ومضة من عدل أمير المؤمنين (عليه السلام)
ولادة أمير المؤمنين(ع)
ومضة من عدل أمير المؤمنين (عليه السلام)
عدد الزوار: 549
النموذج المثالي لتطبيق العدالة هو ما عيّنه وطبّقه أقضى الاُمّة وأعدلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأمر به في عهده الشريف الجامع إلى الأشتر النخعي رضوان الله تعالى عليه حين ولّاه مصر([1]) الذي هو أرقىٰ دستور سامي، وأوفىٰ منشورٍ عالمي في الحكومة والقضاء، والضامن للحياة العادلة والمدنيّة الفاضلة، لجميع الشعوب وكلّ الطبقات.
هذه أنواع العدل التي برعاياتها تسعد الحياة، ويحصل الفوز بعد الممات، ويسود السلام، ويشيع الرخاء في الأنام.
هذا.. والمثل الأعلى الأوفى لبسط العدل هم أهل البيت (عليهم السلام)، حيث كان ملأ حياتهم، وفي جميع اُمورهم على أقصى العدل، وأوفى القسط.
ومن ذلك ما في حديث المناقب عن عدل أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه:
قَدِمَ عليه عقيل فقال للحسن: اكسُ عمّك، فكساه قميصاً من قميصه ورداءً من أرديته.
فلمّا حضر العشاء فإذا هو خبزٌ وملح، فقال عقيل: ليس إلّا ما أرىٰ؟
فقال: أوليسَ هذا من نعمة الله، وله الحمد كثيراً.
فقال: أعطني ما أقضي به ديني، وعجّل سراحي، حتّى أرحل عنك.
قال: فكم دَينُك يا أبا يزيد؟
قال: مائة ألف درهم.
فقال: لا والله ما هي عندي ولا أملكها، ولكن اصبر حتّى يخرج عطائي فأواسيكه، ولولا أنّه لابدّ للعيال من شيء لأعطيتُك كلّه.
فقال عقيل: بيت المال في يدك، وأنت تسوّفني إلى عطاءك؟
فقال: وما أنا وأنت فيه إلّا بمنزلة رجلٍ من المسلمين، وكانا يتكلّمان فوق قصر الإمارة، مشرفين على صناديق أهل السوق، فقال له عليّ (عليه السلام): إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخُذ ما فيه.
فقال: وما في هذه الصناديق؟
قال: فيما أموال التجّار.
قال: أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكّلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين، وأعطيك أموالهم...؟
وزاد في حديث الصواعق المحرقة أنّه ثمّ قال عقيل: لآتينّ معاوية.
فقال عليّ (عليه السلام): أنت وذاك.
فأتى عقيل معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف، ثمّ قال له: إصعد المنبر فاذكر ما أولاك به عليّ وما أوليتك.
فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:
أيّها الناس إنّي اُخبركم إني أردتُ عليّاً عليه علىٰ دينه فاختار دينه، وإنّي أردتُ معاوية علىٰ دينه فاختارني على دينه([2]).
وعدل أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع حياته ومجالاته ممّا لا يختلف فيه إثنان.
وهو القائل: (وَاللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ... )([3]).
وهو القائل أيضاً: (وَاللَّهَ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَهَ فِي نَمْلَةٍ اَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ).
هذه هي الصفة الإلهيّة، والخُلق الربّاني العدل الذي هو من أشرف الفضائل.
وهؤلاء أهل البيت (عليهم السلام) الذي هم المَثَل الأعلى لهذه المزيّة، والصفة السنيّة.
وعلينا أن نسير في هداههم في جميع أفعالنا وأقوالنا، وفي جميع اُمور حياتنا.
أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)، سماحة السيد علي الحسيني الصدر
([1])نهج البلاغة / الكتاب رقم 53 / الطبعة المصريّة.
([2]) فضائل الخمسة من الصحاح الستّة / ج 3 / ص 22.
([3]) نهج البلاغة / الخطبة 224.