يتم التحميل...

الثورة الإسلامية إبداعا كبيرا في تاريخ الإنسانية

الثورة الإسلامية

الثورة الإسلامية إبداعا كبيرا في تاريخ الإنسانية

عدد الزوار: 26

خطاب الإمام الخامنئي في الحرم الرضوي 20/03/2008
الثورة الإسلامية إبداعا كبيرا في تاريخ الإنسانية
وأما حول النيروز. النيروز بحد ذاته فصل الإبداع والازدهار. قلنا إن هذا العام هو عام الإبداع والازدهار، وفصل الربيع بذاته فصل الإبداع والازدهار. يرتدي العالم والطبيعة ثوباً قشيباً وتكتسي الطبيعة كلها الخضرة والازدهار، ونريد أن يكون عامنا هذا، عام 87، كله ربيعاً لإبداع الشعب الإيراني وازدهاره. لماذا نرفع هذه السنة شعار الإبداع والازدهار؟

أ ــ الثورة الإسلامية نسفت معادلة الهيمنة الإستعمارية
الثورة الإسلامية بحد ذاتها كانت إبداعاً تاريخياً كبيراً سجله الشعب الإيراني في تاريخه وتاريخ الإنسانية. كانت الثورة إبداعاً؛ والجمهورية الإسلامية كانت إبداعاً. منذ بداية عهد الاستعمار فما بعد توزّع العالم إلى شطرين: شطر مهيمن وشطر خاضع للهيمنة. استطاعت بعض الدول والقوى اعتماداً على علومها وأسلحتها وحيلها أن تُخضِع البلدان الأخرى لهيمنتها، فكانت هي بلداناً مهيمنة وصارت تلك الشعوب والبلدان - شاءت أم أبت - خاضعة للهيمنة. تعوّد العالم على تصنيف المهيمن والخاضع للهيمنة. تقليدياً، كان يجب على بعض الشعوب أن ترزح تحت نير حكم واستغلال واستكبار دولٍ وشعوب أخرى. وجاءت الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية فنسفت هذا التصنيف والنظام المغلوط. أعلنت الجمهورية الإسلامية أنها تعارض الهيمنة، وهي نفسها لن تمارس الهيمنة حتى لو استطاعت وتوفرت لها القدرات اللازمة؛ لن تهيمن على شعب آخر، ولن يهيمن مسؤولو البلاد على شعبهم ويفرضوا عليه سلطتهم بالإكراه. إنها تعارض ممارسة الهيمنة، لكنها تعارض الخضوع للهيمنة أكثر.

الخضوع للهيمنة معناه الاستسلام أمام المهيمن وتشجيعه. الشعب الذي يقعد ليأتي الآخرون وينهبوا خيراته ويتحكموا في مصيره، إنما يشجع المهيمنين ويحفر قبره بيديه. أخلاقياً، تعد الهيمنة على بلد من البلدن واستغلاله والسيطرة الظالمة عليه إهانةً للشعوب، ومصادرةً لهويتها. حينما يخضع الشعب للهيمنة يفقد تدريجياً ثقافته وهويته وشخصيته، ويُسلب عزته الوطنية وحميّته الشعبية والوطنية العامة. ومن الناحية السياسية تعني الهيمنة الإمساك بمصير شعب من الشعوب، كما كان الأمريكان والنظام الأمريكي في عهد الطاغوت مهيمناً على بلدنا ولم يكن للشعب من أمره شيء. نصّبوا حاكماً مستبداً على رأس السلطة، وأخضعوا الشعب لهيمنتهم بواسطته، فراحوا يتدخلون في شؤونه الداخلية؛ ينصّبون، ويعزلون، ويرسمون المسار للدولة ويحددون لها الأمور؛ يأتون برئيس وزراء، ويعزلون رئيس وزراء؛ بل كانوا يتدخلون حتى في تعيين الوزراء وقادة الجيش. والهيمنة من الناحية الاقتصادية معناها نهب مصادر البلد أو تعطيلها. هذه هي نتائج الهيمنة.

جاءت الثورة الإسلامية وشطبت على كل هذا. منذ نحو ثلاثين عاماً والجمهورية الإسلامية صامدة بموقفها التاريخي المميز هذا حيال المهيمنين الذين يرون العالم كله ملكاً لهم. النظام الأمريكي كان يحكم في هذه المنطقة وكان الشرق الأوسط بساطاً تحت أقدام المستكبرين والساسة الأمريكيين، وإيران التي تعد جوهرة الشرق الأوسط والمركز الجغرافي للمنطقة كانت تحت نفوذهم، فجاءت الثورة وقلبت كل هذه الأوضاع. وقف نظام الجمهورية الإسلامية بشجاعة في صميم هذه المعركة وانقلبت المعادلة.

