يتم التحميل...

شهر رمضان، أهمّيّته والاستعداد له

زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا أيّها الناس، إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ، فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ، وَظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ، فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ»

عدد الزوار: 322

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا أيّها الناس، إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ، فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ، وَظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ، فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ»[1].

قيمة شهر رمضان وأهمّيّته
إنّ لِشهر رمضان المبارك قيمة وأهمّيّة كبيرة في روايات أهل البيت  (عليهم السلام)، إذ سلّطَت الضوء على جوانب روحيّة واجتماعيّة وعباديّة تُعزّز قيمة هذا الشهر المبارك، نذكر منها:

1. شهر الرحمة والمغفرة: إنّ هذا الشهر فرصة للتوبة والاستغفار والتقرّب إلى الله وتطهير النفس والتخلّص مِن الذنوب والأخطاء والحصول على رحمة الله ومغفرته؛ قال رَسُولُ اَللَّه (صلى الله عليه وآله): «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاِحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه»[2]، وقال الإمام الرضا (عليه السلام): «وَفِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ يغلُّ اَلْمَرَدَةَ مِنَ اَلشيَاطِينِ، وَيغْفرُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَبْعِينَ أَلْفاً. فَإِذَا كَانَ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ بِمِثْلِ مَا غَفَرَ فِي رَجَب وَشَعْبَان وَشَهْر رَمَضَانَ إِلَى ذَلِكَ اَلْيَوْمِ، إِلّا رَجُلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيَقُولُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظروا هَؤُلاَءِ حَتَّى يَصْطَلِحُوا»[3].

2. شهر القرآن الكريم: لقد كان نزول القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «نَزلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ اَلتَوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ اَلْإِنْجِيلُ لِثَلاَث عَشْرَة لَيْلَة خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَان، وَأُنْزِلَ اَلزَبُورُ لِثَمَانِيَة عَشر خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَان، وَأُنْزِلَ اَلْقُرْآنُ فِي ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ»[4]. وقد حثّت الآيات والروايات على تلاوة القرآن وتدبّر آياته والتأمّل فيها، قال تعالى: ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰت مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ﴾[5]، وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) في خطبة استقبال شهر رمضان: «وَمَنْ تَلاَ فِيهِ آيَةً مِنَ اَلْقُرْآنِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ اَلْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ اَلشهُورِ»[6]. ومن المستحسن -في هذا الشهر الفضيل- تخصيص وقت للقراءة اليوميّة والتفكّر في معاني القرآن وتطبيقه في الحياة.

3. شهر التكافل والعطاء: يركّز النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) في رواياتهم على أهمّيّة التضامن والعطاء في شهر رمضان، ويعدّونه شهراً للتعاضد ومشاركة الطعام ومساعدة المحتاجين والفقراء، ويحثّون على ممارسة الخير والعطاء والتكافل الاجتماعيّ فيه، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ قَالَ: «رُوِّينا أَنَّ عَابِدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا بَلَغَ اَلْغَايَةَ فِي اَلْعِبَادَةِ صَارَ مَشَّاء فِي حَوَائِجِ اَلناسِ، عَانِياً بِمَا يُصْلِحُهُمْ»[7].

4. شهر العبادة والتقرّب إلى الله: شهر رمضان فرصة للتزوّد من العبادة وزيادة القُرب إلى الله. لذا، حثّت الروايات على أداء الصلوات والأعمال الدينيّة والاعتكاف في المساجد للتفرّغ للعبادة والدعاء وقراءة القرآن وتلاوة الأدعية العامّة والخاصّة، وأكّدت أهمّيّة إحياء ليالي القدر. فَلا شهرَ أعظم من شهر رمضان المبارك، إذ اصطفاه اللَّه لأعظم هديّة للمجتمع البشريّ، وهي القرآن الكريم، وجعل في آخره ليلة القدر التي تتقدّر فيها مقدّرات البشريّة لسنة، بِحسب استحقاقهم واستعدادهم، وجعل العبادة فيها خيراً مِن عبادة ألف شهر، مُضافاً إلى كونه ربيع العبادة وشهر التهذيب والتربية والتعليم والطهر والعفاف والورع والتقوى، والذي يطوي -بخطوات سريعة وواثقة- مراحل السير والسلوك إلى اللَّه[8]؛ قال المصطفى (صلى الله عليه وآله) في خطبة استقبال شهر رمضان: «أيّها الناس، إنّه قَد أقبلَ إليكُم شهرُ اللَّهِ بِالبرَكةِ والرحمةِ والمَغفرةِ، شَهرٌ هُو عِندَ اللَّهِ خَيرُ الشُهورِ، وأيّامُهُ أفضلُ الأيّام، وَلياليهِ أفضَلُ الليالي، وَساعاتُهُ أفضلُ السَاعاتِ»[9].

