يتم التحميل...

العدالة محور النظرة الإسلامية "للتقدم" وحفظ الإستقلال أبرز مؤشراته

العلم والتطور

العدالة محور النظرة الإسلامية "للتقدم" وحفظ الإستقلال أبرز مؤشراته

عدد الزوار: 23

من كلمة الإمام الخامنئي في الجامعيين بمحافظة كردستان 17-5-2009
العدالة محور النظرة الإسلامية "للتقدم" وحفظ الإستقلال أبرز مؤشراته

المحاور الرئيسية
· "التقدّم" ليس هو "التنمية" بالمفهوم الغربي
· مبانينا المعرفيّة تحدّد هويّة تقدّمنا
· المباني المعرفية السائدة في العالم: محوريّة النفع المادّي وأصالة اللّذة
· محوريّة المال والمنفعة الشخصيّة يشكلان هوية المجتمع الأمريكيّ
· مؤشّرات نموذج التقدّم: حفظ الاستقلال، إنتاج العلم والكفاح ضد الظلم

الموضوع الذي سأتحدّث عنه على صلة تامّة بطبيعة الشباب وماهيّة الطلبة الجامعيّين، وفيه نظرة استشرافيّة إلى المستقبل. هذا الموضوع الذي يستشرف المستقبل هو مسألة شعار "العقد الرابع" الذي دخلنا فيه: أي، عقد التقدّم والعدالة1.

لتحويل مقولة "التقدم والعدالة" إلى خطاب وطني
لقد أعلنّا أنّ هذا العقد هو عقد التقدم والعدالة. طبعًا، بمجرّد الإعلان والكلام لن يحصل تقدّم ولن تحصل عدالة، لكنّ التبيين والتكرار وترسيخ الهمم والعزائم يساعد في حصول التقدّم والعدالة. أردنا تحويل التقدّم والعدالة إلى خطابٍ وطنيٍّ2 في العقد الرابع؛ علينا جميعًا أن نطلب هذا الشيء ونسعى إليه. فإذا لم نرده لن يحصل التخطيط والبرمجة والعمل والتنفيذ، وسوف لن نصل إلى النتيجة؛ يجب تبيين المسألة. أريد أن أتحدّث عن قضيّة التقدّم بعض الشيء. ولقضيّة العدالة بدورها بابها الواسع و تفاصيلها المطوّلة.

خصائص التقدّم وسماته
بدايةً أستعرض الشكل العام للبحث وأحاول الإيجاز والاختصار ما استطعت إلى ذلك سبيلًا. أذكر بعض خصائص التقدّم وسماته؛ ليتّضح الشكل العام والصورة الكليّة التي نحملها في أذهاننا عن التقدّم -وهذا هو الشطر الأكبر من البحث- ثم نستعرض بعض الشروط والمقدّمات التمهيديّة للتقدّم. ثمّ إذا كان ثمّة وقت ومجال أشرنا إلى بعض العقبات التي تعترض هذا الطريق، والأضرار والآفات التي قد تصيبنا في هذا السبيل.

بخصوص الجانب الأول – أي، تبيين الشكل العام للتقدّم -أذكر عدّة نقاط تكوّن بمجموعها الشكل العام الذي نبتغيه:

أ ــ "التقدّم" ليس هو "التنمية" بالمفهوم الغربي
النقطة الأولى هي أنّه، حينما نقول "تقدّم"، يجب أن لا تتبادر إلى أذهاننا التنمية بمفهومها الغربي الدارج. التنميةُ اليوم مصطلح ٌشائع في الأدبيّات السياسيّة والعالميّة والدوليّة. قد تكون للتقدّم الذي نتحدّث عنه أوجه اشتراكٍ مع ما يُفهم من التنمية عالميًّا -وهذه الأوجه موجودة بالتأكيد- لكن لكلمة التقدّم في منظومة مفرداتنا معناها الخاص الذي يجب عدم الخلط بينه وبين التنمية الغربيّة؛ ما نحن بصدده ليس بالضرورة التنمية الغربيّة بنفس ما لها من خصوصيّاتٍ ومواصفات.

