يتم التحميل...

مفتاح الخيـر والشر

صفر

مفتاح الخيـر والشر

عدد الزوار: 193

مفتاح الخيـر والشر


عن أمير المؤمنين (ع): «واللَّه مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُه حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَه، وإِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِه، وإِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِه، لأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ تَدَبَّرَه فِي نَفْسِه، فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاه وإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاه، وإِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِه، لَا يَدْرِي مَاذَا لَه ومَاذَا عَلَيْه».

من أعظمِ الأسبابِ الموجبةِ للخلافِ والشقاقِ في الدنيا، ولطولِ الحسابِ وعظيمِ العقابِ في الآخرةِ، الكلامُ الذي يصدرُ من الإنسانِ، ولذا يربطُ الإمامُ (ع) في كلامِه التقوى التي هي معيارُ الفوزِ والنجاةِ بحفظِ اللسانِ وعدمِ إطلاقِ العنانِ له، لأنه وكما ورد عنه عليه السلام : «ولْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَه، فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِه».

وفي بيانِ الفرقِ بين المؤمنِ والمنافقِ بما يرتبطُ باللسانِ يبيّنُ الإمامُ (ع) أنَّ المؤمنَ يُفكّرُ ويتدبّرُ، ويبحثُ عن وجوهِ الخيرِ ووجوهِ الشرِّ في الكلامِ، فمتى كان خيراً نطقَ به، وإلّا أحجمَ عنه. وأمّا المنافقُ فلا يُعمِلُ التدبّرَ، بل ينطقُ بكلِّ ما يخطرُ على ذهنِهِ، وقد يجرُّ الكلامُ عليه الويلاتِ والمصائبَ.

وهذه الجارحةُ من الجوارحِ يصحُّ وصفُها بأنَّها مفتاحُ الشرور ومفتاحُ الخيراتِ في آنٍ واحدٍ، والإنسانُ هو الذي يجعلُها في أحدِهما، فقد روي عن إمامنا الباقر (ع) أنَّهُ قالَ: «إِنَّ هَذَا اللِّسَانَ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى لِسَانِهِ كَمَا يَخْتِمُ عَلَى ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ».

ولو أنَّ الإنسانَ راجعَ نفسَه في الكلماتِ الصادرةِ منه، لوجدَ أنَّه يقعُ في الكثيرِ من الأحيانِ بالحرجِ بسببِ كلمةٍ صدرتْ منه فيضطرُّ إلى الاعتذارِ منها وجبرانِ ذلك بفعلِ ما لا يقومُ به عادةً، ويتحدّثُ أمير المؤمنينَ واعظاً الناسَ بضرورةِ الموازنةِ بين الصمتِ والكلامِ وأنّ تداركَ فواتِ مصلحةٍ ما أو خيرٍ ما بسببِ الصمتِ أسهلُ من تداركِ الضررِ الذي يحصلُ بسببِ الكلامِ، يقول: «وتَلَافِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ، أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ».

ومن آثارِ اللسانِ على المستوى الاجتماعي أنّه يعكسُ قيمةَ الإنسانِ ويحكي عن رجاحةِ رأيه أو ضعفه، ففي الروايةِ عن أميرِ المؤمنين (ع) : «تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِه».

نعم هذا لا يعفي الإنسانَ من واجبِ قولِ الحقِّ متى كان، ولذا ففي مواردِ الشهادةِ بالحقِّ لا يحقُّ للإنسانِ أنْ يحتجَّ بأنّه يُفضّلُ الصمتَ على الكلامِ، قال تعالى: «وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ».

بل الحكمةُ تفترضُ أنْ يتحدّثَ الإنسانُ ويكونَ نطقُه حكمةً وفيه الأجرُ والثوابُ في مواردَ متعددة، والمعيارُ في ذلك أنْ يبحثَ الإنسانُ عن رضى اللهِ عزَّ وجلَّ فما يفرضُه ذلك يقومُ به، وأن يقتديَ بذلك بأولياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ الذين وصفَهم رسولُ اللهِ (ص) بقولِه: «إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ سَكَتُوا فَكَانَ سُكُوتُهُمْ ذِكْراً ونَظَرُوا فَكَانَ نَظَرُهُمْ عِبْرَةً ونَطَقُوا فَكَانَ نُطْقُهُمْ حِكْمَةً ومَشَوْا فَكَانَ مَشْيُهُمْ بَيْنَ النَّاسِ بَرَكَةً لَوْلَا الآجَالُ الَّتِي قَدْ كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ لَمْ تَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ خَوْفاً مِنَ الْعَذَابِ وشَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ».

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

2018-10-25