(المدرسة) في النظام الاجتماعي
النظام والمجتمع
لما كان إيمان الإسلام بحق الفرد في التعليم إيماناً راسخاً، نابعاً من مقتضى قوله تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"، فإن تدخل الدولة في المجتمع الإسلامي بضرورة فرض التعليم الإجباري إلى المرحلة المتوسطة يجب أن يكون أمراً ارتكازياً وشرعياً، للأسباب الثلاثة التالية...
عدد الزوار: 296
لما كان إيمان الإسلام بحق الفرد في التعليم إيماناً راسخاً، نابعاً من مقتضى قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾1، فإن تدخل الدولة في المجتمع الإسلامي بضرورة فرض التعليم الإجباري إلى المرحلة المتوسطة يجب أن يكون أمراً ارتكازياً وشرعياً، للأسباب الثلاثة التالية: أولاً: لأن الفرد يعتبر قاصراً في سن الطفولة، فعلى وليه الاهتمام بمصلحته العلمية. ثانياً: لما كان ولي أمر الأمة (الإمام المعصوم أو نائبه الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة) مسؤولاً عن بناء الدولة الإسلامية بناءً محكماً في المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري، وجب عليه تهيئة مقدمات بناء الدولة من خلال بناء الأفراد علمياً وثقافياً قبل البلوغ، ثالثاً: إن العلم بكل فروعه وألوانه يقرب المكلف من الله عز وجل، ويجعله أكثر تطبيقاً للأحكام الشرعية وأكثر فهماً لدور الدين في النظام الاجتماعي.
وبطبيعة الحال، فان التمييز بين الأفراد في النظام التعليمي الإسلامي يجب أن يمحى أصلاً، لأن ديناً كالإسلام يحاول تثبيت أسس العدالة الاجتماعية بقوة القانون، لا يمكن أبداً أن يحرم الأفراد من حقوقهم المشروعة. فالتعليم حق مشروع لكل فرد، والمساواة في تحصيله أصل من أصول العدالة الاجتماعية، بل إن المساواة العامة التي أمر بها الإسلام في امتلاك الثروة واستثمارها في شتى مجالات الحياة العملية، تعتبر دعماً حقيقياً للمساواة في نظام التعليم العام.
ولاشك أن المدرسة في المجتمع الإسلامي تساهم في تطوير النظام الاجتماعي، من خلال نقل المعرفة الإسلامية والإنسانية إلى أذهان الطلبة من الجيل القديم إلى الجيل الجديد، ونشر الفكر الذي يوحد توجهات المجتمع، وتطوير شخصيات هؤلاء التلاميذ الذين سيحملون مشعل المسؤولية مستقبلاً، وتأهيلهم لتحمل التكليف الشرعي، وتمرينهم على الأعمال التخصصية، وتعليمهم قواعد النظام الاجتماعي التي تربط الأسرة وأفرادها بالمسجد والمدرسة والحكومة وساحة العمل المهني.
فعلى نطاق نقل المعرفة، فان عملية التعليم لابد لها من الاستمرار عبر الأجيال المتعاقبة، وهذا هو الذي يميز المجتمعات الإنسانية عن غيرها من التجمعات الحيوانية. ففي كل حقبة زمنية تتراكم كمية هائلة من المعلومات الاجتماعية والتجريبية، لابد وان تنقلها أيادي الجيل القديم إلى نظائرهم من الجيل الجديد. وهذا الانتقال لا يساهم في بقاء الحياة الإنسانية في تطور مستمر فحسب، بل يساهم في بقاء القيم الأخلاقية حية في الضمائر مهما طال زمن انتشارها. ولا يمكن نقل هذه المعارف والأفكار الإنسانية إلا عن طريق المدرسة والنظام التعليمي المعترف به اجتماعياً.