" التنمية" في المفهوم الغربي يعادل "التغرب"
لقد مارس الغربيّون على مدى السنين تكتيكًا إعلاميًّا ذكيًّا؛ وهو أنّهم صنّفوا بلدان العالم إلى متقدّمة ونامية ومتخلّفة. يتصوّر المرء للوهلة الأولى أنّ البلدان المتقدّمة هي تلك التي تحوز على التقنيّة والعلوم المتطوّرة؛ أمّا البلدان النامية والمتخلّفة فهي التي لا تستفيد من هذه العناصر، في حين أنّ القضيّة ليست كذلك. إنّ لعنوان البلدان المتقدّمة -والعنوانين اللَّذين يتّبعانه، أي النامية والمتخلفة- مضمونًا قيميًّا وجانبًا تقييميًّا. فحينما يقولون: "بلدٌ متقدّمٌ"، يَعنون في الحقيقة البلد الغربي بكلّ خصوصيّاته الثقافيّة وآدابه وسلوكه وتوجّهاته السياسيّة. هذا هو معنى البلد المتقدّم [بنظرهم]. والبلد النامي هو البلد السائر في طور التغريب3. والمتخلّف هو البلد غير الغربي والذي ليس في طور التغرُّب. هكذا يريدون تفسير الموضوع. وإنّ تشجيع البلدان على التنمية في الثقافة الغربية المعاصرة -هو في الواقع تشجيعها على التغريب. يجب أن تتنبّهوا إلى هذه النقطة. نعم، ثمّة نقاط إيجابيّة -قد أُشير إلى بعضها- في سلوك وأعمال البلدان الغربيّة المتقدّمة وشكلها وظاهرها؛ وإذا تقرّر4 أن نتعلّم هذه النقاط فسوف نتعلّمها، وإذا تقرّر أن نتتلمذ فسوف نتتلمذ. ولكن نعتقد أنّه توجد، إلى جانب ذلك، منظومة من الأمور اللاقيميّة في تلك البلدان. لذلك لا نقبل على الإطلاق بمنظومة التغريب، أو التنمية حسب المصطلح والمفهوم الغربي. والتقدّم الذي ننشده هو شيءٌ آخر.

ب ــ تعدّد نماذج التقدّم
النقطة الثانية هي أنّ التقدّم ليس له نموذجٌ واحد، لكلّ البلدان والمجتمعات في العالم. ليس للتقدّم معنىً مطلَقًا. وإنّ الظروف المختلفة -التاريخيّة، والجغرافيّة، والجغرافيّة السياسيّة، والظروف الطبيعيّة، والبشريّة، وظروف الزمان والمكان- تؤثّر في خلق نماذج التقدّم. قد يكون هذا النموذج للتقدّم مناسبًا للبلد الفلاني، وهو نفسه غيرُ مناسبٍ لبلد آخر؛ وبالتالي، لا يوجد نموذج واحد للتقدّم، ينبغي أن نجده ونتّجه إليه ونحقّق كافّة أجزائه وعناصره في أنفسنا؛ ليس ثمّة شيء كهذا.

للبحث عن نموذجنا الخاص للتقدّم
وإنّ للتقدّم في بلدنا - بظروفنا التاريخيّة والجغرافيّة وفي ضوء أوضاعنا وطبيعة شعبنا وآدابنا وثقافتنا وتراثنا نموذجه الخاص، الذي يجب أن نبحث عنه ونجده. وذلك النموذج هو الذي سيأخذ بأيدينا إلى التقدّم، ولن تنفعنا وصفة أخرى، سواء وصفة التقدّم الأمريكي، أو الغربي أو وصفة التقدّم الأوروبي الشمالي. فالبلدان الأسكندنافيّة، هي من نوعٍ آخر مختلف. وإنّ أيًّا من هذه النماذج لا يمكن أن يُعدَّ نموذجًا منشودًا للتقدّم في بلدنا.

علينا تحرّي النموذج المحلّي الخاص بنا. وميزتنا هي أن نتمكّن من إيجاد النموذج المحلّي للتقدّم الذي يتناسب وظروفنا. حينما أثير هذه القضيّة، هنا في البيئة الجامعيّة؛ فمعنى ذلك أنّكم -الطلبة الجامعيّين والأساتذة والجامعيّين عمومًا- من يجب أن ينهض بهذا البحث والمتابعة والتحرّي بكلّ جِدٍّ واجتهاد، وسوف تستطيعون ذلك إن شاء الله.

