كيف أكون متواضعاً؟
أخلاقنا الإسلامية
ورد في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللهم صل على محمد وآل محمد.. وأعزني ولا تبتلني بالكبر1.. ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها،
عدد الزوار: 411ورد في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللهم صل على محمد وآل محمد.. وأعزني ولا تبتلني بالكبر1.. ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدره2 اجعلني اللهم.. ألين جانبي لهم تواضعاً.. اللهم صل على محمد وآله وارزقني مثل ذلك منهم»([1]).
في هذه المقطوعة الفريدة التي تمثّل نهجاً تربوياً أخلاقياً رائداً يوضح الإمام السجّاد عليه السلام أن العزة لا تتحقق بالتكبر والاستعلاء على الآخرين وإنما العزة في التواضع والتخشّع وعلى المؤمن أن لا تأخذه المكانة بين الناس إلى إحداث علو باطني في نفسه سرعان ما تنبئ عنه الأفعال والأقوال حين تعكس الصورة الظاهرية ذلك الباطن المملوء بالترهات التي لا حقيقة لها عندما يعود الإنسان إلى حقيقة أمره ومعرفة ما هو خطره؟! (ما أنا يا سيدي وما خطري) ويظهران لا واقعية وصدق يدعوان إلى هذا التكبر، بناءً على ذلك، يكون المستقيم هو من عرف نفسه وظلّ متهماً لها بالتقصير رغم قيامه بما يجب عليه والتزامه بالآداب ولا ينظر إلى أصحابه أو سائر من يعاشرهم على أنه أفضل منهم وهم أدنى منه، نتيجة ما تحدّثه به نفسه أو يسرح به خياله فيحس أنه طار في الهواء أو غاص إلى غور الماء وهو لا يزال واقفاً مكانه ولكل ذلك أسباب. فالمطلوب هو أن لا يرى أنه فوق الناس بل يشكر اللَّه على كل نعمة فضّله اللَّه بها عليهم من علم أو جاهٍ أو مال ويعلم أن هذا كله من اللَّه وإن شاء اللَّه سلبه تلك النعم. فالتواضع والتخشّع ولين الجانب من أشرف الخصال الحميدة في الإسلام وأفضل العبادة.
ما هو التواضع المذموم؟
بعد أن عرفنا ما للتواضع من أهمية وتأثير في أن يعيش الإنسان صادقاً مع نفسه وربّه وكذلك مع الناس، لا بد أن نعرف حدود التواضع كي لا نقع فريسة للجهل حينما نتواضع لمن لا ينبغي التواضع له كالكافر المحارب الذي يتربص بالمؤمنين الدوائر، واللَّه تعالى يقول: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾([2]) فهناك قسم من التواضع مذموم وهو ما يكون للظالمين وأصحاب النفوذ والمصالح المادية لأجل الوصول إلى مآرب غير شرعية أو الحصول على رضا المخلوقين وثنائهم ومدحهم، مع أن التواضع الذي تحث عليه الشريعة هو ما يراد به وجه اللَّه تعالى.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "من أتى غنياً فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه"([3]).
وفي الحديث: "أيّما مؤمن خضع لصاحب سلطان أو من يخالفه على دينه طلباً لما في يديه أخمله اللَّه ومقته عليه ووكله إليه، فإن هو غلب على شيء من دنياه وصار في يده منه شيء نزع اللَّه البركة منه، ولم يؤجره على شيء ينفقه في حج ولا عمرة ولا عتق"([4]).
كيف أتواضع؟
ربما يتراءى للبعض أن يلين جانبه إلى حد أنه يكسر أو يتعاطى مع الآخر بطريقة لا تنسجم مع بناء الشخصية الإيمانية ودورها في المجتمع فلأجل تلافي الوقوع بمشاكل ناشئة من ضياع الأساليب المرغوبة والسبل المطلوبة كان لأهل البيت عليهم السلام بيانهم الوافي في هذا الجانب حيث بيّنوا وحدّدوا الطريقة المثلى في هذا الشأن ضمن رسم بيانين الأول عام بحيث يشكل ميزاناً وضابطة في سلوك التواضع والثاني خاص بحيث يدلّل وينبّه على موارد معينة تجمل فيها هذه الفضيلة.
أما الأول: كما ورد عن مولانا الرضا عليه السلام لما سئل عن حد التواضع: "أن تعطي الناس من نفسك ما تحب أن يعطوك مثله"([5]).
وأما عن أمير المؤمني نعليه السلام: "حسب المرء من تواضعه معرفته بقدره"([6]).
وأما الثاني: ما جاء عن الصادق عليه السلام: "التواضع أن ترضى من المجلس بدون شرفك وأن تسلّم على من لاقيت، وأن تترك المراء وإن كنت محقاً، ورأس الخير التواضع"([7]).
فمن التواضع أن يسلّم على كل من يمرّ به، وأن يجلس في منتهى المجلس أو في الأماكن الخلفية في الاحتفالات العامة والمناسبات الدينية وإن كان مكانه في الأماكن الأمامية وأن لا يدخل في نفسه شيء سواء قدّم أو أخرّ نتيجة الازدحام والضيق أو انصراف اهتمام الداعين له عن تبجيله جراء انشغالهم بغيره وهذا مما لا يسبب إهانة ولا منقصةً.
ما يستعان به على التواضع:
هناك أمور يمكننا أن نستعين بها على التواضع وتشكل أسباباً مهمة مساعدة على الابتعاد عن التكبر والاستعلاء الذي كثيراً ما ينشأ من تولّي المسؤوليات، ومخالطة وجهاء الناس، ومعاشرة الأغنياء، وقلّة مخالطة الأكفاء. ومدح الناس، ونفوذ الأمر، ومحادثة النفس وإعجابها بكل ما يصدر منها وغير ذلك من الآفات الخدّاعة التي تؤدي إلى التشاغل عن الفضائل بل ربما إلى فعل الرذائل، مع أن المطلوب إذا زكّي الرجل أن يقول كما ورد في خطبة المتقين لأمير المؤمنين عليه السلام: إذا زكي أحدهم خاف مما يقال له، فيقول: "أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من نفسي، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون"([8]).
أنوار السجاد عليه السلام، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) الصحيفة السجادية، د26، ص110، س1.
([2]) المائدة: 54.
([3]) ميزان الحكمة، حديث: 21849.
([4]) ثواب الأعمال، 1 294 2.
([5]) عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2-50-192.
([6]) ميزان الحكمة، حديث: 21837.
([7]) م.ن. حديث: 21838.
([8]) نهج البلاغة، خطبة المتقين.