يتم التحميل...

لتشكيل هيئة فكرية تُعنى بتقويم المسار الإستراتيجي الثورة

الثورة الإسلامية

لتشكيل هيئة فكرية تُعنى بتقويم المسار الإستراتيجي الثورة

عدد الزوار: 26

كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة ٢١/٠٩/٢٠١٧

لتشكيل هيئة فكرية تُعنى بتقويم المسار الإستراتيجي الثورة


أريد تناول ثلاث نقاط: إحداها تتعلق بهذا المجلس المحترم، مجلس خبراء القيادة. والأخرى - وهي نقطة تكررت تقريباً - حول شؤون البلاد. ونقطة حول النظرة إلى أوضاع المنطقة والعالم وعلاقتها بنا وبالجمهورية الإسلامية.

بالنسبة إلى النقطة الأولى، إن هذا المجلس مجلس استثنائي ومنقطع النظير حقاً من حيث التركيب ومن حيث الوظائف ومن حيث الأداء خلال هذه الأعوام الماضية وإلى اليوم. برأيي أنا العبد، يمكن عقد الآمال على هذا المجلس لأمر مهم آخر إلى جانب الأعمال والمهام التي قام بها حتى الآن ولا يزال، وهو عبارة عن النظرة العامة الاستراتيجية للثورة ومسار الثورة. ليس لدينا بين أجهزتنا جهاز لهذه المهمة. وهي طبعاً من جملة واجبات القائد. وقد بُذلت جهودٌ لهذا الأمر في حدود الإمكان؛ رغم النواقص الموجودة عند هذا العبد الحقير. ولكننا لا نمتلك جهازاً لهذه المهمة. السلطات الثلاث مكلفة بإدارة البلاد، ويجب عليها إدارة البلاد؛ كل واحدة في مجال ما وبشكل ما. طبعاً هم يجب أن يديروا الأمور إدارةً ثورية، ولا شكَّ في هذا. لكن نظرتهم بشكل طبيعي مركزة على هذا المسير والدرب الذي يسيرون فيه، وهي على العموم ليست نظرة عامة واستراتيجية لمجمل مجموعة الثورة طوال هذه الأعوام التسعة والثلاثين، وعلى مدى عشرات السنين القادمة. هناك حاجة لوجود مركز يمتلك هذه النظرة.

ما معنى هذا؟ لأوضح المسألة أكثر: يمكن تصور وجود هيئة تفكير في مجلس خبراء القيادة هذا - والحمد لله على أن أصحاب الرأي وأهل الفكر في هذه المجموعة المكوّنة من سبعين أو ثمانين شخصاً ليسوا بالقلائل- وتكون وظيفة هذه الهيئة المفكرة أن تلقي نظرة كلية على مسار الثورة منذ بدايتها وإلى اليوم.

حسنًا، لقد كان لهذه الثورة أهداف؛ هناك حركة انطلقت نحو أهداف معينة. لينظروا كي نرى كم اقتربنا من هذه الأهداف. من أي هدف اقتربنا. وأي الأهداف توقفنا عن متابعتها وأيها تخلفنا عنها. قد تكون هناك حالات سجلنا فيها تقدماً نحو هدف ما في بدايات الثورة لكننا بعد مدة لم نتوقف فحسب، بل وربما عدنا إلى الوراء. يجب أن نعرف هذه الأمور.

نماذج من السياسات العامة محل التقويم
أ ــ سياسات "لا شرقية ولا غربية"
إذا شاهدنا مثل هذه الحالات في بعض الأمور، ينبغي أن ينظّم هذا المجلس مطالباته على هذا الأساس. وطالما جرى الحديث عن مطالبات. كانت هناك في كلمات السادة ـ وأشار السادة هنا، وسبق أن قلت أنا: نعم يجب أن يكون لمجلس الخبراء مطالباته من الأجهزة والمؤسسات المختلفة. يمكن تنظيم هذه المطالبات على أساس هذه الدراسة، ولنضرب مثلاً بشأن الأمور الموجودة.

