يتم التحميل...

كلمة الامام الخامنئي خلال لقائه رئيس السلطة القضائيّة والمسؤولين فيها

2018

كلمة قائد الثورة الإسلاميّة الامام الخامنئي خلال لقائه رئيس السلطة القضائيّة والمسؤولين فيها

عدد الزوار: 91

كلمة قائد الثورة الإسلاميّة الامام الخامنئي خلال لقائه رئيس السلطة القضائيّة والمسؤولين فيها بمناسبة أسبوع السلطة القضائيّة في الجمهوريّة الإسلامية _27/6/2018

في شؤون حقوق الإنسان: نحن ندين العالم ولا نُدان

محاور رئيسية
• حقيقة السلطة القضائية أن تقوم على الجهاد والإيثار
• واقع السلطة القضائية أن تكون مظهرا للعدالة
• كسب ثقة الرأي العام معيار نجاح السلطة القضائية

بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، لا سيما بقية الله في الأرضين.
أرحب بكل الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، ونبارك لكم جميعاً أيها الأعزة العاملون في هذا المجال المهم يوم وأسبوع السلطة القضائية، ونسأل الله تعالى لكم جميعاً التوفيق والعون والهداية إن شاء الله، كذلك الأجر والثواب الذي سيمنّ الله تعالى به عليكم في الدنيا والآخرة إن شاء الله.

أتقدم بالشكر الجزيل من سماحة الشيخ آملي رئيس السلطة [القضائية] المحترم على هذا التقرير المفصّل الوافي الذي قدَّمه، وقد كان [تقريراً] جامعاً وشاملاً تماماً، وحبَّذا لو يتم إعلان هذه الأمور بأساليب وطرق مناسبة لعموم الناس. إننا مطلعون على التقارير وما شابهها. وقد قرأت قبل هذا اللقاء تقريراً مفصَّلاً شاملاً في هذا المضمار، ومع ذلك كانت بعض النقاط التي ذكرها ]الشيخ آملي] مجهولة بالنسبة إلي. أي إنني لم أكن على علم بها. هذا والحال أننا مطلعون على الأمور بدرجة عالية، بينما الناس غير مطلعين أبداً. وسوف أتحدث إن شاء الله عن قضية التبليغ والإعلام. على كل حال كان تقريره جامعاً ومفصَّلاً وجيداً ونشكره لأنه أوضح هذه الأمور والمسائل.

السلطة القضائية جهاز يقوم على الجهاد والإيثار
أسبوع السلطة القضائية ويوم السلطة القضائية كغيره من الأيام المميّزة الأخرى في مفكرتنا الإسلامية،القائمة على الشهادة. وقد طُرح هذا اليوم على أساس التضحية والقتل في سبيل الله مثله مثل يوم المعلم والخامس عشر من خرداد (2)، وباقي الأيام التي أعلنت على خلفيّة الشهادة في سبيل الله ومن منطلقها. هذا الأمر يُعرِّف السلطة القضائية بأسلوب خاص، ويمنح الجهاز القضائي معنى خاصاً. فالجهاز القضائي ليس مجرد مجموعة إدارية لها واجباتها التي ينبغي أن تنجزها وتُقدَّم تقارير عنها، بل هي مجموعة إنسانية يجب أن يكون فيها جهاد؛ جهاد شامل. يجب أن يكون في السلطة القضائية إيثار، كما أن الشهادة هي قمّة الإيثار. يجب أن يكون هناك تغاضٍ عن المطالب الشخصية والمصالح الذاتية وذلك خدمة للأهداف السامية العليا. هذا هو معنى السلطة القضائية وهو على جانب كبير من الأهمية ويحتّم على السلطة القضائية واجبات وتكاليف تتجاوز أبعادها هذه الأعمال المتعارفة والإدارية والواجبات المكتوبة على الورق.

