يتم التحميل...

ثلاثة عناصر أساسية وراء نجاح تجربة الشعب الإيراني الحضارية

العلم والتطور

ثلاثة عناصر أساسية وراء نجاح تجربة الشعب الإيراني الحضارية

عدد الزوار: 20

كلمة الإمام الخامنئي في أهالي مدينة بيجار 18/05/2009

ثلاثة عناصر أساسية وراء نجاح تجربة الشعب الإيراني الحضارية
أذكر نقطة حول الشؤون العامّة للبلاد والثورة، لكنّها تتعلّق بشكل خاصّ بقضايا بيجار؛ وهي أنّ التحرّك العظيم الذي قام به الشعب الإيراني وأذهل العالم، إنّما قام به بمساعدة ثلاثة عناصر أساسيّة هي: الاتّحاد، والحضور، والوعي. وقد قطع الشعب الإيراني هذه الخطوة المتقدّمة باتّحاده، وحضوره في الساحة، ووعيه، وأوجد حضارة جديدة، وحركة جديدة، وتيّارًا جديدًا في الفكر السياسي في العالم. وقد عثرت الشعوب المسلمة على هويّتها وشخصيّتها: شعروا بأنّهم قادرون على تعويض التخلّف الذي فُرض على الأمّة الإسلاميّة. لذلك تلاحظون أنّ تحرّك الشعب الإيراني ترك أثره في الشعوب المسلمة -من شمال أفريقيا إلى شرق آسيا- وأيقظ الشعوب. ففي قضيّة فلسطين، وفي قضيّة لبنان، وفي قضايا العراق وأفغانستان تبدو تأثيرات أنفاسكم -أيّها الشعب الإيراني- محسوسة في كلّ المحطّات والمواقع. هذا الإنجاز الكبير إنّما تأتّى بفضل هذه العناصر الثلاثة:

- الوحدة الوطنيّة
الوحدة الوطنيّة: حيث تقاربت القلوب، وصاحت الحناجر بهتافٍ واحد بلغ جميع الأسماع. وتعاضد الشعب ووحّد رسالته وكلمته في كلّ أرجاء الوطن -وبمختلف قوميّاته ومذاهبه- تحت راية الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة. استطاع هذا التلاحم في بداية الثورة أن يُثقِل كاهل العدوّ، إلى أن كسر ظهر النظام الطاغوتي. كانت هذه الوحدة التي تحلّى بها الشعب الإيراني - بعد ذلك وإلى اليوم- في الاختبارات والامتحانات المتعدّدة، هي التي أوصلت الكلمة الأخيرة إلى أسماع العدوّ، وجعلته ييأس من التغلغل في صفوف الشعب الإيراني؛ ينبغي الحفاظ على هذه الوحدة.

ولذلك قلت في سنندج، وأكرّرها هنا: على الإخوة المسلمين أن يرجّحوا الوحدة الإسلاميّة على الفوارق المذهبيّة الشيعيّة-السنيّة، وأن لا يسمحوا للاختلافات المذهبيّة أن تؤدّي إلى الاختلاف في الوجهة والاتّجاه والمنهج. إنّ الوحدة بين القوميّات الإيرانيّة، والوحدة بين المذاهب الإسلاميّة، والوحدة بين التّيارات السياسيّة المختلفة- هي ضمانة هيبة البلاد؛ وأنا أوصي الجميع بالوحدة هنا أيضًا. كانت هذه وصيّتنا في المواطن التي يشكّل الإخوة السنّة فيها الأكثريّة، وكذلك هنا، حيث يشكّل الشيعة الأكثريّة، وصيّتي هي: كونوا إخوانًا، وتعاضدوا وتعاونوا. هذه هي النقطة الأولى.

