يتم التحميل...

العلاقة مع الإخوان في نهج البلاغة

زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه

أمير المؤمنين (عليه السلام): «احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصلَةِ، وَعِنْدَ صُدُودِهِ عَلَى اللطفِ وَالمُقَارَبَةِ، وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى البَذْلِ، وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُنُوِّ، وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِينِ، وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى العُذْرِ، حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ، وَكَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ. لَا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً، فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ، وَامْحَضْ أَخَاكَ النَصِيحَةَ، حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً»

عدد الزوار: 196

أمير المؤمنين (عليه السلام): «احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصلَةِ، وَعِنْدَ صُدُودِهِ عَلَى اللطفِ وَالمُقَارَبَةِ، وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى البَذْلِ، وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُنُوِّ، وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِينِ، وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى العُذْرِ، حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ، وَكَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ. لَا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً، فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ، وَامْحَضْ أَخَاكَ النَصِيحَةَ، حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً»[1].

العلاقة مع الإخوان
حثّ الإسلامُ الناسَ على اكتساب الإخوان، حتّى جعل ذلك مِن علامات القدرة والقوّة، فَعَن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَعْجَزُ النَاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الإِخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ»[2]. وقد حدّدَت الرواية، إلى جانب تعاليم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، قواعدَ العلاقة التي ينبغي أن تكون بين الإخوان، وما يحفظ المودّة بينهم. وقد وصّى الإمامُ (عليه السلام) بها وُلده.

خطورة قطيعة الإخوان

«احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصلَة»
الصرم هو الصدُّ والقطيعة. فَهل أُبادر إلى مقاطعة أخٍ لي إن هوَ قاطعني، بسببٍ أو بِغَير سبب؟ إنّ العداوة تستمرّ وتكبر بسبب المقابلة بالمثل، وهذا يكون بين الأعداء، لا الإخوان؛ عن الإمام عليّ (عليه السلام): «لا تُتْبِعْ أَخَاكَ بَعْدَ القَطِيعَةِ وَقِيعَةً فِيهِ فَيُسَدَّ عَلَيْهِ طَرِيقُ الرُجُوعِ إِلَيْكَ، فَلَعَلَّ التَجَاربَ تَرُدُّهُ عَلَيْكَ»[3].

«وَعِنْدَ صُدُودِهِ عَلَى اللَطَفِ وَالمُقَارَبَة»
حين تَجِد لدى أخيك نوعاً مِن الجفاء والصدود، عليك أن تُبادر إلى مودّته وإظهار اللطف به. ويكفي مِن ذلك فائدة أن تَقصد به وجه الله عزّ وَجَلّ.

«وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى الْبَذْلِ»
لو رأيْتَ مِن أخيك بُخلاً أو إحجاماً عن الكرم والإنفاق فَلا تبادله بمثل ذلك، بل بادِر بالبذل له، فتُخرجه من تلك الحال إلى الكرم.

«وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُنُوِّ»
قد لا يُبادر الأخ إلى القطيعة، ولكنّه يبتعد، فَلا تبادر -بِدورك- إلى الابتعاد، بل ادنُ منه واقترِب، فلعلّه يعاني من مشكلة لم يحبّ أن يُطلعك عليها، فإذا وجد أنّك لم تُبادله بالبُعدِ بادَرَ إلى إطلاعِك، فتكون عوناً له على الخلاص ممّا يُعانيه.

«وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِين»
الإنسان خاضع لِما يحيط به مِن ظروف وما يعيشه مِن حالات، وَقد يبادر إلى استعمال القَسوة أو الشدّة مع إخوانه -سواء أكان ذلك مبرَّراً أو لا- فالمطلوب معاملتُه بِلينٍ وتحمُّلُ فِعل الشدّة منه مع العُذر.

«وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْرِ، حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ، وَكَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ»
إذا أساء لك أخوك فَلا تبادره بالإساءة، بل بالإحسان، محتملاً له العُذر؛ عن الإمام عليّ (عليه السلام) في وصيّته لمحمّد بن الحنفيّة: «لا تَصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب، لعلَّ له عذراً وأنت تَلوم»[4].

الحذر في العلاقة

«وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِه، أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ»
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الإِخْوَانُ ثَلاَثَةٌ؛ فَوَاحِدٌ كَالغِذَاءِ الذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلّ وَقْتٍ فَهُوَ العَاقِل، والثانِي فِي مَعْنَى الدَاءِ وَهُوَ الأَحْمَق، والثَالِثُ فِي مَعْنَى الدَوَاء»[5].

«لَا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً، فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ»
لا يستطيع الإنسانُ أن يُصادق عدوّه، أو أن يُصادق عدوَّ صديقِه، لأنّ صداقة العدوّ تُشكّكُ النفسَ بعدم خلوص الصداقة، وتمزجها بالنفاق؛ قال رجلٌ لِأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، إنّي أحبّك وأحبّ فلاناً [وسمّى بعض أعدائه، وفي بعض الروايات أنّه ذَكَر معاوية]، فقال (عليه السلام): «أمّا الآنَ فأنتَ أعْوَر؛ فإمّا أنْ تَعْمى وإمّا أن تُبْصِر»[6].

«وَامْحَضْ أَخَاكَ النَصِيحَة، حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَة»
المحضُ إخلاص الشيء وتنقيته، ويعني طلب الخير للطرف المقابل الخالي مِن أيّة شائبة أو غرض شخصيّ. ويُستعمل في مورد النصيحة. فَقَد يطلب الأخُ النصيحةَ متى وَقع في مشكلة أو أراد أمراً، وقد تكون ابتداءً متى وقع الأخ في ما لا يُرضي الله عزّ وَجَلّ أو ابتعد عن طريق الحقّ؛ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَنْ رَأَى أَخَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ فَلَمْ يَرُدَّهُ عَنْه وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْه فَقَدْ خَانَه، وَمَنْ لَمْ يَجْتَنِبْ مُصَادَقَةَ الأَحْمَقِ أَوْشَكَ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِأَخْلاَقِه»[7].

* زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص403، الكتاب 31.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص470، الحكمة 12.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج71، ص166.
[4] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفّاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قمّ، 1414هـ، ط2، ج‏4، ص391.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص229.
[6] المصدر نفسه، ج27، ص58.
[7] المصدر نفسه، ج72، ص65.

2024-03-08