انظروا اليوم وسترون الشرق الأوسط معرضاً لإخفاقات أمريكا وهزائمها. فعلوا طوال هذه الأعوام كل ما استطاعوه للحؤول دون تنامي النظام الإسلامي واقتداره. من الخطأ الظن أنهم استطاعوا توجيه ضربة ولم يفعلوا ذلك. فعلوا كل ما استطاعوه. وكل ما لم يفعلوه لم يفعلوه لعجزهم. وقفت الجمهورية الإسلامية بقوة وبدعم من هذا الشعب الرشيد الكبير بوجه حربهم المفروضة، وهجماتهم اللصوصية، وحصارهم الاقتصادي، وحربهم النفسية، ودعاياتهم وصخبهم وضجيجهم وألاعيبهم الصبيانية ضد الجمهورية الإسلامية.

ب ــ الثورة تضاعف قدراتها وتتقدم في مختلف مناحي الحياة
ولم يكن وقوف الجمهورية الإسلامية بمعنى أنها استطاعت الحفاظ على نفسها وعدم الانهيار وحسب، بل بمعنى أنها تمكنت من مضاعفة قدراتها يوماً بعد يوم.

رسالة الثورة الإسلامية تنتشر اليوم أفقياً وتتجذر عمقاً. الشعوب التي تنظر اليوم بعين الإعجاب والإجلال لكم أيها الشعب الإيراني ليست من شعوب الجوار فقط. الشعوب التي تودّ وتحبّ شخصيات الجمهورية الإسلامية ومسؤولينا ورؤساءنا ليست من الشعوب المحيطة بنا وحسب، بل لقد بلغت سمعة الثورة الإسلامية وصمود الشعب الإيراني والتزامه بمبادئه وقيمه مناطق كثيرة من العالم.. هذا هو الانتشار في الأفق. واستطاعت الجمهورية الإسلامية على مستوى العمق أيضاً التقدم بالبلاد علمياً، وتقنياً، واجتماعياً، ومن حيث الخدمات العظيمة الهائلة التي تقدمها لكل الناس؛ فحجم الخدمات التي قدمته الحكومات طوال هذه التسعة وعشرين أو الثلاثين عاماً لا يقبل المقارنة بالمدد المماثلة في عهد الطاغوت. حصلت قفزة هائلة في الحركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إيران. العزة الوطنية لبلادنا وشعبنا حالياً على كل الأفواه. وعلى الصعيد العلمي قفز البلد الذي كان في المراتب الأخيرة عالمياً إلى المراتب الأولى في كثير من الفروع. تلاحظون أن الجمهورية الإسلامية تقدمت في بعض الأمور على البلدان الثمانية أو التسعة أو العشرة الأولى في العالم، أو لحقت بها على الأقل. الطريق الذي قطعوه في سنوات طوال استطاع شعب إيران بهمة شبابه ومواهبه قطعه في بعض الميادين. والأفق مشرق والمستقبل في أعين الجماهير الإيرانية يبعث على الأمل؛ هذا هو التقدم الذي حققه الشعب الإيراني.

ج ــ العقدم الرابع من ثورتنا نريده عقد التقدم والعدالة
طيب، سندخل في العقد الرابع. على أعتاب العقد الرابع من عمر الجمهورية الإسلامية علينا أن ننظر لساحة حياتنا ونحدد النواقص. لدينا الكثير من النواقص. قلتُ في ندائي للشعب الإيراني اليوم إننا ورثنا في الكثير من المجالات تأخر عهد الطاغوت على مدى مائة عام، فنحن متأخرون في كثير من المجالات. قلنا إننا نريد التقدم إلى الصفوف الأولى من المسيرة الإنسانية، ويجب أن نعلم أن الشعوب الأخرى لن تبقى واقفة حين نتقدم. هي أيضاً تسير وتتحرك. علينا تنظيم سرعتنا ونمط حركتنا بحيث نستطيع بلوغ الصفوف الأمامية. وإلا لو أردنا السير بنفس السرعة التي تسير بها الشعوب عادةً، فسنبقى متأخرين.

