يتم التحميل...

من يتوكل على الله فهو حسبه: عودة أسرى الحرب المفروضة مثالا

تربية دينية (مواعظ)

من يتوكل على الله فهو حسبه: عودة أسرى الحرب المفروضة مثالا

عدد الزوار: 27

كلمة الإمام الخامنئيّ في أعضاء مكتبه وحمايته_ 27/07/2009
من يتوكل على الله فهو حسبه: عودة أسرى الحرب المفروضة مثالا

وعد الله صِدْق
إنّنا نثق بالكلام المتعارَف العاديّ الصادر من شخصٍ لم نرَ منه سوءًا. إذا أردنا منه قرضًا، أو كانت لدينا عنده حاجة، ووعدَنا بأن ينجز لنا هذه الحاجة، عادةً ما نثق به ونتحرّك لنهيّئ مقدّمات المسألة، والحال أنّه ليس أكثر من إنسان، وقد يعتذر أو قد يأتي من يغيّر رأيه، أو قد ينسى، أو قد يفقد الإمكانيّة التي أراد بواسطتها تلبية طلبنا وحاجتنا. هناك عشرة احتمالات أو عشرات الاحتمالات التي قد تفسد وعده هذا، ومع ذلك نثق به. حسنًا، كم وعد الله تعالى المؤمنين بالنصر والهداية والتعليم: {واتقوا الله ويعلّمكم الله}1. وعد بالحفظ والصيانة ووعد بالمساعدة في أمور الدنيا. كلّ هذه الوعود وعدنا الله تعالى إيّاها. طبعًا هذه الوعود ليست مطلقة. بل لها شروطها وشروطها ليست صعبة جدًا، إنّما بوسعنا توفيرها. والدليل على ذلك إنّنا متى ما عملنا بهذه الشروط ساعدنا الله تعالى. ومثال ذلك الحرب المفروضة. أنتم الشباب الذين لم تدركوا مرحلة الحرب المفروضة اعلموا أنّه يوم بدأت الحرب المفروضة قال جميع المنظّرين والمحلّلين والنخبة على نحو القطع إنّ صدّامًا هو المنتصر في هذه الحرب وإيران سوف تُهزَم؛ باستثناء عدد قليل من أصحاب الرؤية الإسلاميّة والإيمانيّة -نظرة الإمام إلى الحوادث- كان في قلوبهم أمل يزيد أو ينقص. فمنهم من كان في قلوبهم بصيص من أمل ومنهم من كانت قلوبهم مشعّة بالأمل.

من يتوكل على الله فهو حسبه
نقلتُ هذه الخاطرة مرارًا: في اليوم الثالث أو الرابع للحرب كُنّا مجتمعين كلّنا في غرفة هيئة أركان الحرب؛ كنت موجودًا وكان مسؤولو البلاد ورئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء -رئيس الجمهوريّة في حينها كان بني صدر، ورئيس الوزراء المرحوم رجائي- وعدد من نوّاب المجلس وسواهم كُنّا مجتمعين كلّنا هناك نناقش الأمور ونتشاور. وكان العسكريّون موجودين أيضًا. جاء أحد العسكريّين إليَّ وقال: الأخوة في الغرفة الأخرى يريدونك في أمرٍ خاص، فنهضت وذهبت إليهم. كان هناك المرحوم فكوري والمرحوم فلاحي2 - على ما أذكر - وشخصان أو ثلاثة آخرون. جلسنا وقلت لهم: ما شأنكم؟ قالوا: أنظر يا سيدي -وأخرجوا ورقة لا أزال أحتفظ بها إلى حدّ الآن بين أوراق مذكّراتي وفيها خط أولئك الإخوة الأعزاء -هذه طائراتنا، مثلًا أف 5، وأف 4، وسي 130، وكذا وكذا من أنواع طائرات النقل والقتال. كتبوا سبعة أو ثمانية أنواع. ثمّ كتبوا: من هذا النوع من الطائرات لدينا مثلًا عشر طائرات جاهزة للعمل وستكون جاهزة إلى اليوم الفلاني. وفيها قطع غيار تحتاج إلى تبديل سريع- في الطائرات قطع غيار تتبدّل مع كلّ رحلة جويّة أو كلّ رحلتين- وكانوا يقولون إنّنا لا نمتلك هذه القطع. لذلك سينتهي مفعول هذا النوع من الطائرات بعد خمسة أو عشرة أيام وتعود كأنّها غير موجودة وكأنّنا لا نمتلكها. وبعد اثني عشر يومًا سينتهي ذلك النوع من الطائرات. وبعد أربعة عشر يومًا ينتهي النوع الفلانيّ من الطائرات. ومعظمها كان من نوع سي 130 الموجودة إلى حدّ الآن والتي قالوا عنها إنّها ستعمل حوالى ثلاثين أو واحد وثلاثين يومًا. أي إنّ الجمهوريّة الإسلاميّة لن يكون لديها بعد واحد وثلاثين يومًا أيّ طائرة عسكريّة سواء طائرة عسكريّة مقاتلة أو طائرة إسناد أو نقل عسكري. سينتهي كلّ شيء. قالوا: يا سيدي، هذا هو وضعنا العسكريّ، فاذهب وانقل هذا إلى الإمام. ولا أخفي عليكم إنّني شعرت بالخوف قليلًا وقلت: عجيب ماذا نفعل إن لم تكن لدينا طائرات؟ إنّهم يأتون إلينا دائمًا بالطائرات الروسيّة. لم تكن لدى طيّاريهم شجاعة ومهارة طيّارينا، لكنّ حجم العمل كبير. كانوا يأتون باستمرار وكانت لديهم أنواع الميغ.

