خِصَالٌ مِنَ البِر
ذو الحجة
عنِ الإمام الباقرِ (عليه السلام): «مَنْ صدقَ لسانُه زكا عملُه، ومَنْ حسُنَتْ نيَّتُه زِيدَ في رزقِه، ومَنْ حَسُنَ برُّه بأهلِه زِيدَ في عُمُرِه»
عدد الزوار: 219عنِ الإمام الباقرِ (عليه السلام): «مَنْ صدقَ لسانُه زكا عملُه، ومَنْ حسُنَتْ نيَّتُه زِيدَ في رزقِه، ومَنْ حَسُنَ برُّه بأهلِه زِيدَ في عُمُرِه»[1].
مِنَ الأسبابِ التي تدعو الإنسان إلى المواظبةِ على فعلِ ما يكونُ حَسَناً عندَ الله، هو ما وعدَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليه مِنَ الثوابِ الجزيلِ في الآخرة، أو ما وردَ في كلامِ أئمَّةِ أهلِ البيتِ (عليهمُ السلام) مِنْ ثمَرَةِ ذلكَ في الدنيا، وما يأتي للإنسان مِنْ فوائدَ في هذهِ العاجِلة، ومِنْ ذلكَ ما وردَ في حديثِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام) حولَ صفاتٍ ثلاث: الصدق، والنيَّةُ الحَسَنة، والبِرُّ بالأهل.
1. صِدْقُ اللسان: وهي خَصلةٌ ترتبطُ بشخصيَّةِ الإنسان، فعَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «قَدرُ الرّجُلِ على قَدرِ هِمَّتِهِ، وعَمَلُهُ على قَدرِ نِيَّتِ»[2]؛ أي مَنْ كانَ يتجنَّبُ مَهانةَ شخصِه، ويسعى ليكونَ محلَّ احترامِ الناس، فإنَّ عليه أنْ يتحلّى بالصدق، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إنّ الصادِقَ لَمُكرَمٌ جَلِيلٌ، وإنّ الكاذِبَ لَمُهانٌ ذَليلٌ»[3].
ومِن مواردِ الصدقِ هو ما يرتبطُ بالوعدِ الذي ينطُقُ بهِ اللسان، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «عِدَةُ المُؤمنِ أخاهُ نَذرٌ لا كَفّارَةَ لَهُ، فمَن أخلَفَ فبِخُلفِ اللَّهِ بَدأَ، ولِمَقتِهِ تَعَرَّضَ؛ وذلكَ قَولُهُ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾[4]»[5].
ويبيِّنُ لنا الإمامُ الباقرُ (عليه السلام) كيفَ أنَّ الصِدْقَ يؤدِّي إلى ظهورِ ثمرةِ عملِ الإنسانِ، ووصولهِ إلى غاياتِه ممّا يقومُ به، إذا كانَ الصِدقُ سِمةً له.
2. حُسْنُ النيّة: النيّةُ هي الدافعُ والقصدُ الذي يحرِّكُ الإنسانَ للقيامِ بعملٍ ما. وكلَّما كانتْ نيَّةُ الإنسانِ أكثر إخلاصاً للهِ عزَّ وجلَّ أمدَّه اللهُ مِنْ نِعَمِه، كما وردَ في الحديثِ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «جميلُ النيَّةِ سببٌ لبلوغِ الأمنيَّة»[6]. والمؤمنُ يسعى ليكونَ كلُّ عملٍ يقومُ بهِ للهِ عزَّ وجلَّ، ففي دعاءِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) -في الاشتياقِ إلى طلبِ المغفرة-: «اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، واجْعَلْ هَمَسَاتِ قُلُوبِنَا، وحَرَكَاتِ أَعْضَائِنَا ولَمَحَاتِ أَعْيُنِنَا، ولَهَجَاتِ أَلْسِنَتِنَا فِي مُوجِبَاتِ ثَوَابِكَ حَتَّى لَا تَفُوتَنَا حَسَنَةٌ نَسْتَحِقُّ بِهَا جَزَاءَكَ، ولَا تَبْقَى لَنَا سَيِّئَةٌ نَسْتَوْجِبُ بِهَا عِقَابَكَ»[7].
ومِنْ دعائِه في مكارمِ الأخلاق: «وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إلَى أَحْسَنِ النِّيَّاتِ، وَبِعَمَلِي إلى أَحْسَنِ الأعْمَالِ. أللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتِي...» [8].
3. البِرُّ بالأهل: وهوَ مِنْ أعظمِ ما افترضَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ على الناس. وقدْ وردَ الكثيرُ مِنَ الرواياتِ التي تتحدَّثُ عَنْ عظيمِ التوفيقِ لصاحبِ البِرّ، ومِنْ آثارِه في الدنيا أنْ يمُدَّ اللهُ في عُمُرِه، ففي الحديثِ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه): «مَنْ سَرَّهُ أنْ يُمَدَّ لهُ في عُمُرِه، ويُزادُ في رزقِه، فليبَرَّ والدَيه، وليَصِلْ رحِمَه»[9].
ختاماً، نرفعُ آياتِ العزاءِ لمولانا صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرجَه) ولوليِّ أمرِ المسلمينَ، وللمجاهدينَ جميعاً بذكرى شهادةِ الإمامِ محمَّدِ بنِ عليٍّ الباقرِ (عليه السلام)، في السابعِ مِنْ ذي الحِجَّةِ مِنَ العامِ 114 للهجرة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص219.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص371.
[3] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص221.
[4] سورة الصفّ، الآية 2.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص363 - 364.
[6] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص221.
[7] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص60، الدعاء 9.
[8] المصدر نفسه، ص92، الدعاء 20.
[9] المنذريّ، الترغيب والترهيب، ج3، ص317.