يتم التحميل...

تذكّر الموت؛ علاج للأنانيّة والغفلة

تربية دينية (مواعظ)

تذكّر الموت؛ علاج للأنانيّة والغفلة

عدد الزوار: 38

من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه مسؤولي النظام الإسلامي_23-06-2015
تذكّر الموت؛ علاج للأنانيّة والغفلة
إنّ بعض المضامين المتكرّرة في أدعية شهر رمضان المبارك، تسوق الإنسان للالتفات إلى عوالم ما بعد الحياة الدنيوية، والالتفات إلى عالم الموت، وعالم القبر، وعالم القيامة، والابتلاءات التي تواجه الإنسان عند الحساب والكتاب والمساءلة الإلهية، وهذه هي واحدة من الموضوعات الواردة في أدعية شهر رمضان المبارك. والتوجّه إلى هذا المعنى بالغ الأهميّة بالنسبة إلينا نحن الذين نحمل أعباء المسؤولية، فإنّ النظر إلى هذه العوالم يعدّ من عوامل الضبط والمراقبة بالنسبة للإنسان. فلو عرفنا أنّه (لا يَعزُبُ عَنهُ مِثقالُ ذَرَّة)، وعلمنا أنّ كل حركاتنا وسكناتنا وأعمالنا وأقوالنا مهما صغرت لا تخرج عن إطار محاسبة فترة ما بعد الموت، ونحن مسؤولون عنها، سيترك ذلك تأثيراً بليغاً في أفعالنا وأقوالنا وخطواتنا.

لقد ورد في دعاء أبي حمزة الشريف: "اِرحَمني صَريعاً عَلَي الفِراشِ تُقَلِّبُني أَيدي أَحِبَّتي"، وهذه هي حالة تحصل للجميع، ولعلّ الكثير من الناس قد شاهدوا حالة الاحتضار هذه وسكرات الموت عند الآخرين، حيث نفقد في تلك اللحظات اختيارنا وإرادتنا، ولا يوجد في هذه اللحظة من هو أقرب إلينا من الله: (وَنَحنُ أَقرَبُ إِليهِ مِنکُم وَلکِن لا تُبصرِون). ولا يتأتى لأي أحد إنقاذنا من تلك الحالة ومن ذلك المأزق الماثل أمامنا إلا العمل الصالح والفضل الإلهي. ونقول في هذا الدعاء: "اللّهُمَّ ارحَمني" في هذه اللحظة.

"وَتَفَضَّل عَلَيَّ مَمدوداً عَلَي الـمُغتَسَلِ يُقَلِّبُني صالحُ جيرَتي"، ونطلب من الله تعالى أيضاً أن يتغمّدنا برحمته وفضله ويرحمنا حين يَلُونَ غسلنا بعد الموت، وتقلّبنا أيدي المغسِّل دون إرادتنا. وهذا الكلام لي ولكم فرداً فرداً، إذ لا ينأى أيّ واحد منا عن هذه الحالة، وهي تحلّ بنا جميعاً، فتذكّروا تلك اللحظة.

"وَتَحَنَّن عَلَيَّ مَحمولاً قَد تَناوَلَ الأَقرِباءُ أَطرافَ جِنازَتي"، حيث يحملوننا على أكتافهم ويسيرون بنا نحو مضجعنا الأبدي.

"وَجُد عَلَيَّ مَنقولاً قَد نَزَلتُ بِكَ وَحيداً في حُفرَتي"، وينزلوننا إلى القبر. وهذه تذكرة، فلا ينبغي لنا التغافل عن هذه الحالات، بل لا بد أن تكون ماثلة أمام أعيننا. وهذه هي إحدى علل وبواعث توصيتنا بالذهاب إلى المقابر وزيارة الأموات. فإن البعض يستاء من أن يذكّرهم أحدٌ بالموت، بيد أنه دواءٌ وعلاجٌ لأنانيتنا وغفلتنا وأهوائنا النفسانية.

وقد ورد في موضع آخر من دعاء أبي حمزة الشريف: "إِلهي اِرحَمني إِذَا انقَطَعَت حُجَّتي وَکَلَّ عَن جَوابِكَ لِساني وَطاشَ عِندَ سُؤالِكَ إِيّايَ لُبّي". فحينما يصيبنا العجز والإعياء أمام سؤال الله، وتنفد أدلتنا، لا يمكننا كما في دار الدنيا إبعاد الطرف الآخر عن الحقيقة من خلال استغلال جهله وغفلته وعواطفه، فإن السرائر مكشوفة برمتها في الدار الآخرة أمام من يسألنا، فلنتذكر تلك اللحظة.

ونقرأ في فقرة أخرى: "أَبکي لِخُروجي مِن قَبري عُرياناً - اقرؤوا هذا الدعاء في أسحار شهر رمضان بتوجه - ذَليلاً حامِلاً ثِقلي عَلَي ظَهري أَنظُرُ مَرَّةً عَن يَميني وَأُخري‌عَن شِمالي إِذِ الخَلائِقُ في شَأنٍ غيرِ شَأني"، كلٌّ يفكر في نفسه ولا يُسعفني أي أحدٍ في ذلك المكان؛ (لِکُلِّ امرِئٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنيهِ * وُجوهٌ يَومَئِذ مُسفِرَةٌ * ضاحِکَةٌ مُستَبشِرَة)، فالمؤمنون والمتقون والذين يراقبون أنفسهم ولم يخرجوا عن جادة الحق والإنصاف وأداء التكليف الإلهي، يعدّون من مصاديق هذه الجملة: (وُجوهٌ يَومَئِذٍ مُسفِرَةٌ، ضاحِکَةٌ مُستَبشِرَة)، هكذا هو حال البعض. (وَوُجوهٌ يَومَئِذٍ عَلَيها غَبَرَةٌ، تَرهَقُها قَتَرَة)، إلى هنا تنتهي الآية، وأضيفت في الدعاء كلمة: "وذِلّة". وهذا مثال من الأمثلة، فإن أدعية شهر رمضان كسائر الأدعية الأخرى، تهدينا إلى حيث ذلك المنبع الفياض والعذب للرحمة الإلهية.
 

2017-03-03