الشكر للجهاز القضائي على الجهود المبذولة
من اللازم واقعاً أن أتقدَّم لكم بالشكر على الجهود المبذولة، سواء [الجهود التي بذلها] رئيس السلطة [القضائية] المحترم الذي ورد الميدان والحمد لله بمؤهلات عالية وقدرة جيدة وبروحيّة العمل والتقدُّم، وهو لا يزال مستمراً في بذل هذه الجهود، أو مسؤولي اللجان، أو جسم القوّة في كل أنحاء البلاد سواء القضاة أو العاملون أو لجان العمليات [اللجان التنفيذيّة]في المحاكم. واقعاً أتقدَّم بالشكر لهم جميعاً، فهم حقّاً يبذلون جهداً. وهذه النشاطات التي أوضح سماحة الشيخ آملي أنها تتم في السلطة ما كانت لتتم إلا بسعيٍ جماعيٍ وشامل لكادر السلطة وهيكليتها. لم تكن هذه الأمور لتتم بالجلوس على رأس جماعة من الأفراد من دون أن تكون هناك مشاركة ومساعدة من قبل جسم هذه السلطة. وفي هذا دلالة على أن جسم السلطة والحمد لله من أهل العمل والسعي.

قيامكم بمهامكم يعود بالخيرعلى حياة الناس
نقطة مهمة أخرى هي أنَّ وظيفة الجهاز القضائي هي وظيفة السلطة . لا شكّ في هذا أبداً. هذه هي المهمة التي من واجب الجهاز الحاكم في البلاد النهوض بها. وهذا هو الحال في العالم كلِّه؛ وظيفة السلطة التي هي عبارة عن القضاء وفضّ الخصومات ومعاقبة المخالف للقانون. هذه مهمة يجب على الدولة القيام بها. وإذا أنجزت هذه المهمة على نحو جيد فستكون النتيجة ارتياح الشعب ورضاه عن الجهاز الحاكم. وإذا أنجزت بشكل ناقص وسيئ ومعيب فسيكون الشعب منزعجاً وقلقاً من الجهاز الحاكم وغير راضٍ عنه. ليس الأمر بحيث يقولون: "لا بأس، الجهاز القضائي مثلاً فيه مشكلة". لا، هذه الوظيفة وظيفة الحكم والسلطة، وكلّ الجهاز الحاكم في البلاد مسؤول في هذا الخصوص. لذا فهذا الشيء يضاعف من حساسية عملكم.
إذا تمَّ إنجاز هذا الواجب فلن يكون الشعب راضياً وحسب بل سيترك هذا الأمر آثاره وخيراته في واقع حياة الناس. أي إذا تمَّ التعامل مع مخالفة القانون بشكلٍ جدي وصحيح ومنطقي ودائم وحاسم فلكم أن تلاحظوا كم سيؤثّر هذا الشيء في البلاد. مراعاة القانون أساس الحياة الجماعية ومن واجبات الجهاز القضائي مكافحة انتهاك القانون وإيقاف منتهكي القانون عند حدودهم. أو الفصل في الخصومات؛ إذا كان الجهاز القضائي ناجحاً في فضّ الخصومات الموجودة فلاحظوا كم سيكون لهذا الشيء من آثار في حياة الناس. عدم جرّ الخلافات والشكاوى والمخاوف إلى داخل حياة الناس وإلى صُلب حياة الناس وإيقافها عند حدودها، هذا شيء له بركات كثيرة.

واقع السلطة القضائية أن تكون مظهرا للعدالة
وثمة نقطة مهمة هنا هي أنَّ السلطة القضائية بهذه المسؤولية الثقيلة التي تتحملها يجب أن تكون تجسيداً للعدالة. أي إنَّ الجميع يجب أن يشعروا أنه توجد عدالة هنا. قلت ذات مرة في أحد اللقاءات السابقة مع الأصدقاء (3): إنَّ السلطة القضائية يجب أن تصل إلى حيث لو تعرض أيُّ شخصٍ في أيِّ مكان من البلاد إلى مظلمة وكانت له شكوى ضدَّ شخص أو مؤسسة، عليه أن يستبشر "بأنني سأذهب إلى السلطة القضائية". بمعنى أن يكون باله مطمئناً بأنه بمجرد مراجعته للسلطة القضائية فسوف تُحلّ المشكلة. يجب أن نصل إلى هذا المستوى. أي إنَّ هذا هو الهدف.

