يتم التحميل...

المحاضرة الرمضانية الثالثة

المحاضرات الرمضانية

المحاضرة الرمضانية الثالثة

عدد الزوار: 167

المحاضرة الرمضانية الثالثة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله 12-06-2017

الصلح مع معاوية كان خيارا إضطراريا وشكلا من أشكال المواجهة


رسول الله للحسن (ع): "أشبهت خَلْقي وخُلُقي"
الصلح كان لدعة في الحسن:" فرية إفتراضية"
ليلة القدر ذروة "الضيافة الإلهية" الرمضانية

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

بين أيدينا في مثل هذه الليالي والأيام مناسبات عديدة وكل مناسبة على درجة عالية من الأهمية وجديرة بأن نتحدّث عنها. لكن نظراً لضيق الوقت أنا ساختار مناسبتين وأقسّم الوقت بينهما. طبعاً بالمناسبات عندنا ولادة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ـ أن واقعة ومعركة بدر الكبرى كانت معركة مفصلية في تاريخ الإسلام ولها دلالات وعبر عظيمة ـ لدينا أيضاً ذكرى شهادة أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام ولدينا ليلة القدر. وأنا إخترت أن أتحدّث جزء من الوقت عن الإمام الحسن عليه السلام الإمام المظلوم، وجزء من الوقت عن ليلة القدر من أجل التحضير لها إبتداءً من الغد إن شاء الله.

الإمام الحسن بن علي عليهما السلام
أ ــ الرسول الأكرم هو من سمى الإمام الحسن
بالجزء الأول في الحديث عن الإمام الحسن عليه السلام: الإمام الحسن أولاً؛ هو أول حفيد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إبنته فاطمة عليها السلام. وهو أول حفيد بالمطلق. والذي سماه بالحسن هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما سمّى لاحقاً أخاه بالحسين عليه السلام.

ب ــ الرسول الله (ص) وحبه الشديد للحسن
يُجمع المسلمون وكتب التاريخ الإسلامي على مدى محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحسن والحسين. وهذه النقطة من النقاط الإجماعية بين المسلمين؛ يُجمع المسلمون والروايات الإسلامية وكتب التاريخ الإسلامي والمؤرخون وكتّأب السير على مدى محبة رسول الله وشدّة هذا الحبّ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذين السيّدين العظيمين؛ لحفيديه. وكان يعبّر عن هذا قولاً وعملاً. بالقول في أكثر من مناسبة إذا كان الحسن وحده، "أنّي أحبّه" أو إن كان الحسين وحده أو إن كانا معاً "إنّي أحبّهما وأحبّ من يحبّهما" ويتحدّث عن حب الله لهما ويطلب من الناس أن يحبّهما. يعني ليس فقط كان يعبّر عن حبّه الشديد لهما ويُخبر عن حب الله لهما ويطلب من الناس أيضاً أن يحبّوهما. ويقول أنه: من يحب أحد حفيديّ فأنا أحبّه. يعني هذا يُقابل بالحبّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. لذلك واحدة من المعادلات التي يبحث بعض الأشخاص عنها وهي كيف نحصل على حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا؟ فإن أحد أهم الطرق والوسائل الموصلة لحبّ رسول الله والوصول إلى حبّ رسول الله هو حبّ حفيديه الحسن والحسين عليهما السلام. أيضاً في السلوك في المسجد وفي المناسبات العامة: في الطريق عندما يكونا سوية كيف يقعدهم وكيف يضعهم على ظهره وكتفيه وكيف يقبّلهم وكيف يحضنهم وكيف يحترمهم. كل هذا كان يعبّر بشكل دائم عن حبه لهما.

ج ــ رسول الله يحدث عن مكانة الإمام الحسن عند الله
وأيضاً من جملة المزايا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ غير موضوع الحبّ ـ أنه كان يتحدّث عن مكانتهما عند الله سبحانه وتعالى ودرجتهما عند الله سبحانه وتعالى. وهذا يكشف عن عظمة شخصيتهما، أي عظمة الشخصية في البعد الإيماني، في البعد العقائدي، في بعد الكمالات الإنسانية في البعد العبادي، في البعد القيادي ... إلى آخره.

د ــ الحسن من أهل البيت المطهرين
الإمام الحسن عليه السلام هو من العترة الطاهرة؛ من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. فهو مشمول في هذا التطهير وهو من قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين جُعل أجر أعظم رسالة إلى أعظم نبيّ ـ وهي الرسالة الإسلامية الخالدة ـ الأجر في مودّتهم. وهو من القربى، والقدر المتيقّن من القربى الذين تجب مودّتهم. وأمر الله عزوجل بمودّتهم.

هـ ــ كمالات الحسن المعنوية في حديثين لرسول الله
1ـ "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"
نحن لأننا قسّمنا البحث وليس لدينا وقت طويل أنا سأكتفي بنقل حديثين وأنا أدعو إلى التأمّل فيهما بشكل دقيق والتوصّل إلى نتائج كبيرة جداً. يعني أحياناً قد تتكلم صفحات طويلة وأحياناً تأتي جملة واحدة لكن تعبيرها له دلالات ويمكن إستنتاج أمور كثيرة من هذا التعبير. الحديث المعروف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأيضاً هو حديث منقول ومتواتر وفي كتب الشيعة والسنّة ولا يوجد خلاف عليه أساساً وهو: " الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة".