ج ــ دور المباني المعرفيّة في بلورة "نمط التقدّم"
النقطة التالية نقطة مهمّة أيضًا: إنّ المباني المعرفيّة مؤثّرة في نمط التقدّم المنشود أو غير المنشود. لكلّ مجتمعٍ ولكلّ شعبٍ مبانٍ ]أصول[ معرفيّة وفلسفيّة وأخلاقيّة، تتّسم بأنّها مصيريّة ومهمّة وحاسمة، وتقول لنا ما هو التقدّم المطلوب، وما هو التقدّم غير المطلوب والذي يجب استبعاده. فالشخص الذي نادى ذات يومٍ، عن جهل وصبيانيّة، بأنّه يجب أن نكون غربيّين وأوروبيّين من قمّة رأسنا إلى أخمص قدمينا، لم يلتفت إلى أنّ لأوروبا تجربة وثقافة ولها مبانيها المعرفيّة التي قام التقدّم على أساسها؛ ومن الممكن أن لا يكون قِسمًا من تلك المباني مقبولًا عندنا؛ أي، إنّنا نعتبرها خاطئة ومغلوطة.

مبانينا المعرفيّة تحدّد هويّة تقدّمنا
لدينا مبانينا المعرفيّة والأخلاقيّة الخاصّة بنا. تحمل أوروبا في سِجلّها تجربة محاربة الكنيسة للعلوم خلال القرون الوسطى، ويجب أن لا نغفل عن الدوافع وردود الأفعال التي ميّزت النهضة العلميّة في أوروبا في قبال ذلك الماضي. وهناك تأثير كبير جدًّا للمباني المعرفيّة والفلسفيّة والأخلاقيّة على نمط التقدّم الذي يريدون اختياره. إنّ مبانينا المعرفيّة هي التي تقول لنا: هذا التقدّم مشروعٌ5 أو غير مشروعٍ، وهل هو محبّذٌ أو غير محبّذٍ، وهل هو عادل أم غير عادل.

المباني المعرفية السائدة في العالم: محوريّة النفع المادّي وأصالة اللّذة
لنفترض أنّ التفكير النفعي هو السائد في مجتمعٍ ما، بمعنى أن تُقاس فيه جميع ظواهر الكون وتُجرَّب بمقتضى المال. فيكون كلّ شيءٍ بقيمته الماليّة وربحه المادّي؟ هذه هي الحالة الشائعة اليوم في جزء كبير من العالم: يُقاس كلّ شيء بالمال. قد تكون هناك بعض الأعمال ذات قيمة في ذلك المجتمع؛ لأنّها توصلهم إلى المال. ولكن في المجتمع الذي لا يكون فيه المال والربح محور الأحكام، قد تُعتبر هذه الأعمال ذاتها مضادّة للقِيَم6.

أو أن تكون أصالة اللذة حاكمة في مجتمعٍ من المجتمعات. لماذا تعتبرون هذا العمل مباحًا؟ لماذا تُبيحون الشذوذ الجنسي والمثليّة الجنسيّة؟ يقولون: لأنّ في ذلك لذّة، والإنسان يلتذّ منه. هذه هي أصالة اللّذة. إذا ما سادت أصالة اللذّة على المجتمع وعلى ذهنيّة عموم الناس تُباح أمورٌ وأشياء. ولكن إذا كنتم تتنفّسون ضمن إطار فلسفة معيّنة وإيديولوجيا معيّنة ونظام أخلاقي معيّن لا تسوده أصالة اللّذة، وتوجد فيه بعض الأعمال التي تكتنفها اللّذة إلاّ أنّها ممنوعة وغير مشروعة- فليست اللذة هي التي تبيح فعل هذا الشيء وذاك الشيء، وليست ضوءًا أخضرَ لاتخاذ القرارات أو إضفاء الشرعيّة على شيء. هنا لا يمكنكم اتّخاذ القرارات كما في مجتمعٍ تسوده أصالة اللّذة؛ فالمباني المعرفيّة مختلفة.

محوريّة المال والمنفعة الشخصيّة يشكلان هوية المجتمع الأمريكيّ
أو إذا كان المال يحظى، في مجتمعٍ ما أو في منظومة أخلاقيّة ما، باحترامٍ مطلق. وليس من المهم من أين يأتي هذا المال. قد يكون مصدره استغلال الآخرين، وقد يكون جاء وحصل بفعل ممارساتٍ استعماريّة، أو عن طريق نهبٍ وسلب؛ فلا يختلف الأمر عندهم؛ لأنّه مالٌ على كل حال. طبعًا، إذا جرى التصريح بهذه الأمور في العصر الحاضر - في المجتمعات المبتلاة بهذه الأمور - فقد تُنكر وتستنكر، لكن إذا نظرنا إلى تاريخهم اتّضحت حقيقة القضيّة.

