يتم التحميل...

العلم سبيل تقدمنا وعزتنا الوطنية والإسلامية

العلم والتطور

العلم سبيل تقدمنا وعزتنا الوطنية والإسلامية

عدد الزوار: 21

من كلمة الإمام الخامنئي في اللقاء السنوي لأساتذة ورؤساء الجامعات. الزمان: 9/7/1386هـ. ش ـ 19/9/1428هـ.ق ـ 1/10/2007م.

العلم سبيل تقدمنا وعزتنا الوطنية والإسلامية
لماذا نهتمّ كثيراً بالمسائل التي ترتبط بالجامعات والعلم والتحقيق؟ لأننا لا نزال متخلّفين في هذا المجال ـ وقد عملوا على إبقائنا متخلّفين ـ ولكونه السبيل المهم لتقدّمنا، والمحافظة على عزّتنا وهويتنا الوطنية والإسلامية.

إذ إننا نختلف عن تلك الدول التي لا تستند إلاّ على تاريخ وحضارة قصيرة الأمد، فتاريخ بعض دول المنطقة لا يتعدّى المئة عام؛ بل لم يكن لمثل هذه الدول قبل قرن من الآن أي اسم أو هوية جغرافية، حتى إنّ بعض شعوب المنطقة لم يكن لها ذكر في التاريخ.

وهذا الأمر ينطبق أيضاً على دول كثيرة في العالم، في أمريكا اللاتينية، وأوروبا ومناطق أخرى من العالم؛ لكن بلادنا وشعبنا يستندان الى جذور تاريخية عميقة، لذا يمكننا أن نستفيد من تاريخنا أيضاً بل يجب علينا الاستفادة منه.

فلو أننا استمرينا في نفس حركة التقدم العلمي التي حدثت في البلاد بعد الإسلام حتى القرن الخامس والسادس والسابع الهجري، لتمكّنا الآن من ارتقاء قمم العلم والتقدم، لكننا لم نستمر في هذه الحركة، لماذا؟

هذا الموضوع يستحق البحث والتحقيق، إذ إنّ وجود الحكومات الظالمة، وضعف الهمم، والتأثيرات الخارجية طيلة القرنين أو القرون الثلاث الأخيرة، كانت سبباً في هذا التخلّف وعدم مواكبة التقدم العلمي، بل وحتى السقوط الى الحضيض أيضاً.

الآن نحن نسعى لتعويض ما فاتنا، ولدينا حكومة رشيدة كفوءة، وشعب واعي، ونخب تمارس دورها في المجتمع، فأحياناً تكون لدينا خطة مستقبلية نكتفي بوضعها في جيوبنا والافتخار بها وأحياناً نتداولها بين أيدينا فقط، لكن في أحيان أخرى نجعلها برنامج عملنا، ونسعى لوضع الخطط المناسبة لتنفيذ كل جزء منها.

وإذا ما أردنا أن نصبح مركز إشعاع علمي في المنطقة، فهذا يتطلب منّا عملاً جدّياً لا يجب تعينه في الخطة المستقبلية؛ بل نحن نؤكد على ضرورة قيام المسؤولين التنفيذيين بتعينه في موقع العمل. فنحن نريد أن يتمّ هذا العمل في المسائل العلمية والتحقيقية بشكل صحيح وعلى أكمل وجه؛ وهذا سبب اهتمامنا وحرصنا في هذا المجال.

ضرورة الإسراع بإنجاز الخطة العلمية المتكاملة
في مثل هذه اللقاءات، نوصي عادةً ببعض النقاط المهمة في هذا المجال، اليوم أيضاً سنطرح بعض النقاط:

إحدى النقاط المهمة التي كنت قد دوّنتها لأطرحها عليكم، ولحسن الحظ أشار إليها بعض المتحدّثين في معرض كلامهم: هي مسألة تدوين خطة علمية متكاملة، كما أشار السيد لاريجاني في كلامه أيضاً الى وجود مساعي حثيثة لتهيئة هذه الخطة العلمية؛ لتصبح برنامج عمل نستند عليها في وضع الخطط العلمية المستقبلية، وهذا يبعث فينا السرور؛ إذ إنّي لم أكن على اطلاع بما وصلت إليه هذه الخطة؛ حتى سمعنا تفاصيلها من السيد لاريجاني، لكني على علم بوجود مثل هذه المساعي في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، حيث شُكّلت بعض اللجان لمتابعة هذا الأمر.

