يتم التحميل...

أمير المؤمنين علي عليه السلام جامع الحسنات

تربية دينية (مناسبات)

أمير المؤمنين علي عليه السلام جامع الحسنات

عدد الزوار: 27

أمير المؤمنين علي عليه السلام جامع الحسنات

إنّ كل القيم والصفات التي يحترمها الإنسان ويكرّمها – سواء كان إنسانًا مؤمنًا بالإسلام، أو كإنسان يؤمن بأي دين، أو كإنسان لا يعتقد بأي دين، مهما كان ذلك الإنسان- قد جُمعت في علي بن أبي طالب. حتى الشخص الذي لا يتّبع أي دين – أي إنه لا يؤمن بأي دين- عندما يتعرّف إلى شخصية أمير المؤمنين، فإنّه سيحترمها ويخضع لها ويعظّمها.

صفات معنوية إلهية
يوجد لدى أمير المؤمنين ثلاثة أنواع من الصفات1: النوع الأول هو تلك الصفات المعنوية الإلهية التي لا يمكن قياسها بالنسبة لنا بأي ميزان: الإيمان، السابقة في الإسلام، التضحية في سبيل الإسلام. الإخلاص، حيث لا يوجد ولو مقدار رأس إبرة من العمل بغير النية الإلهية في عمله. هل نفهم نحن هذا أصلًا؟ لمن هم مثلي أنا العبد، هل يمكن إدراك هذه الحالة أصلًا؟ أن تكون كل الأعمال لله، لأجل رضا الله، لإجراء الأمر الإلهي، هذا هو الإخلاص. هذه أمور لا يمكن قياسها ووزنها بالنسبة لنا، وليست قابلة للتوضيح بشكل صحيح. العلم والمعرفة بالله، المعرفة بالله. نحن ماذا نفهم من هذه العظمة؟ وماذا يفهم أمير المؤمنين من هذه العظمة: المعرفة بالله؟ إنّها سلسلة من صفات أمير المؤمنين وهي في الواقع ليست قابلة للتوصيف بالنسبة لنا، ولا يمكن فهمها، حتى ولو جاءوا وشرحوها لنا ووضّحوها، فلن نصل إلى عمقها بدقّة، لكونها عظيمة جدًّا وعميقة جدًّا؛ هذه مجموعة ونوع من صفات أمير المؤمنين.

صفات إنسانية عامة مشتركة
هناك مجموعة أخرى من الصفات، هي صفاته الإنسانيّة البارزة. وهي تلك الأشياء التي تجذب إليها الجميع: تجذب الإنسان المسلم وغير المسلم والمسيحي وغير المسيحي والمتديّن والذي لا دين له: الشجاعة، الرحمة؛ ذلك الإنسان الذي يقاتل في ميدان الحرب بتلك الطريقة، عندما يتعامل مع عائلة فيها أيتام، يتصرّف معهم بكلّ تلك المحبة، ينحني ويلاعب الأطفال الأيتام ويركبهم فوق ظهره. وهذه بالأصل أشياء لا تتعلّق بكوننا متديّنين أو بأي دين ندين كي نحترمها ونقدّرها، كل من يواجه هذه العظمة فإنه سيشعر بالخضوع والتعظيم والإجلال. والإيثار؛ أي أن تؤثر الآخر على نفسك؛ أي التسامح، أي أن تصرف النظر عن حقّك، حين يكون الحقّ معك، لأجل الله، لأجل مصلحة –وإن كان حقًّا شخصيًّا- سواء كان حقًّا ماليًّا أو حقّ حفظ ماء الوجه أو أي حق آخر من حقوقك؛ هذا هو معنى الإيثار. وهذه أيضًا مجموعة ونوع من صفات أمير المؤمنين، التي إن أراد الإنسان أن يعدّد هذه الخصوصيات فستؤلّف كتابًا وتكوّن وثيقة عريضة طويلة جداً.

خصوصيات حكومية في حدّها الأعلى
إنّ للمراتب المعنويّة والشمائل الأخلاقيّة والشخصيّة الّتي تحلّى بها هذا الرجل العظيم شأناً؛ ممّا يفوق مستوى الحصر المتعارف وكلّ منها كالشمس الساطعة في بريقها، بَيْدَ أنّ ما أراه يسمو عليها جميعاً هو سيرة هذا الحكيم في الحكم. المجموعة الثالثة من خصوصيات أمير المؤمنين: هي خصوصيات حكومية. وبالطبع فإنّ لها شدّة وضعفًا والحدّ الأعلى منها كان في شخصية مثل أمير المؤمنين. هذه الخصوصيات في الحكم مثل ماذا؟ مثل العدالة، الإنصاف، المساواة بين جميع الناس.

نماذج من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) في الحكم 2
إنّ حكومة أمير المؤمنين(عليه السلام) بمثابة الأسوة على صعيد إقامة العدل والدفاع عن المظلوم ومقارعة الظالم وملازمة الحقّ في جميع الأحوال.