• معيار نجاحها إطمئنان الناس على حقوقهم في ظلها
السلطة القضائية يجب أن تكون مظهر العدالة، وأن يكون الناس مطمئني البال أنه في هذه القضية التي سلبتني أنت فيها حقي وتطاولتَ عليَّ واعتديتَ أو قمتَ بمخالفة؛ لا بأس، سأذهبُ وأراجعُ السلطة القضائية. أن يكون الارتياح النفسي موجوداً لدى كل واحد من عموم أفراد الشعب بأنهم يلجأون إلى السلطة القضائية ويلوذون بها.

وكذا الحال بالنسبة إلى إحياء الحقوق العامة وهو واجب آخر أشار إليه سماحة الشيخ آملي. بمجرد أن تقع حادثة من قبيل هذه الأمثلة التي ساقها وهي أمثلة أعرفها ـ قضية اللحم وقضية الجادّة وقضية الطائرة وباقي الأمور ـ يقول الناس: لا بأس، سوف نرفع هذه القضية إلى السلطة القضائية. وليعلموا أيَّ قسم يراجعون، وليكونوا مطمئنّي البال بأنهم إذا ما راجعوا فسوف يجري إحقاق حقهم العام هذا. يجب أن تصل السلطة القضائية إلى هذه المرحلة، ولنجعل هذا هو المعيار.

التطوير يحتاج لمعايير محددة وجدول زمني محدد
لقد تمّت الإشارة إلى التحول والتطور؛ وهذه من الأمور التي طرحناها مراراً وتكراراً في لقاءاتنا بالسلطة القضائية سواء في هذه الدورة أو في دورات الأصدقاء السابقين الذين كانوا على رأس السلطة القضائية. حسناً، كيف يحصل التحول؟ ينبغي أولاً أن نحدّد معياراً للتحول. فما هو الأمر الذي إذا ما حدث فذلك يعني أنَّ السلطة القضائية قد شهدت تحولاً؟ إنَّه لمن المهم جداً أن [ندرك] ما هو معنى التحول. لنحدِّد أولاً مؤشرات التحول ومعاييره، ثم لنحدّد الجدول الزمني للوصول إلى هذه المعايير. وإلا إذا لم يكن هذا، وكما أشاروا ـ وقرأت أنا أيضاً في التقرير ـ وكنا نسير نحو التحول بالتدريج فلن يكون هذا تحولاً، لأن المشكلات تسبقنا دائماً إذا أردنا أن نسير ببطء على هذا النحو. التحول عملية يجب أن تحصل بصورة مباشرة وعلى دفعة واحدة تقريباً. أقول: «تقريباً» ولا أقول «حتمياً». أي يجب أن يحصل حدثٌ ما بسرعة وتسارع مناسبين، ليتضح حينها أنَّ تحولاً قد حصل وأنَّ تلك المعايير والمؤشرات قد تحققت.

• "التطوير" ينبغي أن يكون مسيرة بلا توقف
الفترات الزمنيّة التي يتولى فيها رؤساء السلطة المحترمون المسؤولية فترات جيدةٌ جداً ومناسبة لأن يحدث فيها تحولٌ بالمعنى الواقعي. ولا إشكال أبداً في أن يحدث طوال عدة عقود في السلطة القضائية في البلاد عدة تحوّلات. فهذا الأمر عادي وطبيعي جداً. أي افترضوا أنَّ سماحة الشيخ آملي يوجد تحولاً في السلطة القضائية بتحركه [وجهوده] ويحدث تجديداً وحيوية وزخماً؛ وكأنه يبدأ الحركة من جديد. وفي دورة أخرى يأتي شخص آخر فيرقّي ويطوّر هذا الشيء أيضاً، بشكل أفضل ويتقدم به إلى الأمام ويرتقي به. يجب أن ننظر إلى قضية التحول في السلطة القضائية على هذا النحو.

