يتم التحميل...

الحرمان من التوفيق لعبادة الصوم

زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فإنّ الشقيّ مَن حُرِم غفرانَ الله في هذا الشهر العظيم»

عدد الزوار: 535

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فإنّ الشقيّ مَن حُرِم غفرانَ الله في هذا الشهر العظيم»[1].

شهر ضيافة الله
إنّ الإنسانَ ضيفُ الله سبحانه في هذا الشهر، كما جاء في نصّ الخطبة الشهيرة لرسول الله (صلى الله عليه وآله): «هو شهرٌ دُعيتُم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتُم فيه من أهل كرامة الله»[2]، وإنّ كون المضيف هو الله سبحانه الجواد الكريم، الذي لا حدّ لعطائه، فهذا يعني أنّ ما يمكن أن يخرج به الإنسان -الضيف- من منح وجوائز وعطاءات من المائدة الربّانيّة لا حدّ له فيما لو وفّر الأرضيّة وكان مؤهّلاً لتلقّي ذلك. فلا أحد يخرج خاسراً من هذه المأدبة فيما لو شارك فيها فعلاً، ولم يحرم نفسه من الاغتراف منها، وقد ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إنّ أبواب السماء تُفتَح في أوّل ليلة من شهر رمضان، ولا تُغلَق إلى آخر ليلة منه»[3].

من هنا، علينا أن نحذر من كلّ ما من شأنه أن يحول بيننا وبين الاستفادة من هذه الفرصة الربّانيّة التي لا تأتي إلّا مرّة كلّ عام ولمدّة شهر، ومن يدري فلعلّ المفوّت لفرصة الاستفادة من هذا الشهر الكريم في هذا العام لا يُمدّ له في عمره ليعوّض ما فاته في العام القابل.

أسباب الحرمان من التوفيق لعبادة الصوم
إنّ الحرمان من التوفيق لعبادة الصوم، يكون إمّا بتقاعس المكلَّف عمداً عن أدائها ومن دون عذر، أو أنّه يؤدّيها، ولكنّها تقع منه باطلة بسبب تقصيره. وأسباب الحرمان عديدة، ولعلّ أبرزها الأمور الآتية:


1. عدم التفقّه بأحكام الصوم: فالتقصير في تعلّم أحكام الصوم وشرائطه، وعدم ضبط أقسام المفطرات لمراعاة أحكامها عند الابتلاء بها، يؤدّي إلى بطلان الصوم ووقوع المكلَّف في الإثم بسبب تقصيره، فتضيع عليه بركات صوم هذا الشهر الكريم.

لذا ينبغي على المكلّف أن يتفقّه في أحكام الصوم قبل حلول شهر رمضان، ومراجعة المسائل التي يتوقّع ابتلاءه بها.

2. حبّ الدنيا: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حبّ الدنيا أصل كلّ معصية، وأوّل كلّ ذنب»[4]، وإنّ من أبرز نتائج حبّ الدنيا الغفلة والانشغال عن الآخرة وعن طاعة الله، عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «مَن أحبّ الدنيا، ذهب خوف الآخرة من قلبه»[5]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لِحبِّ الدنيا صمّت الأسماع عن سماع الحكمة، وعميت القلوب عن نور البصيرة»[6]، وهذا ما يؤدّي بالإنسان إلى الابتعاد عن عبادة ربّه، ومنها صوم شهر رمضان.

هنا، ينبغي على المكلّف أن ينبّه قلبه بذكر الآخرة قبل حلول شهر رمضان وأثناءه، ومع المداومة والإكثار تُقبِل نفسُه على الطاعة وقلبه على العبادة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن أكثر من ذكر الآخرة، قلّت معصيته»[7]، وقال أيضاً: «ذكر الآخرة دواء وشفاء»[8].

3. طول الأمل: يُبتلى العديد من الناس -وخصوصاً الشباب- بطول الأمل، ويمنّون أنفسهم بقضاء ما عليهم من صيام لاحقاً، فيقعون فريسة رغباتهم العاجلة والفانية، ولا يلتزمون بفريضة الصوم، فيحرمون من ألطاف الله وعطاياه في هذا الشهر الكريم، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ الأمل يسهي القلب، ويكذب الوعد، ويكثر الغفلة، ويورث الحسرة»[9].

وفي علاج ذلك، ينبغي تنبيه القلب دائماً بعواقب طول الأمل، والاطّلاع على حال مَن غدرت بهم الدنيا من العصاة والمذنبين، الذين انتقلوا إلى دار الحسرة من دون توبة، ثمّ المبادرة إلى أداء الفرائض والواجبات فوراً ومن دون تسويف، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اتّقوا خداع الآمال، فكم من مؤمّل يومٍ لم يدركه، وباني بناءٍ لم يسكنه، وجامع مالٍ لم يأكله»[10].