لنفترض أن من العناوين المهمة لهذه الثورة، كان ثورة "لا شرقية ولا غربية". ولا يوجد اليوم شرق، وفي المقابل يوجد غرب بكل قوة وقدرة. فما معنى "لا غربية"؟ معناها أنْ لا ننجذب إلى الغرب ولا نقع تحت تأثير الغرب ولا نتقبل الثقافة الغربية، ويجب أن نشذّب البلاد والثقافة لتنقيتها من الامتزاج بالثقافة الغربية المنحطة؛ أن لا نخضع لتأثير الغرب من الناحية السياسية. أن لا نكون تابعين للغرب. لا نكون مطيعين ومنقادين للغرب. هذا هو معنى "لا غربية". وكذلك الحال بالنسبة لشعار: "لا شرقية". غير أنه لا يوجد اليوم "شرقية".

أين هو الغرب؟ الغرب هو أمريكا وأوروبا. حسنًا، الحكومات الأوروبية لديها ثقافة ولديها سياسة وخارطة طريق طويلة وعامة. نحن باعتبارنا جمهورية إسلامية مهمتنا أن ننقذ أنفسنا من السقوط في الدرب الذي يريده الغرب. هذا واجب. فهل قمنا بهذا الواجب لحد الآن أم لا؟ كم هي نسبة ما قمنا به؟ أين هي الأمور التي قمنا بها؟ وإذا لم نقم به في قضايا معينة فأين تكمن المشكلة؟ طبقاً لتشخيص تلك المشكلة تطرح "المطالبات" في هذا المجلس. وقد تكون هذه المطالبة من هذا الحقير، وقد تكون مطلوبة من الحكومة، وقد تكون السلطة القضائية مطالبة بها. وقد يكون الحرس الثوري مطالباً بها، وقد يكون مجلس الشورى مطالباً بها. يمكن طرح مطالبات على هذا الأساس. كان هذا مثالاً.

ب ــ الإقتدار الإقتصادي
أو لنفترض في المجال الاقتصادي. الاقتدار الاقتصادي هو أحد أركان اقتدار البلاد. وقوة العملة الوطنية من العناصر الأساسية التي تشكل الاقتدار الاقتصادي، بمعنى أن تكون للعملة الوطنية قدرة شراء، وأن تنتج هذه القدرة الثروةَ للمواطنين ولمن يمتلكون هذه العملة. إذا وصلنا بناء على سياسات خاطئة، سياسات تنفيذية خاطئة وقرارات خاطئة وحالات عدم الاهتمام وعدم الاكتراث على اختلاف أنواعها، إلى وضع يهبط بقيمة العملة الوطنية يوماً بعد يوم، فهذا رجوع إلى الوراء وهذا تخلّف. يجب أن نُشخّص هذه الحال. ونطرح على أساسها مطالبات. ويمكن أن تكون هذه المطالبة من الحكومة وقد تكون من مجلس الشورى، وهلمّ جراً.

ج ــ قضية العدالة
من الأمور التي كانت مطروحة منذ مطلع الثورة قضية العدالة. العدالة معناها تقليل المسافات الفاصلة بين الفقير والغني في البلاد، ومكافحة الفقر، والتوزيع الصحيح للثروة في البلاد. وهذا مختلف عن الأفكار الماركسية، وهو غير المساواة التي يطرحها الاشتراكيون أو الشيوعيون . هذا هو رأي الإسلام؛ المصادر والوثائق الإسلامية تؤيد وتؤكد كلها هذا المعنى. لا بمعنى أن نسيطر على ثروة الأثرياء ونريد أن نسلبهم هذه الثروة. كلا، بل ينبغي إدارة البلاد بحيث تقل الفوارق والمسافات بين الفقير والغني. حسنًا، هذه قضية شديدة الأهمية، وهي قضية تطرح اليوم في العالم. و"مُعامل جيني" الذي يطرح في العالم ويُعدّ اليوم من المعايير والمؤشرات الاقتصادية هو هذا. إنه في الواقع وبمعنى من المعاني المسافة الفاصلة بين الفقير والغني. يجب أن ننظر لنرى كم تقدمنا إلى الإمام من هذه الناحية - من وجهة نظر الإسلام - وكم سِرنا وتحركنا، ولماذا أصبح الوضع هكذا. يجب أن نحسب هذه الأمور وندرسها.