في بعض الأحيان قد يمرّ هذا الحديث في بعض المجالس وبعض الموالد أو بعض الشعراء على أنه مديح للحسن والحسين، وأن رسول الله قال عنهما: "أنهما سيدا شباب أهل الجنة". فهناك بعض الناس يعْبرون بشكل سريع عن هذه الجملة في حين أن هذه الجملة إذا تأمّلنا فيها؛ فهي لها دلالات عظيمة جداً. نحن كلنا نعرف أن حسابات الجنة والنار والحساب يوم القيامة والمقامات يوم القيامة مختلفة عن موازين الدنيا وحسابات الدنيا. ففي الدنيا هناك حَسَب ونَسَب ومقام ومن لديه مال ومن ليس لديه مال ومن لديه جاه ومن لديه سلطة ... هذه الحسابات كلها والموازين، يوم القيامة لا تجدي نفعاً. الذي يجدي نفعاً هو الإيمان والعمل الصالح. درجة الإيمان؛ فيها ـ أي الجنة ـ درجات،.درجة العمل الصالح والتقوى؛ فيها درجات. وعند الله سبحانه وتعالى الميزان هو التقوى والعمل الصالح.عمّ النبي (أبو لهب) في جهنّم، إبن النبي، حفيد النبي، بنت النبي، عم النبي، خي النبي؛ هذا ربما يكون له في مكانٍ ما نتائج وآثار معينة. لكن بحسابات القيامة؛ الأصل هو إيمانك وعملك الصالح. إذن الحسن والحسين لم يصيرا سيدي شباب أهل الجنة لأنهما حفيدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. عندما يقول النبي ويُجمع المسلمون على هذا النقل أن: "الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة" وأنهما حصلا على هذا المقام وعلى هذه الدرجة بالإستحقاق. هذا يكشف عن الشخصية، عن مستوى الإيمان، عن الرقيّ العقائدي، عن القرب من الله سبحانه وتعالى عن مدى القرب من الله سبحانه وتعالى. العبادة، الجهاد ، التضحية، الإخلاص، الصد؛ في الكمالات الإنسانية والإيمانية والدينية والأخلاقية، يعني في القمّة؛ في قمّة القمم، في أعلى الدرجات. هذا يكشف لنا من هما؟!. فيما بعد عندما نتحدّث بالفضائل وبالدرجات، وبالتفضيل وبعض الفهم في حقيقة هذه الشخصيات.

2 ــ "أشبهت خَلْقي وخُلُقي"
الحديث الثاني كان معروفا في ذلك الوقت. وهو موجود في كتب السيرة وكتب التاريخ.عندما يتحدّثون عن الإمام الحسن عليه السلام: من يوافقه أو من يخالفه. البعض يقول ـ وهذا منقول بكثرة ـ أن: الإمام الحسن عليه السلام كان أشبه الناس برسول الله خلقاُ وخُلقاً. عندما تعطي الناس هذا التقييم يعني هذا له درجة معينة وعالية من الأهمية. لكن الأهمية الأعلى والأكبر عندما يكون هذا التوصيف من نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ففي حديث يقول للإمام الحسن "أشبهت خَلقي وخُلقي". بالخَلق كونه حفيد رسول الله؛ تأتي ميزة طبيعية. ولكن ميزة خاصة أنه يشبه رسول الله في الشكل وفي القامة والمظهر في البدن.. لكن الميزة الأعظم هي أن يُشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخُلقه. وهذه شهادة عظيمة للحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. لأنه إذا جمعناهم أن الرسول يقول أنتَ في خُلقِكَ تُشبهني والله سبحانه وتعالى يقول للرسول "وإنّك لعلى خُلقٍ عظيم" فما هي الشهادة التي نستنتجها؟ أن الحسن أيضاً كان على خُلقٍ عظيم لأنه أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. هذه أيضاً جملة من ثلاث أربع كلمات، ولكن تكشف لكم ولنا عندما نتحدّث عن الصدق، عن الإخلاص، عن الأمانة، عن الكرم، عن السخاء، عن الجود، عن الحِلم، عن الصّبر، عن الرحمة عن كل المواصفات والصفات الأخلاقية الرائعة في أعلى درجاتها التي كانت تتجسّد في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أيضاً الحسن أشبَه جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصفات.

الإمام الحسن:سيرة حافلة بمظاهر الخلق العظيم
ولذلك أيضاً عندما نرجع إلى التاريخ الإسلامي وإلى الروايات وكتب السيرة التي تتحدّث عن الإمام الحسن عليه السلام، نرى أن هذا المعنى كان موجودا. مثلاً: عندما يتحدّثون عن عبادته، عن صلاته، عن حجّه؛ بعض الروايات تقول: أن الإمام عليه السلام مع أنه كان متمكّناً مالياً إلاّ أنه حجّ ماشياً على قدميه من المدينة إلى مكّة. بعضهم يقول 20 مرة وبعضهم يقول 24 أو أكثر، لكن المقلّ يتحدّث عن 20 حجّةً على قدميه.

عنما نأتي إلى زكاته وإنفاقه في سبيل الله سبحانه وتعالى فيقولون أن: الإمام عليه السلام خرج من ماله عدّة مرات عليه السلام. يعني أخرج كل شي ووهبه لله سبحانه وتعالى وبقي في ثيابه. وأحياناً في مرات أخرى، أنه قاسم ماله مع الله عدة مرات. يعني يقسم ماله بالنصف فالبيت يقسمه جزئين، ثيابه يقسمها جزئين، والمونة جزئين ... وما شاكل فيهب لله أي يعطي للفقراء والمساكين وللمصرف الذي يُرضي الله سبحانه وتعالى ويحتفظ هو بالنصف الثاني.

في كرمه وسخائه والجود فيما بيده؛ هناك ما شاء الله شواهد. في حُلمه وصبره وسعة صدره وحُسن خُلقه، بمعنى العشرة؛ أيضاً هناك ما شاء الله. وخصوصاً أنه تحمّل الكثير من الأذى وبالأخصّ بعد إستشهاد أمير المؤمنين وتحمّله للمسؤلية العامة، ووُجِهَ بالكثير من الأذى. وهذا نتيجة ما سأتحدث عنه بعد قليل.لكن هو قابل هذا كله بالصّبر والحِلم والإستيعاب وبالدفع بالتي هي أحسن السيئة، وبالتوضيح،وبالأبوّة وبالرّحمة. ولم يقابله بأي رد فعل، فيه غضب أو فيه عصبيّة أو تعبير سلبي معيّن. محبّته للفقراء والمساكين، تواضعه للناس إلى آخره .. سيرة حافلة وعظيمة جداً.

أعداؤه لم يجدوا منقصة واحدة يعيبونه بها
لذلك في الصراع الذي كان دائراً في ذاك الوقت وكان على أشدّه وجزءا من المعركة في الصراع؛ المعركة كانت مع الإمام الحسن بعد إستشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ومعاوية بن أبي سفيان، فكان يُستخدم في هذه المعركة من جملة ما يُستخدم إضافة إلى السلاح والمال والإمكانات كان موضوع الإعلام. وكان متاحا في ذاك الحين، وجزء منه التشهير الإعلامي. وكان جزءا من المعركة، أن يفتّشوا على أي نقص، أي عيب، أي مثلبة، أي شيء قد يُذمّ أو يقبّح أو أو.. في الجهة المقابلة.فلم يجدوا شيئا عند الإمام الحسن عليه السلام. ولو وجدوا لأقاموا الدنيا وما أقعدوها ولنشروا ذلك في طول البلاد الإسلامية وعرضها. لكن لم يجدوا شيء أبداً.