قلت لهم حسنًا. أخذت الورقة وذهبت بها إلى الإمام في جماران. قلت له: سيدي هؤلاء السادة هم قادة جيشنا وكلّ ما لدى العسكريّين هو في أيديهم، وهذا ما يقولونه، يقولون إنّ طائراتنا الحربيّة تعمل إلى خمسة عشر أو ستة عشر يومًا على الأكثر، وآخر ما سيتبقّى لنا من الطائرات هي طائرات سي 130 وطائرات النقل التي لن تعمل لأكثر من ثلاثين أو واحد وثلاثين يومًا. وبعد ذلك لن تكون لدينا طائرات على الإطلاق. نظر إليَّ الإمام وقال -أروي هنا قوله بالمضمون ولا أتذكّر عبارته حرفيًّا، ربما كتبت عباراته حرفيًّا في مكانٍ ما- قال: ما هذا الكلام؟ قل لهم ليحاربوا، والله سوف يمدّهم ويصلح الأمور، لن تحدث مشكلة.

لم يكن كلام الإمام مقنعًا بالنسبة إليّ من الناحية المنطقيّة؛ فالإمام ليس متخصّصًا في الطائرات؛ لكنّني كنت مؤمنًا بأحقيّة الإمام ونور قلبه وتأييد الله له، كنت أعلم أنّ الله تعالى بعث هذا الرجل لأمرٍ عظيم وسوف لن يتركه؛ كنتُ مؤمنًا بهذا. لذلك اطمأنّ قلبي وعدتُ إلى السادة -في نفس اليوم أو في اليوم التالي لا أتذكر- وقلت لهم إنّ الإمام يقول أصلحوا هذا الموجود ما استطعتم وأعدّوه وبادروا إلى العمل.

فتلك الطائرات من طراز أف 5، وأف 4، وأف 14 نفسها وتلك التي كان المتوقّع أن تتوقّف تمامًا بعد خمسة أو ستة أيّام لا تزال تعمل إلى حدّ الآن في قوّاتنا الجويّة. مضت تسع وعشرون سنة على عام 1359 [1980] ولا تزال تلك الطائرات تعمل. طبعًا تضرّرت بعضها في الحرب أو سقطت أو أصيبت، وخرجت بعضها عن حيّز الاستعمال. ولكن كان مقابل هذا التساقط نماء وتجدّد. فقد استطاع مهندسونا في الأجهزة المختصّة صناعة قطع الغيار اللّازمة وملء الفراغات واستيراد بعض القطع بطرقٍ معيّنة على الرغم من الحظر المفروض وعلى الرغم من أنوف الذين فرضوه، ومن ثمّ بقيت الطائرات تعمل. أضف إلى ذلك أنّهم تعلّموا منها واستطاعوا صناعة نوعَين من الطائرات الحربيّة. وتعلمون الآن أنّه يوجد في قوّاتنا الجويّة نوعان من الطائرات الحربيّة ــ هي طبعًا ليست عينُ طائراتنا السابقة لكنّ المهندسين استفادوا من تلك على كلّ حال، فالمهندس بطبيعة الحال ينظر إلى الأعمال ويكتسب التجارب ويصمّم بنفسه - طائرات بمقصورتين للتعليم وطائرة بمقصورة واحدة للحملات العسكريّة. إضافةً إلى أنّنا لا نزال نمتلك تلك التي كانت لدينا.

