الإمام السجاد(عليه السلام) يجانب طريق الجهاد العلني إبقاء على الشيعة والتشيع
الحياة السياسية
الإمام السجاد(عليه السلام) يجانب طريق الجهاد العلني إبقاء على الشيعة والتشيع
عدد الزوار: 274
في ذهن أغلب كتّاب السيرة والمحلّلين أنّ هذا الإنسان العظيم قد انزوى للعبادة ولم
يكن له أي تدخّل في السياسة. حتّى أنّ بعض المؤرّخين وكتّاب السيرة ذكروا هذه
المسألة بشكل صريح. أمّا الّذين لم يقولوا هذا الأمر بصراحة فإنّ مفهومهم عن حياة
الإمام السجّاد عليه السلام ليس سوى هذا الأمر.
ويظنّ بعض الناس أنّ الإمام فيما لو أراد أن يقاوم نظام بني أميّة لكان ينبغي أن
يرفع راية المقاومة العسكرية، أو أن يلتحق بالمختار، أو عبد الله بن حنظلة، أو أن
يقودهما معلناً بذلك المقاومة المسلّحة بكلّ وضوح. لكنّنا نفهم من خلال النظر إلى
ظروف زمان الإمام السجاد عليه السلام أن هذا ظنٌّ خاطئ. وذلك بالالتفات إلى هدف
الأئمّة عليهم السلام.
لو قام الأئمّة عليهم السلام ـــــ ومن جملتهم الإمام السجّاد عليه السلام ــــ في
تلك الظروف بمثل هذه التحرّكات العلنية والسلبية، فباليقين لما بقي للشيعة باقية.
ولما بقيت الأرضية لاستمرار ونموّ مدرسة أهل البيت ونظام الولاية والإمامة فيما بعد.
لهذا نجد أنّ الإمام السجّاد عليه السلام في قضيّة المختار لم يعلن التعاون معه.
وبالرغم مما جاء في بعض الروايات عن ارتباطٍ سريّ بينهما، إلاّ أنّه ــ ودون شكّ ــ
لم يكن ارتباطاً علنياً. حتّى قيل في بعض الروايات إنّ الإمام السجّاد عليه السلام
كان يذمّ المختار. ويبدو هذا الأمر طبيعياً جداً من ناحية التقيّة. وذلك حتّى لا
يُشعر بوجود أيّ ارتباط بينهما.
إنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان يسعى لأجل تحقيق ذلك الهدف الّذي كان يسعى
لأجله الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام؛ هدف يقوم على تهيئة المقدّمات
لإقامة الحكومة الإسلامية بحسب النهج الّذي يرونه. (1)
غير أن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) بعد حادثة عاشوراء وجد
نفسه يقف أمام مفترق طريقين: إما أن يعمد إلى دفع أصحابه نحو حركة عاطفية هائجة،
ويدخلهم في مغامرة، لا تلبث شعلتها ــ بسبب عدم وجود المقومات اللازمة فيهم ــ أن
تخمد وجذوتها أن تنطفئ، وتبقى الساحة بعد ذلك خالية لبني أمية، أو أن يسيطر على
العواطف السطحية والمشاعر الفائرة، ويعد المقدمات للعملية الكبرى بعيدا عن أعين بني
أمية؛ المقدمات المتمثلة في الفكر الرائد والطليعة الواعية الصالحة لإعادة الحياة
الإسلامية إلى المجتمع، وأن يصون حياته وحياة المجموعة الصالحة لتكون النواة
الثورية للتغيير المستقبلي. وبذلك يقطع شوطاً على طريق الهدف المنشود، ويكون الإمام
الذي يليه أقرب إلى هذا الهدف. فأي الطريقين يختار؟
لا شك أن الطريق الأول هو طريق التضحية والفداء، لكن القائد الذي يخطط لحركة
التاريخ، ولمدى أبعد بكثير من حياته، لا يكفي أن يكون مضحّياً فقط، بل لابد أيضاً
أن يكون عميقاً في فكره، واسعاً في صدره، بعيداً في نظرته، مدبّراً وحكيماً في
أموره.. وهذه الشروط تفرض على الإمام انتخاب الطريق الثاني. والإمام علي بن الحسين
(عليه السلام) اختار الطريق الثاني مع كل ما يتطلبه من صبر ومعاناة وتحمّل ومشاق،
وقدّم حياته على هذا الطريق (سنة 95 هجرية).
الرواية التالية (عليه السلام) تصّور حالة المجتمع الإسلامي بعد مقتل الحسين (عليه
السلام)، هذه الحالة التي كانت بمثابة الأساس الذي بنى عليه الإمام السجاد خياره
الثاني. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (ارتدّ الناس بعد الحسين (عليه السلام)
إلا ثلاثة: أبو خالد الكابلي، ويحيى بن أم الطويل، وجبير بن مطعم، ثم أن الناس
لحقوا وكثروا، وكان يحيى بن أم الطويل يدخل مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
ويقول:" كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء").
إنها حالة الهزيمة النفسية الرهيبة التي عمّت المجتمع الإسلامي ابان وقوع هذه
الحادثة. فمأساة كربلاء كانت مؤشّراً على هبوط معنويات هذا المجتمع عامة. حتى شيعة
أهل البيت؛ هؤلاء الشيعة الذين اكتفوا بارتباطهم العاطفي بالأئمة، بينما ركنوا
عملياً إلى الدنيا ومتاعها وبريقها.. ومثل هؤلاء كانوا موجودين على مرّ التاريخ،
وليسوا قليلين حتى يومنا هذا.
فمن بين الآلاف من مدّعي التشيّع في زمن الإمام السجاد (عليه السلام) بقي ثلاثة فقط
على الطريق.. ثلاثة فقط لم يرعبهم الارهاب الأموي ولا بطش النظام الحاكم، ولم يثن
عزمهم حبّ السلامة وطلب العافية، بل ظلّوا ملبّين مقاومين يواصلون طريقهم بعزم
وثبات. (2)
(1) ــــ كتاب "إنسان بعمر 250 سنة"
للإمام الخامنئي دام ظله.
(2) ــــ كتاب "قيادة الإمام الصادق" للإمام الخامنئي دام ظله.