ففي أمريكا، إنّ أصل جذور "الحريّة الفرديّة" و"الليبراليّة" ــ التي افتخروا بها ولا يزالون وتُعدّ من القيم الأمريكيّة ــ هي عبارة عن "الحفاظ على الثروة الشخصيّة". أي أنّه في البيئة التي ظهرت فيها أمريكا والناس الذين تجمّعوا في أمريكا يومذاك، كان الحفاظ على ثمار الأعمال والمساعي الماديّة بحاجة إلى أن تُعطى الثروة الشخصيّة للأفراد احترامًا مطلَقًا. وطبعًا لهذه القضيّة حكايتها الطويلة من زاوية علم الاجتماع وبنظرة واقعيّة إلى المجتمع الأمريكي. يوم أصبحت بلاد أمريكا - وليس النظام السياسي الحاكم في أمريكا - مكانًا لكسب المال والثروة، بما لها من موارد طبيعيّة غنيّة، كان غالبيّة الذين تجمّعوا في أمريكا يومذاك مغامرين، قد هاجروا من أوروبا وسبروا عباب المحيط الأطلسي المتلاطم؛ ليصلوا إلى ماساتشوتس. لم يقصد تلك الأرض أيُّ شخصٍ كان. من كانت له في أوروبا حياته وعمله وعائلته وأصالته لم يكن ليتركها ويقصد أمريكا. كان يقصدها أشخاص إمّا مفلسون ماليًّا أو مطلوبون للقضاء والعدالة، أو مغامرون. تعلمون أنّ المحيط الأطلسي أكثر بحار العالم تلاطمًا واضطرابًا، وإنّ اجتياز هذا المحيط والانتقال من أوروبا إلى أرض أمريكا يستدعي بالطبع نصيبًا من المغامرة. فقد شكّلت مجموعة من هؤلاء المغامرين غالبيّة المهاجرين الأوائل إلى أمريكا - ولا أقول كلّهم-. وإذا أُريدَ لهم أن يعيشوا بعضهم إلى جوار بعض وأن ينتجوا الثروة يجب إضفاء قيمة مطلقة على الثروة الشخصيّة؛ وهذا ما حصل. تلاحظون في أفلام الكاوبوي – طبعًا هذه الأفلام لا تمثّل الواقع مئة بالمئة فهي أفلامٌ وقصص على كلّ حال، بيد أنّ علامات الواقع واضحة فيها تمامًا - أنّ القاضي يجلس وينظر ويحكم في قضيّة بقرة سرقها شخصٌ من قطيع شخص آخر، ويحكم على السارق بالإعدام ثم يشنقونه! كل هذا؛ لكي تكون للثروة الشخصيّة وللملكيّة الخاصّة قيمة مطلقة. في مثل هذا المجتمع ليس من المهم من أين يُؤتى بالمال.

المال الغربيّ منهوبُ بالاستعمار
في المجتمعات الغربيّة، جاء المال على العموم عن طريق الاستعمار؛ فالثروة التي أصابتها بريطانيا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، واستطاعت بفضل تلك الثروة والأموال والذهب، أن تفرض سياستها على عموم أوروبا والمناطق الأخرى؛ هذه الثروة حصلت للبريطانيّين عن طريق استعمار البلدان الشرقيّة وخصوصًا شبه القارة الهنديّة، حيث نهبوا شبه القارة الهنديّة وبلدان تلك المنطقة. راجعوا التاريخ واقرؤوه؛ الحق أنّه لا يمكن تلخيص ما فعله هؤلاء بالهند في كلمة أو كلمتين. لقد عصر البريطانيّون ثروات الهند وتلك المناطق كما تعتصر الرمانة -وهي مناطق ثريّة جدًا- وذهبت هذه الموارد كلّها إلى خزينة الحكومة البريطانيّة فتحوّلت بريطانيا إلى بلدٍ ثري. لا يُسأل هنا، من أين جاءت هذه الثروة؛ فهي ثروة لها احترامها، ويجب أن تُحترم. والتقدّم في هذا البلد له معنى؛ أمّا في البلد الذي يحرِّم الاستعمار ويحرّم الاستغلال ويمنع الغارة والنهب ويحرِّم الغصب ويمنع الاعتداء على حقوق الآخرين وأخذ أموالهم، فيكتسب التقدّم فيه معنىً آخر. إذن، المباني المعرفيّة والأخلاقيّة والمبادئ الفلسفيّة، لها دورها المهمّ في تعريف التقدّم في البلد.

