحانه، ولا بدّ هنا من الإشارة إلى كون إحياء الليلة هذه يكون باليقظة حتّى طلوع فجرها.
* زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.
[1] سورة القدر، الآيات 1 - 3.
[2] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، مصدر سابق، ص105.
[3] سورة الدخان، الآية 4.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص160.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص158.
[6] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص158.
[7] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، تصحيح الشيخ حسين الأعلميّ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1404هـ - 1984م، لا.ط، ج1، ص162.
[8] سورة الرعد، الآية 39.
[9] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص60.
[10] القاضي النعمان المغربيّ، دعائم الإسلام، مصدر سابق، ج1، ص281.
[11] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج95، ص145.
[12] المصدر نفسه، ج95، ص145.
[13] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج95، ص145.
[14] ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسنيّ الحسينيّ، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يُعمل مرّة في السنة، تحقيق جواد القيوميّ الأصفهانيّ، مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران - قمّ، 1414هـ، ط1، ج1، ص346.
[15] الإمام مالك، الموطّأ، تصحيح وتعليق محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربيّ، لبنان - بيروت، 1406هـ - 1985م، لا.ط، ج1، ص319.
[16] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، إيران - قمّ، 1414ه، ط2، ج10، ص358.
[17] المصدر نفسه، ج10، ص472.