كسب ثقة الرأي العام ركيزة نشاط السلطة القضائية
نقطة مهمة حول السلطة القضائية ـ وأرى أنها أحد هواجس المسؤولين المحترمين في السلطة القضائية وهواجس سماحة الشيخ آملي شخصيّاً ـ والتي غالباً لم يُتوصّل فيها إلى نتيجة. أي إنها لا تسير قدماً بالنحو الصحيح ـ هي قضية بناء الثقة لدى الناس، والتي سبق أن أشرت إليها. وسأتناولها الآن بشكل أوسع وبمزيد من التفصيل.

الرأي العام مهم جداً. يجب أن نعمل بصلابة وحسم في مواجهة العدو والمتآمر والحاقد والكاذب والذي يوجه التهم. والحمد لله على أنَّ مواقف سماحة الشيخ آملي ـ والحقُّ يُقال ـ مواقف جيدة جداً في مواجهة هؤلاء. هذا الكلام الذي قاله قبل أمس (4) كان كلاماً قويّاً جدّاً وجيداً ومحبَّذاً لدى الشعب. أي ينبغي الضرب بيد من حديد في مقابل الإنسان الذي يوجه التهم، والإنسان الفاسد، والإنسان المخالف للقانون. [أمّا] مقابل الرأي العامّ فلا يمكن الظهور بهذا الشكل. مقابل الرأي العام ينبغي التعامل بتواضع ورحمة ومحبة وتفاهم. وهذا شيء مهم جداً لكي نستطيع كسب ثقة الرأي العام.

إنّ كسب ثقة الرأي العام من أكثر الأعمال أهمية بالنسبة للسلطة القضائية . وهي بالطبع مهمةٌ بالنسبة لكل أجهزة ومؤسسات [البلاد]. لكن حيث إنّ السلطة القضائية معنيةٌ بالخلافات والنزاعات وتدخل في ميدان المواجهة مع المعتدي والمنتهك للقانون، فهي بحاجة لبناء الثقة أكثر من غالبية الأجهزة الأخرى، سواء السلطة القضائية نفسها، أو الأجهزة التابعة لأوامر السلطة القضائية والتي تعدُّ أذرعاً لها [الضابطة العدليّة]. هذا الأمر ينطبق عليها أيضاً. لنضرب مثلاً قوات الشرطة القضائية، فهي تحتاج أن يثق الناس بها، حتى إذا لزم أن تمارس سلطتها في موضعٍ ما أو تستخدم القوة يكون الناس واثقين بها إلى درجة أنهم سيقولون: نعم، كان هذا في محلّه ولازماً، وكان يجب القيام بهذا الفعل.

كسب ثقة الرأي العام يحتاج إلى أمرين
أ ــ الإعلام الفني التقني الصحيح
حسناً، ماذا نفعل الآن لنحرز هذه الثقة؟ يبدو أنه يجب القيام بعملين أساسيين. الأول عمل تطبيقي والثاني عمل إعلامي. ولنتحدث أولاً عن العمل الإعلامي. لاحظوا؟: تتعرّض السلطة القضائية اليوم لأشد الضغوط الإعلامية. سواء من قِبَل الأعداء الذين هم في الخارج أو من قِبَل الغافلين في الداخل. لنُعبِّر الآن بتعبير الغافل ليكون في الأمر حُسن ظن. لنفترض أنَّ قاتلاً عديم الرحمة يقتل عدة شباب من حراس الأمن، ثم تأتي السلطة القضائية وتتابع ضمن عملية قانونية تمتدّ لعدة أشهر جريمته وتحكم عليه وتنفذ الحكم. أي إنه عمل عادل منصف صحيح تماماً. الأعمال الدعائيّة التي يبثها العدو على الضد تماماً من الذي يجب أن يحدث. أي إنهم يصورون هذا القاتل عديم الرحمة كمظلوم ويتحدثون عن السلطة القضائية المخلصة والراغبة في إحقاق حقوق المظلومين على أنّها ظالمة أو معتدية. الإعلام الآن على هذا النحو. والإعلام السلبي المضاد يؤثر أكثر. هكذا هو الحال عادة. أي إن الاتهامات والإشاعات والكلام الرخيص يحقق نتائج أكثر مما لو أراد الإنسان جبرانه وتلافيه وتصحيحه وإصلاحه وإحلال الكلام الصحيح محله.