أولاً: ما وجدوا. وثانياً: حتّى لو قالوا وإفتروا ما كان ليُصّدق لأن الإمام الحسن كان شخصية معروفة وولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بداية الهجرة وعاش بين يدي رسول الله. وأيضاً واكب كل السنوات اللاحقة إلى زمن خلافة أبيه وكان إلى جانبه في ذلك الموقع. المهاجرون والأنصار والصحابة وكثير من الناس يعرفونه. إذن الإمام الحسن ليس شخصية مجهولة أو مغمورة أو منزوية حتى يأتي فلان ويوجه إتهامات أو تنقيصات وما شاكل ويصدقه الناس. إذاً لم يكن هناك نقصٌ موجود أو عيبُ موجود يمكن أن يستغلّ وحتّى لو إفتري عليه ما كان ليصدّق.

"مزواج مطلاق" فرية لم يكن لها حظ من الرواج
ولذلك عندما نرجع إلى كتب التاريخ نجد أن شيئين حاولوا أن يطعنوا الإمام الحسن عليه السلام بهما : الأمر الأول أنهم نشروا نوعا من الإشاعات ـ وكانت قليلة في حياة الإمام ولكن كثرت بعد وفاته ـ أن الإمام الحسن مزواجُ مطلاق، وإخترعوا بعض الأحاديث في هذا السياق. وطبعاً العلماء والمحققون حققوا هذه المسائل وأثبتوا أن هذه الأحاديث موضوعة ومكذوبة حتّى أنهم قاموا بدراسة دقيقة: أن الإمام الحسن شخصية معروفة وعظيمة وكبيرة وحفيد رسول الله والنبي؛ يقول عنه وعن أخيه:"سيدي شباب أهل الجنة"، و "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، ولذا إذا تزوّج الإمام الحسن من عائلة أو قبيلة؛ فإنها بالطبع، ستشتهر وسيُكتب عنها. وشعرائها سينشدون الشعر وما شاكل. حسنا؛ أين هم هؤلاء الزوجات؟! تقولون مزواج مطلاق!! أجروا إحصاءً بزوجات الإمام الحسن واحدة إثنان ثلاثة.. ضمن السياق الطبيعي المعروف المتداول في صدر الإسلام وفي تلك المرحلة من الزمن، ولا يوجد شيء غير طبيعي. ولكن هذا الشيء جرى التركيز عليه وخْتُرع فيما بعد في محاولة للطعن على الإمام الحسن عليه السلام. مع أن ذلك بكل الأحوال؛ حتى لو كان صحيحاً فهو لم يرتكب حراماً. لكن هذا أصلاً ليس له أساس.

الصلح مع معاوية كان خيارا إضطراريا وشكلا من أشكال المواجهة
الأمر الثاني: هو الذي يرتبط بالصلح الذي سأتحدّث عنه في كلمتين. من أهم الحوادث التاريخية لا بل أهم حدث تاريخي في حياة الإمام الحسن عليه السلام ـ في زمن تصديه للمسؤولية المباشرة ـ كان ما يُسمّى بالصّلح؛ صلح الإمام الحسن مع معاوية ومن الطبيعي أن تحصل هذه الأدبيات: مثلاً الإمام الحسين عليه السلا وتاريخ طويل عريض لكن عندما تتحدّث عنه تتحدّث عن كربلاء. زينب عليها السلام أيضاً كربلاء. كل واحد لديه حادثة معينة تكون بارزة جداً في حياته العامة أو حياته السياسية أو حياته العلمية وما شاكل. أبرز حدث تاريخي أو سياسي وكان له علاقة بمصير الإسلام وبمصير الأمة الإسلامية في حياة الإمام الحسن عليه السلام كان موضوع الصلح. طبعاً الوقت غير متاح لأتحدّث عن هذا الصلح وما كانت ظروفه وملابساته وأسبابه. وما هي العوامل التي دفعت الإمام إلى القبول بالصّلح، وما هي أهداف الإمام من القبول بالصلح. ما هو الصلح؟ ما هي بنوده،؟ طبّق أو لم يطبّق؟ وما هي نتائج هذا الصلح؟..

هذا كلام كُتب فيه تحقيقات طويلة عريضة ولا يمكن أن يتكلّم عنه الواحد بعدّة دقائق. ولكن أودّ في هذه المناسبة أن أكّد على بعض الأمور في هذه المسألة؛ لأن هذا الموضوع أحياناً يحصل إلتباس في فهمه. أولاً: أن الصلح الذي وقّعه الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية لم يكن أمراً إختيارياً. بمعنى أنه هو لديه خيارات وإختار هذا الخيار منهم. لا؛ كان أمراً إضطرارياً، كان بما يحقق الأهداف التي يتطلّع إليها الإمام عليه السلام في حفظ الإسلام وصيانة الإسلام وصيانة البقية التي ستحفظ الإسلام وتدافع عن الإسلام. فإن الخيار الوحيد المتاح هو هذا. لأن الخيار الثاني، في ظل تخاذل الخوارج والمنافقين والذين تم شرائهم بالمال وقلّة الناصر وقلّة المُعين وتفكك جيش الإمام عليه السلام وخيانة بعض كبار القوم ؛الخيار الثاني كان أن يدخل الإمام الحسن في معركة مع معاوية ومعه أخوه الحسين وأهل بيته وبقية الأصحاب وكانت هذه المعركة ستؤدّي إلى إستشهادهم جميعاً وسيتم مصادرة دمائهم من خلال دهاء معاوية وبرنامجه السياسي والإعلامي، وقدرته على إستيعاب الموقف إلى آخره.. يعني المواجهة العسكرية كانت تعني ضياع الإسلام وكانت تعني ضياع الفئة المؤمنة المجاهدة والبقية الباقية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وصحابته الأخيار. البقية الباقية التي ستدافع عن الإسلام. والبديل هو إنتصار المشروع الآخر وإنتصار مشروع الطلقاء وأبناء الطلقاء الذين كانوا يُريدون أن يُعيدوا الأمة إلى الجاهلية؛ إلى ما قبل الإسلام.طبعاً هذا كلام له إستدلالته وأدلته وشواهده وليس مجرد تقييم أو إتهام معين. وهذا الظرف يختلف تماماً عن ظرف الحسين عليه السلام في كربلاء عندما خرج بزمن يزيد بن معاوية فالظروف كانت مختلفة. ومن نتائج الصلح أنه مهّد الأرض لمواجهة بمستوى مواجهة كربلاء.إذاً كان خيارا إضطراريا. لأن بعض الناس تقول لك: إذهب إلى الصلح؛ فالإمام الحسن صالح! المسألة أصبحت مزاجية عند الناس. عندما يأتي على مزاجه الصلح فيقول لكإن هذا الإمام صالح أو النبي صالح بالحديبية؛ إذاً فلنعمل صلح مع إسرائيل! لماذا لأن النبي صالح بالحديبية والإمام الحسن صالح معاوية. لكن هذه المسألة مختلفة تماماً. فقد كان صلح الإمام الحسن خياراً إضطرارياً. كانت له ظروفه وملابساته وأسبابه ودوافعه وإدارته أيضاً. ولذلك صلح الإمام الحسن الذي كان له شروطه الواضحة والمحكمة والتي تخدم أهداف الإمام عليه السلام كان في الحقيقة ليس إستسلاماً ولا قعوداً وإنّما كان شكلاً من أشكال المواجهة.

