يتم التحميل...

الصلاة ودورها في القرب من الله

التربية الإيمانية

من لوازم إيمان الإنسان بالله تعالى قيامُه بالأعمال الصالحة. وتُعتبر الصلاة في الشريعة الإسلاميَّة خير الأعمال وأفضلها وسيلة للتقرّب من الله عزّ وجلّ.

عدد الزوار: 1158

مقدّمة
من لوازم إيمان الإنسان بالله تعالى قيامُه بالأعمال الصالحة. وتُعتبر الصلاة في الشريعة الإسلاميَّة خير الأعمال وأفضلها وسيلة للتقرّب من الله عزّ وجلّ. وعندما سُئِل الإمام الصادق عليه السلام عن أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله، قال عليه السلام: "ما أعلم شيئًا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم قال: "أوصاني بالصلاة..."1. وقد أوصى أمير المؤمنين عليه السلام بحفظها، ووصَفها بأنَّها خير العمل: "أوصيكم بالصلاة وحفظها، فإنّها خير العمل، وهي عمود دينكم"2. وعندما سأل أبو ذرّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "خير موضوع، فمن شاء أَقَلّ ومن شاء أكثر"3. وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ طاعة الله خدمته في الأرض، فليس شيء من خدمته يعدل الصلاة"4.

على مستوى الجهد والمشقّة البدنيَّة، نلاحظ أنَّ الصلاة أخفّ مؤونةً، وأقلُ وطأةً من سائر العبادات.

فالجهاد في سبيل الله، قياسًا للصلاة، عملٌ شاقٌّ جدًّا، يتخلّله الكثير من الآلام والجهد والأخطار، أمّا بالنسبة للصلاة، فإنَّ أقصى ما يقوم به المصلّي قراءةُ بعض الألفاظ، والانحناء والقيام، ومع ذلك صُنّفت الصلاة بأنَّها خير الأعمال وبأنَّها أوثق سبب لقرب العبد من الله. عن الإمام الرِّضَا عليه السلام: "أقرب ما يكون العبد من الله عزّ وجلّ وهوَ ساجد، وذلك قوله عزّ وجلّ ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ5‏،6 وعنه عليه السلام أيضًا قال: "الصّلاة قربان كلّ تقيّ"7. فما هي حقيقة الصلاة، ولماذا اعتُبرت خيرَ الأعمال وأحبّها إلى الله، وأفضل وسيلة لذكره تعالى، وأوثق أسباب القرب من ذاته المقدَّسة؟

حقيقة الصلاة
الصلاة عبادة من أهمّ العبادات التي يجب على كلّ مسلم أن يفقه معانيها وأحكامها، درسًا وتطبيقًا، لعِظَم قدرها، وسموّ مكانتها في الإسلام. وهي لغةً: الدعاء8، ومن ذلك قوله تعالى ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ9، واصطلاحًا: عرَّفها الفقهاء بأنَّها أفعال مفتتَحة بالتكبير، مختتَمة بالتّسليم، للقربة، مشروطة بطهور10.

الصلاة عمود الدين، إن قُبلت قُبل ما سواها، وإن رُدّت ردّ ما سواها، كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ عمود الدين الصّلاة، وهي أوّل ما يُنظَر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نُظِرَ في عمله، وإن لم تَصِحَّ لم يُنظَر في بقيّة عمله"11.

الصلاة عمود الدين بمعنى أنّها قوامه، وموضعها من الدين كموضع الرأس من الجسد. وهي أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله سبحانه، وأفضل ما توسّل به المتوسّلون للتقرّب إليه، وهي معراج المؤمنين والعارفين، وسفر العاشقين. والصلاة أوّل ما افتَرض الله سبحانه على الناس، وأوّل ما يجب تعلّمه من الفرائض، وأوّل ما يُنظر فيه من عمل ابن آدم، وأوّل ما يُحاسب به، وآخر وصيّة للرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّه كان من آخر وصاياه: "الصلاة، الصلاة، الصلاة... "12.

والصلاة هي التي تطرد الشياطين، وتمنع من البَطَر والطغيان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتزيل الكبر وأنواع الرذائل القلبيّة، وتُذهب السيّئات، وتطهّر النفس. وهي مفتاح كلّ خير، يُنوَّر بها الوجه والقلب، وتَطمئنّ بها النفس، وتُستنزل بها الرحمة، وتُبدّل بها السيّئات بالحسنات، ويُستعان بها على الجهاد الأكبر والأصغر.