- الحضور في الساحة
النقطة الثانية هي الحضور في الساحة. استطاع حضور الشعب في الساحة فرضَ اليأس على الأعداء. لو لم يشارك الشعب طوال هذه الأعوام الثلاثين في الانتخابات، أو في مظاهرات الثاني والعشرين من بهمن، أو في مظاهرات يوم القدس، وكذلك في المناسبات والفعاليّات المختلفة؛ لو لم يظهروا حضورهم ومشاركتهم الواسعة العظيمة أمام الأعداء- لما كانت هيبة الشعب الإيراني على ما هي عليه اليوم دون ريب. حافظوا على هذه المشاركة والحضور في الساحة.

حينما نشدّد في جميع الانتخابات على حضور الجماهير في الساحة وفي الميادين المختلفة، فهذا هو السبب. ليس هذا الحضور مختصًّا بالميادين السياسيّة فقط، وليس في الانتخابات فقط؛ إذ يجب أن تسجّل الجماهير حضورها ومشاركتها، في ميادين البناء والاقتصاد أيضًا. وكما ذكرت، فهذا الكلام لكلّ الشعب الإيراني، لكنّه يصدق على مدينة "بيجار" أيضًا. ليعرف أهالي "بيجار" قدر مدينتهم وقدر أراضيهم الخصبة الخضراء المترعة، ومنطقتهم العامرة بالخيرات والبركات. ما يُسمَع من أنّ بعض أهالي هذه المنطقة يهاجرون إلى مناطق بعيدة عنها، هو خلاف صفةالحضور في الميادين الاقتصاديّة. ابقوا هنا وابنوا منطقتكم واعمروها. لقد مضى الزمن الذي كانت فيه الحكومات غير مبالية بالمناطق البعيدة. لحسن الحظ، تنظر الحكومة الخدومة إلى أقصى أنحاء البلاد، وتهتمّ بقضاياها وشؤونها. إنّني أرى وأشاهد وأشرف على الأمور من قرب، أرى كيف يهتمّون بقضايا المحافظات والمدن بدقّة. فيما يتعلّق بمدينة "بيجار" هذه؛ لقد شاهدت يومها، أنّ مسؤولي الحكومة يتفهّمون مشكلات هذه المنطقة وهذه المدينة بدقّة: مشكلة شُحّ المياه، ومشكلة تسرُّب مياه السدود نحو المحافظات الأخرى، وحرمان هذه المنطقة من المياه، وما إلى ذلك من المشكلات، هذه كلّها أمور يهتمّ بها مسؤولو المحافظة، ويفكّرون في معالجتها، ويعملون على حلّها. إنّه لأمرٌ يستحقّ التقدير، أن يفكّر المسؤولون بمناطق البلاد المختلفة، حتى الأماكن البعيدة عن المركز وحتى المناطق غير المعروفة لدى كثير من الناس؛ هذه فرصةٌ تستحقّ الثناء، وجيّدة جدًّا.

على أهالي المنطقة أنفسهم أن يتعاونوا؛ فتعاونوا ولتكن لكم مشاركتكم. هذه المشاركة والحضور من أهم القضايا، ذات الصلة بمواصلة المسيرة العظيمة للشعب الإيراني، في مختلف المناطق وفي هذه المحافظة، وهذه المدينة على وجه الخصوص. اعرفوا قدر مدينتكم ودياركم، ومناخكم، وبيئتكم المباركة الجميلة النضرة الخضراء، واستفيدوا منها. وليتعاون المسؤولون أيضًا، وليتعاضدوا. هذا بالنسبة إلى مسألة الحضور في الساحة.