وفي الحقيقة الأمر الآخر هو أن هذا الصلح وإنكشاف الطرف الآخر والمشروع الآخر بعد عشر سنوات من الصلح وبعد عشرين سنة من الصلح هي التي أمكنت للتأسيس لمعركة مختلفة أدّت إلى حفظ الإسلام وبقاء الإسلام وإلى سقوط المشروع الآخر وتهاويه. لذلك بقي الإسلام لنا كل هذه القرون ووصل إلينا. صلح الإمام الحسن: هذا الإجراء، هذا التدبير، هذا الشكل من أشكال المواجهة، هذا الخيار الإضطراري، هذه الحكمة التي إعتمدها الإمام عليه السلام، هي في سياق هذه المعركة الطويلة التي حفظت الإسلام ومشروع الإسلام والأمّة الإسلامية.

طبعاً في هذا السياق؛ الأمر الثالث، أن الإمام قد كان له معاناة كبيرة جداً وقدّم تضحية شخصية عظيمة جداً. لأنه في ذلك الوقت حتى الذين يؤمنون بالإمام عليه السلام ويحبّون الإمام عليه السلام وفي معسكره ،كثيرٌ من هؤلاء لم يستوعبوا الموقف ـ رغم أن الإمام فيما بعد شرح لهم ووضح لهم ـ ولكن في الأيام الأولى وفي الأسابيع الأولى كان الموقف صعبا وقاسيا وثقيلا على كثير من هؤلاء الأتباع والمحبين. إلاّ أن بعض كبار الشخصيات الذين فيما بعد ختم الله لهم بالشهادة والإمام سامحهم وإستوعبهم كانوا يقولون: له السلام عليك يا مذلّ المؤمنين. وفي هذا السياق، هو إمام مظلوم وإستشهد مظلوماً.

الصلح مع معاوية كان لدعة في الحسن:" فرية إفتراضية"
والمسألة الأساسية التي سأختم بها أنه في تلك الظروف لو كان الحسين عليه السلام هو المتصدّي للمسؤولية لأقدم على هذه الخطوة وهي الصلح. ففي سنة 60 للهجرة لو كان الحسن عليه السلام هو المتصدّي للمسؤولية لذهب إلى كربلاء.إذن الصلح هنا أو كربلاء هناك كما حاولوا أن يسيئوا للإمام عليه السلام عندما يقولون أنه يحبّ الدعة ويهرب من المواجهة ويفضّل مثلاً: هدوء الحياة وما شاكل؛ فهذه كلها إفتراءات وأكاذيب، في الخلفية الشخصية، في الملاكات/ في الكمالات: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، "الحسن والحسين إماما ن قاما أو قعدا". الحسن والحسين في أرقى وأعلى درجات الكمال الإنساني. عندما نتحدّث عن الشجاعة فهي في أعلى الدرجات وأقصى أقصى الدرجات، عندما نتحدّث عن الكرم، عن السخاء، عن الحِلم، عن الإخلاص وهكذا..فإن المسألة منطلقة من الظروف وتحقيق الأهداف وتحقيق المصالح الكبرى. لذلك كلّ منهما كانت له تضحيته وإن كانت في نهاية المطاف إنتهت إلى الشهادة. السلام على سيدنا ومولانا أبي محمد الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام وحشرنا الله معه ومع آبائه ومع جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة إن شاء الله.

"ليلة القدر" ليلة من شهررمضان
أنتقل إلى الموضوع الثاني وهو موضوع ليالي القدر. ليلة القدر فهي واحدة وليست ليالي ولكن أتى إصطلاح ليالي من النقاش الذي سأتكلّم عنه بعد قليل. أولاً: لنتكلّم عن ليلة القدر بعدّة عناوين لأننا نحن دخلنا في الإستحقاق إبتداءً من ليلة الغد إن شاء الله. أولاً ليلة القدر ذُكرت في القرآن في مكانيين، المكان الأول وهي سورة كاملة { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } والمكان الثاني الذي تحدّث فيه القرآن عن ليلة القدر هو في سورة الدخان { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } في هاذين المكانيين حديث عن هذه الليلة؛ ليلة القدر. طبعاً لا نقاش عند المسلمين يعني إجماع المسلمين على أن ليلة القدر في شهر رمضان المبارك. سأكمل الإستدلال به والروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق الشيعة ومن طرق السنة فهذا الموضوع لا يوجد فيه نقاش.

بالإستدلال القرآني في سورة القدر فالله سبحانه وتعالى يُخبرنا أنه أنزل القرآن في ليلة القدر، بسورة الدخان أيضاً يُخبرنا أنه أنزله في ليلة مباركة لذلك عندما نجمع سورة القدر مع الآيات من سورة الدخان سنعرف أن الليلة المباركة هي ليلة القدر لأن إنزال القرآن كان في ليلة القدر. ومن أين نستدلّ بالقرآن أن ليلة القدر جاءت في شهر رمضان؟ هي الآية { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} والسورة تقول { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} يعني ليلة القدر في شهر رمضان. وروايات ما شاء الله، وإجماع المسلمين إذن لا نحتاج الآن لنستهلك وقت كي نستدلّ فهذا من المسلّمات الإسلامية أن ليلة القدر في شهر رمضان.

