يتم التحميل...

ضرورة إقتران محبة أهل البيت (ع) بولايتهم والتشبه بأخلاقهم

تربية دينية (مناسبات)

ضرورة إقتران محبة أهل البيت (ع) بولايتهم والتشبه بأخلاقهم

عدد الزوار: 28

من كلمة الإمام الخامنئي في جمع من ذاكري أهل البيت (عليهم السلام) بمناسبة مولد الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) 30-03-2016
ضرورة إقتران محبة أهل البيت (ع) بولايتهم والتشبه بأخلاقهم

الزهراء (ع)؛ أسوةٌ للرجال والنساء
فيما يتعلق بالسيدة الزهراء (سلام الله عليها)، أقول، لا على سبيل ما هو دارجٌ ومتداولٌ على الألسن، بل الحق والإنصاف بأننا قاصرون، وإننا أقلّ وأحقر من أن يكون بوسعنا الحديث عن ذلك المقام الشامخ، وعن حقيقة نور تلك السيدة الجليلة وأمثالها من الأئمة المعصومين، فإن ألسنتنا وكلماتنا وأفهامنا أعجز عن أن نتمكّن من الحديث في هذه المجالات. «خَلَقَکُمُ اللهُ أَنواراً فَجَعَلَکُم بِعَرشِهِ مُحدِقين»1. هذه هي مسألة أنوار الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فماذا عسانا أن نقول؟ ولكن بالنسبة لسيرة هؤلاء العظماء وسلوكهم وكونهم أسوة وقدوة بصفتهم بشراً؛ كلا، فالمجال واسع والكلام كثير. لقد قيل الكثير في هذا الشأن؛ أشار اليوم بعض الإخوة في أشعارهم إلى هذا المعنى أيضاً، لكن الميدان ما زال واسعاً للأفكار والكلام عنه. وسأطرح عليكم جملة من النقاط في هذا المجال.

يجب علينا أن ننظر إلى السيدة الزهراء (سلام الله عليها) من المنظار الثاني؛ ألا وهو كونها أسوة ومثالاً يحتذى به. فقد ضرب الله سبحانه وتعالى في القرآن امرأتين مثلاً كأسوة وقدوة للمؤمنين وامرأتين مثلاً للكافرين؛ (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)2، وبعدها بآية: (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ)3، حيث جعلهما أسوة لا للنساء المؤمنات فحسب، بل للرجال والنساء معاً. فبالإمكان أن ننظر إلى تلك الشخصيات العظيمة من منظار كونها أسوة وقدوة، وأن نستلهم الدروس منها. حسناً، فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) هي الصديقة الكبرى، ومعنى ذلك أن هذه السيدة الجليلة هي الصدّيقة الأكبر بين الصدّيقين والصدّيقات. والآن نريد أن نتعلم الدروس منها؛ دروساً للنساء ودروساً للرجال، للجميع، العالم منهم والجاهل.

خصال الزهراء (ع) ومناقبها
فلننظر ماذا ورد بشأن هذه السيدة العظيمة من مدائحَ ومناقبَ في كلمات الأئمة المعصومين. فقد جاء في زيارة الإمام الرضا (عليه السلام)، حين يصل الدور إلى الصلاة على فاطمة الزهراء - وهي زيارة مفعمة بالصلوات من أولها الى آخرها-: «اللّهُمَّ صَلِّ‌ عَلي‌ فاطِمَةَ بِنتِ نَبيِّك»4، هذه هي الخصوصية الأولى وهي في غاية الأهمية، ولا يمكن بالطبع التأسي بها، إذ لا يتأتى لكل البنات أن يكنَّ من بنات النبي، إلا أن الانتساب للنبي من حيث البنوّة يدل على علوّ المنزلة. «وَزَوجَةِ وَلِيِّك»، وهذه هي الخصوصية الثانية، وهي الأخرى لا يمكن الاقتداء بها، فلا يتسنى لجميع النساء أن يتزوّجن من وليّ الله، ولكنها تشير إلى رفعة مقام تلك السيدة الجليلة وعلوّ شأنها وجلالة قدرها. «وَأُمِّ السِّبطَينِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ سَيِّدَي شَبابِ أَهلِ الجَنَّة»، البعد العملي في هذه الخصوصية يفوق الصفتين السابقتين، وهو يتمثل في تربية السبطين اللذين هما سيّدا شباب أهل الجنة، وأمّهمها تلك السيدة الجليلة. فإنّ الحِجر الطاهر لهذه الأمّ هو الذي استطاع أن يربّيهما. هذا هو الشيء الذي بالإمكان أن يُطرح كقدوةٍ وأسوةٍ لنا.