• إبلاغ الحقيقة اليوم عمل فني وليس مجرد بيان يتلى
حسناً، كيف تريدون معالجة هذه المسألة؟ لا بدَّ من عمل إعلامي في مقابل هذا. وينبغي الإعلام أن يكون بحيث يوصل تلك الحقيقة إلى قلب المتلقي لا إلى سمعه. يجب التأثير في قلب المتلقي. إنه عملية فنية تقنية. هذا ما يحدث اليوم في العالم على مستوى واسع جداً وهو أن يظهروا الأسود أبيض. دققوا وسترون أنَّ ما يُصطلح عليه بالبروباغندا [الدعاية] في العالم الآن، هو على هذا النحو. إنهم يظهرون شيئاً خاطئاً على أنه صحيح وشيئاً باطلاً محضاً وبالمطلق على أنه حق. والناس يصدقون، كيف يحدث هذا؟ هل بمجرد أنهم يقولون ذلك ويطلقون كلاماً معيناً ـ مثلا ـ ويتحدثون بطريقة علمية واجتهادية؟ لا، إنما لهذا الأمر أسلوبه وطريقته، فهو عمل فني. وهذا من أهم أعمالكم. أي يجب أن تستخدموا فريقاً إعلامياً فنياً قوياً يعمل ويخطط؛ لا لمدة يوم ويومين وشهر بل بشكل مستمر، ليستطيع الناس تصديقه، بمجرد أن تقولوا إننا أقلنا هذا العدد من القضاة بهذا الشكل، أو قمنا بالحركة الإصلاحية الفلانية، أو التنقيح القانوني الفلاني، أو قمنا بالتوقّع الفلاني الطويل الأمد. يجب توضيح هذا الشيء للناس على نحو صحيح، ولْيُشاهده الناس ويروه. حسناً، هذا العمل عمل مهم. ونحن نستهين به كثيراً. الكثير من أجهزتنا مبتلاة بهذه القضية وتعاني منها. ليس الجهاز القضائي فحسب، لكن الجهاز القضائي يحتاج كثيراً لكسب ثقة الناس وحسن ظنهم. أحد العملين اللازمين لكسب ثقة الناس هو الإعلام الفني التقني الصحيح، وهذه مهمة مجموعة كفوءة من الإعلاميين والخبراء في فنون التواصل الإعلامي. ينبغي القيام بهذا العمل. هذا أولاً.

ب ــ إلتنويه بالقضاة الصالحين والتشهير بالفاسدين منهم
ثانياً [إننا بحاجة] إلى حركة داخلية في السلطة القضائية بصورة جادة وهي حركة قد بدأت طبعاً، وأنا على علم بها. وقد أخبرني [الشيخ آملي] بهذا الأمر، وجرى الحديث عدة مرات وتمَّ طرح الموضوع. وقلت في المواضع اللازمة: ليذهب ـ مثلاً ـ مأمورون مجهولون إلى المحاكم ويرصدوا أوضاعها ومراجعات الناس، ثم يراجعوا ذلك القاضي أو ذلك المحقق ليروا كيف هي المحكمة، وكيف هو القضاء وكيف يصدرون الأحكام. هذه أعمال حسنة جداً، لكن ينبغي أن تنجز بعشرة أضعاف عمّا هي عليه الآن؛ عشرة أضعاف. ولا أقول هذا عن دراسة دقيقة، بل هكذا يبدو الأمر لي. لربما كان من اللازم أن أقول مئة ضعف بدل العشرة أضعاف، لكنني أحتاط وأقول إنه يجب أن يتم بعشرة أضعاف بالحدّ الأدنى. لأن الشكاوى كثيرة؛ ومن المفترض أنهم يراجعونكم ويراجعوننا أيضاً.

