يتم التحميل...

ما سرّ ثبات وصلابة الإمام الخميني (قدس سره)؟

رحيل الإمام الخميني(قدس سره)

إنّ شخصًا في مقام الإمام الخمينيّ قدس سره، العلميّ والأخلاقيّ والجهاديّ، لا يمكن أن يُتوقّع منه إلّا الثّبات في أداء التّكليف الإلهيّ وفي كلّ المواقف، وهذه نتيجة طبيعيّة لكلّ الأُسُس العقائديّة والفقهيّة والأخلاقيّة، الّتي بنى عليها الإمام مسيرته الثوريّة في حياته. إلى ذلك، فإنّ هذا الرّجل لا يمكن أن ينصاع لمنطق التّهديد، فأيّ تهديد يمكن أن يُخيف إنسانًا، يرى بعين القلب أن لا مؤثّر في الوجود إلّا الله؟

عدد الزوار: 365

إنّ شخصًا في مقام الإمام الخمينيّ قدس سره، العلميّ والأخلاقيّ والجهاديّ، لا يمكن أن يُتوقّع منه إلّا الثّبات في أداء التّكليف الإلهيّ وفي كلّ المواقف، وهذه نتيجة طبيعيّة لكلّ الأُسُس العقائديّة والفقهيّة والأخلاقيّة، الّتي بنى عليها الإمام مسيرته الثوريّة في حياته. إلى ذلك، فإنّ هذا الرّجل لا يمكن أن ينصاع لمنطق التّهديد، فأيّ تهديد يمكن أن يُخيف إنسانًا، يرى بعين القلب أن لا مؤثّر في الوجود إلّا الله؟
 
يسمّي ذلك الإمام الخامنئيّ دام ظله بالرّوح الحسينيّة، وهي الرّوح الّتي واجه بها الإمام الحسين عليه السلام كلّ الأعداء وحيدًا. يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "لم يحصل خلال الحياة الشّريفة للإمام الّتي امتدّت عشر سنوات من بعد انتصار الثّورة أن تردَّدَ لحظةً واحدة بسبب ضخامة تهديد العدوّ في أيِّ بُعْد من الأبعاد، أي إنّه كان يتمتّع بتلك الرّوح الحُسينيّة نفسها. الحرب تقترن عادةً بالخسائر، وكانت حياة الإنسان عزيزةً على الإمام، فهو يبكي أحيانًا على الإنسان الّذي يعاني ويتألّم، وأحيانًا تترقرق الدُّموع في عينيه، وهذا ما شاهدناه مراراً، فقد كان إنسانًا رحيمًا وعطوفًا، وقلبه طافحاً بالإنسانيّة والمحبّة، لكنّ هذا القلب الطّافح بالمحبّة لم يرتعش يومًا أمام التّهديد، ولم يَزِلّ ولم يتراجع ولم يتنازل طوال السنوات العشر هذه، فأدرك أعداء الثّورة كلّهم، ولمسوا بالتّجربة أنّ الإمام لا يمكن إرعابه، وإنّها لنعمةٌ كبرى بأن يشعر العدوّ بأنَّ هذا الرّجل لا يمكن إزاحته من السّاحة بالخوف والتّهديد. وقد أدرك الجميع بما لمسوه من تلك الشّخصية القويّة الّتي كان يتحلّى بها الإمام أنّه رجل لا يمكن إخراجه من السّاحة، ولا يمكن تهديده بالضّغوط، والتّهديد العمليّ أيضًا لا يُجدي نفعًا في ثَنْيِه عن منهجه، لذلك اضّطروا إلى مُجاراته"[1].
 
إذاً، هذه الشّخصيّة الإلهيّة الّتي امتلكها الإمام الخمينيّ وأثّرت في الشّباب الثوريّ، لها جذورٌ مُحْكَمة في تُربة الولاء الحسينيّ، يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"إنّ ما يمكن استنتاجه من هاتين الكلمتين - وهذا الاستنتاج طبعًا قابل للتّعميم وللتّأمُّل - هو:
- أولاً: إنّ من جملة الخطوط البارزة، بل الخطّ المميّز لثورة عاشوراء، هو استقامة الإمام الحسين عليه السلام.
- والاستنتاج الآخر هو أنّ إمامنا الكبير -رضوان اللّه عليه- اتّخذ الاستقامة الحسينيّة كمنهج له في نهضته وفي نمط حياته، ولذلك استطاع ضمان استمراريّة الجمهوريّة الإسلاميّة، وصَدَّ العدوّ عن أسلوب الضّغط والتّهديد، لأنّه بيّن للعدوّ أنَّ الضّغط والتّهديد والهجوم لا يُجدي نفعًا، وأنّ هذا القائد ليس بالرّجل الّذي تثنيه مثل هذه الأفعال"
[2].
 
من جهة ثانية لقد كان الإمام الخمينيّ قدس سره مِثالًا للنَّشاط والهمَّة العالية في أداء التّكليف. لسنا نتحدّث هنا عن حالة طبيعيّة لشابٍّ ثائر، فقد بدأ الإمام الخمينيّ قدس سره حركته وهو في سنّ الثّالثة والسّتين، ولكنّه كان في حركته يملك روح الشّباب، بل كان في مقدِّمة الشّباب في تحمُّل المشاقّ والصّعاب طوال السّنوات المديدة للنّهضة العظيمة الّتي قام بها.
 
هذه الرّوح الفتيّة للإمام أثارت إعجاب العالم، حتّى إنّ الإمام الخامنئيّ دام ظله كثيراً ما يذكرها بإعجابٍ وإكبارٍ شديدَين.
 