ولما كانت أرض الإسلام ساحة منسجمة تجمع الأقليات العرقية المتعددة، أصبح للمدرسة دوراً أعظم في توحيد توجهات أفراد المجتمع وتهذيب تطلعاتهم وآمالهم في حياة إسلامية رغيدة.
فلابد أن تدرس اللغة العربية الفصحى ومعارفها ـ باعتبارها لغة القرآن ـ لجميع أفراد الأمة، وكل ما يدرس في المدرسة العامة في النظام الإسلامي من علوم وتاريخ ودين يساهم في توحيد الدولة من الناحية الثقافية والسياسية والاجتماعية، لأن عملية انصهار هذه العلوم في أذهان التلاميذ ستخلق منهم أفراداً يملكون كل المؤهلات العلمية لبناء دولة علمية، موحدة، متطورة، قائمة على أساس نظام أخلاقي وديني عظيم.
ولاشك أن دور المدرسة العامة في المجتمع الإسلامي لا يتوقف عند معرفة اللغة وفهم العلوم التي تتعلق بها، بل إن دورها يتعدى إلى فهم دور الإنسان في الحياة الاجتماعية، وفهم علاقته بالكون والخالق، وفهم الإنسان لذاته من خلال العلوم الفلسفية والتطبيقية. ولابد لهذه المدرسة من فتح أبواب النقاش العلمي والنقد البناء، فالرد على النظريات الفاسدة والآراء المنحرفة يوفر للطلبة فرصاً ثمينة لممارسة النقد البناء المستند على الأسس العلمية. بل إن المدرسة تستطيع أن تهيئ لطلابها جواً من العمل السياسي والاجتماعي، حتى تؤهلهم لاحقاً لدخول المعترك الاجتماعي دون عراقيل.
ولابد لنا من معرفة حقيقة مهمة وهي أن المدرسة بكل تخصصاتها وفروعها العلمية والإنسانية والمهنية، إنما هي ضمان لمستقبل الإسلام، ونجاح التجربة الإسلامية في تكامل النظام الاجتماعي لقيادة البشرية المعذبة وإيصالها إلى شاطئ السلام. ولاشك أن المدارس والجامعات الإسلامية ينبغي لها أن تساهم مساهمة فعالة في حل المشاكل العلمية والاجتماعية والاقتصادية التي يبتلي بها النظام الاجتماعي. فما فائدة المدرسة التي لا تساهم في التفاعل الاجتماعي ولا تفهم مشاكل الأفراد ولا تحاول حلها؟ ألم تكن الدراسات النظرية باباً من أبواب الدراسات التطبيقية وفرعاً من فروعها؟ فما فائدة دراسة تركيب الذرة ما لم تترجم هذه الدراسة إلى تصنيع مواد كيميائية تنفعنا في التطبيب والتسميد والتنظيف؟ وما فائدة دراسة الظواهر الاجتماعية والانحرافات ما لم يوضع منهج واضح المعالم لترشيد توجهات المجتمع الإسلامي وطموحاته وآلامه ومشاعره؟
وإذا كانت النظرية السياسية الرأسمالية قد نجحت في فصل المدرسة عن الكنيسة في المناهج التعليمية، وتركت للكنيسة تنصير الأفراد وتعليمهم دينهم2، فان النظام التعليمي الإسلامي ينبغي أن يؤسس في كل مدرسة مسجداً للصلاة، وينبغي أن تندمج المدرسة بالمسجد اندماجاً حقيقياً يؤدي إلى تهذيب المدرسة أخلاقيا، والى رفد المسجد بالطاقات العلمية الشابة المؤهلة لا للعبادة والدعاء والتسبيح فحسب، بل على أتم الاستعداد للدفاع عن الدين والوطن، وحماية العقيدة بالعلم والسلاح.
*النظرية الاجتماعية في القران الكريم،د:زهير الاعرجي،أمير_قم،ص109-112.
2- (جون كودلاند). مكان يسمى (المدرسة): إبعاد مستقبلية. نيويورك: ماكرو ـ هيل، 1984 م. 2009-11-09