يتم التحميل...

العام الجديد: تجدد في الفكر والسلوك ، و" محاسبة النفس " نقطة البداية

تربية دينية (مواعظ)

العام الجديد: تجدد في الفكر والسلوك ، و" محاسبة النفس " نقطة البداية

عدد الزوار: 31

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في جمع من المثقفين و السياسيين الزمان: 23 /01/1390 ه.ش. 8/05/1432ه.ق. 12/04/2011م.
العام الجديد: تجدد في الفكر والسلوك ، و" محاسبة النفس " نقطة البداية

بسم الله الرحمن الرحيم

مباركٌ – إن شاء الله – العام الجديد عليكم أيّها الأصدقاء الإخوة والأخوات وكذلك عوائلكم وأقاربكم. نأمل أن تكون السنة الجديدة – إن شاء الله – سنة مليئة بالبركة والسرور لكم جميعاً ولشعب إيران.

مصير الإنسان بيده
وبالطبع إنّ قسماً من هذا يقع على عاتقنا نحن؛ فنحن الذين بسلوكنا وتوجّهاتنا نجعل حياتنا مباركة أو غير مباركة. أي إنّ ما يحدّد مصير الإنسان النهائي هو اختياره. والله تعالى قد أعطانا هذه القدرة على الاختيار(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)1 ، وأبان لنا الطريقين لنختار بينهما. بالطبع، تكون الظروف أحياناً بحيث يصبح الاختيار سهلاً وأحياناً أخرى لا يكون كذلك. ولكن على كلّ حال، يجب الاختيار في جميع الأمور.

إنّ تكرار(اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)2 في سورة الفاتحة عدّة مرّات يومياً، يدلّ على أنّ الصراط المستقيم الذي طويناه على فرض أنّنا حدّدناه وسلكناه في كل لحظة يصل إلى مفترق طريقين. فليس الأمر أنّنا نسير في نفقٍ بحيث إذا دخلناه لا بدّ أن نعبره إلى آخره كسكّة الحديد. كلا، بل هناك دائماً مفارق ومنعطفات متعدّدة على الطريق يجب معرفتها وتحديدها وفهمها ووضع القدم على الطريق الصحيح. إنّ تكرارنا لـ "اهدِنَا" كلّ يوم يعني: اليوم "اهدِنَا"، وغداً "اهدِنَا"، وبعد غد "اهدِنَا"، وفي هذه القضية "اهدِنَا"، وفي تلك القضية أيضاً "اهدِنَا".

لا نريد أن نُظهر الأمر وكأنّه مستحيلٌ أو صعب؛ كلا، فقد جعل الله تعالى البيّنات أمام الجميع.?ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ?3. ليس الأمر أنه إذا لم يكن أمامنا وسيلة للهداية – وأحياناً قد تكون حركتنا غير صحيحة – فيؤاخذنا الله أو يعذّبنا أو أمثال ذلك، كلا، فالله تعالى جعل في أيدينا وسيلة الهداية. وبالطبع هناك موارد مستثناة من هذه القاعدة العامّة، لكن في العادة الأمر هكذا؛ الهداية الإلهية موجودة.

العام الجديد: تجدد في الفكر والسلوك
والنوروز يعني تجدّد العام ، وليس مهمّاً ما نعتمده من مصطلح، إلاّ أنّ اسم النوروز جيّد جداً. في حركة الحياة يكون جعل المقاطع الزمنية أمراً جيداً جداً. فلو أنّ الحياة سارت على منوالٍ واحد ولم يصل المرء إلى مقاطع جديدة فإنّه لن يفكّر عموماً بالتجديد والابتكار. من فوائد جعل المقاطع في حركة العمر ومسيرة الحياة أن يقول الإنسان: حسناً، ها قد انتهى العام وانقضى، وجاء عام جديد، وهذا يعني عملاً جديداً وفكراً جديداً وهمة جديدة ودوافع جديدة تلازمه؛ مثلما أنّه جرت العادة بيننا وبين باقي شعوب العالم أنّه إذا جاء العام الجديد، يلبسون الثياب الجديدة ويجدّدون بيوتهم؛ ونحن نعبّر عن ذلك بـ " تعزيل البيوت" وأمثال ذلك؛ فيبدو أن الآخرين بحسب الظاهر لديهم مثل هذه الأشياء؛ فالنوروز يمثّل مقطعاً جديداً.

إنّ كون هذا المقطع جديداً له هذه الفائدة، وهي أنّ الإنسان يجد فرصة ليفكّر بأعماله التي انقضت وأعماله الآتية، فيقول مثلاً: ها قد مضت هذه السّنة وكان لدينا مثل هذه الإشكالات، فلنبدأ في السنة الجديدة بالإصلاح. وهذا المعنى يظهر في جميع أمور الحياة.

أولوية "محاسبة النفس" في العام الجديد
وبنظري فإنّ أولى المسائل التي ينبغي أن يفكّر بها الإنسان تتعلّق بعلاقته مع الله. فعندما يأتي العام الجديد يفكّر الإنسان أنّ السنة الماضية وما قبلها- مهما كانت- قد انقضت، والآن يوجد مقطعٌ جديد، فلنحدّد رابطة جديدة مع الله المتعال؛ سواءٌ ما يتعلّق بالجوانب الإيجابية أم السلبية. والجانب السلبي هو المعصية، فالمرء يكون قد اعتاد على المعاصي، لذلك لا يدرك خطرها، ولو تأمّل قليلاً لوجدها مزروعة في سلوكه وفي عمله. وبالطبع هذا الإنسان يحسن الظن بنفسه. عموماً، قلّما يسيء الإنسان الظن بنفسه، وهذا هو بلاء بني آدم. إنهم يقومون بتبرير أعمالهم؛ لكنّ الأمر لن يمرّ هكذا، فإنّ الله تعالى يحتج علينا، لهذا فإنّ الحجّة علينا تامّة، ولو دقّقنا لعرفنا.