قلت في إحدى الجلسات ـ وأظنّ أنها كانت في العام الماضي أو الذي قبله ـ إنَّ عدد القضاة الجيدين عندكم ليس بقليل. لديكم قضاة جيدون جداً. قضاة لا يعرفون الليل من النهار وينقصون من أوقات نومهم واستراحتهم وتواجدهم بين عوائلهم. كلُّ هذا من أجل الوصول إلى أعماق قضية من القضايا والحکم فيها وإحياء مضمونها. قضاة مجتهدون ومثابرون وجادّون وصادقون وقانعون. حسناً، سلّطوا الأضواء على عدد منهم وعرّفوهم. جدوا قاضياً تابَعَ هذا العدد من القضايا على أحسن وجه وبشكل يرضي المتخاصمين أو يرضي مجموع الجهاز القضائي ووصل بها إلى نتائجها وعرِّفوا الناس به. الأمر على غرار المعلمين المميزين أو الأساتذة المميزين أو الباحثين البارزين أو صُنَّاع فرص العمل المميزين. سلطوا الأضواء على القاضي المميز ليتشجع الآخرون على هذا النوع من العمل. الكل يفرح بالسمعة الحسنة. وهذه العملية تمنح هؤلاء الأفراد السمعة الحسنة. وهذه إحدى الأعمال. وكذا الحال بالنسبة إلى الحالة المضادة. وأنا لا أقول شهِّروا بكل من ارتكب مخالفة فوراً. فقد لا تكون هناك ضرورة لهذا الأمر وقد يكون أمراً غير جائز في بعض الحالات. لكن التشهير في بعض الحالات لازمٌ وضروريٌ، فشخِّصوا هذه الحالات وعرِّفوها للناس. القاضي الذي يخون موقع القضاء ـ سواءً القاضي أو أعضاء المحكمة لا فرق في ذلك ـ عرِّفوا الناس بهم. فما الإشكال في ذلك؟ شهِّروا بهم. يجب أن تكون هناك بعض هذه الحالات. ومسيرة السلطة القضائية نحو الإصلاح الذاتي لجهاز القضاء يجب أن تكون برأيي مسيرة بلا توقف. أقول لكم إن كل قضية مهمة تتابعونها وكل خلاف تنتهون به إلى حُكمٍ عادلٍ هو صدقة وعمل صالح ونعمة من الله عليكم «وَأمّا بِنِعمَةِ رَبِّك فَحَدِّث» (5)، فأظهروا هذه النعمة وتحدثوا بها ليعلم الجميع أن هذا الشيء قد حدث. هذه أيضاً نقطة ذكرناها.

السلطة القضائية مدعوة لتوفير المناخ الإقتصادي الآمن
قضية أخرى هي قضية مكافحة الفساد والتي أرى أنها قضية مهمة. إنّ قضية الاقتصاد اليوم قضية أساسية في البلاد. والمعني الأصلي بإدارة اقتصاد البلاد هو السلطة التنفيذية طبعاً، والسلطة التشريعية في جانب من الجوانب. هذا مما لا شكَّ فيه، بيد أنَّ السلطة القضائية أيضاً تستطيع ممارسة دور في مواطن مختلفة من القضية الاقتصادية. من المواطن التي يمكن للسلطة القضائية ممارسة دور فيها لإصلاح اقتصاد البلاد هو توفير الأمن في المناخ الاقتصادي. هذا هو عمل السلطة القضائية. ينبغي على السلطة القضائية أن تستطيع التعامل والتصدي للمُخلين بالأمن والمُخلين بأجواء العمل والكسب وأجواء حياة الناس، ومعيشتهم بحيث توفر لهم مناخاً آمناً. هذا من مجالات عمل السلطة القضائية لصالح اقتصاد البلاد. ومجال آخر من مجالات عمل السلطة القضائية في حيز الشؤون الاقتصادية يتمثل في مكافحة الفساد الاقتصادي والفاسدين الاقتصاديين. لتخُض السلطة القضائية في هذا المجال بشكل واضح بل وحتى بشكل صاخب بعض الأحيان.