وهي مثل عين الماء الزلال، تطهّر المصلّي الذي يصلّي خمس مرات في اليوم، فعن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّما مثل الصلاة فيكم كمثل السري (وهو النهر) على باب أحدكم، يخرج إليه في اليوم والليلة، يغتسل منه خمس مرّات، فلم يبق الدرن مع الغسل خمس مرّات، ولم تبق الذنوب مع الصلاة خمس مرّات"13.

الصلاة أفضل وسيلة لذكر الله تعالى
الصلاة هي ذكر العبد لله وحده، وهي رمز العبوديّة لله، ودليل التسليم، وعلامة الإيمان، وآية الإخلاص. لذا قال الله سبحانه مخاطبًا نبيّه الكليم موسى عليه السلام: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي14, وهذه آية من المحكَمات التي تُبيّن مصداقًا من أبرز مصاديق وجوه أهمّيّة الصلاة، وهي أنّ الإنسان يحتاج في حياته في هذا العالم إلى عمل يذكّره بالله والقيامة ودعوة الأنبياء وهدف الخلق، في فترات زمنيّة مختلفة، كي يحفظه من الغرق في دوّامة الغفلة والجهل، وتقوم الصلاة بهذه الوظيفة المهمّة.

إنَّ هذا الأمر يدلّ على عناية الله سبحانه بهذه الصلاة، وعِظَم قدرها عنده جلّ وعلا، وأنّ المسلم لا يُطالَب بفعل هذه الصلاة كيفما اتُّفق، وإنّما المطلوب من المسلم أن يُقيمها حقّ القيام، فيُصلّي الصلاة الشرعيّة بشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها ومستحبّاتها وروحها، حتّى يكون لها الأثر في حياته وسلوكه واستقامته على أمر الله عزّ وجلّ. لذلك قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ15، قال المفسّرون: المراد (بذكر الله) في هذه الآية الصلواتُ الخمس.

فمع توزُّع الصلوات الواجبة على أوقات اليوم المختلفة، فإنّ العبد يغسل بها غبار الغفلة الذي استقرّ على قلبه. ومن هنا يقول الله سبحانه لنبيّه موسى عليه السلام في أوّل الأوامر في بداية الوحي: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي16، وفي آيات أخرى نقرأ: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ17، و﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي18.

فإذا جعلنا هذه الآيات الثلاث جنبًا إلى جنب، فسنفهم جيّدًا أنّ الصلاة تذكّر الإنسان بالله، وذكر الله يجعل نفسه مطمئنّة، ونفسُه المطمئنّة ستوصله إلى مقام العباد المخلصين، والجنّة الخالدة.

الصلاة أحبّ الأعمال إلى الله تعالى
إنَّ في الصلاة كثير من الأسرار والحِكَم والمقاصد والغايات التي لا يعقلها كثير ممّن يؤدّيها، ومن بين هذه الأسرار والحكم أنّ الصلاة أحبّ الأعمال إلى الله ورسوله وأوليائه، وخير الأعمال وأفضلها، فالمؤمن لا همّ لديه إلّا رضى الله تعالى، فلذلك تراه مسارعًا إلى كلّ عمل يُحبّه الله ورسوله.

قال عبد الله بن مسعود: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصلاة لوقتها"، قُلتُ: ثمّ أيّ شيء؟ قال: "برّ الوالدين"، قُلتُ: ثمّ أيّ شيء؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"19. وروى أبو الأسود الدؤَليّ عن أبي ذرّ الغفّاريّ (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذرّ، إنّ الله جعل قرّة عيني في الصلاة، وحبّبها إليّ، كما حبّب إلى الجائع الطعام، وإلى الظمآن الماء، وإنّ الجائع إذا أكل الطعام شبع، والظمآن إذا شرب الماء روي، وأنا لا أشبع من الصلاة"20، وروى زيد الشحّام عن حفيد سيّد المرسلين الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: "أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء عليهم السلام، فما أحسن الرجل يغتسل أو يتوضّأ، فيسبغ الوضوء، ثمّ يتنحّى حيث لا يراه أنيس، فيشرف عليه وهو راكع أو ساجد. إنّ العبد إذا سجد، فأطال السجود، نادى إبليس: يا ويلاه أطاع وعصيت، وسجد وأبيت"21.

وقال مولانا الإمام الصادق عليه السلام: "قال أمير المؤمنين عليه السلام: ليس عمل أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من الصلاة، فلا يشغلنّكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا، فإنّ الله عزّ وجلّ ذمّ أقوامًا، فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ22 يعني أنّهم غافلون استهانوا بأوقاتها"23.