يوجد في قلب الإنسان وروحه ووجدانه باطن، وهو في العادة صادق معنا. ولو كانت ظواهر القلب تخدعنا، إلاّ أنّ باطنه صادقٌ معنا. وقد قال الإمام رضوان الله عليه ذات يوم: "إنّني في هذه القضية الفلانية لا أشعر بأي انزعاج في باطن قلبي". وفي الواقع الأمر هكذا؛ فللقلب باطن قليلاً ما نتوجّه إليه. ولو التفتنا إليه لشاهدناه جلياً أمامنا.

أ ـ تقليل المعاصي
حسناً، ها هو الإنسان قد اعتاد على بعض المعاصي، وهو يعُدُّ بعضها صغيراً ويخضع لها. وأحد الأعمال التي يمكن للإنسان القيام بها في السنة الجديدة هي النظر في كيفية التقليل من معاصيه وذلك بكتابتها.

في العام الماضي أو ما قبله كنت أذكر أحوال الشهيد أفشردي (باقري) – وعلى ما يبدو كان الأمر إمّا دائراً حوله أو حول بعض الشهداء الآخرين - وهناك ذُكر أنّه كان يكتب كل يومٍ أخطاءه؛ وهو ما كان يوصي به علماء الأخلاق، وذُكر كوصية في بعض الأحاديث التي أَمَرَتنا بأن نكتب خطايانا ونحاسب أنفسنا كل ليلة. فكان يدوّن هذه الأشياء على ورقة – نحن لا نقدر أن نصرّح لأنفسنا مباشرة فلنكتب على ورقة ونعلنها ولو بيننا وبين الورق – فقد كتب في مذكّراته أنّه مثلاً في الليلة الفلانية، أو هذا اليوم قد ارتكبت هذه الذنوب.

إنّ محاسبة النفس هذه أمرٌ مهمّ جداً. فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه، وبعدها يقوم بالتقليل من ارتكاب المعاصي واحدة تلو الاخرى. فنحن قد اعتدنا على بعض المعاصي، أحياناً يعتاد الإنسان على خمس أو ست أو عشر معاصٍ فلنبذل الهمّة من أجل التخلّص منها واحدة واحدة، فلنقم بالتقليل من نقاط الضعف هذه واحدة واحدة.

ب ــ الاهتمام بالصلاة كمنطلق
وكذلك الأمر على مستوى الأمور الإيجابية. برأيي لو بدأنا بالاهتمام بالصلاة نفسها لأن الصلاة مهمة جداً فإنّ هذا الأمر سيكون فاتحة مهمة. فليصلّ الإنسان بشكل جيدٍ وبتوجّه وحضور قلب. فحضور القلب يعني أن لا يغفل الإنسان عمّا يقوله وما يفكّر به ويجري على لسانه، أي أن لا يبتعد عن فهم ما يقول، فمثلاً، أنا الآن أتحدّث معكم وأنتم المخاطَبون،

وهنا يفهم الإنسان أنّ لديه مخاطَباً يسمعه ويتكلّم معه. وفي الصلاة الأمر كذلك، فنحن لدينا مخاطَب ونتحدّث معه. وإنّني أقول هنا إنّه حتى لو لم يعرف الإنسان معنى الصلاة ولم يدرك أبداً معاني هذه العبارات لكنّه يعلم هذا القدر وهو أنّه يتحدّث مع أحد، أي مع الله تعالى، فإنّ هذه المسألة تقرّب الإنسان "قربان كل تقيّ"4 فهذا بذاته مقرّب. وحتى نحن الآن الذين ندرك معناها ونعلم تفسيرها وقد قرأنا عدّة كتب بشأنها ولكن عندما يأتي وقت الصلاة كأنها تخرج من ذاكرتنا بالكامل ولا نعلم ماذا نفعل. وعلى قول الشاعر صائب، ليس حاضراً لدي بحرفيته وإنّما أذكر مضمونه:

أنت الذي لا تذكر هذا وذاك خارج الصلاة لماذا تتذكر كل ما سوى الله فيها.

فالصلاة أمرٌ جيّد؛ وحضور القلب في الصلاة بداية جيدة أي أن نتوجه إلى أننا نتحدث ولدينا مخاطَب- وهكذا الصلاة أول الوقت وصلاة الجماعة والنوافل؛ فهذه لائحة ينبغي للإنسان أن يُدخلها في حياته ذرة ذرة. فلو بذلنا جهداً فإنّ العام الجديد يمكن أن يجلب معه كل هذه البركات إن شاء الله.

بالطبع، هناك أشياء أخرى غير ما ذكرناه بالنسبة لنا أنا وأنتم، فلدينا عمل ولدينا وظيفة وتكليف وهناك حوادث خاصة تجري في حياتنا؛ فلو أدّيناها بشكل أفضل وأدق وسعينا بمشيئة الله أن نجعلها أكثر إلهية فإنّها ستكون ذات آثار أكبر.

إن شاء الله يعطيكم جميعاً الخير ويُعينكم، وإن شاء الله تكون هذه السنة مباركة عليكم جميعاً وعلى شعب إيران بهذا المعنى الذي ذكرناه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- سورة البلد، الآية 10.
2- سورة الفاتحة، الآية 6.
3- سورة الأنعام،الآية 131.
4- عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: الصلاة قربان كل تقي. (الكافي، ج 3، ص 265).

2017-03-03