النار
الجنة والنار
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا أَفَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ وَالْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ وَالرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ حَجَرٍ3 وَقَرِينَ شَيْطَانٍ...
عدد الزوار: 438
عن أمير المؤمنين عليه السلام
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا أَفَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ وَالْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ1 وَالرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ 2 فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ حَجَرٍ3 وَقَرِينَ شَيْطَانٍ 4 أَعَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى النَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ وَإِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ 5. أَيُّهَا الْيَفَنُ الْكَبِيرُ الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتِيرُ 6 كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ النَّارِ بِعِظَامِ الْأَعْنَاقِ 7 وَنَشِبَتِ الْجَوَامِعُ 8 حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ السَّوَاعِدِ1.
وَأَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ وَغَلَّ الْأَيْدِيَ إِلَى الْأَعْنَاقِ وَقَرَنَ النَّوَاصِيَ بِالْأَقْدَامِ 9 وَأَلْبَسَهُمْ سَرَابِيلَ الْقَطِرَانِ 10 وَمُقَطَّعَاتِ النِّيرَانِ فِي عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ وَبَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهِ فِي نَارٍ لَهَا كَلَبٌ وَلَجَبٌ 11 وَلَهَبٌ سَاطِعٌ وَقَصِيفٌ هَائِلٌ لَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا 12 وَلَا يُفَادَى أَسِيرُهَا وَلَا تُفْصَمُ كُبُولُهَا 13 لَا مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنَى وَلَا أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضَى2.
شرح المفردات
1- زلة القدم.
2- الأرض الشديدة الحرّ.
3- الملازم.
4- الرفيق والصاحب.
5- النهي والنهر.
6- الشيخ الكبير، الذي خالطه الشيب.
7- جمع طوق وهو ما يحيط بالعنق.
8- علقت، والجوامع هي الأغلال، وسميت بذلك لأنّها تجمع اليدين إلى العنق.
9- مقدّم الرأس.
10- قمصان، والقطران: مادة كريهة الرائحة تدهن بها الأبل الجرباء.
11- الشدة، واللجب: الصوت المرتفع.
12- لا يخرج منها.
13- لا تكسر أغلالها.
صفات جهنّم
إنّ العذاب الإلهيّ المقدّر للعصاة في هذه الدنيا هو نار جهنّم في الآخرة، وقد وردت العديد من الروايات في وصف جهنّم ونارها، ومن هذا الوصف ما ورد في هذه الكلمات عن الأمير عليه السلام.
إنّ قِمّة الوصف في عذاب جهنّم، هو عندما يصبح الإنسان الوقود الذي يشعل النار، ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾3.
- القيود والأغلال
لقد وصف القرآن الكريم الغلّ الذي يحيط بالكافر يوم القيامة ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ﴾4.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو أنّ حلقةً واحدةً من السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً، وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرّها"5.
- رحلات داخل جهنّم
عن الإمام عليّ عليه السلام وهو يصف أهل جهنّم: "فلو رأيتَهم يا أحنف! ينحدرون في أوديتها ويصعدون جبالها، وقد ألبسوا المقطّعات من القطران، وأقرنوا مع فجّارها وشياطينها، فإذا استغاثوا شدّت عليهم عقاربها وحياتها؟"6.
- ثياب أهل النار
﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ﴾7.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو أنّ سربالاً من سرابيل أهل النار علّق بين السماء والأرض، لمات أهل الدنيا من ريحه"8.
- طعام أهل النار
﴿َّليْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾9.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك، أمرّ من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشدّ حرّاً من النار، سمّاه الله الضريع"10.
- شراب أهل النار
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ﴾: "يقرّب إليه فيكرهه، فإذا أُدني منه شوى وجهه، ووقع فروة رأسه، فإذا شرب قطّع أمعاءه، حتّى يخرج من دبره، يقول الله عز وجل:﴿وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ﴾ ويقول عزّ من قائل:﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾11.
- أبواب جهنّم
عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ﴾12: "أنّ الله جعلها سبع دركات:
أعلاها الجحيم، يقوم أهلها على الصفا منها، تغلي أدمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها.
والثانية: لظى، نزّاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى.
والثالثة: سقر، لا تبقي ولا تذر، لواحة للبشر، عليها تسعة عشر.
والرابعة: الحطمة، ومنها يثور شرر (ترمي بشرر) كالقصر، كأنّها جمالات صفر...
والخامسة: الهاوية، فيها ملأ يدعون: يا مالك أغثنا، فإذا أغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيه صديد ماء يسيل من جلودهم كأنّه مهل...
والسادسة: هي السعير، فيها ثلاثمائة سرادق من نار...
والسابعة: جهنّم، وفيها الفلق، وهو جب في جهنّم إذا فتح أسعر النار سعراً، وهو أشدّ النار عذاباً"13.
-التكبّر باب من أبواب جهنّم
من أعظم الأمراض الاخلاقية التي تفترس الإنسان فتورده النار، التكبّر، والتكبّر هو المرض الذي أودى بإبليس إلى النار، قال تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ﴾14.
وهذا الكبر إذا أصاب الإنسان أحبط كلّ ما قام به من خير أو يقوم به، فإبليس كان من العابدين ولكنّه بسبب كبره هذا أحبط عمله، ففي الرواية الإمام عليّ عليه السلام: "فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس، إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد... عن كبر ساعة واحدة ! فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته"15.
ولذا كان التكبّر صفة أخلاقية ذميمة من صفات أهل النار، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة من خلائق أهل النار: الكبر، والعجب، وسوء الخلق"16.