خطآن يرتكبهما الجهاز القضائي بخصوص الشأن الإقتصادي
أ ــ تصوير الفساد وكأنه حالة عامة
برأيي إنَّ الجهاز [القضائي] على العموم يرتكب خطأ ذا أساسين اثنين في مجال التعاطي مع الشأن الاقتصادي. الأساس الأول عبارة عن طريقة التكلم والتحدث والسلوك بحيث يصبح التصور العام بأنَّ الفساد حالة عامة، والحال أنَّ الفساد ليس حالة عامة. الفساد هو من فعل عدد قليل من الفاسدين. فالفاسدون في الأجهزة الحكومية، وفي المؤسّسات الخاصّة، وفي أجواء الكسب والعمل والتجارة أفراد معدودون. لكننا في تصريحاتنا وكلامنا نتحدّث بحيث يتصور الناس أنَّ الفساد قد استشرى في كل مكان. هذا خطأ، والواقع غير هذا. هذا أحد أساسي الخطأ.

ب ــ عدم التصدي الحاسم لحالات الفساد
الأساس الثاني للخطأ هو أننا لا نتصدى بشكل حاسم وواضح لحالات الفساد الحقيقية. يجب التصدي. حينما يكون هناك فاسد اقتصادي حقيقي يجب التصدي له بشكل صريح وواضح.

• وجوب مصاحبة التصدي بتبيين الأمور
ويجب أن يكون التصدي مصحوباً بالتبيين والتوضيح. وهذه إحدى الممارسات المهمة والتي تعود إلى قضية التبليغ والإعلام. أي إنكم عندما تحاكمون فاسداً اقتصادياً وتحكمون عليه بجزاء وعقوبة معينة، يجب تبيين هذا الشيء للناس بحيث يشعر الجميع بأنَّ هذا العمل صائب وكان يجب أن يتم على هذا النحو.

تذكرت الآن أنّه حدث مثل هذا الشيء في تاريخنا الماضي. ورد في سيرة الإمام الحسن (عليه السلام) أنّ عبيد الله بن عباس كان قائداً لقسمٍ مهم جداً من جيش الإمام الحسن. نام الجيش مساء واستيقظوا صباحاً ليجدوا أنّ عبيد الله بن عباس غير موجود في خيمته. كان قد هرب والتحق بمعاوية. فقد جاءوا إليه ورشوه بأموال وأشياء فذهب والتحق بمعاوية. مثل هذا الحدث كان حدثاً قاصماً جداً لجيش الإمام الحسن (عليه السلام). هناك جاء أحد الصحابة المقربين ـ ولا أتذكر من هو الآن فقد قرأت ذلك منذ زمن، هل كان حجر بن عدي أو شخصاً آخر ـ وخطب بالناس وقدَّم بياناً وتوضيحاً [لما حدث]. بعد كلمته تلك فرح الجميع وقالوا: الحمد لله أن ذهب هذا عنا. لاحظوا: هكذا يكون التوضيح والتبليغ بالمعنى الواقعي. يتقدم ويتكلم ويوضِّح بأن ما حدث هو لصالحنا. وعلى حد التعبير الدارج اليوم يحوِّل التهديد إلى فرصة. هذا ما يجب أن يتوفر في السلطة القضائية. توفير الأمن لأجواء الكسب والعمل ومكافحة الفاسدين الاقتصاديين بشكل حاسم، والتعاون مع الحكومة لحل المشكلات، هذه أيضاً من الأعمال التي يمكن للسلطة القضائية أن تمارسها في الحيّز الاقتصادي. .

في شؤون حقوق الإنسان: نحن ندين العالم ولا ندان
تمت الإشارة إلى شؤون حقوق الإنسان والشؤون الدولية. وللإنصاف فإن السلطة القضائية قامت في هذا المضمار بأعمال جيدة وغير مسبوقة. هذه الـ 120 مليار دولار التي تفضل [الاخ] بالإشارة إليها ـ وهل نستطيع أخذها أم لا نستطيع فهذا بحث لاحق ـ لكن هذه الخطوة خطوة صحيحة تماماً.

