الجهاد في سبيل الله والإعانات الغيبية
الجهاد
إنّ غزوة بدر من أعظم غزوات النّبي (صلى الله عليه وآله)، وكان انتصاره فيها معجزة غيبيّة تفضّل بها سبحانه على اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله)
عدد الزوار: 284
غزوة بدر نموذجاً
إنّ غزوة بدر من أعظم غزوات النّبي (صلى الله عليه وآله)، وكان انتصاره فيها معجزة
غيبيّة تفضّل بها سبحانه على اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) حيث التقى في وادي
بدر فئتان غير متكافئتين عدداً وعدّة، ولقد كان عدد المشركين ثلاثة أضعاف عدد
المسلمين، كان المشركون بين تسعمائة وألف[1] وعدد المسلمين ثلاثمائة وبضع وعلى قول
ثلاثمائة وثلاثة عشر، ولم يكن لدى المسلمين إلاّ فرسان، ومع ذلك كلّه، غلبت هذه
الفئة القليلة تلك الفئة الكثيرة، لقوّة إيمانها وتفانيها دون رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ودينهم، وفي ظل إعانات غيبيّة يذكرها القرآن الكريم، سيوافيك بيانها.
قال سبحانه: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ
وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل
عمران / ١٢٣).
نعم، كانوا أذلاّء، فصاروا أعزّاء أقوياء بفضله وكرمه. قال سبحانه:
(وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَلَٰكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون / ٨) فصاروا
أعزّاء بعنايات ربّانية، وإعانات غيبيّة تكفّل الذكر الحكيم ببيانها ونحن نذكرها
إستلهاماً منه، وتصل أنواعها إلى ثمانية، وكان لها الدور الهام في إنتصار المسلمين.
١ ـ إراءة العدو قليلاً في المنام
قال سبحانه: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي
مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ
فِي الأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الأنفال
/ ٤٣).
٢ ـ إراءة كلّ من الفريقين الآخر قليلاً في بدء الحرب
إنّما أرى المشركين المؤمنين قليلين، حتّى لا يورث ذلك رُعبا ووحشة في
قلوبهم، وقد مرّ في الإعانة الاُولى أنّه سبحانه فعل ذلك دفعاً للفشل والتّنازع.
وإنّما أرى المؤمنين للمشركين قليلين لئلاّ يتأهّبوا ويستشرسوا في القتال،
ويتخيّلوا أنّهم لا يحتاجون في دفع عدوّهم إلى بذل جهد كبير. قال سبحانه مشيراً إلى
ذلك بقوله: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ
فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ
أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ) (الأنفال /
٤٤)
٣ ـ إراءة المشركين كثرة المؤمنين أثناء القتال
إنّ المصلحة قد اقتضت أن يُري سبحانه المؤمنين للعدو كثيرين على خلاف ما
أراهم عند أوّل الحرب وذلك حتّى يتخيّل العدو أنّه وصل إلى المسلمين مددٌ كانوا
بعيدين عن المعركة حتّى تتزعزع بذلك معنويّاتهم ويتقهقروا عن ميدان المعركة بعدما
فتك بهم المسلمون بقتل كثيرين منهم وأسر آخرين.
قال سبحانه: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ
الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم
مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ
فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ) (آل عمران / ١٣).
٤ ـ إستغاثة المسلمين ونزول الملائكة
قال الله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ
مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ
قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال
/ ٩ و ١٠).
٥ ـ الإمداد بالنعاس
إنّ الإنسان لا يأخذه النوم في حال الخوف، وقد قيل: الخوف مسهر والأمن
منوّم، فاللّه سبحانه أمدّهم بالنّعاس وهو أوّل النوم قبل أن يثقل، فقوّاهم ـ
بالإستراحة ـ على قتال العدو.
٦ ـ الإمداد بنزول المطر
وقد أصابهم المطر ـ وكانوا أحوج شيء إليه فطهّروا به أبدانهم واغتسلوا
من الجنابة، وزادهم قوّة قلب وسكون نفس وثقة بالنّصر، وثبّت أقدامهم في الحرب
بتلبّد الرّمل.
وإلى الإمدادين: الخامس والسادس يشير قوله سبحانه: (إِذْ
يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ
مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ[2]وَلِيَرْبِطَ
عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) (الأنفال / ١١).
٧ ـ الإمداد بتثبيت أقدام المؤمنين
وقد كان لنزول الملائكة فائدة اُخرى، وهي تثبيت أقدام المؤمنين في ميدان
الحرب لئلاّ تزلّ أقدامهم عند هجوم العدو، وكانت ساحة القتال رملاً.
٨ ـ الإمداد بإلقاء الرّعب في قلوب المشركين
يقول سبحان مشيراً إلى الإمدادين: (إِذْ
يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا
سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ
الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال / ١٢).
* آية الله الشيخ جعفر سبحاني - بتصرف
[1] قال الواقدي: «
وخرجت قريش بالجيش يتقاذفون بالحراب، وخرجوا بتسعمائة وخمسين مقاتلاً، وقادوا مائة
فرس، وكانت الإبل سبعمائة بعير، وكان أهل الخيل كلّهم دارع وكانوا مائة، وكان في
الرجالة دروع سوى ذلك » المغازي، ج ١ ص ٣٩.
[2] وهو الجنابة.