يتم التحميل...

عصمة الإمام (عليه السلام)

إضاءات إسلامية

عصمة الإمام (عليه السلام)

عدد الزوار: 91

ذهب أكثر المسلمين الى ثبوت العصمة للأنبياء (عليه السلام)، واختلفوا في متعلق العصمة، فذهب المعتزلة الى وجوب عصمتهم عن الكبائر سهوا وعمدا، وأما الصغائر فجوزوها عليهم سهوا وتأويلا، ومعنى هذا عدم عصمة الأنبياء عن الخطأ.

أما الاشاعرة فقالوا إنه يجوز على النبي ان يرتكب الكبائر والصغائر سهوا لا عمداً، باستثناء الكفر والكذب، لأن جواز الكذب عليه ولو سهوا، يعني إبطال رسالته، لعدم الأمن من ابتلائه به، واما الكفر فالاجماع قائم على عدم جوازه، الا من شذ من الخوارج وهم الأزارقة.

هذا كله بعد البعثة، واما قبلها فجوز الاشاعرة وبعض المعتزلة ارتكابهم الكبائر والصغائر عمدا وسهوا[1].

إلا أن القائلين بوجوب العصمة اختلفوا في مستند الوجوب، فاستند المعتزلة الى حكم العقل وقاعدة اللطف واختيار الاصلح منه تعالى لعباده، وأما الاشاعرة فاستندوا في ذلك الى الاجماع.

وانفرد الشيعة الامامية بوجوب عصمتهم قبل البعثة وبعدها، عن الخطأ والسهو والنسيان، وعن كل ما هو مخل بكماله من الناحية الانسانية، ومنفر من قبول الناس دعوته، لأنه لو بعث من لم يكن معصوما لكان في بعثه نقضا لغرضه، لأن المفروض ان بعثة الأنبياء انما هي لأجل توجيه الناس الى الخير والثواب بامتثال أوامرهم، وامتثال الأمر لا يكون ذا قيمة وتأثير، إلا اذا اطمأن المبعوث اليهم من صدق أقوالهم وافعالهم، وانسجام ذلك مع ما تقتضيه الفطرة السليمة، لتسكن نفوس المكلفين وتركن اليهم، وهو لا يتم الا بعد العلم بعدم صدور الذنب منهم، وامتناعهم عما ينهون عنه.

لأنه لو بعثهم – والحال هذه – لم يكن لبعثتهم أي تأثير في نفوس المبعوث اليهم، مع ان وقوعهم في المعصية لا يخلو من وجوب متابعتهم فيها، أو عدم وجوبها، وعلى كلا التقديرين يكون نقضا لغرض الرسالة.

هذا مضافا الى ان تجويز وقوع المعصية منهم، يستلزم وجوب زجرهم، ونهيهم عنها لأنها منكر يجب النهي عنه، وفي ذلك ما لا يخفى من أذيتهم بل تسفيههم، ولازمه ان لا تكون اذيتهم محرمة، مع انه لا اشكال في حرمة اذيتهم، ولازم ذلك انه يجب القول بعصمتهم.

هذا كله مع ان مجرد تجويز المعصية عليهم ولو سهوا، يعني ان حال النبي سيكون أسوأ من حال عامة الناس، لأن مقتضى بعثته ان يكون عارفا بالله تعالى، وبشؤون البعثة والدعوة، ولوازمها وشرائطها، ولا شك ان خطأ العارف بنتائج فعله أكبر من خطأ الجاهل بها بحكم العقلاء.

عصمة الإمام:
قال في المواقف في تعريف الامامة: "الامامة رئاسة عامة في امور الدين والدنيا[2]"، وزاد التفتازاني قوله: "خلافة عن النبي (صلى الله عليه وآله)[3]"، واذا اضفنا اليهما ما تقدم من كلام المواقف في وجوب نصب الامام، ظهر ان وظيفة الامام حفظ الدين ومعالمه، وبيان الاحكام التي ترجع منافعها الى العباد، اذ من المعلوم ان القرآن الكريم لم يبين جميع الاحكام التي يبتلى بها المكلفون تفصيلا وعلى مر الازمان، كذلك لم تكن السنة النبوية الشريفة جامعة لكل هذه الاحكام، كما اجمع عليه المسلمون، ويقتضيه الدليل العقلي، اذ من الواضح ان الاحاديث الشريفة محدودة، بخلاف الوقائع التي يواجهها الناس فإنها غير متناهية، مما يحتم ان يكون الامام عالما بكل تفاصيل الشريعة، قادرا على بيان هذه الاحكام، بل اعلم الناس فيها واقدرهم على بيان احكامها وتطبيقها، وبمقتضى قاعدة اللطف التي دلت على عصمة النبي، يستكشف وجود عصمة الامام ايضا. اذ لولا كل ذلك لأمكن لهم ان يقوموا اعوجاجة، وينهونه عن المنكر لو ابتلى به، فلا يكون والحال هذه حافظا للدين واماما له.

هذا بالاضافة الى ان اصل وقوعه في المعصية أو الخطأ او السهو والنسيان، سيؤدي الى عدم ركون نفوس المؤمنين له، ولا اطمئنانهم لامامته وهو ظاهر.

وبعبارة موجزة: ان نفس ما دل على وجوب عصمة النبي يدل على وجوب عصمة الامام ايضا، بنفس الملاك وبنفس الرتبة مع اختلاف ان مقام النبوة مقام تشريع وحفظ واما مقام الامامة فمقام حفظ وحماية وصون لهذه التشريعات.
 
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل

[1] شرح المواقف ج8 ص263 وما بعدها
[2] شرح المواقف ج8 345
[3] شرح المقاصد ج5 ص232

2019-12-16