حينما ننظر نجد مؤشرين أساسيين للعقد الرابع - الأعوام العشرة التي نستقبلها - لابد من تحقيقهما: الأول التقدم، والثاني العدالة. نحن لا نفكر بالتقدم فقط كما في بعض البلدان والأنظمة في العالم. نريد التقدم إلى جانب العدالة. كثير من البلدان تقدمت علمياً، وحين ننظر لأحصاءاتها ومؤشراتها الاقتصادية نجد على سبيل المثال أن دخل الفرد لديها مرتفع جداً، بيد أن القضية المهمة هي كيف يتوزع هذا الدخل الفردي بين الشعب. هذه هي النقطة التي لا تكترث لها الأنظمة غير الإلهية والأنظمة المستنسخة عن الوصفات الاستكبارية. أما نحن فلا نستطيع عدم الاكتراث. نريد لبلدنا أن يتقدم على كافة الصعد العلمية، والاقتصادية، والتقنية، والسياسية، وأن تتمتع جماهيرنا بالرفاه. ولكن إلى جانب التقدم نروم لبلادنا أن تدار بشكل عادل. هذا هو المهم. لا العدالة من دون التقدم محبذة ولا التقدم من دون العدالة. العدالة من دون التقدم تعني التساوي في التخلف والفقر، وهذا ما لا نرومه. والتقدم بدون العدالة أيضاً مما لا نطالب به إطلاقاً، إنما نطالب بالتقدم إلى جانب العدالة. يجب أن تتضاءل الفوارق الطبقية، ولابد لأصحاب القدرة على العمل والحركة أن يجدوا أمامهم فرصاً متكافئة، وإذا تكاسل أحد فهو المسؤول عن تكاسله. ينبغي أن لا يكون الواقع بحيث لا يتوفر في بعض مناطق البلاد المجال للسعي العلمي أو الاقتصادي، بينما يستثمر البعض مصادر البلاد وإمكاناتها إلى ما لا نهاية؛ كلا؛ هذا ما ينبغي أن يطالبه الشعب من الحكومات ومن مجالس الشورى الإسلامية المتعاقبة، ومن السلطة القضائية، ومن كل المسؤولين. لابد للبلد أن يتقدم.. التقدم في كافة القطاعات، في إنتاج الثروة، في مضاعفة الأرباح، في العزيمة والإرادة الوطنية، في الاتحاد الوطني وتقريب الشرائح المختلفة من بعضها، في الإنجازات العلمية والتقنية، في الأخلاق والمعنوية، في التقليل من الفوارق الطبيعية، في الرفاه العام، والانضباط الاجتماعي، وتكريس الإخلاص في العمل لدى كل واحد من أبناء الشعب.. التقدم في الأمن الأخلاقي، وفي الوعي والنضج السياسي، وفي الثقة الوطنية بالذات. وقد تحدثت قبل أشهر عن قضية الثقة الوطنية بالذات. وعلى الشعب التحلي بالثقة بنفسه وأن يعلموا أنهم قادرون. وهذا على الضد تماماً مما أراد أعداء الشعب طوال سنوات متمادية الإيحاء به لنا وإثبات أننا غير قادرين. التقدم في كل هذه الميادين حالة ضرورية ولازمة. بيد أن كل هذا التقدم لابد أن يكون في ظل العدالة وإلى جانب تأمين العدل.

قد يقول بعض أصحاب الرأي والمنظرين الاقتصاديين كما يصطلح عليهم: هذا غير ممكن. إذا أردتم إحراز التقدم الاقتصادي فأنتم مضطرون لقبول الفوارق الطبقية. وهاهنا نقول بـ "الإبداع". يجب أن لا نتوهم أن الوصفات الاقتصادية الغربية آخر الإنجازات البشرية الممكنة. لا، هذه أيضاً وصفة ولها فترتها التي ستنقضي ثم تأتي مكانها أفكار جديدة. يجب أن تبحثوا لتجدوا هذه الأفكار الجديدة. هذا ما ينبغي أن يكون معياراً لنا. نطمح إلى أن يكون البلد ثرياً، وأن يعمّ الاستثمار في القطاعات الإنتاجية. يوجد في بلادنا اليوم أثرياء كثر بوسعهم توظيف ثرواتهم في استثمارات نافعة وباعثة على الفخر والاعتزاز. إنها استثمارات نافعة لهم وللناس وموجبة لرضا الله. استثمارات الأثرياء في المشاريع المفضية إلى زيادة الإنتاج داخل البلد - بأرباح عالية - إنما هي عبادة وثواب. هذا الطريق مفتوح وبوسعهم الاستثمار وإنتاج الثروة. وعلى إدارة البلد أن تدقق في تمتع كافة الطبقات بالفرص وأن تستطيع الطبقات الضعيفة استثمار الفرص لتخرج من دائرة الضعف. يجب أن يتمتع الجميع بالمقدرة.
 

2017-03-09