كلمته في لقائه مسؤولي الدولة و سفراء البلدان الإسلامية
لقاءات
كلمته في لقائه مسؤولي الدولة و سفراء البلدان الإسلامية
عدد الزوار: 154
كلمته في لقائه مسؤولي الدولة و سفراء البلدان الإسلامية بمناسبة المبعث النبوي الشريف26-6-2014
بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله، و صلى الله على محمد و
آله الطاهرين، و على صحبه المنتجبين، و من اتبعهم إلى يوم الدين.
أبارك ذكرى بعثة نبي الإسلام المكرم (ص) - و هي في الواقع أكبر أعياد الإنسانية -
لكم جميعاً أيها الحضور الكرام و الأخوة الأعزاء و الأخوات العزيزات و الضيوف
الأعزة سفراء البلدان الإسلامية الحاضرون في جلستنا هذه، و لكل شعب إيران الذي أثبت
التزامه برسالة بعثة الرسول (ص) و خرج مرفوع الرأس من الامتحانات الكبرى و الصعبة
التي اعترضت طريقه.
كما أبارك هذا اليوم الكبير لكل الشعوب المسلمة و للعالم الإسلامي و لكل واحد من
المسلمين في أية نقطة من العالم كان، و كذلك لكل الأحرار في العالم، أولئك الذين
يشعرون بالحماس لرسالة الحرية و رسالة العدالة و رسالة الإنسانية و تكريم الإنسان و
يرتاحون لها.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.. حول بعثة الرسول الأكرم (ص) هناك الكثير من الكلام
يمكن أن يقال و يدرس. الشيء الضروري لنا اليوم و للعالم الإسلامي و ينبغي التنبه له
هو نقطتان أو ثلاث نقاط: إحدى هذه النقاط هي تلك التي أشار لها الإمام أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة و السلام) في خطبة من خطب نهج البلاغة، حيث
طرح سبب بعثة الرسول الأكرم (ص) و الرسل الإلهيين العظام (ع) كما يلي:
«لِيستَأدُوهُم مِيثاقَ فِطرَتِهِ وَ يذَكروهُم مَنسِيَّ
نِعمَتِهِ ... وَ يثيروا لَهُم دَفائِنَ العُقول»1.. أي
ليعيدوا الناس إلى الفطرة الإنسانية و إلى الطبيعة الإنسانية الملاصقة للشرف و
الكرامة، و يذكّروهم بالنعم الإلهية المنسية، و يبعثوا لهم ما دفن من عقولهم.
بفضل العقل يستطيع الناس إدراك رسالة الأنبياء، و أن لا يخافوا من مشكلات و صعاب
طريق الأنبياء النيّر، و يستطيعوا السير في هذا الطريق و طيّه. ببركة العقل و الفكر
و التفكير تقدر البشرية على أن تنتفع انتفاعاً صحيحاً من مفاهيم القرآن الكريم. لو
عمل المجتمع الإسلامي بهذا الأمر فقط، أي تحويل الطاقة الفكرية و استخدام التفكير و
العقل إلى حالة شائعة بينهم، فإن معظم مشكلات البشرية سوف تعالج، و غالبية معضلات
المجتمع الإسلامي ستجد طريقها إلى الحلّ.
لاحظوا اليوم أنه في منطقة ما و باسم الإسلام يمارسون ممارسات ظالمة ضد الناس
الأبرياء، و في منطقة يرتكبون المذابح الجماعية ضد المسلمين بسبب إسلامهم. في منطقة
أو بلد من أفريقيا يتعرض البعض للقتل و الاعتداء و الظلم بسبب إسلامهم. و في منطقة
أخرى يختطف البعض بنات الناس باسم الإسلام و يهربون. هذا بسبب أن رسالة الإسلام لم
تفهم من قبل المسلمين. علينا نحن المسلمين أن نفهم القرآن الكريم و الإسلام بصورة
صحيحة و نصل بميزان عقولنا و تفكيرنا و بهداية الفكر البشري و الإسلامي إلى أعماق
تعاليم رسول الإسلام (ص).