د ــ حماية الدوافع الثورية وتعزيزها
أو لنفترض مثلاً حماية وحراسة الدوافع الثورية. شرط استمرار حياة الجمهورية الإسلامية وجود الدوافع الثورية ووجود الروح الثورية. إذا لم تكن الروح الثورية موجودة، فلن تكون الجمهورية الإسلامية. نعم، ستكون هناك دولة تتولى الأمور لكن تلك الدولة لن تكون جمهورية إسلامية. فحركة الشعب هذه، وهذه الدماء التي قدّمها الناس وهذه الجهود والمشاق التي تحملوها لإحياء الإسلام وإحياء الشريعة الإسلامية، كلها كانت لهذا الغرض، وسوف تزول وتداس بالأقدام إذا زالت الدوافع الثورية. إذًا، لا بدّ من وجود الدوافع الثورية للمحافظة على الجمهورية الإسلامية. ما هو حال هذه الدوافع الثورية؟ هل انخفضت؟ هل ازدادت؟ هل استمرت؟ ما هي حالات مواجهة ومكافحة هذه الدوافع؟ وما هو السبيل لمواجهة هذه الحرب التي تُشنُّ ضد هذه الدوافع الثورية؟ ندرس هذا ونُعدُّ مطالباتنا على ضوء دراستنا. لنفترض مثلاً أنني أنا العبد اقول في كلماتي المختلفة: يجب أن تساعدوا الشباب الثوري والحزب اللهي، فهذا هو معنى هذا الكلام. أي إنها مطالبة قائمة على رؤية للمسيرة الثورية في البلاد. وطبعاً لحسن الحظ ، لم يتراجع البلد في هذا المجال، ليس هذا فحسب، بل وتقدم إلى الأمام. هذا شيء مسلّم وقابل للإثبات.

هـ ــ صيانة روح التدين وتنميتها
أو لنفترض قضية تديّن الناس؛ نحن نريد أن يكون الناس متدينين. تتكرر هذه العبارة أحياناً «إننا لا نريد أن نُدخلَ الناس إلى الجنة بالقوة». هذه العبارة في رأينا عبارة غير صحيحة. إنه تعبير فيه مغالطة. لا يريد أحد إدخال أحد إلى الجنة بالقوة، ولكن علينا أن نفتح طريق الجنة أمام الناس ونشجعهم. بل إن الأنبياء بالأصل جاءوا لأجل هذا: ليأخذوا الناس إلى الجنة ولا يدعوهم يدخلون النار. إنَّ كل إرسال الرسل وإنزال الكتب وكل هذه الصعاب والمجاهدات كانت من أجل أن لا يدعوا الناس تواجه جهنم. هذا واجبنا ويجب أن نقوم به، ويجب أن يكون الناس متدينين؛ هذا ما لا شكَّ فيه. طبعاً بالطريق الصحيح وبالشكل السليم المناسب. إما أنْ يقول قائل: «ليس في الإسلام قوة في هذا المجال» فهذا ليس بالكلام الصحيح. فما هي هذه الحدود الشرعية إذًا؟ ما هي إذًا هذه الـ«فاجلدوا .... مئة جلدة» (3) أو «فاجلدوهم ثمانين جلدة» (4) ؟ إنها تلك القوة والقدرة.

إذًا، هذه دراسات استراتيجية؛ أي عندما تجتمع هيئتكم المفكرة وتلقي نظرة على مسيرة الثورة وعلى هذه المجموعة طوال هذه السنين التسع والثلاثين، وتسجل كل واحدة من هذه الحالات ـ وعشر حالات أو خمس عشرة حالة مهمة أخرى يمكن تعدادها ـ وتجد أننا حققنا تقدماً في هذا الجانب فسيكون هذا التقدم مبعث تشجيع، ينبغي القيام بأعمال من أجل أن نواصل هذا التقدم ونحافظ عليه، فمن المؤكد أن لهذا التقدم من يعارضه ويخالفه. أو إننا عانينا من المراوحة في أمور معينة، وتراجعنا في بعض المسائل. يجب أن ننظر ما الذي ينبغي فعله حيال هذه الحالات. وهذا ما ينتج مطالبات، بمعنى أن المطالبات اللازمة أكبر بكثير من المطالب الجزئية والتنفيذية، من قبيل أن المحافظة الفلانية أو المدينة الفلانية تعاني من هذه المشكلة أو تلك. وتلك أيضاً مشكلات بالطبع ولا نريد إنكارها، غير أنّ شأن مجلس خبراء القيادة هو متابعة تلك القضايا الأساسية. هذه برأيي من المهام الأصلية والمهمة التي يمكن لهذا المجلس أن يقوم بها.

2017-10-04