أقسام التكبّر
1- التكبّر على الله عزّ وجلّ: وذلك بالامتناع عن الإيمان به، والاستكبار عن طاعته وعبادته. وهو أفحش أنواع الكفر، وأبشع أنواع التكبّر، كما كان عليه فرعون ونمرود وأضرابهما من طغاة الكفر وجبابرة الالحاد.
2- التكبّر على الأنبياء: وذلك بالترفع عن تصديقهم والاذعان لهم، وهو دون الأوّل وقريب منه.
3- التكبّر على الناس: وذلك بازدرائهم والتعالي عليهم بالأقوال والأفعال، ومن هذا النوع التكبّر على العلماء المخلصين، والترفع عن مسائلتهم والانتفاع بعلومهم وإرشادهم، مما يفضي بالمستكبرين إلى الخسران والجهل بحقائق الدين، وأحكام الشريعة الغراء.
درجات التكبّر
وهكذا تتفاوت درجات التكبّر وابعاده بتفاوت أعراضه شدّة وضعفاً.
فالدرجة الأولى: وهي التي كمن التكبّر في صاحبها، فعالجه بالتواضع، ولم تظهر عليه أعراضه ومساوئه.
والدرجة الثانية: وهي التي نما التكبّر فيها، وتجلت أعراضه بالاستعلاء على الناس، والتقدّم عليهم في المحافل، والتبختر في المشي.
والدرجة الثالثة: وهي التي طغى التكبّر فيها، وتفاقمت مضاعفاته، فجن صاحبها بجنون العظمة، والإفراط في حبّ الجاه والظهور، فطفق يلهج في محاسنه وفضائله، واستنقاص غيره واستصغاره. وهذه أسوأ درجات التكبّر، وأشدّها صلفاً وعتواً.
علاج الكبر
إنّ علاج حالة الكبر والخيلاء التي قد يبتلي بها الإنسان هو في تذكّر أمور:
1- تذكّر ما مضى: فإنّ على الإنسان أن يتذكّر نشأته حيث كان عاجزاً لا يملك قوةً ولا حيلة، فكيف يتكبر، ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام، وشغف الأستار، نطفة دهاقاً... حتّى إذا قام اعتداله واستوى مثاله نفر مستكبراً"17.
2- تذكّر ما سيأتي: فإنّ الإنسان إذا ما تدبّر في مستقبله، وأنّه سوف يصاب بالعجز عندما يتقدّم به السنّ، فلا يتمكّن من أن يقوم بخدمة نفسه، إلّا أن يعينه الآخرون على ذلك، علم أنّه لا يحقّ له أن يتكبّر على غيره، ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "عجبت لابن آدم أوّله نطفة، وآخره جيفة، وهو قائم بينهما وعاء للغائط، ثمّ يتكبر!"18.
3- التدبّر بواقع أمره: فإنّ الإنسان لا يملك من أمره شيئاً، فهو وفي عزّ قوّته وقدرته وشبابه، ووفرة من ماله، لا يملك من أمره شيئاً، فالمرض إذا حلّ به أقعده الفراش فصار عاجزاً عن كلّ شيء، وعجز الأطباء عن شفائه، فلماذا يتكبّر، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "عجباً للمختال الفخور! وإنّما خُلق من نطفة، ثمّ يعود جيفة، وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به"19.
4ـ أن يتذكّر عظمة الله: فعن الإمام الحسن عليه السلام: "لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإنّ رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا، و(عزّ) الذين يعرفون ما جلال الله أن يتذلّلوا (له)"20.
5ـ المواظبة على العبادات: فإنّ العبادات التي شرّعها الله لهذا الإنسان؛ من صومٍ وصلاةٍ وغيرهما، لم تكن إلّا لحكمةٍ أرادها الله منها، ومن ذلك معالجة حالة الكبر لديه، ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيّام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً (تخضيعاً) لقلوبهم، وإذهاباً للخيلاء عنهم... انظروا إلى ما في هذه الأفعال من قمع نواجم الفخر، وقدع (قطع) طوالع الكبر"21.
6- التفكر بالوعيد بالعذاب الموعود للمتكبّر: فقد وردت الروايات توعِد بالعذاب في جهنّم للمتكبّر، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ في جهنّم لوادياً للمتكبّرين يقال له سقَر، شكا إلى الله عزّ وجلّ شدّة حرّه، وسأله أن يأذن له أن يتنفّس، فتنفّس فأحرق جهنّم"22.
*حياة القلوب، سلسة الدروس الثقافية، نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، ط1، ص91-100.
1- الخطبة، 183.
2- الخطبة، 109.
3- سورة البقرة، الآية 24.
4- سورة الحاقة، الآية 32.
5- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج 8 ص 280.
6- م.ن. ج 7 ص 221.
7- سورة ابراهيم، الآية 50.
8- بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج 8 ص 280.
9- سورة الغاشية، الآية 7.
10- بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج 7 ص 169.
11- م.ن. ج 8 ص 244.
12- سورة الحجر، الآية 44.
13- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج 8 ص 290.
14- سورة الحجر، الآية 30.
15- نهج البلاغة، الخطبة 192.
16- ميزان الحكمة - محمّد الريشهري - ج 1 ص 472.
17- نهج البلاغة، الخطبة 83.
18- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج 70 ص 234.
19- م.ن. ج 70 ص 230.
20- م.ن.ج 75 ص 105.
21- نهج البلاغة، الخطبة، 192.
22- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج 70 ص 189.