حين نغفل عن رسالة الإسلام، حيث قال القرآن الكريم: «وَ
قالَ الرَّسولُ يا رَبِّ اِنَّ قَومِى اتَّخَذوا هذَا القُرءانَ مَهجورا»
2 و عندما نهجر القرآن الكريم، و لا ننظر نظرة فاحصة لمفاهيمه، و لا
نبصر بصورة دقيقة و صحيحة مجموعة المفاهيم القرآنية التي تمثل منظومة متكاملة لحياة
الإنسان، عندها سوف نزلّ و لا تستطيع طاقاتنا العقلية أن تمدّنا بفهم صحيح عن
المفاهيم القرآنية.
ثمة في العالم اليوم أعداء يناصبون الإسلام العداء بصورة علنية. و مجابهتهم للإسلام
تتمثل قبل كل شيء ببث الخلافات و النزاعات. و أعمق و أخطر الخلافات هي الخلافات
العقيدية و الإيمانية. و في العالم اليوم تعمل أيادي الاستكبار على التحريضات
الإيمانية و العقيدية للإيقاع بين المسلمين. البعض يكفّرون البعض الآخر، و يشهر
فريق سيوفهم بوجه فريق آخر، و يعمل الإخوة بدل التعاون بينهم و بدل أن يضع بعضهم
أيديهم في أيدي بعض، على وضع أيديهم في أيدي الأعداء ضد إخوتهم! يثيرون الحروب بين
الشيعة و السنة، و يؤججون المشاعر القومية و الطائفية لحظة بعد لحظة. طبعاً الأيدي
التي تقوم بهذه الممارسات أيد معروفة. لو فعلت الطاقات العقلية و أنوار الفكر و
الوعي - و هذا ما أمرنا به القرآن الكريم - فعلها فسوف نرى أيدي الأعداء و نفهم
محفزاتهم و دوافعهم.
من أجل أن تصل الأجهزة الاستكبارية لأهدافها الاستكبارية في العالم الإسلامي، و من
أجل أن تغطي على مشكلاتها و تخفيها تعمل على بث و تأجيج النزاعات و الخلافات بين
المسلمين، و تعمل على التخويف من الشيعة و التخويف من إيران، من أجل حماية الكيان
الصهيوني الغاصب، و لكي يعالجوا بنحو من الأنحاء التعارضات التي أفضت إلى إخفاق
السياسات الاستكبارية في هذه المنطقة. إنهم يرون السبيل إلى ذلك في زرع الشقاق و
الصراع بين المسلمين. يجب رؤية هذا و فهمه، و هذا هو المتوقع من النخبة و الواعين.
ما تشيعه الأجهزة السياسية الغربية راهناً هو تلك الجاهلية التي كانت بعثة الرسول
الأكرم (ص) من أجل محوها من بيئة الحياة الإنسانية. و علامات هذه الجاهلية تشاهد
اليوم في العالم في الحضارة الغربية الفاسدة، إنها نفس حالة انعدام العدالة و نفس
التمييز و نفس تجاهل الكرامة الإنسانية و نفس تضخيم الأمور و الحاجات الجنسية.
يقول القرآن الكريم مخاطباً نساء الرسول الأعظم (ص): «وَ
قَرنَ فى بُيوتِكنَّ وَ لاتَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَهِلِيةِ الاُولَى«
3. تبرّج النساء من علامات الجاهلية الأولى، و نفس هذا التبرّج هو اليوم
من أبرز مظاهر الحضارة الغربية. إنها نفس تلك الجاهلية لكنها جاهلية استطاعات أن
تسلح نفسها بأسلحة الإعلام و الدعاية الحديثة، و تخفي الحقائق عن أنظار الناس. هذا
شيء يجب أن نفهمه نحن المسلمون و نعلمه.
العالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى الإقبال على الفكر و التفكير و التعوّد على
التفكير، و على فهم الأمور و القضايا و تحليلها بصورة صحيحة. العالم الإسلامي يوم
بحاجة إلى معرفة جبهة أعداء الأمة الإسلامية معرفة حقيقية. لنعرف أعداءنا و لنعرف
أصدقاءنا. لوحظ أحياناً أن مجموعة منا نحن المسلمين تتعاضد مع أعدائنا لضرب
أصدقائها و إخوتها! هذا شيء يضرّ بنا و يصيب هذه الأمة الإسلامية بالاضطراب و
الضعف. هذا شيء ناجم عن عدم البصيرة. العالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى هذه البصيرة
و إلى هذا التدبر و التفكير و إلى إثارة دفائن العقول:
«وَ يثيروا لَهُم دَفائِنَ العُقول» 4. حاجة العالم الإسلامي
المهمة هي الاتحاد. يجب تجاوز الخلافات الجزئية و الذوقية و العقيدية و تشكيل الأمة
الواحدة: «اِنَّ هذِهِ اُمَّتُكم اُمَّةً وَحِدَةً وَ
اَنَا رَبُّكم فَاعبُدون»5. هكذا يقول الله سبحانه و تعالى.
الاعتقاد بالقرآن الكريم و بالرسول الأعظم (ص) و بالله الواحد و بالكعبة الواحدة و
بالقبلة الواحدة مقابل جبهة الأعداء الواحدة، ألا تكفي هذه الأشياء لاتحاد العالم
الإسلامي؟ لماذا لا يفهم البعض؟ لماذا لا يدرك البعض هذه الحقائق الناصعة؟ ما هو
هدف أمريكا و جبهة الغربيين من التخويف من إيران و من الشيعة؟ لماذا لا يفكّرون في
هذا الشيء؟ الكيان الصهيوني الغاصب - و هو اليوم أكبر بلية يعاني منها العالم
الإسلامي - يجب أن يستطيع الحياة براحة و يتغلب على مشاكله و ينتصر على العوامل
الهدامة الموجودة و الحمد لله في هذا الكيان الغاصب. و هذا غير متاح إلّا بإشغال
المسلمين و نشر الخلافات و النزاعات بينهم و تضخيم القضايا الصغيرة لهم.
نعتقد أن الصحوة الإسلامية قد حصلت، و قد حاول أعداء الإسلام قمع هذه الصحوة - و قد
قمعوها في بعض المناطق و الأماكن - بيد أن الصحوة الإسلامية مما لا يمكن قمعه. لقد
رفعت راية الاعتزاز بالإسلام و نشرت، و الشعور بالهوية الإسلامية بين المسلمين
اليوم في أية نقطة من العالم قد قويت و تعززت و سوف تتعزز. و قد كان على شعب إيران
في هذا الخصوص مسؤوليات كبيرة قام بها و سيقوم بها بعد الآن أيضاً. الشعب الإيراني
يتقدم باعتقاد بالقرآن الكريم، و بإيمان برسالة البعثة النبوية، و باتحاد داخلي بين
أبنائه، و بشعور بالشجاعة مقابل الأعداء و عدم خوف منهم، و بشعور بالأمل بالوعود
الإلهية بالنصرة، و هي وعود إلهية صريحة، حيث قال عزّ و جلّ:
«اِن تَنصُروا اللَّهَ ينصُركم وَ يثَبِّت اَقدامَكم»
6.. إنه يتقدم بهذه الكنوز و الأرصدة الثمينة.
الحمد لله على أننا نسير باتجاه سنفتح فيه إن شاء الله الخنادق التي لا بدّ من
فتحها لمواصلة الكفاح ضد الظلم و الجهل و اللاعدالة، و نتقدم إلى الأمام. و الحمد
لله على أن شعب إيران كان محظياً بالتوفيق و العون الإلهيين، و قد تقدمنا إلى
الأمام خطوة بعد خطوة، و تجاوزنا المشكلات الواحدة تلو الأخرى، و سوف نتجاوز
المشكلات الأخرى أيضاً بفضل الله و حوله و قوته.