ونحن في شؤون حقوق الإنسان نُدين العالم ونطالبه ولسنا مُطَالَبين. في السنوات الأولى من الثورة كنت أذهب إلى الجامعة دائماً، كنت أذهب دائماً وألقي الكلمات هناك، وكان الطلبة الجامعيون يطرحون الأسئلة وأقوم بالإجابة بدوري. ذات مرة سألني أحد الطلبة الجامعيين ما هو دفاعكم في خصوص قضية المرأة؟ ما هو الدفاع الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية عن نفسها في قضية المرأة؟ فقلت له ليس لدينا دفاع، بل لدينا هجوم وادعاء. عن أي دفاع [تتحدث]؟! إننا المُدَّعون وأصحاب الحق في قضية المرأة. إننا ندَّعي ضدَّ العالم في قضية المرأة وندّعي ضد النظام الطاغوتي ـ حيث كانت هذه الأمور والآراء مطروحة حينها ـ وليس لدينا دفاع.

وكذا الحال في قضية حقوق الإنسان، يجب أن لا ندافع بل يجب أن نهاجم. هؤلاء الذين ارتكبوا كلَّ هذه الجرائم وأوجدوا كلَّ هذا الفساد؛ ليس في التاريخ فحسب، بل الآن أيضاً. خذوا مثالًا الفرنسيين الذين أصبحوا مظهراً لحقوق الإنسان! الفجائع التي ارتكبها الفرنسيون في إفريقيا وفي الجزائر وفي غيرها، ترتعد لها فرائص الإنسان حقاً حين يقرأها. تخيلوا ـ مثلاً ـ أنهم خلطوا بحيرة أو مستنقعاً كبيراً بالنفط وما شاكل، ثم هجّروا جماعة كبيرة من الناس ـ نساء ورجالاً وأطفالاً ـ من إحدى القرى باتجاه هذا المستنقع ثم أطلقوا عليهم النار. وعندما هرب هؤلاء من خوفهم نحو تلك البحيرة، أشعلوا تلك البحيرة بالنار!. تصوروا أنَّ مثل هذا الشيء قد حدث! مثل هذا الشيء قد حدث على يد الفرنسيين. وفي الهند تجمع وتظاهر ستة آلاف شخص في إحدى الحدائق، فجاء الإنكليز ونصبوا رشاشاً على باب الحديقة وقتلوا كل من كان فيها وقضوا على أولئك الستة آلاف شخص خلال يوم أو نصف يوم أو عدة ساعات! هذا ما حدث قبل خمسين سنة أو مئة سنة.

لاحظوا ما فعلوه ـ واقعاً ـ في زماننا هذا فيما يتعلّق بقضايا داعش وأحداث سوريا وأحداث بورما! وإذا بهم الآن يتشدقون بحقوق الإنسان. لدينا كلامنا فيما يتعلّق بحقوق الإنسان. ولنا ادعاؤنا ضدَّ أدعياء حقوق الإنسان الكاذبين الوقحين. هذه الأعمال أعمال حسنة جداً ويُعمل على إجرائها في السلطة القضائية والحمد لله.

وفقكم الله جميعاً وأعانكم لتستطيعوا كما قيل إيجاد سلطة قضائية يرتضيها الله تعالى ويرتضيها الشعب المُصلح والمنصف في البلاد ويرتضيها النظام الإسلامي إن شاء الله، و أن توفروا مقدماتها بالحدّ الأدنى. وكلُّ من يخطو خطوة في هذا السبيل فهي خطوة مغتنمة وثمينة. وفقكم الله جميعاً.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1ـ في بداية هذا اللقاء ألقى آية الله الشيخ صادق آملي لاريجاني (رئيس السلطة القضائية) كلمة بالمناسبة.
2ـ انتفاضة الخامس عشر من شهر خرداد سنة 1342 هجرية شمسية الموافق 5 حزيران 1963م والتي تعدّ محطة مهمة في تاريخ الثورة الإسلامية ضد النظام الملكي البائد في إيران.
3ـ كلمة الإمام الخامنئي في لقائه المسؤولين القضائيين في البلاد بتاريخ 25/06/2008 م.
4ـ كلمة آية الله صادق آملي لاريجاني في ملتقى السلطة القضائية بتاريخ 25/06/2018 م.
5ـ سورة الضحى، الآية 11.

2018-07-06