التحضير الروحيّ لشهر رمضان
إنّ التحضير الروحيّ والمعنويّ مِن الأمور المهمّة في استقبال شهر رمضان المبارك والاستعداد له، لأنّ التحضير تهيئة النفس والقلب لاستقباله بطريقة تليق بعَظَمته. ويهدف التحضير الروحيّ إلى تحويل هذه المناسبة الربّانيّة إلى عمليّة إصلاح ذاتيّ للنفس، وهي عمليّة داخليّة تزكّي النفس الأمّارة بالسوء وتُطهّرها، فتُحقّق تحوّلاً على المستويات السلوكيّة والفكريّة والعاطفيّة كلّها. ومع أنّه لا بُدّ لهذا الإصلاح الذاتيّ مِن أن يكون مُستمرّاً في حياة الإنسان، إلّا أنّ أعظم فُرصِه في شهر رمضان. ويتمّ التحضير عن طريق:

1. التحضير المعرفيّ: من المهمّ معرفة أهمّيّة هذا الشهر وفضله، ورَسْم أهداف محدّدة من أجل تحقيقها فيه، كتكثيف العبادة وقراءة القرآن والمواظبة على الأدعية والابتعاد عن العادات التي قد توجِب شرود الذهن، كالإفراط في متابعة وسائل التواصل الاجتماعيّ وشبكات الإنترنت والتلفاز وغيرها.

2. التحضير العمليّ: من الجيّد البدء بِممارسة بعض العبادات، كالصوم التطوّعيّ وأداء صلاة الليل والقراءة المنتظمة للقرآن قبل حلول شهر رمضان، وكذلك الدعاء والصدقة والأعمال الخيريّة والتوبة والاستغفار؛ عن الرسول (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَكْثَرَ اَلاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اَللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ»[10]، وعَن الإمام الصادق (عليه السلام): «كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَتُوبُ إِلَى اَللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ، كَانَ يَقُولُ: أَتُوبُ إِلَى اَللَّهِ»[11]. فإن كانت هذه حال الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهو المنزّه عن الذنوب، فَكيف بِسائر العباد؟

الاغتنام الأمثل للوقت
إنّ اغتنام الوقت بالشكل الأمثل في شهر رمضان يساعد على تحقيق الفائدة القصوى من هذا الشهر المبارك. فَلا بدّ مِن أن نستحضر دائماً أنّ الوقت -في الحقيقة- هو العمر والرأسمال الحقيقيّ للإنسان، وأن نلتفت إلى خصائص الوقت في هذا الشهر، لأنّ الوقت أَنفَسُ شيء لدى الإنسان، إذ إنّه ينقضي بسرعة ولا يُعَوَّض. وقد أشارَت الروايات إلى بعض هذه الأمور، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ اَلْمَغْبُونَ مَنْ غُبِنَ عُمرَه، وَإِنَّ اَلْمَغْبُوطَ مَنْ أَنْفَذَ عُمرَهُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ»[12]، و«إِنَّ عُمرَكَ عَدَدُ أَنْفَاسِكَ، وَعَلَيْهَا رَقِيبٌ يُحْصِيهَا»[13]، و«إِنَّ مَاضِيَ عُمرِكَ أَجَلٌ، وَآتِيَهُ أَمَلٌ، وَاَلْوَقْتَ عَمَلٌ»[14].

ولكي تُستثمر أوقات شهر رمضان، ينبغي القيام بالأمور الآتية:
1. التخطيط اليوميّ: 
ووضع أهداف وجدول زمنيّ للأنشطة الدينيّة والعباديّة.
2. الاغتنام الأمثل للصلاة: والحرص على أدائها في أوّل وقتها، بل على صلاتها جماعة.
3. قراءة القرآن الكريم: والتدبّر في معانيه والتأمّل فيه وتفسير آياته وتطبيقها في الحياة اليوميّة.
4. الاغتنام الأمثل للسحور والإفطار: من خلال بالدعاء والتضرّع إلى الله.
5. الاستفادة من الأوقات المباركة: كليالي القدر أو العَشر الأواخر.
6. المشاركة في الأعمال الخيريّة والتطوّعيّة.

* زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، فضائل الأشهر الثلاثة، تحقيق وإخراج ميرزا غلام رضا عرفانيان، دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1412هـ - 1992م، ط2، ج1، ص77.
[2] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، مصدر سابق، ج1، ص12.
[3] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج93، ص366.
[4] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفّاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص629.
[5] سورة البقرة، الآية 185.
[6] الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، الأمالي، كتابچى‏، إيران - طهران‏، 1418ه‏، ط6، ص95.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص199.
[8] الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، المفاتيح الجديدة، دار نشر مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إيران - قم، 1431ق، ط1، ص469.
[9] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص93.
[10] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص172.
[11] المصدر نفسه، ج16، ص284.
[12] التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيّد مهدي رجائي‏، نشر دار الكتاب الإسلاميّ‏، إيران - قم‏، 1410ه‏، ط2، ص228.
[13] المصدر نفسه، ص222.
[14] المصدر نفسه، ص224.

2024-03-08