الضمان والتكافل الاجتماعي في الإسلام
أبحاث في المجتمع
إن من واجب الدولة في النظام الإسلامي ضمان معيشة الأفراد، وهي بذلك تتبع أحد هذه الطرق الثلاثة، أولها: أن توفر لهم أعمالا يرتزقون بها إلى حد الكفاية. ثانيها: إن تضمن معيشتهم الأساسية في حالة عدم توفر فرص العمل. ثالثها: أن تنشئ لهم هيئات ولجاناً متخصصة لاستحداث مختلف الأعمال في الزراعة...
عدد الزوار: 293
إن من واجب الدولة في النظام الإسلامي ضمان معيشة الأفراد، وهي بذلك تتبع أحد هذه الطرق الثلاثة، أولها: أن توفر لهم أعمالا يرتزقون بها إلى حد الكفاية. ثانيها: إن تضمن معيشتهم الأساسية في حالة عدم توفر فرص العمل. ثالثها: أن تنشئ لهم هيئات ولجاناً متخصصة لاستحداث مختلف الأعمال في الزراعة والصناعة والأعمال التجارية. وكل هذه الطرق الهادفة لضمان معيشة الأفراد يمكن إيجادها ضمن حدود الدولة والنظام الاجتماعي، لأن الأرض ـ بكل خيراتها ـ لا تبخل على الإنسان بعمل، وان العقل البشري ـ بطاقته الجبارة ـ يفتح آفاقاً واسعة لتطوير مصادر الغذاء في البر والبحار والمحيطات والأنهار. وهذه الخيرات تستطيع إشباع ملايين الأفراد، خصوصاً إذا ما استخدمت وسائل الإنتاج الزراعي والحيواني الميكانيكية التي تستطيع مضاعفة الإنتاج الغذائي بكلفة أقل. وكل هذا النشاط والاستثمار يقع تحت عنوان حق الجماعة في التمتع بمصادر الثروة الاجتماعية، فتضمن الدولة حقوق القاصرين والعاجزين عن العمل، فضلاً عن حقوق عموم الأفراد باستثمار مصادر الثروة الطبيعية بكافة أنواعها وأشكالها المعروفة. فالأرض بخيراتها الهائلة إنما خلقت للجميع كما ورد في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾1.
وهذا الضمان ينبع من جوهر النظرة القرآنية للإنسان. فالفرد ـ حسب تلك النظرة ـ ليس كياناً مادياً فحسب، بل هو كيان مادي وروحي كريم، والجوع يمزق هذا الكيان ويحط من قدره، وبذلك فلابد من إشباع حاجاته الأساسية في العيش الكريم. والى هذا التفضيل أشار الكتاب المجيد بقوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾2. وليس غريباً إن نلمس بكل صراحة إدانة القرآن الكريم للبخل والبخلاء، وأولئك الذين يكنزون أموالهم ويبعدونها عن التداول الاجتماعي، لأن البخل يحرم الأفراد من التنعم بالثروات الاجتماعية: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾3، ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ *فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾4، ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾5.
إن من حق المخلوق على الخالق إشباعه وكسوته، وأي نقض لهذا القانون الكوني إنما هو نقض لصميم مفهوم العبودية بين المربوب والرب. فالجائع لا يستطيع عبادة الله، ولا يقدر على تحمل التكاليف الشرعية، فكيف يأمره الخالق ـ إذن ـ بالعبادة، ولا يضمن له العيش الكريم؟ ولاشك أن المولى عز وجل خلق للأفراد مصادر غذائهم وكسوتهم، ولكن سوء التوزيع الذي يقوم به الإنسان هو الذي يحرم البعض من حقوقهم ويتخم البعض الآخر. وهذا يفسر ـ إلى حد ما ـ تأكيد الإسلام المستمر على الإنفاق الواجب والمستحب على الفقراء والمساكين، خصوصاً في موارد الإنفاق، كالصدقات الواجبة، والكفارات، والأضحية، والأنفال.
ولا تتوقف النظرية الإسلامية بمساعدة الفقراء عند الضمان الاجتماعي فحسب، بل تتعدى في نظرتها الشمولية إلى التكافل العام بين جميع أفراد المجتمع الإنساني، الذي ينبغي ان يقوم على مبدأين هما:
الأول: مبدأ كفالة الأفراد بعضهم البعض كفاية، وهذا المبدأ لا يمكن تجزئته أو فصله عن بقية أحكام الإسلام التي تفرض على المكلفين ضرائب وغرامات مالية أو عينية يرد أغلبها الى الفقراء، خصوصاً القاصرين والعاجزين.
الثاني: مبدأ الأخوة الذي يعتبره الإسلام حجر الأساس في بناء العلاقات الاجتماعية النظيفة. وقد أشارت الأحكام الشرعية الإسلامية في أكثر من موضع إلى ضرورة التحسس لآلام الآخرين وأهمية مشاركة الأفراد شعورهم الإنساني من أفراح وأتراح. فالمصائب الجماعية أخف ثقلاً على كاهل الفرد من تلك التي ينوء بحملها الإنسان منفرداً دون صديق أو حميم. ولذلك كان مفهوم الأخوة في الإسلام، وما يترتب عليه من آثار اقتصادية في توزيع الثروة، من أكثر وسائل التكافل الاجتماعي تأثيراً وأمضاها فعالية في تضييق الفوارق الطبقية بين الأفراد. ولئن كان (المذهب الفردي) الذي تدعي النظرية الرأسمالية تفوقه على بقية المذاهب الاجتماعية، قد نجح في دفع الأفراد نحو العمل والإبداع6، إلا أن التأثيرات الاجتماعية السلبية التي أوقعها ذلك المذهب بالمجتمع الرأسمالي، تجعله من أكثر المذاهب الاجتماعية فشلاً في تحقيق سعادة الإنسان وطموحه في تحقيق مجتمع سعيد متكاتف يقوم على أساس المساواة والعدالة الإنسانية.
*النظرية الاجتماعية في القران الكريم،د:زهير الاعرجي،أمير_قم،ص34-37.
1- البقرة: 29.
2- الإسراء:70.
3- الهمزة:1ـ 4.
4- الماعون:1ـ 3.
5- آل عمران: 180.
6- (مي برودبك). "المذهب الفردي الطريقي: تعريف واختزال". مقالة فلسفية في مجلة ( فلسفة العلم ) الأمريكية، عدد 25، رقم 1، 1958 م. ص 1 ـ 22.