نقاط إيجابيّة في النموذج الغربي للتقدم: روح المخاطرة والإبداع
النقطة الأخرى هي أنّنا حينما نستعرض نقاط اختلاف التقدّم، حسب المنطق الإسلامي، عن التنمية الغربيّة، يجب أن لا ننسى نقاط الإشتراك. فثمّة نقاط اشتراك في تنمية البلدان المتقدّمة: روح المخاطرة -وهي للحق والإنصاف من الخصال الحسنة عند الأوروبيّين- وروح الإبداع، والمبادرة والانضباط. هذه أمور وأحوال ضروريّة جدًّا، وأيّ مجتمعٍ يفقد هذه الصفات لن يُكتب له التقدّم؛ هذه أمور ضروريّة. إذا لزم أن نتعلّم هذه الأمور فسنتعلّمها، وإذا كانت موجودة في مصادرنا فعلينا أخذها من هناك والعمل بها.

محوريّة العدالة في المفهوم الإسلامي للتقدّم
أ ــ زيادة الدخل الوطني ليس معيارا للتقدم
النقطة التالية تتعلّق بمسألة العدالة. قلنا "عقد التقدّم والعدالة"، له معنًى كبير جدًّا. لنفترض أنّ من المؤشرات المهمّة زيادة الدخل الإجمالي الوطني للبلدان. فالبلد الفلاني دخله الإجمالي الوطني عدّة آلاف من المليارات، والبلد الفلاني لا يساوي دخله سوى معشار دخل البلد الأول. إذًا، البلد الأول أكثر تقدّمًا؛ هذا المنطق ليس بالمنطق الصحيح. إنّ زيادة الدخل الإجمالي الوطني -أي الدخل العام للبلاد- لا يدلّ وحده على التقدّم؛ إنّما ينبغي النظر إلى الكيفيّة التي يجري بها تقسيم هذا الدخل وتوزيعه. فإذا كان الدخل الوطني عاليًا جدًّا، لكن يوجد في هذا البلد نفسه أفراد ينامون ليلهم في الشوارع، ويموت كثيرون منهم في جوٍّ درجة الحرارة فيه تبلغ اثنين وأربعين؛ فهذا لن يكون تقدّمًا. لاحظوا ما يأتي في الأخبار: في المدينة الغربيّة الفلانيّة المعروفة - في أمريكا مثلًا أو مكان آخر- بلغت درجة حرارة الهواء اثنين وأربعين درجة مئويّة، ومات كذا عدد من الناس بسبب الحر. لماذا يموتون في درجة حرارة اثنين وأربعين؟ معنى ذلك أنّهم بلا مأوى ولا سكن. إذا كان هناك أناس يعيشون في المجتمع بلا مأوى، أو عليهم العمل 14 ساعة في اليوم الواحد؛ ليستطيعوا توفير لقمة العيش لأنفسهم؛ لكي لا يموتوا جوعًا، فلن يكون هذا تقدّمًا، حتى لو كان الدخل الإجمالي الوطني عشرة أضعاف ما هو عليه. هذا ليس تقدّمًا في المنطق الإسلامي؛ لذلك كانت العدالة على جانب كبير من الأهميّة.

ب ــ النظرة الإسلاميّة للتقدّم: عمران حياة الناس دنيا وآخرة
طبعًا ثمّة كلام ونقاش أكثر حول العدالة. تقوم النظرة الإسلاميّة للتقدّم على أساس الرؤية التي تقول أنّ الإنسان كائن، له حيّزان ]ساحتان[ ، فهو يعيش في الدنيا وفي الآخرة. هذه الرؤية هي أساس كافّة الأفكار التي ينبغي أخذها بالاعتبار، فيما يتّصل بالتقدّم. هذا هو المؤشّر ]الشاخص[ العام والفارق الرئيس. إذا اعتبرت الحضارة أو الثقافة أو المذهب الإنسانَ ذا حيّز حياتي واحد، ولم تنظر إلى سعادته إلاّ في حدود حياته الماديّة الدنيويّة، فمن الطبيعي أن يكون التقدّم في منطقها مختلفًا تمامًا عنه في منطق الإسلام الذي يرى للإنسان حيّزين وبُعدَين. يتقدّم بلدنا ومجتمعنا الإسلامي ليس عندما يعمِّر دنيا الناس فحسب، بل حينما يعمِّر آخرتهم أيضًا. هذا ما يريده الأنبياء: الدنيا والآخرة. يجب أن لا يُغفل عن دنيا الإنسان بحجّة وهم الاهتمام بالآخرة، كما يجب أن لا يُغفل عن الآخرة بسبب الانهماك في الحياة الدنيا. هذه نقطة على جانب كبير من الأهميّة؛ وهذا هو الأساس. التقدّم المنشود في المجتمع الإسلامي هو تقدّم من هذا القبيل.

