يتم التحميل...

المُباهَلة... ثَباتُ الحَقّ

ذو الحجة

المُباهَلة... ثَباتُ الحَقّ

عدد الزوار: 205



لقد كان اليومُ الرابعُ والعشرونَ من ذي الحِجّةِ من العامِ التاسعِ للهجرةِ يوماً فاصلاً في التاريخِ الإسلاميّ، فهو اليومُ الذي جرتْ فيه المباهَلةُ بين النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) ووفدٍ من نصارى نَجران. ولهذه الحادثةِ أبعادُها الخاصة:

1. فَتحُ بابِ الحوارِ مع أتباعِ الأديان؛ للدعوةِ إلى الحقّ، والحوارِ العقلانيِّ الذي تَظهرُ فيه قوّةُ منطقِ الحقّ. فقد كَتبَ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) كتاباً إلى أُسقُفِ نَجرانَ، دعا فيه أهاليَ نَجرانَ إلى الإسلام، فتشاوروا، وآلَ الأمرُ إلى إرسالِ وفدٍ مؤلَّفٍ من ستّينَ رَجُلاً من كبارِ نجرانَ وعلمائِهم لمقابلةِ الرسولِ (صلّى الله عليه وآله) والاحتجاجِ أو التفاوضِ معه، وجرى حوارٌ طويلٌ حيث وَجَّهَ سؤالاً للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله): «ما تقولُ في السيّدِ المسيح؟ فقال النبيُّ (صلى الله عليه وآله): عبدُ الله، اصطَفاهُ وانتجَبَهُ». ولَمّا كانت حُجّةُ النصارى ولادتَهُ مِن غيرِ أب، كان الجوابُ ما نَزَلَ مِن قولِهِ -تعالى-: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾.

2. ثباتُ الحقِّ، وقَبولُهُ التحدّي في عنوانِ المباهلة؛ لأنها الدعاءُ بإنزالِ لعنةِ اللهِ على الكاذبِ من الطرفَين، ومَن يقفُ هذا الموقفَ يَظهرُ منه بوضوحٍ اليقينُ بما آمنَ به وأَعلَنَ عنه، والذي يتراجعُ عن ذلك يكشِفُ عن ضَعفِ معتقَدِهِ.

3. إنّ هذه الحادثةَ كَشفتْ عن عظمةِ الذينَ جاء بهمُ النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ورفيعِ مكانتِهِم ودرجتِهِم، وظَهَرَ ذلكَ من خلالِ رَدَّةِ فعلِ أُسقُفِ نجران، حيث قال مخاطِباً قومَه لَمّا رأى النبيَّ (صلّى الله عليه وآله): «يا معشرَ النصارى، إنّي لَأرى وجوهاً لو سألوا اللهَ أن يُزيلَ جبلاً من مكانِهِ لأزالَه، فلا تبتهلوا؛ فتَهلَكوا».

4. إنّ حادثةَ المباهلةِ حدّدت الاتجاهَ الحقَّ داخلَ المجتمعِ الإسلاميّ، المتمثِّلِ بأهلِ بيتِ العصمةِ والطهارةِ (عليهمُ السلام)؛ وذلك لأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) لَمّا كان يومُ المباهلة، جاء وهو يحتضنُ الحسينَ (عليه السلام)، وآخذاً بِيَدِ الحسنِ (عليه السلام)، وخَلفَهُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ (عليه السلام) وفاطمةُ (عليها السلام)، وخَرَجَ النصارى يتقدّمُهم أسقُفُهم، فلمّا رأَوا صِدقَ النّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) وأنّهُ قد أَقبلَ بخاصّةِ أهلِه، أَحجَموا عن المباهلة، وقالوا: إنّا لا نباهِلُك، ولكن نصالِحُك، فصالَحَهُم.

وقد وَرَدَ في الكثيرِ من الرواياتِ احتجاجُ الأئمّةِ (عليهم السلام) بهذهِ الحادِثة لإثباتِ حقّانيةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام). رُويَ عن الإمامِ موسى بنِ جعفرٍ (عليهما السلام) في حديثٍ له معَ هارونَ الرشيد، قال الرشيدُ له: «كَيْفَ قُلْتُمْ إِنَّا ذُرِّيَّةُ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله)، وَالنَّبِيُّ لَمْ يُعْقِبْ، وَإِنَّمَا الْعَقِبُ لِلذَّكَرِ لَا لِلْأُنْثَى، وَأَنْتُمْ وُلْدُ الْبِنْتِ، وَلَا يَكُونُ لَهَا عَقِب‏؟» فقال له الإمامُ (عليه السلام) قولَ اللهِ -عزَّ وجلّ-: ﴿فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾، ولم يَدَّعِ أحدٌ أنّهُ أَدخَلَ النبيُّ (ع) تحتَ الكساءِ عندَ المباهَلةِ مع النصارى إلّا عليَّ بنَ أبي طالبٍ (عليه السلام) وفاطمةَ (عليها السلام) والحسنَ (عليه السلام) والحسينَ (عليه السلام)، فكان تأويلُ قولِهِ ﴿أبناءَن﴾ الحسنَ والحسينَ (عليهما السلام)، و ﴿نساءَن﴾ فاطمةَ (عليها السلام)، و ﴿أنفسن﴾ عليَّ بنَ أبي طالبٍ (عليه السلام).

ومِن هذه النقطةِ تحديداً، يؤكِّدُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظله) على إحياءِ هذه المناسبة، يقول: «إنَّ المباهلةَ -والتي ينبغي إحياءُ ذكراها- [حادثةٌ] مهمّةٌ جدّاً. هي في الواقعِ مَظهَرُ الطُمأنينةِ والاقتدارِ الإيمانيّ، والاعتمادِ على الأحقّيّة، وهذا هو ما نحتاجُهُ دَوماً. اليومَ أيضاً نحن بحاجةٍ إلى هذا الاقتدارِ الإيمانيّ، وهذا الاعتمادِ على الأحقّيّة؛ لأننا نسيرُ في طريقِ الحقّ. لذلك، ينبغي أن نستندَ ونعتمدَ على هذا الشيءَ مقابِلَ عَداءِ الأعداءِ وعَداءِ الاستكبار».

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

 
2020-08-13