حكمة عدم تعيين ليلة القدرالحث على الإجتهاد في طلبها
هنا يأتي السؤال في أي ليلة من شهر رمضان؟ المتداول والمعروف أيضاً يجب أن نستند فيه إلى الروايات، القرآن الكريم لم يحدد قال {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} لكن هل هي الليلة الأولى؟ في العشر الأوائل؟ في العشر الأواخر؟ القرآن لم يأتي على ذكر ذلك. لذلك علينا أن نبحث في الروايات من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام. الواضح أنه في الروايات هناك تدرّج من الأوسع زمانياً إلى الأضيق زمانياً. وهذا له حكمته. ففي بعض الروايات يقولون إبحث عنها فهي في العشر الأواخر. هذا أول مستوى.في روايات أخرى تضيّق فتقول في الليالي المفردة من العشر الأواخر. يعني، مثلاً: ليلة واحد والعشرين، ليلة الثالث والعشرين، ليلة الخامسة والعشرين، ليلة السابعة والعشرين وليلة التاسعة والعشرين. إذا نزلنا أضيق من ذلك تقول بعض الروايات إما ليلة التاسعة عشرة أو ليلة الواحدة والعشرين أو ليلة الثلاثة والعشرين .إذا نزلنا بعد هناك روايات تقول إما ليلة الواحد والعشرين أو ليلة الثالث والعشرين. وإذا ذهبنا أضيق فهناك روايات تقول ليلة الثالث والعشرين. عند إخواننا السنّة المشهور ليلة السابع والعشرين بكل الأحوال الإنسان لا يستطيع أن يجزم، يمكن أن يجمع بين الروايات مثلاً هناك رواية تجمع بين 19،21، 23، وتعتبر أن 19،و 21، هي من المقدّمات والممهدات للتقدير في ليلة الثالثة والعشرين. بكل الأحوال هناك حكمة وردت في بعض الروايات وتحدّث عنها العلماء في هذا الإخفاء: إنه كان بالإمكان أن لا يخفى هذا الموضوع إلى هذا المستوى. وهذا المعنى موجود في الروايات. وهو في الحقيقة للحثّ؛ أي حثّ المسلمين في البحث عن هذه الليلة وبالتالي التوجّه إلى العبادة وإلى الدعاء والتبتّل والتهجّد والإبتهال إلى الله سبحانه وتعالى في أكثر من ليلة ويفتّش عنها بين الليالي بين 10 ليالي أو 3 ليالي أو 5 ليالي أو ليلتان. حتى أنه هناك أحدهم يسأل أحد الأئمة عليهم السلام فيقول له الإمام : أن القصّة تستاهل أن تتعب نفسك في ليلتين أو تفتّش عنها في ليلتين.إذاً هذا الإخفاء الذي قد يكون متعمّداً ونحن لا نستطيع أن نجزم بهذا لكن النتيجة خفي الأمر بين الليالي قد تكون حكمته وورد في بعض الروايات الحثّ على الإستفادة من هذه الليالي والبحث عن ليلة القدر في واحدة من هذه الليالي. نحن لا نستطيع أن نجزم بشيء ولذلك جرت العادة ضمن التوجيهات الدينية المتّبعة أنه ليلة 19 وليلة 21 وليلة 23 مع التأكيد الخاص على ليلة 23 لأن فيها روايات منقولة من طرق الشيعة والسنّة. وهناك رواية معروفة بقصة الجهني الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واحد من الأنصار لكن كان غالب وقته يعيش خارج المدينة يخرج بغنمه ويرعى فكان وقته ضيق، لذا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسأله أن وضعي كذا وكذا فلو تدلّني على ليلة تكون مميزة وخاصة، فيقال أن النبي أسرّ له. ففيما بعد نُقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دلّه على ليلة 23. وهذا موجود في كتب الشيعة وكتب السنّة.يعني التأكيد الخاص على ليلة 23. هذا أولاً في تعيين أو تحديد الليلة.

أبعاد وشواهد أهمية وعظمة ليلة القدر
أ ــ ليلة نزول القرآن
ثانياً، في أهمّية هذه الليلة وفي عظمتها. هناك عدة شواهد عندما نتكلّم عن أهميتها وعظمتها للحث والتشجيع والتشويق والإهتمام بهذه الليلة. هي عند الله سبحانه وتعالى الليلة التي أنزل الله فيها القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو أنزل فيها القرآن. لأنه هناك نقاش عند العلماء والإختصاصيين بالقرآن إذا كان دفعة واحدة أو تنزيل تدريجي وكيف نزِل في شهر رمضان المبارك وهناك أجزاء نزِلت خارج شهر رمضان وهذا نقاش علمي لا يتّسع له الوقت الآن. لكن الآية واضحة: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}. إذن ليلة القدر هي الظرف الزماني الذي حصلت فيه هذه الواقعة الإلهية الربانية العظمى وهي نزول القرآن أو إنزال القرآن. فهذا الظرف الزماني بالتأكيد يكتسب أهمية كبرى من هذا الحدث الإلهي.

ب ــ التعظيم الإلهي لها
ثانياً، هو المديح الإلهي لليلة مثلاً عندما نقرأ الآية { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } هذا تعظيم وتفخيم لأن الله هو المتكلّم، عادةً باللغة العربية والأدبيات العربية هناك تعبير " فلان.. وما أدراك ما فلان" أو "الشعر الفلاني ... ما أدراك ما الشعر الفلاني" فهذا شكل من أشكال المديح الله سبحانه وتعالى هو من يمدح ويفخّم ويعظّم في هذه الليلة، أيضاً في إستكمال الآية فالعلماء المفسّرون يقولون أن الله قال {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ولم يقل هي خير من ألف شهر، أي نفس عملية تكرار الذكر الإلهي لليلة القدر بالإسم هو شكل من أشكال التعظيم والتفخيم لهذه الليلة.

ج ــ هي خير من ألف شهر
ثالثاً، أن الله سبحانه وتعالى وصفها في نص القرآن الكريم أنها خيرً من ألف شهر وهذا كان واضحا. عندما يعتبر الله سبحانه وتعالى أن هذه الليلة وهي ليلة القدر خيرً من ألف شهر (يعني حوالي أكثر من 80 سنة) فإن هذا هو جزء من عظمة هذه الليلة. وماذا يعني خيرً من ألف شهر؛ هذا سيأتي فيما بعد بالتوصيف إن شاء الله. إذن كونها خيرً من ألف شهر هو دليل على أهميتها وعظمتها. ويمكن أن نأخذ أكثر من تفسير والجمع بينهم هو أن الصلاة في هذه الليلة، والصدقة في ليلة القدر ، أن تلاوة القرآن، أن كل أعمال الخير التي يُتتقرّب بها إلى الله سبحانه وتعالى عندما تُقام بهذه الليلة فإنّ ثوابها وأجرها ومقبوليتها عند الله سبحانه وتعالى وكرامتها عند الله سبحانه وتعالى خيرٌ من أن تقوم بهذا العمل على مدى أكثر من ألف شهر أو 80 عاماً. وهذا بالطّبع كرم هائل، لأن الله تعالى يقول أن ثوابها خارج ليلة القدر كذا، لكن في ليلة القدر كما لو أنّك صلّيتها على مدى 80 عاماً. الصدقة ذات الشيء، الدعاء، تلاوة القرآن، صلة الرحم، كل شيء إسمه أعمال الخير والبر والعبادة والعمل المعروف وما يقرّب إلى الله سبحانه وتعالى من واجبات ومن مستحبّات فإن علمها في هذه الليلة وهي ليلة القدر خيرٌ من عملها في ألف شهر. أيضاً قد يكون هناك بُعد آخر وهو موجود ومطروح.