لكن ما نتوقّعه من هذه اللجان الإسراع بإنجاز هذه الخطة العلمية وعدم تأخيرها لفترة طويلة، بحيث نظل ننتظر لسنة أو سنتين حتى يتمّ تهيئة مثل هذه الخطة العلمية المتكاملة؛ بل يجب أن يتولّى هذا الأمر مجموعة من العلماء والمحققين والمتخصصين تحت إشراف المجلس الأعلى للثورة الثقافية؛ حتى يتمكنوا بأسرع وقت ممكن من تهيئة خطة علمية دقيقة متكاملة، يمكن أن نستند عليها في وضع الخطط المستقبلية المناسبة لتطوير الجامعات والجانب العلمي في البلاد.

وهنا أوصي جميع الوزراء والمسؤولين في المجلس الأعلى للثورة الثقافية الحاضرين في هذا اللقاء بمتابعة هذه المسألة والاهتمام بها.

فنحن إذا ما أردنا تحقيق الخطة المستقبلية وتطبيقها كمرجع علمي في البلاد، لابد أن نقوم بإنجاز الكثير من المهام، ومن أهمها الخطة العلمية المتكاملة؛ لأن هذه الخطة تمثل خطوة مهمة في مسير تطبيق الأهداف والشعارات التي طرحناها سابقاً، والتي تحوّلت اليوم ـ ولله الحمد ـ الى مواضيع للبحث والنقاش في مراكزنا العلمية.

الأساتذة مدعوون لإعداد تلاميذهم كطاقات علمية فعالة
أما النقطة الأخرى فتخصّ الأساتذة المحترمين: إذ يجب عليهم الاهتمام بإعداد الطلاب وتربيتهم؛ لأن مكانة الأستاذ واعتباره يتعيّن بمقدار ما يقدّمه للمجتمع من تلامذة، وهذا الأمر متعارف في الحوزات العلمية أيضاً، حيث تزداد مكانة الأستاذ أو الفقيه أو الأصولي أو الحكيم بآثاره الوجودية التي تظهر من خلال ما يقدّمه للمجتمع من تلامذة متميّزين.

فعليكم أيها الأساتذة المحترمون الاهتمام بتربية تلاميذكم في الدرس ـ سواء في مرحلة الدراسة الجامعية أو في مرحلة الدراسات العليا ـ وعدم التعامل معهم كمجرد مستمعين في محاضرة أو مجلس للوعاظ؛ بل عليكم التعامل معهم كالحرفي الذي يحاول صناعة شيء بيده.

وبالطبع فإن القابليات والرغبة في الدرس والظروف المحيطة تتفاوت بين تلميذ وآخر، لكني أعتقد بضرورة اهتمام الأساتذة بهذا الأمر واعتباره هدفاً جدّياً في عملهم، فعليكم النظر لعدد ما قدّمتموه للمجتمع من تلامذة، إذ إنّ التلميذ ليس الشخص الذي يحضر درسكم فقط؛ بل هو الشيء الذي تصنعوه بأيديكم وتقدّموه للمجتمع كأحد الطاقات العلمية الفعّالة.

