جنّة الرضوان
الجنة والنار
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ وَزُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدَّارُ وَرَضُوا الْمَثْوَى وَالْقَرَارَ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا زَاكِيَةً وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً وَكَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً تَخَشُّعاً وَاسْتِغْفَارًا وَكَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلًا تَوَحُّشاً وَانْقِطَاعاً فَجَعَلَ اللهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ مَآباً وَالْجَزَاءَ ثَوَاباً وَكانُوا أَحَقَّ بِها...
عدد الزوار: 484
عن أمير المؤمنين عليه السلام
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ وَزُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدَّارُ وَرَضُوا الْمَثْوَى وَالْقَرَارَ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا زَاكِيَةً وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً وَكَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً تَخَشُّعاً وَاسْتِغْفَارًا وَكَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلًا تَوَحُّشاً وَانْقِطَاعاً فَجَعَلَ اللهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ مَآباً وَالْجَزَاءَ ثَوَاباً وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها فِي مُلْكٍ دَائِمٍ وَنَعِيمٍ قَائِمٍ1.
رضوان الله
إنّ أعظم ما يناله أهل الجنّة من النعم المعنويّة، رضوان الله عزّ وجلّ ولقاء الله الذي هو غاية ما يريدونه من نعيم تلك الجنّة.
﴿ وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ 2
وما يقابل ذلك هو العذاب الذي ينتظر من كان مصيره دخول النار، وهو أنّه لن ينال لقاء الله عزّ وجلّ، ولذا نقرأ في دعاء كميل: "وهبني... صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك".
﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ 3.
ويعبّر القرآن الكريم عن هذا الرضا الذي ينالهم بالفوز العظيم، قال تعالى: ﴿ قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ 4.
الولاية لله ولرسوله
قال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ 5.
لا يجتمع حبّان في قلب إنسانٍ واحدٍ، بل إمّا أن يكون محبّاً لله عزّ وجلّ، وموالياً له ولأوليائه، أو أن يكون محبّاً للشيطان مطيعاً له ولأوليائه.
إنّ حبّ الآباء والأبناء والإخوان والعشيرة شيء ممدوح، ودليل على عمق العواطف الإنسانيّة، إلّا أنّ هذه المحبّة حينما تكون بعيدة عن حبّ الله تعالى، فإنّها ستفقد خاصيّتها. ومن الطبيعي جدّاً أنّ مَن يتعلّق بهم الإنسان ليس مختصّاً بالأقسام الأربعة التي استعرضتها الآية الكريمة، ولكن هؤلاء أقرب للإنسان عاطفيّاً من غيرهم، وبملاحظة الموقف من هؤلاء سيتضح الموقف من الآخرين.
صفات أهل الرضوان
يتطرّق القرآن الكريم إلى الجزاء العظيم لهذه المجموعة، التي سخّرت قلوبها لعشق الله تعالى، حيث يستعرض خمسة من أوصافهم، والتي يمثّل بعضها مدداً وتوفيقاً من الله تعالى:
الأوّل: يقول تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾ . فالإنسان إذا ترك أعداء الله، جاءه الإمداد الإلهيّ بصورة استقرار الإيمان، حيث عبّر عنه بـ (كتب).
الثاني: يقول تعالى: ﴿ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾ ، هذه الروح الإلهيّة نوع من الحياة المعنويّة الجديدة، التي أفاضها الله تعالى على المؤمنين.
موجبات نيل رضوان الله
1- سخط النفس: وذلك لأنّ النفس الأمّارة بالسوء تدعو الإنسان إلى المعصية، وإلى الخروج عن طاعة الله، وفي سخطها طاعة الله ونيل رضوانه؛ ففي وصيّة لقمان عليه السلام لابنه: "يا بنيّ من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيراً، ومن لا يسخط نفسه لا يرضى به"6.
2- الطاعة في الصغيرة والكبيرة: فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرنّ شيئاً من طاعته فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم"7.
3- الإحسان إلى الناس: فعن الإمام عليّ عليه السلام: "سرّك أن تكون من حزب الله الغالبين؟ اتق الله سبحانه، وأحسن في كلّ أمورك، فإنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"8.
4- التمسّك بولاية أولياء الله: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أحبَّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ عليّاً بعدي، وليعادِ عدوّه، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي وأوصيائي... حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله عزّ وجلّ، وحزب أعدائهم حزب الشيطان"9.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "بني الإسلام على خمس: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والولاية، ولم يُنادَ بشيء كما نودي بالولاية"10.
وعن عمرو بن حنظلة، قال: "سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة؛ أيحلّ ذلك؟ فقال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً، وإن كان حقّاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت،وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ﴾11". قلت: فكيف يصنعان؟ قال عليه السلام: "ينظران (إلى) من كان منكم، ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم الله، وعلينا ردّ، والرادّ علينا كالرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله"12.
*حياة القلوب، سلسة الدروس الثقافية، نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، ط1، ص101-107.
1 - الخطبة: 190.
2 - سورة التوبة، الآية 72.
3 - سورة آل عمران، الآية 162.
4 - سورة المائدة، الآية 119.
5 - سورة المجادلة، الآية 22.
6 - ميزان الحكمة - محمّدي الريشهري - ج 2 ص 1098.
7 - وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 1 ص 117.
8 - ميزان الحكمة - محمّدي الريشهري - ج 1 ص 600.
9 - بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج 38 ص 92.
10 - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 18.
1 1 - سورة النساء، الآية 60.
1 2 - وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العامليّ - ج 27 ص 137.