فيما سبق كنا نتحدّث من جهة العبد أنه إذا فعل شيء فإن الله سبحانه وتعالى كيف يحسب له هذا العمل، لكن من جهة الخالق سبحانه وتعالى أن هذه الليلة عنده يهَب فيها ويمنح فيها ويُعطي فيها ويعتق فيها من النار ويمنّ فيها بالنّصر وبالشّفاء وبالعافية وبقضاء الحوائج وبالرّزق وبالأعمار وبالمعرفة وبالعلم وبالنّعمة وبالرّحمة وبالرّخاء ووو.... ما يمنّ به خلال ألف شهر. الروايات فسّرت الخيرية في بعض الموارد ولكن الخيرية هنا:{ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} خيرية مطلقة وتحتمل كلّ التفسيرات عندما نقول خيرٌ من. رابعاً، أيضاً أن أهمّيتها وعظمتها تُكتسب مما يجري فيها من كل عام.

د ــ فيها يقدر الله مستقبل الناس للعام الآتي
كل عام في شهر رمضان هناك ليلة قدر واحدة، في هذه الليلة تجري أمور. وهذا دليل على عظمتها وأهمّيتها عند الله سبحانه وتعالى. ومن هنا أنتقل إلى العنوان الثالث وهو ماذا يجري في هذه الليلة وما قصّة هذه الليلة؟

إنزال القرآن هذا شيء انتهى مع وفاة الرسول والقرآن. الآن أصبح القرآن موجودا. إنتهى هذا الموضوع. لكن غير إنزال القرآن فإن على مدى السنين وإلى قيام الساعة ماذا يجري في هذه الليلة؟

أولاً: في هذه الليلة تتنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم، في الآية لم يقل ينزلون إلى الأرض لكن في القدر المتيقّن التّنزل إلى الأرض وبعض المفسّرين يقولون أن التّنزل بمعنى ينتشرون في كل السموات في كل الكون وفي كل الوجود لأن المهمّة الملقاة على عاتقهم لا ترتبط فقط بالأرض وسكّان الأرض وإنّما ترتبط بكل الوجود. لكن نحن ما يعنينا حيث نحن أنه تتنزّل الملائكة والروح فيها والقدر المتيقّن ولا نقاش فيه هو أنها تتنزّل إلى الأرض. ففي بعض الروايات في تفسير لماذا سمّيت ليلة القدر فيؤخذ المعنى على أساس قَدَرَ يقدِر أي يضيّق بمعنى أن الملائكة تضيق بهم الأرض فسمّيت بليلة القدر. بكل الأحوال هذا التنزّل الإستثنائي وهذا الإستنفار العام والهائل للملائكة يجري في هذه الليلة من ليالي السنة بكاملها.

الأمر الآخر؛ ثانياً: عادةً عندما يناقشون تفسيريا؛ عندما نقول الملائكة والروح فيها هل هو جبرائيل، هل هو خَلق أعظم من خلق الملائكة، هل هو شيء آخر فهذا أيضاً بحث آخر. الأمر الثاني أن الملائكة تتنزّل { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}. طبعاً المفسّرون هنا يقولون أن "من" هنا بمعنى "ب" أي بكل أمر أو يقولون بسبب كل أمر إلهي. يعني هم سينزلون لتحقيق أمر إلهي. لكن هذا الأمر وصِف هنا بهذه الآية "بكل أمر" يعني ليس أمر واحد معين أو إثنين أو ثلاثة أو خمسة، لا هنا يوجد أداة عموم "كل أمر" كذلك بسورة الدخان عندما يقول عز وجل { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } هذا الأمر ما هو؟ يعني كل أمر محكم في هذه الليلة يُبيّن ويفرّق ويُفصّل ويُحدد بشكل واضح وبيّن لملائكة الله سبحانه وتعالى وتُحسم فيه الأمور. إذن هذا "كل أمر" ،أوسع عندما نقول أنه تُقدّر فيه الأرزاق والأعمار؛ فإن ذلك هو جزء من كل أمر، لكن الأوسع. فبعض المفسّرين يقولون كل شيء. ولذلك فما يقدّر هذه الليلة من الله سبحانه وتعالى وتتنزّل به الملائكة والروح هو كل شيء من ليلة القدر. هذه إلى ليلة القدر في العام المقبل وما ذُكر في الروايات إنّما هو مصاديق وليس على سبيل الحصر ولذلك هذا يشمل كل شيء تدبير شؤون الوجود وتدبير أمر الكون إنطفاء نجوم وتولّد نجوم. ذهاب منظومات شمسية وتكوّن منظومات. ماذا يجري في هذا الكون،في هذا الوجود، في هذه السماوات كلها يقدّر في هذه الليلة ويحسم ويقرر في هذه الليلة. جزء منه ما يرتبط بالناس وما يرتبط بالناس كل شيء: أعمارهم مصائرهم موتهم صحّتهم مرضهم أرزاقهم غناهم فقرهم نصرهم هزيمتهم مصائبهم أحداثهم تاريخهم أوضاعهم، الخير والشر وما يواجهون ووو... كلّه يقدّر في هذه الليلة. إذن هذا ما يجري في هذه الليلة تماما.