المسؤولون يعكفون على العمل في الميادين المختلفة بشعور بالمسؤولية، و الحمد لله
على أن حكومتنا اليوم جديدة و مستعدة للعمل و تشعر باعتزاز بالإسلام، و تشعر أنها
تحظى بالعزة لإيمانها بالله - و هذا هو الواقع - و تعمل و تجد و تبذل مساعيها. ثمة
تحديات و هناك مشكلات، و هي مشكلات موجودة في طريق الحياة. إذا أريد للحياة أن تكون
بعزة فإن الأفراد ذوي العقل و التدبير يصبرون على المشكلات من أجل تحقيق العزة و
الشرف الإنساني و الكرامة الإنسانية و التقرّب إلى الله. و الأفراد عديمو العقل
يعيشون نفس هذه المشكلات لكنهم يتحملونها بذلة، و بدل أن يتقبلوا الولاية الإلهية
يتقبلون ولاية الشياطين: «وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ
ءَالِهَةً لِيكونوا لَهُم عِزّاً، كلّا سَيكفُرونَ بِعِبادَتِهِم وَ يكونونَ
عَلَيهِم ضِدّاً»7. المعادلة التي يختارها و يتخذها الأفراد
عديمو العقل و الأجهزة عديمة العقل و الناس الغافلون في الدنيا، يفضحها القرآن
الكريم بهذه الطريقة. بدل أن يلجؤوا إلى الله، و عوض أن يتقبلوا الولاية الإلهية، و
بدل أن يعتصموا بالهداية الإلهية، يتمسكون بولاية الشياطين و بولاية أعداء الإسلام
و أعداء البشرية من أجل أن يحققوا العزة لأنفسهم، لكنهم لا يحصلون على هذه العزة.
فحتى معبودوهم الخبثاء لن يشكروهم: «كلّا سَيكفُرونَ
بِعِبادَتِهِم وَ يكونونَ عَلَيهِم ضِدّا» 8. بيان القرآن
الكريم هذا بيان واضح، و يجب استلهام الدروس منه و ينبغي معرفة الطريق بشكل صحيح.
خط الهداية القرآنية يأخذ الناس إلى السعادة، و ينبغي طلب العون من الله تعالى.
الحمد لله على أن نظام الجمهورية الإسلامي كان متمتعاً منذ بداياته و إلى اليوم
بهذا الوعد الإلهي في مواجهته للأعداء، فقد وثق بالوعد الإلهي، و اعتمدنا على قول
الله و وعده و أبدينا حسن ظننا به، و لم نبد سوء الظن بالوعد الإلهي كما يفعل
الكفار و من لا إيمان لهم، و لذلك انتصرنا. انتصرنا في الثورة و انتصرنا في الدفاع
المقدس، و انتصرنا في ساحات متعددة من ساحات الكفاح الاقتصادي و السياسي و
الاجتماعي و الدولي لحد اليوم و الحمد لله، و بعد الآن أيضاً سيكون الأمر على نفس
المنوال، فهذا هو طريق الشعب الإيراني.
رحمة الله على الإمام الخميني الجليل الذي فتح أمامنا هذا الطريق، و رحمة الله على
الشهداء الأجلاء الذين ضحّوا بأرواحهم في هذا السبيل، و رحمة الله على شعب إيران
الذي أبدى عن نفسه الجاهزية و الاستعداد في كل المراحل و الأطوار، و رحمة الله و
فضله على مسؤولينا و ساستنا المستعدين للعمل و السعي و التضحية في هذا الميدان.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
1 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 1
.
2 - سورة الفرقان، الآية 30 .
3 - سورة الأحزاب، شطر من الآية 33 .
4 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 1 .
5 - سورة الأنبياء، الآية 92 .
6 - سورة محمد، شطر من الآية 7 .
7 - سورة مريم، الآيتان 81 و 82 .
8 - م س .