وفي حديث آخر ذكر فيه عليه السلام صفات لقمان الحكيم، ووصاياه لابنه، فقال عليه السلام: "قال لقمان: وصمْ صومًا يقطع شهوتك، ولا تصم صومًا يمنعك من الصلاة، فإنّ الصلاة أحبّ إلى الله من الصيام"24. وفي قوله دلالة واضحة على مكانة الصلاة عند الله تعالى مِن بين فرائض الإسلام. وعليه، فمَن صام وترك الصلاة، فقد ترك الأهمَّ في شِرعة الإسلام.

العامل الرئيس في أفضليّة الصلاة
ليس في العبادات ما يضاهي الصلاة، فهي مرهمٌ إلهيٌ جامعٌ يتكفّل بسعادة البشر، فإنّ تمام الصلاة بكلّ ما تحويه من ذكر وركوع وسجود وتوجّه، هو إذعان بالعبوديّة لربّ العالمين، حيث يلقي المصلّي جانبًا الأنانيةَ وعبادة النفس، ويسلّم كيانه بأجمعه لله تعالى، ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ25، فيقف المصلّي بين يدي الله متواضعًا، ويهوي برأسه إلى تراب الذلّ والمسكنة، ويعلن التسليم الكامل والإذعان والخضوع له تعالى.

وهذه الخاصّيّة للصلاة هي ما يعطيها موقعها المميَّز بين سائر العبادات، فالصلاة بإمكانها أن تكرّس كيان الإنسان بأسره، بدءًا من البعد الظاهريّ، أي البدنيّ، وانتهاءً بالأبعاد الباطنيّة (كالعقليّة والقلبيّة) في ربقة العبوديّة، فليس من عبادة أخرى تُعنى بجميع أبعاد وجود الإنسان الظاهريّة والباطنيّة في برنامج يوميّ يغطّي جُلَّ أوقات المكلَّف غيرها. ولذا، فإنّ الصلاة هي خير وسيلةٍ تربط الإنسان بربّه، وهذا هو السرّ في كون الصلاة "خير العمل".

وهذه الخاصّيّة نفسها هي ما يجعل الصلاة أكمل وسيلة للتقرّب إلى الله تعالى، وأهمّ وسيلة لبلوغ الهدف الأعلى للإنسانيّة. وذلك أنّ الأنانية والعجب والزهوّ - وهي أمّ المصائب البشريّة - هي من مواريث الشيطان الذي طغى وعصى ربّه جلّ وعلا حين أبى الخضوع لوليّه وصفيّه، وخرج بذلك عن العبوديّة لله تعالى. وعلى كلّ إنسان أن يجاهد لقمع هذه المواريث في باطنه وظاهره، وهذا هو الجهاد الذي لو أفلح فيه فإنّ كلّ شيء سيصلح في الحياة.

والصلاة هي السبيل إلى بلوغ هذا الهدف، والسبب في ذلك أنّها تجلٍّ لحالة العبوديّة من جهة العبد، وتجلٍّ للربوبيّة من جهة الله سبحانه وتعالى: فبالصلاة تتحقّق العبوديّة، وتتجلّى الربوبيّة، كما يقول الإمام الرضا عليه السلام: "إنّما أُمروا بالصلاة لأنّ في الصلاة الإقرار بالربوبيّة"26، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة، فما فُقد في العبوديّة وُجد في الربوبيّة، وما خَفي من الربوبيّة أُصيب في العبوديّة"27.

* التربية الإيمانية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص264.
2- م.ن.
3- م.ن.
4- م.ن.
5- سورة العلق، الآية 19.
6- الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص265.
7- م.ن.
8- انظر: محمّد بن مكرم بن منظور الأفريقيّ المصريّ، لسان العرب، ج14، ص464، طبعة1، دار صادر، بيروت.
9- سورة التوبة، الآية 103.
10- انظر: المحقّق الثاني الشيخ عليّ بن الحسين الكركيّ، جامع المقاصد في شرح القواعد، ج2، ص6، كتاب الصلاة، طبعة مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، وهو قول المحقّق الأردبيليّ أيضًا.
11- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج4، ص34.
12- الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج7، 51.
13- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص208.
14- سورة طه، الآية 14.
15- سورة المنافقون، الآية 9.
16- سورة طه، الآية 14.
17- سورة الرعد، الآية 28.
18- سورة الفجر، الآيات 27 - 30.
19- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص70.
20- الشيخ الطوسي، الأمالي، ص528.
21- الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص264.
22- سورة الماعون، الآية 5.
23- الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج‏4، ص107.
24- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏13، ص408.
25- سورة الأنعام، الآية 79.
26- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص10.
27- الإمام الصادق عليه السلام منسوب -، مصباح الشريعة، الباب الأوّل في العبوديّة، ص5.

2017-03-22