يتم التحميل...

فرادة الثورة الإسلامية في تاريخ بلادنا: طابعها الشعبي الجماهيري

الثورة الإسلامية

فرادة الثورة الإسلامية في تاريخ بلادنا: طابعها الشعبي الجماهيري

عدد الزوار: 33

من كلمة الإمام الخامنئي في حشود أهالي شيراز 30/04/2008
فرادة الثورة الإسلامية في تاريخ بلادنا: طابعها الشعبي الجماهيري
مهما راجعنا تاريخ بلادنا ومهما نظرنا إلی‌ الوراء، لا نجد أي نموذج مماثل للثورة الإسلامية. وأريد إيضاح هذه النقطة بعض الشيء. تم انتقال السلطة طوال تاريخ بلادنا عن طريق طلاب الهيمنة العسكريين وبواسطة الجيوش، وبما يسمی‌ اليوم انقلاباً عسكرياً، أي عن طريق اصطفاف القوی بوجه بعضها،‌ ولم يكن للجماهير أي دور في ذلك. سادت وبادت سلالات ودول متعددة في هذا البلد؛ ولم يكن للشعب دور في أي من هذه التداولات ونقل السلطة.. خذوا مثلاً مدينتكم شيراز هذه ومحافظة فارس حيث حكم الزنديون ثم جاء القاجاريون وانتزعوا السلطة من أيدي الزنديين، فنشبت حرب بين طرفين طامعين في السلطة وجيشيهما، ولم يكن للناس إسهام ودور في ذلك.

كلما نظرنا في تاريخ بلادنا - سواء قبل الإسلام أو بعد الإسلام وإلی يومنا هذا - نجد أن تداول السلطة كان علی هذه الشاكلة دوماً. وهناك استثناء واحد في الزمن القديم سوف أشير إليه. وما عدا ذلك كان انتقال السلطة يجري دوماً بواسطة الجيوش والهجمات العسكرية وبدون تدخل الجماهير.. لم يكن للناس محفزات تدفعهم.. سواء حينما تحيل دولة معينة السلطة لدولة أخری‌، أو عندما تنشب توترات ونزاع علی السلطة داخل السلالة الواحدة ،‌ وهنا أيضاً لو أردنا تقديم المثال من مدينتكم شيراز فقد كان يحكمها أحد أبناء الملك القاجاري فتح علي شاه يدعی حسين علي ميرزا،‌ وحينما توفي أبوه أراد هذه الحكومة لنفسه . وفي طهران تربع علی العرش محمد شاه حفيد فتح علي شاه،‌ فنشبت الحرب بين الطرفين خارج بوابات شيراز. وقد سحق الناس في هذه الحرب طبعاً وطالتهم خسائر جسيمة، وتعرضت مزارعهم وأموالهم وأموالهم وأرواحهم للخطر، لكنهم لم يتدخلوا أبداً في هذا النزاع. هكذا كان الحال علی‌ مر التاريخ. ألمحت إلی‌ أنه كان ثمة استثناء واحد فقط، وهو استثناء مشكوك فيه تاريخياً وممتزج بالأساطير. إنه قصة كاوه آهنگر [الحداد] حيث يقال إن هذا الحداد تحرك بمعونة الجماهير وأزال سلطان الضحاك ماردوش. وإذا صح هذا فهو الحالة الوحيدة التي لا نظير لها في التاريخ. طبعاً في التاريخ الذي دونه الغربيون لبلادنا خلال الفترة البهلوية وإلی‌ الآن لم تذكر أسماء فريدون والضحاك وكاوه آهنگر. لقد كتبوا التاريخ بشكل آخر وهذه بحد ذاتها قضية مستقلة لا نروم الخوض فيها. إذا صح هذا النموذج فهو الوحيد في تاريخنا.

الثورة الإسلامية التي تعد أكبر تغيير ونقل للسلطة علی امتداد تاريخنا، أي إنها بدلت أساس الحكم الملكي والسلطان الفردي إلی حكومة شعبية‌ - وهذا هو التحول الأكبر - تمت بواسطة القوی‌ الجماهيرية الشعبية. هنا لم تكن القضية قضية مواجهة بين سلطتين وحرباً بين طرفين متنازعين علی‌ السلطة. نزلت الجماهير إلی الساحة بقيادة رجال الدين وريادتهم. واستطاع الشعب بقدراته الإلهية انتزاع السلطة من أيدي المستبدين والملوك والطواغيت الفرديين وجعلها حكومة شعبية. هذا هو الحدث الوحيد من نوعه علی‌ امتداد تاريخنا في حدود معرفتنا وفهمنا .

دراسة حادثة الثورة الإسلامية تقتضي نظرة شاملة لمختلف عناصرها
إنه حدث جدير بالدراسة والاهتمام من زوايا عدة. أقول إنه بعد مضي نحو 30 عاماً علی‌ حادثة الثورة الإسلامية من المناسب إلقاء نظرة عامة ومستوعبة علی هذه الحادثة. النظرات الجزئية والنظرات الخاصة بالأحداث الوسيطة الصغيرة والمنعطفات المقطعية ليست معبرة وليست ودقيقة جداً. ينبغي إحياء وترويج النظرة العامة المستوعبة للثورة الإسلامية علی‌ مستوی الرأي العام،‌ وقد كان لكثير من جماهيرنا وشخصياتنا المعروفة وبعض الأجانب مثل هذه النظرة الواسعة.