وأشير أيضاً الى مسألة مهمة أخرى لا يجب التقليل من أهميتها، والتي أصبحت جزءاً من القوانين الجامعية: وهي ضرورة تواجد الأساتذة في الجامعات لساعات معيّنة في الأسبوع، وقد أكّدت كثيراً على هذه المسألة في السنوات الأربعة الأخيرة ـ ولكثرة تكراري لهذه المسألة لم أكن أرغب في الحديث عنها مرّة أخرى ـ إذ يجب على الأستاذ الجلوس مع تلامذته والإجابة على أسئلتهم، بحيث لا تنحصر علاقته مع الطلاب بالدرس فقط، بحيث يجد الطالب الفرصة الكافية للقاء اُستاذه والسؤال والاستفسار عمّا يُشْكِل عليه في الدرس؛ بل يمكن في بعض الموارد أن يستدعي الأستاذ الطالب الى غرفته لتوضيح بعض المطالب له أو إضافة معلومات جديدة أو تكليفه بواجب معيّن أو تكليفه بمهمة علمية أو تحقيقية، وجميع هذه الأمور لا تتحقق إلاّ بحضور الأساتذة في الجامعات.

لقد كنّا سابقاً نشكو من قلّة الأساتذة، لكن عددهم أصبح اليوم ـ ولله الحمد ـ جيداً مقارنة بعدد الطلاب في الجامعات، وهذا الموضوع من الأمور التي يجب الاهتمام بها أيضاً.

فإذاً، يتوقف جزء من مسألة إعداد الطلاب وتربيتهم في الدرس ـ وهو حسب اعتقادي إعداد للنخب ـ على هذا العدد من الساعات ـ حوالي أربعين ساعة حسب القوانين ـ التي يجب على الأساتذة حضورها في الجامعة. أي يجب على جميع الأساتذة الجامعيين الاهتمام بهذه المسألة والتعامل معها بجدّية.

الإهتمام بالبحث والتحقيق والإعتماد فيه على قدراتنا الذاتية
المسألة الأخرى: هي مسألة البحث والتحقيق، وهي من المسائل المتكررة، لكنّي ولأهميتها سأتحدث عنها مرّة أخرى، وقد تحدّثت باستمرار حول هذه المسألة مع المسؤولين في الحكومة أثناء لقائي بهم، وحتى مع بعض المسؤولين كرئيس الجمهورية في اجتماعاتنا الخاصة، لكن الجزء الآخر من القضية يرتبط بالجامعات ذاتها، إذ يجب أن تُحْسَن الاستفادة من الميزانية المخصصة لأمور البحث والتحقيق، ووضعها في مكانها الصحيح؛ لأن التحقيق يمثل المصدر الأساسي للتقدم العلمي.

فنحن إذا لم نهتم بجدّية بأمور البحث والتحقيق، فسنضطر للانتظار سنوات عديدة نترقّب الباحثين في الخارج لعلّ أحدهم يبحث في موضوع معيّن فنستفيد منه مباشرة أو نستفيد من مؤلّفاته ثم نقوم بتعليمها في جامعاتنا، وهذا يمثّل نوعاً من ترجمة العلوم ويؤدي الى تبعية بلدنا وجامعاتنا وعدم استقلال شخصيتها العلمية.

إننا نؤكد على ضرورة توثيق الارتباط العلمي بين جامعاتنا والمؤسسات العلمية في العالم، وعلى ضرورة زيادة التبادل العلمي والاستفادة من علوم الآخرين، إذ نحن نكرر دائماً أننا لا نخجل أبداً بأن نتعلّم من الآخرين ونتتلمذ على أيديهم، وأينما وجدنا أستاذاً فإننا سنهرع للتعلم منه، لكن ما نخجل منه أن نبقى تلامذة دائماً نأخذ علومنا في جميع المجالات من الآخرين؛ لأنه يعتبر نقصاً في مؤسساتنا العلمية، ويدل على ضعفها في مسألة البحث والتحقيق التي تمثل المصدر الأساسي للتقدم العلمي، لذا يجب عليها الاعتماد على قدراتها الذاتية في هذا المجال، وهذا لا يمنعها ـ بالطبع ـ من الاستفادة من تجارب الآخرين، وزيادة تبادلها العلمي مع الجامعات الأخرى في العالم، مما يجعلها تحتفظ بمكانة مرموقة في عملية التبادل العلمي في العالم.

أي أنّ اعتماد جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية على قدراتها الذاتية في تطوير البحث والتحقيق، سيترك تأثيره الايجابي على عملية التبادل العلمي في العالم.

2017-02-24