4. التهاون بالتكاليف الإلهيّة: بعض الناس لا يصومون متذرّعين بأتفه الأسباب، أو بسبب تهاونهم وقلّة اكتراثهم وعدم مبالاتهم، فترى أحدهم يفطر لأنّه غضب وانفعل، أو لإحساسه ببعض الإعياء، أو يدخّن لأنّه لا يتحمّل ترك ذلك طوال النهار... والأمثلة كثيرة. وليعلم هؤلاء أنّهم إنّما استهانوا واستخفّوا بالله عزّ وجلّ من خلال استخفافهم بطاعته وفرائضه.

ينبغي أن يطّلع هؤلاء على عِظَم الجناية التي يرتكبونها بتهاونهم بطاعة الله عزّ وجلّ، وعلى الخسارة التي يقعون بها جرّاء تفويتهم بركات الصيام. ولعلّ قراءة خطبة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في استقبال شهر رمضان وغيرها من النصوص والروايات التي تحثّ على الطاعة وتنبّه من المعصية، يكون بها التأثير على سلوكهم بإذنه تعالى.

5. مصاحبة رفاق السوء: إنّ مصاحبة مَن يستهتر بصيام شهر الله، ويستخفّ بأحكامه، قد يكون لها التأثير على سلوك حتّى مَن اعتاد الصوم والالتزام بالأحكام الشرعيّة، ولو بعد حي؛. فالصحبة تُعدي، ولذلك ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المرء على دين خليله، فلينظر أحدُكم مَن يخالل»[11]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء»[12].

وعلاج هذا الأمر يكون بترك رفقة السوء، واستبدالها بمصاحبة أهل الآخرة والدين، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن دعاك إلى الدار الباقية وأعانك على العمل لها، فهو الصديق الشفيق»[13].

6. الذنوب والمعاصي: قال تعالى: ﴿كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ﴾[14]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان أبي (عليه السلام) يقول: ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتّى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله»[15]، وغيرها من الروايات المستفيضة التي تبيّن أثر المعاصي في قلب الإنسان وسلوكه، وكيف أنّها تسلب البركة والنعم من حياته، ومن ضمن التوفيقات التي قد تُسلب منه عدم التوفيق لصيام شهر رمضان بسوء اختياره.

لذا، على الإنسان العاصي المبادرة إلى التوبة، والإكثار من الاستغفار، وعليه أن يصلح مأكله ومشربه، وأن يُرجع الحقوق إلى أصحابها، وأن يصل رحمه المقطوعة... وأن يغتنم شهري رجب وشعبان للقيام بهذه الإصلاحات، فيدخل في شهر رمضان، وهو مهيَّأ لصيام أيّامه وإحياء لياليه بالطاعة والعبادة.

7. الرياء في العبادة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله لا يقبل عملاً فيه مثقال ذرّة من رياء»[16]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «آفة العبادة الرياء»[17]، والصوم من العبادات التي يُشترط فيها قصد القربة، وبالتالي فإنّ الصيام من دون نيّة خالصة محبطٌ للأجر، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ وَالْعَنَاءُ»[18].

ينبغي على المكلّف أن يجعل صومه لله وحده، فلا يحبطه بالرياء، وعليه تنبيه القلب بالتفكّر في عواقب الرياء وثمرات الإخلاص لله عزّ وجلّ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كلّ فتنة ظلماء»[19].

* زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.


[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص154.
[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص154.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج93، ص344.
[4] ورّام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى‏، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام‏، مكتبة الفقيه‏، إيران - قم، 1410ه‏، ط1، ج2، ص122.
[5] الحرّانيّ، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قمّ، 1404هـ - 1363ش، ط2، ص399.
[6] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص404.
[7] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص437.
[8] المصدر نفسه، ص256.
[9] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص35.
[10] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص91.
[11] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قمّ، 1414ه، ط1، ص518.
[12] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص82.
[13] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص437.
[14] سورة المطفّفين، الآية 14.
[15] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص268.
[16] الأمير ورّام، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، مصدر سابق، ج1، ص187.
[17] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص182.
[18] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص495، الحكمة 145.
[19] المتقيّ الهنديّ، علاء الدين عليّ المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409هـ - 1989م، لا.ط، ج3، ص24.

2024-03-08