في كل أحداث العالم ينبغي ملاحظة جملة من العناصر إلی‌ جوار بعضها. منها العوامل الأولية أي العوامل العليا في الحادثة، كالمحفزات، والأهداف ، والأرضيات التاريخية والجغرافية، والجغرافية - السياسية. هذه أمور مؤثرة في معرفة الحادثة. العنصر الثاني هو النظر إلی‌ بطل الحادثة وصاحبها. في حادثة الثورة الإسلامية كان العنصر الأول إيمان الشعب وكفاحهم في سبيل التحرر وإرهاصات هذا الكفاح التي التأمت في ثورة الدستور، ونهضة التنباك علی‌ يد الميرزا الشيرازي، وفي الأحداث المختلفة الأخری‌ في نهضة تأميم النفط، وقد انتفعت صحوة رجال الدين والإمام الخميني من هذه الأرضيات علی أحسن نحو ممكن، فانطلقت هذه المسيرة. كانت هذه الأرضية الممهدة.

أما عنصر فرسان الساحة في هذه الحادثة فقد تمثل في جماهير الشعب. الجماهير هي التي سطرت حادثة الثورة الإسلامية العظيمة الفذة في التاريخ. من الخطأ إنكار دور الجماهير وتجاهل مشاركتهم وهذا ما يلاحظه المرء للأسف في بعض الآراء شبه المستنيرة. حينما تميل الجماهير لجهة معينة يسمي الذين لا ينتفعون من ذلك التحرك الجماهيري يسمونه بـ " البوبوليستي " . أي تحرك العوام ! هذا خطأ. الذي استطاع إيجاد الثورة ودفعها نحو الانتصار هو الإرادات الجماهيرية والتواجد الجماهيري المعتمد علی‌ الإيمان .

استطاع شعب إيران بإيمانه ومشاعره وكبريائه الوطني وفخره بماضيه التاريخي وموروثاته الثقافية العظيمة خلق هذا التحرك الهائل. وكان هدفه - الذي يذكره كل من سألناه بلغته الخاصة - هو كسب الاستقلال والحرية في ظل الإسلام. شعار «‌ استقلال،‌ حرية، جمهورية إسلامية » الذي شاع زمن الثورة كان تعبيراً عن مكنون قلوب الناس. كان الناس يريدون ذلك. كانوا يرون حكام وساسة هذا البلد العظيم مفتقرين لأي استقلال في الرأي، أي إنهم تابعون.

للأجنبي والقوى المستكبرة التي ألقوا أطواق طاعتها في أعناقهم. كانوا ضعفاء غير مستقلين أمامها، ومتشددين متفرعنين حيال شعبهم.. يتعاملون مع الجماهير بالضغط والعسف والهراوات، ولا يسمحون لهم بانتخاب طريقهم.

طوال أعوام الثورة الدستورية إلى ما قبل الثورة الإسلامية لم يحدث أبداً أن يتوجه هذا الشعب بشوق ورغبة ومعرفة إلى صناديق الاقتراع وينتخبوا أحداً. لم يكن ثمة معنى لانتخاب الحكومة، الحكومة كانت وراثية، والمسؤولون والساسة كانوا ممن توصي بهم القوى الأجنبية. المجلس الذي انبثق عن ثورة الدستور تحت عنوان مجلس الشورى كان مجلساً مفروضاً غير منتخب، والشعب كان أسيراً للقرارات التي تتخذها له هذه المنظومة اللامسؤولة وغير الملتزمة. أراد الشعب أن يحظى بالاستقلال ويتمتع بالحرية ويضمن عزته الوطنية، ويحرز سعادته ورفاهه الدنيوي وشموخه المعنوي والأخروي. كان هذا طموح الشعب وقد خاضوا غمار هذا الميدان.. هذا هو العنصر الثاني.

العنصر الثالث في أي حدث هو العوامل المعارضة والمعرقلة لذلك الحدث أو الحركة والتي تفرض بعض التكاليف عليها. وكذا كان الحال في أحداث الثورة الإسلامية، إذ كان هناك العنصر المعارض منذ البداية. معنى هذا هو أن الشعب الإيراني يكسب استقلاله وحريته بسعيه وجهوده، لكنه يجب أن يدفع تكاليف ذلك أيضاً. الشعب أو الشخص أو أي إنسان لا يريد دفع تكاليف الشيء الذي ينشده ولا يتحمل الصعاب لأجله لن يبلغ ذلك الشيء إطلاقاً. القعود وطلب السلامة والتقاعس عن السعي واجتناب المخاطر لا يسمح للإنسان بالوصول إلى مطامحه أبداً. كذلك هي الشعوب. الشعب الذي يبلغ العزة والشموخ هو الذي يخوض غمار الساحة بشجاعة، ويتابع المهمة ويسدد تكاليفها ببسالة، وقد فعل الشعب الإيراني ذلك.

التكلفة التي دفعها الشعب الإيراني كانت ثمانية أعوام من الحرب المفروضة؛ كانت هذه تكلفة نزعة الشعب الإيراني نحو الاستقلال والحرية والعزة وقد دفعها بكل رحابة صدر. صبر على ثمانية أعوام من الحرب، لأن هذه هي تكلفة استقلال الشعب واقتداره وفخره الوطني.

ضحايا الإرهاب الأعمى في عقد الستينات في هذا البلد كانوا تكلفة دفعها الشعب الإيراني. والحظر الاقتصادي الذي فرضوه على شعبنا منذ بداية الثورة وإلى اليوم؛ هذه كانت التكاليف التي دفع فواتيرها الشعب الإيراني؛ أنواع الحظر والحصار الاقتصادي. الآن حيث أتحدث معكم تهدد القوى المستكبرة منذ سنتين بأننا سنقاطع الشعب الإيراني ونفرض عليه الحظر. وكأنهم لم يفعلوا ذلك لحد الآن.
 

2017-03-09