يتم التحميل...

الدور الاجتماعي للشباب

حقيقة الشباب

في مرحلة الشباب تتفجر طاقات الإنسان، وتتفتق مواهبه ويتوفر له الفراغ النفسي والزمني، بالإضافة إلى ما يمتلك من قوة وقدرة ونشاط، كل ذلك يؤهله ويشجعه لكي يلعب دورا ما في المجتمع. كما ان لدى الشباب رغبة جامحة في أن يمارس إرادته، ويلعب دورا يشعر فيه باستقلاله وشخصيته...

عدد الزوار: 294

في مرحلة الشباب تتفجر طاقات الإنسان، وتتفتق مواهبه ويتوفر له الفراغ النفسي والزمني، بالإضافة إلى ما يمتلك من قوة وقدرة ونشاط، كل ذلك يؤهله ويشجعه لكي يلعب دورا ما في المجتمع.

كما ان لدى الشباب رغبة جامحة في أن يمارس إرادته، ويلعب دورا يشعر فيه باستقلاله وشخصيته، ويثبت للآخرين قدرته ورجولته، بعد أن كان يعيش صغيرا خاضعا لأوامر الآخرين، ومنصاعا لإرادتهم.. بعد أن كان يعامل في المجتمع كطفل يريد أن يتعامل مع المجتمع كرجل له شخصيته المستقلة وإرادته الكاملة..

وإذا فسحنا المجال للشباب أن يمارس دورا اجتماعيا، ووجهناه للقيام بدور صالح مفيد يساعد على بناء شخصيته وينمي كفاءاته، ويزوده بالخبرة الاجتماعية، فقد أحسنا الاستفادة من ملابسات مرحلة الشباب ومميزاتها.

وإن لم نهتم بهذه المسألة ولم نفسح المجال للشباب في ممارسة رغبته بلعب دور اجتماعي ضمن توجيه صالح، فستكون النتيجة أحد شيئين: إما أن تخمد طاقات الشاب، وتقتل مواهبه، وتدفن طموحاته … وإما أن يبادر إلى ممارسة أدوار منحرفة، والقيام بأعمال فاسدة.

وهذه هي المشكلة التي تعاني منها مجتمعاتنا الإسلامية.. فأكثر المجتمعات لا تعرف كيف تتعامل مع الشباب في هذه الناحية … وكثير من الكبار والذين هم يتحكمون في أمور المجتمع ويمسكون بأزمته.. أغلبهم غير مستعدين لإعطاء أبنائهم الشباب فرصة لممارسة طاقاتهم وكفاءاتهم، ولا يفسحون لهم المجال للقيام بأي دور اجتماعي، ولا يولونهم شيئا من الثقة، بل يعتبرونهم أطفالا جاهلين وشبابا طائشين..

وبذلك ينشأ شبابنا بطموح محدود، وخبرة قليلة، وطاقات مكبوتة ذابلة.. أو ينحرفون عن خط الفضيلة، والصلاح، حينما تتبناهم التيارات الأخرى وتعطيهم المزيد من الثقة بأنفسهم وتفسح لهم المجال للعب الأدوار المهمة والخطيرة.. ومن الطبيعي أن ينحرف الشاب إلى الفئة التي تتعامل معه كشخصية قادرة قوية ويترك الذين يتعاملون معه كطفل صغير وكشاب طائش.

ويؤسفنا جدا أن مجتمعنا لا يزال يقيّم الإنسان بمقياس العمر والزمن.. وما دام الشباب لم يقطعوا من الحياة إلا مسافة قصيرة فإن مجتمع الكبار لا ينظر إليهم بثقة واحترام، ولا يفسح لهم مجال التحرك والنشاط. وقد أعلن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم رفض الإسلام الصريح لمقياس العمر والزمن وجعل المقياس الصحيح هو الكفاءة والعمل، والشاب الكفؤ العامل له الأفضلية والأولوية والصدارة على الآخرين. فقد ولّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عتاب بن أسيد على مكة وعمره إحدى وعشرون سنة، وأمره أن يصلي بالناس وهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة وقال له صلى الله عليه وآله وسلم: يا عتاب تدري على من استعملتك ؟ استعملتك على أهل الله عز وجل، ولو أعلم لهم خيرا منك استعملته !

وحينما اعترض بعض أهل مكة على ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: " ولا يحتج محتج منكم بصغر سنه فليس الأكبر هو الأفضل، بل الأفضل هو الأكبر " 1.

بل إن تعاليم الإسلام تشجع على فسح المجال لهذه الطاقات الشابة كي تنمو وتتقدم، حتى أن هناك مسألة فقهية، تذكرها كل الرسائل العملية هي أنه يصح للصبي غير البالغ أن يؤم زملاءه من الصبيان في صلاة الجماعة، ليتربى على الثقة بنفسه وليشعر الصبيان حينما تكون لهم صلاة جماعة مستقلة بأن لهم شخصيتهم ولهم دورهم المشابه لدور الكبار.

وحينما نطالع سيرة قادة الإسلام، وتاريخ حياتهم، نراهم يتعاملون مع الشباب بتشجيع واحترام، ويمنحون ذوي الكفاءة منهم ثقة عظيمة، ويحملونه مسؤوليات خطيرة.

فنبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم يختار مصعب ابن عمير الشاب المجاهد ليكون سفيره على المدينة، ليقود المجتمع هناك إلى طريق الإسلام، ويهيئ يثرب لتكون منطلق الإسلام ومقر حكومته الناشئة، ويأتي مصعب الشاب في تلك الظروف الحرجة إلى المدينة، متحملا تلك المسؤوليات الضخمة، وقد وفقه الله للنجاح في مهمته بإيمانه الصادق وإخلاصه العميق، وجهاده الدؤوب.

وفي آخر أيام حياته الشريفة هيأ صلى الله عليه وآله وسلم جيشا كبيرا فيه أكابر الصحابة وشيوخ المسلمين، لغزو الروم، وجعل قيادة ذلك الجيش لتلك المعركة الخطيرة بيد أسامة بن زيد، وهو شاب لم يبلغ العشرين من العمر.. وقد كان من ضمن الجيش الخاضع لقيادة أسامة الشاب: أبو بكر، وعمر، وطلحة، والزبير وأمثالهم..

وحينما استاء بعض الصحابة من تأمير أسامة بن زيد عليهم مع صغر سنه، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضب غضبا شديدا من تحكم مقاييس الجاهلية، في عقول بعض الصحابة.. وخرج يخطب في المسلمين مع شدة ألمه ومرضه يومذاك. وكان فيما قال في الخطبة: " أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد ولئن طعنتم في تأميري أسامة، لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، و ايم الله إنه كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها "2.

وهذا إمامنا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يجد في هشام بن الحكم الشاب اليافع، طاقات عظيمة ومواهب ضخمة فيبدي له من الإكبار والتقدير والاحترام، ما يدهش الشيوخ الكبار..

ففي سفينة البحار أنه (بلغ من تربية هشام بن الحكم وعلوه عند أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه دخل عليه بمنى وهو غلام أول ما اختلط عارضاه، وفي مجلسه شيوخ الشيعة، كحمران بن أعين، وقيس الماصر، ويونس بن يعقوب، وأبي جعفر الأحوال، وغيرهم فرفعه على جماعتهم، وليس فيهم إلا من هو أكبر منه سنا !!

فلما رأى أبو عبد الله عليه السلام: إن ذلك الفعل كبر على أصحابه، قال: "هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده"3.

وأخيرا: فإن الشاب بقواه وطاقاته لا يمكن أن يعيش في الفراغ، أو يبقى فضوليا و على هامش الحياة في المجتمع، وإنما يجب أن يمارس دورا اجتماعيا، فإن نحن شجعناه على ذلك ووجهناه للقيام بالدور الصالح المفيد، كسبناه وهيأناه للمستقبل كعنصر صالح فعال، وإن تجاهلنا شخصيته واحتقرنا مؤهلاته وقدراته، ولم نفسح له مجال العمل والنشاط بالاتجاه الصحيح، احتواه الآخرون وصاغوا شخصيته حسب خططهم الفاسدة المنحرفة..

وقد أثبتت التجارب أن الشاب إذا ما أعطي دورا اجتماعيا وتحمل مسؤولية دينية، أصبح أكثر اهتماما بمجتمعه، وانشدادا للدين والتزاما به..

أما مجرد أن نحثّ الشباب على الصلاة والصيام ونشجعهم على استماع الخطب والمحاضرات، فهذا لا يكفي لضمان استقامتهم وصلاحهم، ولتربية أخلاقهم ومواهبهم..

بل يجب إعطاؤهم برامج عمل وخطط تحرك ونشاط، تجعلهم يشعرون بدورهم في المجتمع، ومسؤوليتهم في الحياة..

ومن المؤلم جداً أن يتصدى المجتمع لأي شاب مؤمن، أو فئة طيبة من الشباب، تمارس نشاطاً اجتماعياً أو تحركاً دينياً !!

يتصدى المجتمع لهم بالتشكيك والتهم والتحدي، والمقاومة !

فكم شاهدنا جماعات من الشباب الطيبين المخلصين لأمتهم، المتحمسين لدينهم، يريدون القيام بعمل ديني أو اجتماعي، كتأسيس مكتبة ثقافية، أو إنشاء صندوق اجتماعي، أو تكوين لجنة أو هيئة للنشاط الديني والاجتماعي بيد أن المجتمع يبخل عليهم بالتجاوب والتشجيع، ويمنع عنهم المساعدة والدعم.. بل قد يتحداهم ويقاومهم.. لماذا ؟

لأن آباءنا وكبار مجتمعنا لا يفهمون طبيعة هذه المرحلة، ولا يشعرون بخطورتها ؟

أم لأنهم لا يسمحون لهؤلاء الشباب الناشئين مشاركتهم في تسيير أمور المجتمع وصناعة أحداثه؟ أم ماذا؟ إنها لجريمة كبرى وخيانة عظيمة!!

*مسؤولية الشباب، الشيخ حسن الصفار، دار البيان العربي،لبنان بيروت،الطبعة الثالثة1412هجرية-1992م، ص11-14.


 

 

1- جوان بالفارسية للشيخ محمد تقي الفلسفي ص20.
2- شرف الدين: النص والاجتهاد ص9.
3- القمي: سفينة البحار ج2 ص 719.

2010-05-21