إذا أردت التشبيه ــ طبعاً بلا قياس وتشبيه ــ لكن لتقريب الفكرة: مجلس الأمن الدولي قد يجتمع كل يوم أو كل أسبوع؛ يجتمع لبحث أي أمر من الأمو: إدانة هنا، قصة هناك، حادث كذا إلى آخره. ومرةّ أخرى يجتمع ليتخذ قرارا ربما بحرب عالمية ثالثة. فستجد كل العالم ينظر هذا الإجتماع وما سيخرج من الإجتماع وما هو القرار من الإجتماع. كل ذلك لأنه يرتبط بمصيرهم جميعاً. طبعاً، ما يحصل في ليلة القدر مختلف ففيها تقرر مصائرنا جميعاً وأعمارنا وأرزاقنا وما نحن مقبلون عليه وآتون إليه ــ وهذا لا يتنافى مع الإرادة البشرية وهذا بحث قائم بذات ــ لذلك يجب أن يكون لدينا عناية خاصة وتوجّه خاص وإنطباع خاص وإسنتفار خاص. كما أن الله تعالى يستنفر كل ملائكته هذه الليلة ،نحن يجب أن نستنفر كل عقولنا وقلوبنا وجوارحنا وإمكانياتنا للإستفادة والتزود من هذه الليلة.

نأخذ رواية لتوضيح هذا المعنى. عن الإمام الباقر عليه السلام: "يقدّر في ليلة القدر كل شيء، يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل (أي من السنة المقبلة) خيرٌ وشر، طاعة ومعصية، ومولود، وأجلٌ، ورزق. إلى أن يقول الراوي قلت:ليلة القدر خير من ألف شهر، أي شيءٍ عنى بذلك؟ فقال عليه السلام:" العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر" هذه ميزة ليلة القدر.

هـ ــ هي ذروة برنامج الضيافة الإلهية الرمضانية
أيضاً من ميزات ما يجري فيه أو صفات هذه الليلة هي "سلام هي حتى مطلع الفجر" يعني هذه ليلة سلام من الله عزوجل وسلامٌ من ملائكته للناس من متهجّدين من متعبّدين للطائعين للتالين للذاكرين للعابدين لفاعلي الخير. فهذه الليلة هي مفعمة بالسلام والسلامة والرحمة والنعمة والأمن والطمأنينة والعناية الإلهية الخاصة " سلام هي حتى مطلع الفجر". إذاً، أيها الإخوة والأخوات هذه الليلة هي قمّة وذروة برنامج الضيافة الإلهية. مثلما يُقام إحتفال ــ على سبيل تقريب الفكرة أيضاً ــ أو مؤتمر أو ما شاكل وفيه فقرات؛ فيقولون: الإحتفال يصل في ذروته إلى الفقرة الفلانية. وشهر رمضان هو شهر الضيافة الإلهية وهذه الضيافة فيها برنامج وفيها عطاء وجود ومغفرة وما تريدون، لكن ذروة الضيافة الإلهية هي في ليلة القدر، في أعلى درجة من الضيافة.

ليلة القدر فرصة عبادية إستثنائية فلغتنم ساعاتها ودقائقا
وبالتالي هي الفرصة الإستثنائية المناسبة والأعظم في مجموع الفرصة الإستثنائية المسماة بشهر رمضان. فإذا كانت ساعاته أفضل الساعات فإن ساعات هذه الليلة من أعظم ساعات ما هو خيرٌ من كل ساعة. وليلتها أيضاً نفس الشيء. لذلك نحن يجب أن نأخذ هذه الليلة بالعناية المطلوبة إن شاء الله. بعض الناس نتيجة إلتباسات معينة يلتبس عليهم الوقت فيظنون أن الإحياء يبدأ الساعة التاسعة أو التاسعة والنصف. أي عندما يدعون إلى المساجد أو المجمّعات أو مراكز الإحياء. لكن لا فالعمل والإحياء يبدأ بعد المغرب يعني مجرّد أننا صلّينا صلاة المغرب ودخلنا بالليلة فإنه تبدأ من مغيب الشمس ودخول الليل إلى طلوع الفجر. ولذلك يعني في هذه الليلة ـ كما قلت سابقاًـ إستثنائياً؛ المباحات والمسلسلات والسهرات والأرجيلة كل ذلك...، أيعقل أن لا تستاهل القصة ثلاث ليالي من الإنسان يحيّد فيها نفسه عن هذه الأشياء؟ حتّى جلسات الأكل الطويلة والعزائم الطويلة وما شاكل، إذا بيقدر الإنسان وخصوصاً هذه السنة الليل قصير لذلك من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر إذا إستطاع الإنسان التخفيف إلى أقصى حدّ المباحات ويتناول لقمتين ويجلس على سجادته ويستنفذ هذه الليلة في كل ساعاتها ودقائقها وثوانيها فإن الأمر يستحقّ ذلك بقوّة. طبعاً الإحياء الجماعي نحن نؤكّد عليه لأن ذلك ورد في الروايات، ففي بعض الروايات ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر جمع عياله ووو..وجلس معم وأحيا تلك الليلة. الأفضل بالتأكيد هو الإحياء الجماعي فهذا له بركات. ونفس أن مجموعة كبيرة تدعي وتبكي وكلها تقول أللّهم وكلها تقول آمين وتأمّن فإن الله سبحانه وتعالى وملائكته يتطلّعون إلى هذه الجماعة. من أهم الأمور في هذه الليلة هو الدعاء لغير نفسك أن تدعوا لإخوانك وأخواتك، أن تدعوا للناس والآخرين وهذا لن يأخذ من وقتك شيئا. على العكس فإن ذلك من أسباب قبول الدعاء، فعندما تدعو لغيرك فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب دعائك لغيرك ويعطيكَ ما طلبته لغيرك وتقول لكَ الملائكة " ولكَ ذلك". أن تطلب لغيرك العافية ولك ذلك، أن تطلب لغيرك الصحة وطول العمر والرزق والخلاص من الفقر والخوف الملائكة تقول لكَ ذلك، وهذا طبعاً فيه بركات تربوية. أيضاً أنه في الليلة الإستثنائية الخاصة ليجلس الإنسان ويتذكّر الآخرين ويدعوا لهم. أيها الإخوة والأخوات نحن فيما نعيشه في هذه الأيام وفي هذه الأحوال من ظروف صعبة وكذلك كل الناس في المنطقة. بالتأكيد هذه الليلة يجب أن نستفيد منها ونطلب من الله سبحانه وتعالى ونتوجّه إلى الله سبحانه وتعالى. وليضع كل منايضع لائحة مطالب. مثلاً؛ أنا إذا أردت أن أقترح لائحة :

- الدعاء للأموات الذين غادروا هذه الدنيا من أحبّائنا وأعزّائنا وخصوصاً من أرحامنا والأموات عموماً فهؤلاء إنقطعوا عن الدنيا ولا يستطيعون فعل شيء لكن نحن نستطيع أن نفعل لهم شيء في الحياة وخصوصاً في ليلة القدر أن ندعوا لهم بالمغفرة وأن نهذي لهم ثواب الأعمال التي نقوم بها وما شاكل. إذاً الأموات.