يسرد الإمام الخامنئيّ دام ظله شيئًا من نشاط الإمام الخمينيّ قدس سره في العمل والثّورة، فيقول: "لقد استُغلّت هذه التجربة مرّة واحدة بشكل صحيح وتحقّق فيها النّصر المُطلَق، ألا وهي الثّورة الإسلاميّة في عصرنا، لقد خلق الباري تعالى إمامنا العظيم بشكلٍ لم تكن تلك الشّخصيّة تشعر بالتّعب والهزيمة، ولم يكن للفشل أثرٌ في روحه قطّ، بل كان يحاول التقدّم حتّى في أصعب الظّروف، فقد رأيتم عن قُرب، طوال الأعوام الثّمانية من الحرب، أنّ الّذي لم يقرّر الانسحاب في أصعب الظّروف هو شخص الإمام قدس سره، فكان صامدًا كالجبل الرّاسخ، والإنسان يجاهد بسهولة لو كان وراءه جبلٌ راسخ كالإمام، وقد كان الإمام هكذا في مرحلة الكفاح أيضًا، فاستمرّ في الكفاح برغم الكثير من الهزائم والصّعاب والتّعذيب والضّغوط والنّفي وكِبَر السنّ، حيث لم يكن الإمام شابًّا عندما دخل ساحة الكفاح، بل كان يبلغ ثلاثة وستّين عامًا عندما بدأ الكفاح، وأتذكّر في خطاباته عام 1341هـ.ش (1962م) حيث كان يقول: لماذا وممّ أخاف؟ فإن قتلوني فعمري ثلاثٌ وستّون، سأموت وأنا في عمر النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليه السلام، فأيّ سعادةٍ أعظمُ من هذه؟ هكذا كان منطِقُه"[3].
 
واستمرّ الإمام في ذلك النّشاط وتلك الفاعليّة، حتّى في زمن الدّفاع المقدّس والسّنوات الّتي تلَت قيام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "لقد استطاع تحمُّل جميع المشاقّ في الكِبَر، وعندما تسلّم قيادة الثّورة العظيمة كان في الثّمانين من عمره، وقادها بتبعاتِها العظيمة الّتي شاهدتموها حتّى سنّ التّسعين. ولم تهزّ هذا الجبل الرّاسخ قطّ تهديدات أمريكا، والاتّحاد السّوفياتيّ، واتّحاد القوَّتَين العُظميَين، وحرب السنوات الثّماني، والهجوم على طَبَس، والحظر الاقتصاديّ والإعلاميّ والسّياسيّ وغيره، "لا تحرِّكَهُ العواطف"، لهذا استطاع أن ينتصر"[4].
 
الثّبات على التّكليف
حدَثَ كثيرًا في العديد من الثّورات الّتي قامت في العالم، أنْ تراجَع الثّوّار عن العديد من مبادئ ثوراتهم، وغيّروا من أقوالهم وأفعالِهم، أو أصابهم الوَهْن والضّعف والخوف والاستسلام، لكنّ الإمام الخمينيّ قدس سره كان شخصيّة فريدة على مستوى الثّبات، وعدم تغيُّر مبادئه ومواقفِه قَبل الثّورة ولا بعدها. يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "لم يلحظ أحدٌ في الإمام حتّى آخر أيّام حياته، أيّ أثرٍ للكآبة والتّردُّد والتّعب والإهمال والاستسلام. يُصاب الكثير من ثوّار العالم بالتردُّد عندما يَصلِون إلى سنّ الكهولة والشّيخوخة، وبالتحفُّظ على بعض الأمور، حتّى إنّهم يتراجعون عن كلامهم الرّئيسيّ في بعض الأحيان، إلّا أنّ كلام الإمام في سنوات عمره الأخيرة، كان أحيانًا أكثر ثوريّة من عام 1963م، أشدّ وأقوى. كان يَشيخ، لكنّ قلبَهُ ظلّ شابًّا، وروحه توّاقة"[5].
 
إنّ منشأ هذه الاستقامة والثّبات برأي الإمام الخامنئيّ دام ظله ترجع إلى أصلٍ قرآنيّ آمنَ به الإمام الخمينيّ وذكره في خطاباته بشكلٍ متكرّر:
"إنّها الاستقامة الّتي جاءت في القرآن الكريم: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾[6]، وفي آية أخرى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾[7]. هذه العقائد أَبقت الإمام حيًّا وشابًّا، وخلّدت فكر الإمام وطريق الإمام. إنّ طريقة الإمام عند هذا الشّعب بعثَت الأمل والثّقة بالنّفس والتّوكُّل على الله. لقد حلَّت مكان اليأس والظُّلمة والتّشاؤم. لقد غيّر الشّعب الإيرانيّ روحيّته، فغيّر الله ما بهم: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[8]"[9].
  
نهج الإمام: معالم نهج الإمام الخميني (قدس سره) من كلام الإمام الخامنئي (دام ظله)، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الذّكرى السّنويّة السّابعة لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره 4/6/1996م.
[2] خطاب الإمام الخامنئيّ دام ظله، الذّكرى السّنويّة السّابعة لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره 4/6/1996م.
[3] خلال لقاء طلبة الجامعات والمدارس 8 جمادى الأولى 1413 هـ.
[4] خطاب الإمام الخامنئيّ دام ظله، بتاريخ 3 شعبان 1416 هـ بمناسبة ولادة أبي الأحرار الحسين بن علي عليه السلام.
[5] خطاب الإمام الخامنئيّ دام ظله، مراسم الذّكرى الـ "24" لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره 04/06/2013 م.
[6] سورة الجن، الآية 16.
[7] سورة فصّلت، الآية 30.
[8] سورة الرعد، الآية 11.
[9] خطاب الإمام الخامنئيّ دام ظله، مراسم الذّكرى الـ "24" لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره 04/06/2013 م.

2023-05-31