هذا هو التوكّل على الله. وهذا هو صدق الوعد الإلهيّ. حينما يقول الله تعالى بتأكيدٍ مكرّر ومتعدّد الجوانب:‌ {ولينصرنّ الله من ينصره}3 فإنّ الله تعالى سينصر ويعين الذين ينصرون دينه وهذا لا شكّ ولا ترديد فيه. حينما يقول الله هذا ــ وأنا وأنتم نعلم أنّنا ننصر دين الله؛ إذًا، لنطمئنّ أنّ الله سوف يمنّ بنصره.

عودة أسرى الحرب المفروضة مثالا
وقد شاهدنا النصر الإلهيّ والعون الإلهي بعد نشوب الحرب أيضًا عشرات المرات. وإذا حسبنا الحالات التفصيليّة الصغيرة ربما كان العدد أكثر من هذا بكثير. ولأمكن القول أنّنا شهدنا النصر الإلهيّ آلاف المرات. إلّا أنّه يمكن ذكر الحالات البارزة فقط. ومن جُملة هذه الحالات عودة أسرى الحرب. كان لنا في العراق نحو خمسين ألف أسير؛ خمسين ألفًا. وكان للعراق أيضًا أقلّ من هذا العدد بقليل عندنا. لكن الفرق هو أنّ أسرى العراق عندنا كانوا كلّهم عسكريّين أما أسرانا في العراق كان أكثرهم غير عسكريّين. أخذوا الناس من البوادي وأسروهم. حينما انتهت الحرب بدا لي أنّ استعادة هؤلاء الأسرى من صدّام قد يطول ثلاثين عامًا. وقد شاهدنا تبادل الأسرى في الحروب المعروفة. ففي الحرب العالميّة، وفي حرب اليابان، بعد مرور ثلاثين سنة لا يزال أحد الأطراف يدّعي أنّه ما زال الطرف الآخر يحتفظ بعددٍ من الأسرى، ويُنكر الطرف الآخر وجودهم. تستمرّ المفاوضات والمساومات والاجتماعات دون الوصول إلى نتيجة. يجب عقد مئات المؤتمرات والاجتماعات لنثبت أنّه لا يزال هناك هذا العدد من الأسرى؛ وبشكلٍ بطيء جدًا. هكذا كان صدّام بالتالي، هو شخصٌ سيّئ المراس وسيّء الأخلاق وخبيث ومؤذٍ وكلّما شعر بالقوة عملَ على إظهارها. كانت طبيعة صدام طبيعة جدّ دنيئة ومنحطّة. متى ما شعر الأشخاص المنحطّون الدنيؤون بالاقتدار ينتفخون إلى درجة أنّه تتعذّر إقامة أيّ تعامل أو تبادل معهم، أبدًا. وحينما يشعرون بالضعف ويقفون أمام طرفٍ أقوى منهم يتذلّلون ويتصاغرون أكثر من النملة. لاحظتم كيف راح صدام يتوسّل الأميركيّين. قبل أن يهاجموا العراق -في هذه المرّة الأخيرة - كان يتوسّل أن تعالوا لنتفاهم ونتصالح ونتّحد كلّنا ضد الجمهوريّة الإسلاميّة. إلّا أنّ حظه كان عاثرًا ولم يعد الأميركيّون يرغبون فيه.

كنت أقول: إنّ إطلاق سراح الأسرى سيطول ثلاثين سنة. لكنّ الله تعالى مهّد الأمور، وحصل هجوم ذلك الأحمق على الكويت. فإذا ما أراد أن يحارب الكويت -طبعًا كانت حربه مع الكويت بهدف احتلالها بالكامل- فلا بدّ أن يطمئن باله من جانب إيران، وهذا غير ممكن مع وجود الأسرى. في البداية كتب رسالة إلى رئيس الجمهوريّة في حينها، و[لي بنحو من الأنحاء. ولأنه لم يتلقّ جوابًا وافيًا من هذا الجانب، بدأ هو بإطلاق الأسرى والذين يذكرون يتذكّرون. فجأة سمعنا أنّ الأسرى يتوافدون على الحدود جماعات جماعات إلى أن انتهى الأمر. كان هذا من فعل الله ومن نصره. وهكذا القضايا الأخرى من هذا القبيل وإلى اليوم.
 


1- سورة البقرة، الآية: 282.
2- الشهيدان فكوري وفلاحي من القادة المعروفين أثناء مرحلة الحرب والدفاع
3- سورة الحجّ، الآية: 40.

2017-03-03