- الشهداء الذين مضوا.

- الجرحى الذين يعانون من ألم الجراح. هناك جريح إندملت جروحه والآن يعيش تبعات فقده عضواً أو فقد عينيه أو أصيب بالشّلل أو ما شاكل فهذا بحاجة إلى دعاء بالصبر والتحمّل والأجر والثواب، لكن هناك جرحى مازالوا يعانون من آلام الجراح فندعوا لهم بالشّفاء والعافية.

- المرضى. كثير من المرضى يحتاجون للدعاء والشفاء والعافية.

- الأسرى والسجناء والمعتقلون في كثير من سجون العالم وأنا لا أتكلّم فقط عن إخواننا والذين يُحيطون بنا بل عموماً.وهنا نذككر بالخير سماحة الإمام السيد موسى الصدر وأخويه.

- المفقودين الذين ليس معلوماً مصيرهم، هل هم شهداء؟ هل هم أسرى؟ ما قصتهم؟ كشف مصيرهم إذا كانوا أحياء يعودوا إلينا وإذا كانوا شهداء أن نستعيدهم. أجساد الشهداء لهم قيمة عند أهلهم ولهم قيمة عندنا ومازال هناك أعداد من أجساد الشهداء ليست في أيدينا ولم نسترجعها حتى الآن.

- المحاصرون، لكن هناك أناس يعيشون حصار هائل ومطبق في أكثر من مكان وأكثر من بلد يعيشون ظروف صعبة، المقاتلون المدنيون منهم على حدٍ سواء.

- المجاهدوم في الجبهات، ما شاء الله جبهات واسعة وكبيرة جداً خصوصاً هذه السنة في الصيف وحرّ وشهر رمضان وقتال في الصحاري وفي التعب والشقاء وجهاد مضني. وهؤلاء في الحقيقة إنما يدافعون عنا جميعاً، عن أمّتنا، عن أوطاننا، عن شعوبنا عن أمننا عن سلامتنا عن بقائنا عن كرامتنا وهم يستحقّون منّا كل الدعاء. نحن قد يتوفّر لنا فرصة إحياء هذه الليالي لكن ريما يكونون في حالة قتال أو جهوزية أو مرابطة ولا يُتاح لهم ذلك ويجب أن لا ننساهم.

- طلب الأمن والسلام والإنتهاء من هذه الحروب وهذه الفتن التي فرضها أعداء الأمّة. ويوما بعد يوم سينكشف أن ما حصل في منطقتنا ليس له علاقة لا بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان ولا بحرية التعبير ولا بالتغيير ولا بمصالح الشعوب. ترامب وجماعته إتّهموا أوباما وكلينتون بصنع داعش وبإدارة داعش والمصائب التي جاءت بها داعش يقف ورائها الأميركان. بكل الأحوال ما يجري في منطقتنا يجب أن نستغيث بالله سبحانه وتعالى للإنتهاء منه، يحتاج إلى دعاء وعناية إلهية حتى تخرج شعوب هذه المنطقة من هذه المحنة وهذا الدمار الهائل، الدمار النفسي والدمار الروحي والعقلي والفكري والبشري والحضاري والمدني والمديني وكل شيء. حالة دمار هائلة وآلام ومعاناة هائلة تستحقّ، الله تعالى على كل شيء قدير، أن تشملنا برحمته في هذه الليالي.

- الفقراء والمساكين أصحاب الحوائج، حوائج الدنيا وحوائج الآخرة. والأهمّ أيها الإخوة والأخوات هو حوائج الآخرة، بالنهاية في هذه الدنيا إذا الفقير أصبح غنيّ أو لم يصير، أو إذا السجين طلع من السّجن أو لم يطلَع، جسد الشهيد وجدناه أو لم نجده، الحرب إنتهت أو لم تنتهي، بالنهاية كل ما في هذه الدنيا حكمه حكم هذه الدنيا، فانٍ زائل ذاهب ينتهي، والدنيا عنده كيومٍ حان إنسلاخه "قالو كم لبثنا قالوا يومً أو بعض يوم" لكن ما يجب أن يأخذ وقتا حقيقيا منّا وتوجّه كامل منّا هو آخرتنا وآخرة الناس وآخرة أرحامنا وأهلنا ومن نحبّ. الآخرة التي يجب أن أقول أنها أبدية وسرمدية. ولكن بعض الشباب الذين لا تُترجم رقمياً عندهم أقول لهم: مليارات مليارات مليارات مليارات مليارات مليارات مليارات مليارات ... إلى ما لا نهاية من السنين.

- أن ندعوا الله سبحانه وتعالى أن يعتق رقابنا من النار، أن يُدخلنا الجنّة، أن يرزقنا الأمن والآمان والكرامة والعزّة والشّرف والسعادة والخير وعلوّ الدرجات والروح والريحان والرضوان والسلام عنده .. إلى آخره، هذا يُطلب من الله. أغلى شيء يُطلب من الله سبحانه وتعالى هو القرب منه ومحبّته وجواره وجوار أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم.

بالتأكيد يجب أن أوصي أن لا تنسوا كبارنا وعلمائنا ومراجعنا وقادتنا والذين يتحمّلون المسؤوليات الكبيرة والجسيمة في هذه المرحلة لا سيّما سماحة الإمام القائد السّيد الخامنئي دام ظلّه الشّريف. واقعاً يستحقّ هذا الرجل: بوجوده الشريف، بحكمته البالغة بركة وجوده العظيم في هذه المرحلة الخطيرة، بحمته وبصيرته أن يعمل الإنسان أولوية له في الدعاء. وأنا كأحد هؤلاء الناس دائماً أدعو. وهذا نُقل عنّي، وأنا أقوله: "أن يأخذ الله سبحانه وتعالى بقية عمري ليزيد في عمر هذا الإمام القائد الحكيم والعظيم".
وأيضاً الدعاء الأكيد على طول الليلة لمولانا بقية الله في الأرضين صاحب الزّمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بتعجيل الفرج وبالتّمكين وبتحقيق أحلام الأنبياء وآمال الأنبياء وسعادة البشرية، هذا الذي نتطلّع إليه ووعِدنا به، ونؤمن به وننتظره في الليل وفي النهار.

بارك الله فيكم وأسأل الله أن يتقبّل منكم، ولا تنسوني شخصيّاً من دعائكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

2018-01-17