في مستهلّ حكومته ساوى أمير المؤمنين(عليه السلام) في تقسيم بيت المال بين الناس. لأنّ الأمور سارت على مدى ما يقرب من عشرين عاماً قبل مجيء أمير المؤمنين(عليه السلام) على تفضيل بعضهم لسابقتهم في الإسلام, أو انتمائهم للمهاجرين أو الأنصار أو... على من سواهم. وهكذا جرت العادة في المجال الماليّ يوم ذاك, وكان دأبهم يومئذ تفضيل بعض الناس في العطاء، فجاء(عليه السلام) وألغى ما كان سائداً. إذ قال: إنّ من كان متديّناً وأكثر إيماناً فأجره على الله، ومن كان ذا قوّةٍ ويسعى في حياته لكسب المال فله ما كسب. أما بيت المال فإنّني أقسمه بالسويّة. فجاءه بعضهم مشفقاً محذراً من أنّ نتيجة ذلك ستكون الإخفاق وتدفع ببعض الناس إلى الوقوف بوجهك. فردّ(عليه السلام): "أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ"3. وفي موضع آخر يقول في كتابه المعروف إلى عثمان بن حنيف: "أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأمُوم إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ، أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ"4. وهنا يشير أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى ملبسه ومأكله اللّذين كان يشابه بهما أفقر الناس يومها، ويقول أنا إمامكم أعيش هكذا حياة.

ثم يقول لابن حنيف: "أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُوني بِوَرَع وَاجْتِهَاد"5. وذاك ما يخاطبنا به أمير المؤمنين(عليه السلام) اليوم: تجنّبوا المخالفات والذنوب وما كان غير مشروع، واجتهدوا للاقتراب بأنفسكم ممّا وسعكم الوصول إليه. وفي أحد المواضع يخاطب ابن عبّاس قائلاً: "فلا يكن حظّك في ولايتك مالاً تستفيده ولا غيظاً تشتفيه"6. أي لا يكن ما تجنيه من ولايتك الّتي بعثناك إليها مالاً أو نقمة تفرغها على واحد من بني البشر. ثمّ يقول(عليه السلام): "ولكن إماتة باطلٍ وإحياء حقّ"7، أي إنّ نصيبك من هذه الحكومة أن تميت باطلاً أو تقيم حقّاً.

وجاء أحدهم عند أمير المؤمنين عليه السلام يطلب مالاً، فقال(عليه السلام): "إِنَّ هذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي وَلاَ لَكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَجَلْبُ أَسْيَافِهِمْ. فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ فِي حَرْبِهِمْ كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ، وَإِلاَّ فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لاَ تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ". هذا هو منطق أمير المؤمنين(عليه السلام) في تعامله مع مثل هذه الأمور؛ فلقد كان تطبيق العدالة والدفاع عن المظلوم والشدّة مع الظالم أيّاً كان الظالم وأيّاً كان المظلوم مهمّ بالنسبة لأمير المؤمنين(عليه السلام).

لم يجعل أمير المؤمنين(عليه السلام) من الإسلام شرطاً للدفاع عن المظلوم. ففي واقعة (الأنبار) وهي إحدى مدن العراق حيث أغارت مجموعة من أتباع حكومة الشام على المدينة وقتلوا واليها المنصوب من قِبَل أمير المؤمنين(عليه السلام), وحملوا على الناس وداهموا البيوت وقتلوا عدداً من الناس ثمّ قفلوا راجعين؛ خطب أمير المؤمنين عليه السلام تلك الخطبة الّتي وردت في نهج البلاغة، وهي خطبة الجهاد8. ومما قاله: "وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالأخْرَى المُعَاهَدَةِ". فلا فرق لدى أمير المؤمنين(عليه السلام) بين أن تكون المرأة المعتدى عليها من أهل الكتاب يهوديّة أم مسيحيّة أم مجوسيّة أو مسلمة؛ فهو(عليه السلام) يذكرهنّ بلسان حال واحد: " فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا9 وَقُلْبَهَا10 وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا11. ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ". ثم يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): "فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً".

وفي كتابه المشهور لمالك الأشتر حيث يحدّد له فيه طبيعة التعامل مع الناس, وأن لا يكون سبعاً ضارياً، يردف كلامه قائلاً: "فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ"12.

وبناءً على هذا، فإنّ الإسلام ليس مناطاً بالنسبة لأمير المؤمنين(عليه السلام) في دفاعه عن المظلوم وإحقاق حقوق الإنسان. فالمسلم وغير المسلم كلاهما يتمتّع بهذا الحقّ.

انظروا أيّ منطق رفيع هذا. وهناك الآن نفر يهتفون باسم حقوق الإنسان في العالم زوراً ورياءً, وهم لا يراعون للإنسان حقوقاً أبداً حتّى داخل بلدانهم؛ ناهيك عن سائر أصقاع الدنيا. فحقوق الإنسان بمعناها الحقيقيّ هي تلك الّتي صرّح بها أمير المؤمنين(عليه السلام) وعمل بها.


1- من كلمة الإمام الخامنئي لدى استقباله وفودًا شعبية بمناسبة عيد الغدير 20-9-2016 م
2- من كتاب "الإمام علي عليه السلام" ، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
3- نهج البلاغة: الخطبة 126.
4- م. ن، الكتاب 45 كتبه عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و هو عامله على البصرة.
5- م. ن.
6- بحار الأنوار، العلامة المجلسيّ، ج 4، ص 328.
7- نهج البلاغة، الخطبة: 231، من كلام له عليه السلام كلّم به عبد الله بن زمعة.
8- نهج البلاغة، الخطبة: 27.
9- الحِجْل ـ بالكسر و بالفتح و بكسرين ـ : الخلخال.
10- القُلُب ـ بضمتين ـ : جمع قُلْب ـ بالضم فسكون ـ : السوار المُصْمَت.
11- الرعاث ـ جمع رَعثة ـ وهو: ضرب من الخرز.
12- نهج البلاغة: كتاب: 53 من عهد له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي رحمه الله لمّا ولّاه على مصر وأعمالها.

2017-04-12