- الوعي
وهناك مسألة الوعي، أي، العنصر الثالث الذي يلعب دورًا مهمًّا جدًّا، كما هو الحال بالنسبة إلى دور الاتّحاد والوحدة والحضور في الساحة. لقد أثبت الشعب الإيراني أنّه شعب واعٍ. فلولا وعي الشعب الإيراني، لسجّلت تلك الحكومات المتزلزلة المهزوزة- التي قامت في السنوات الأولى للثورة ولم تؤمن بالثورة1- مصيرًا سيّئًا لهذا البلد، دون أدنى شكّ. لو قُدّر أن يبقى على رأس السلطة أولئك الذين كانوا يقولون صراحةً أنّهم لا يؤمنون بالثورة، وكانوا يقولون أنّهم يخافون من أمريكا، والذين كانوا ينزعون إلى اللين، ويظهرون التذلّل والخضوع أمام القوى الكبرى- لكان شعبنا اليوم في مسارٍ ووضعٍ مختلفين، ولما كانت هذه العزّة وهذا التقدّم وهذه السمعة والشأن العالمي.

وقف إمامنا الجليل بقوّة، ووقف شعبنا بفضل وعيه خلف الإمام وسار معه؛ هذا الوعي ساعد الجماهير.

أريد أن أقول: يا أعزائي، هذا الوعي ضروري دومًا؛ وهو ضروري اليوم وغدًا أيضًا. الجيل الشاب، لحسن الحظّ، هو الغالب في كافّة أنحاء البلاد حاليًّا. ليكن الشباب واعين متيقّظين. المعايير واضحة. ولا بدّ أن يترك هذا الوعي تأثيره في الانتخابات. كما يجب أن يكون له تأثيره في إعلان المطالب والحاجات، وفي حضور الشعب في الميادين المختلفة وفي القضايا والأمور المختلفة.

ليكن الشعب الإيراني واعيًا متفطّنًا في انتخابه. وقد ذكرت يومها معايير الانتخاب، وهذه تكملة لتلك المعايير- فلا يُمسكنّ زمام الأمور- من خلال أصوات الشعب- أناس، يريدون الاستسلام أمام الأعداء، وهتك سمعة الشعب الإيراني. لا يأتيَنّ إلى السلطة والمسؤوليّة أناس، يريدون التملّق للغرب والحكومات الغربيّة والدول المتغطرسة المستكبرة، ليحقّقوا لأنفسهم -حسب ظنّهم- مكانة على المستوى الدولي. هذه أشياء لا قيمة لها بالنسبة إلى الشعب الإيراني. لا يأتينّ إلى السلطة أفراد يطمع فيهم أعداء الشعب الإيراني ليجعلهم وسيلة لتمزيق صفوف الشعب وإبعاده عن دينه ومبادئه وقيمه الثوريّة. على الشعب التحلّي بالوعي. إذا ما تسلّم المراكز والمناصب والمؤسّسات السياسيّة والاقتصاديّة المختلفة أشخاصٌ يريدون أن يفكّروا بخطب ودّ القوّة الغربيّة الفلانيّة أو المستكبر الدولي الفلاني، بدل التفكير بمواصلة طريق الإمام والقيم والمبادئ المرسومة من قبل الإمام، فسيكون ذلك بمثابة الكارثة والمصيبة على شعب إيران؛ هذا الوعي ضروري بالنسبة إلى الشعب.

إذن، يحتاج الشعب الإيرانيّ، في يومنا هذا، وكما في الأعوام الثلاثين المنصرمة، إلى هذه العناصر الثلاثة: عنصر الاتّحاد، وعنصر الحضور في الساحة والميادين المختلفة، وعنصر الوعي. أقول لكم: إذا توفّرت هذه العناصر الثلاثة لدى الشعب -وهي كلّها من بركات الإيمان بالله، ومن بركات التعاليم القرآنيّة- فستكون لهذا الشعب الدنيا والآخرة؛ إنّ الشعب، بفضل إيمانه، وبفضل عقيدته، وببركة تمسّكه برعاية النبي الكريم وأهل بيت العصمة وتعاليم القرآن- سيتمكّن من أن يحسِّن حال دنياه أضعافًا ممّا هي عليه، وأن يكسب إلى جانب ذلك رضا الله تعالى، هذا هو خطّنا ومنهجنا العام.
 


1- المقصود حكومة بزركان ورئاسة بني صدر..

 

2017-02-24