ثم يقول: «الطُّهرَةِ الطّاهِرَةِ الـمُطَهَّرَةِ التَّقيَّةِ النَّقيَّةِ الرَّضيَّةِ الزَّکيَّة»، وهذه كلها من الصفات العملية، فقد تم التعبير عن الطهارة بثلاث كلمات: «الطهر» و«الطاهر» و«المطهّر»، وبينها اختلاف من حيث المعنى، ولكنها تشير بأجمعها إلى معنى الطهارة: طهارة الروح، وطهارة القلب، وطهارة العقل، وطهارة العفة، وطهارة الحياة بأسرها.

لنطهر أنفسنا تشبها بالزهراء الطاهرة
حسناً، هذه صفات عملية وبالتالي فهي درس لنا، يجب علينا السعي لنطهّر أنفسنا؛ إذ لا يمكن من دون طهارة الباطن الوصول إلى المقامات الرفيعة والدخول في حريم ولاية هؤلاء العظماء، بل لا بد من طهارة الباطن التي تُكتسَب بالتقوى والورع ومراقبة النفس المستمرة. لا شك في أن الإنسان قد يخطئ وقد تَعرِضُ علينا بعض الظُّلُمات، ولكنّ الله قد علّمنا ودلّنا على سبيل تطهيرها وإزالتها: التوبة والاستغفار. فلنستغفر ربنا ونطلب العذر منه، وقولنا: «أستغفر الله» يعني: إلهي أطلب العذر والصفح منك. فلنطلب العذر من الله تعالى ولنستغفره حقاً ومن أعماق قلوبنا، والاستغفار هذا يطهّر القلب من تلك الظلمات والأوساخ العالقة عليه. «الطُّهرَةِ الطّاهِرَةِ الـمُطَهَّرَةِ التَّقيَّةِ»، والتقية مأخوذة من التقوى. و«النَّقيَّةِ» هي ذلك النقاء الباطني والقلبي. هذه هي خصال فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، علينا أن ننظر إليها كقدوة وأسوة، وأن نقرّب أنفسنا منها.

ضرورة إقتران محبة أهل البيت (ع) بولايتهم
أجل، فإن ذكر المقامات المعنوية للأئمة الأطهار (عليهم السلام) وفاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، ينير قلب المستمع ويضيء باطنه ويجعله يعيش حالة من الحضور والخضوع، هذا أمرٌ جيد جداً، وقيمته محفوظة في محلها، هذا لازمٌ ولكنه ليس كافياً. حين تسري حالة الحضور وحين يتنور قلبكم، علينا أن نتعلم ونأخذ الدورس؛ دروس من هذه الصفات العملية؛ ومعنى ذلك أنه يجب في كل منبر -سواء في الأيام الفاطمية أو في محرم أو في مناسبات أخرى– السعي لإدراج دروسٍ من الأئمة (عليهم السلام)؛ درسٌ ليصبح الإنسان إنساناً حقيقياً، درس الكمال والتكامل، درس التقرب إلى الله. يجب علينا أخذ الدروس والتعلّم، لا يكفي مجرّد المحبة. علماً بأن المحبة لها آثارها العملية ولكنها غير كافية، المطلوب هو الولاية. الولاية هي التولي والاتّباع والتمسك بأذيالهم، والسير على خطاهم في الطريق الذي سلكوه؛ هذا هو المطلوب.
 


1- من لا يحضره الفقيه، ج ?، ص 613.
2- سورة التحريم، جزء من الآية 11.
3- سورة التحريم، جزء من الآية 12.
4- کامل الزيّارات.

2017-03-16