أشكال الانحرافات
و قد تحصل هاهنا عدّة أنواع من الانحرافات:
1- عمران الدنيا وحسب:
أحد الانحرافات هو أن يعتبر بعضهم الدنيا هي الأصل وينسون الآخرة، بمعنى أن تنصَبّ كافّة جهود المجتمع والمبرمجين والمخطّطين والدولة على عمران حياة الناس في هذه الدنيا: أن يكون للناس أموالٌ وثروة، ويكونوا في عيشٍ مريحٍ رغيد، ولا تكون لديهم مشكلة سكن، ولا مشكلة زواج، ولا مشكلة بطالة. هذا وفقط؛ أمّا ما هو وضعهم من الناحية المعنويّة فهذا ما لا يجري الاهتمام به على الإطلاق. هذا انحراف.

2- الغفلة عن مواهب الحياة:
يوجد انحراف آخر وهو أن يغفل الناس عن الدنيا؛ الغفلة عن الدنيا تعني الغفلة عن مواهب الحياة وعدم الاكتراث لها. هذا أيضًا انحراف؛ كالكثير من المشكلات التي عانى منها المتديّنون في الماضي: ]مثل[ الإقبال على القضايا الأخرويّة والدينيّة مع عدم الاهتمام بعطايا الحياة والإمكانيّات والفرص التي أودعها الله في هذا العالم. هذا أيضًا أحد الانحرافات. ?هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها?7. الله كلّفكم بإعمار الأرض. ما معنى الإعمار؟ معناه اكتشاف المواهب والطاقات اللامتناهية المودعة في عالم المادة واحدة واحدة، وتمكين الإنسان من استخدامها وجعلها وسيلة لتقدّم الإنسان. وإنّ قضايا العلم وإنتاج العلم التي نذكرها ونؤكِّد عليها تتعلّق بهذا المعنى.

3- الاستهانة بمواهب الحياة على المستوى الثقافي
وثمّة انحرافٍ آخر هو أن يستهين الإنسان في حياته الشخصيّة بمواهب الحياة والاحتياجات الماديّة ولا يأبه بها. هذا أيضًا لم يقل به الإسلام ولم يرده، بل طالب بما هو خلاف ذلك: "ليس منّا من ترك آخرته لدنياه ولا من ترك دنياه لآخرته"8. إذا تركتم الآخرة من أجل الدنيا رسبتم في الامتحان، وإذا تركتم الدنيا في سبيل الآخرة رسبتم في الامتحان أيضًا؛ هذا شيءٌ مهم جدًّا.

صادف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) شخصًا ترك زوجته وحياته وبيته وكلّ ما عنده، وعَكَفَ يعبُد الله، فقال له: "يا عُديّ نفسه"9؛ إنّك تعادي نفسك، لم يطلب الله منك هذا: ?قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق?10. إذًا الموازنة بين الدنيا والآخرة والنظر إلى كليهما أمرٌ ضروري ولازم -سواء في البرمجة أو التخطيط أو في الممارسات والأعمال الشخصيّة أو في إدارة البلاد -هذا بدوره من المؤشّرات [المعايير] الرئيسة للتقدّم.

كانت هذه بعض مميّزات التقدّم الذي نبتغيه وننشده. وكما قلنا فإنّ الأمر لا ينتهي بهذا الكلام: ينبغي التدقيق والمتابعة والبحث.

ليبحث أصحاب الفكر والنظر في الجامعات في هذه القضايا وليشرحوها علميًّا، وليقدّموا نماذجَ علميّة لنستطيع تحويلها إلى خطط وبرامج تُطرح في الساحة حتى يشعر الشعب في نهاية الأعوام العشرة هذه أنّه حقّق تقدّمًا حقيقيًّا.

مؤشّرات نموذج التقدّم:
أ ــ حفظ الاستقلال
من الأمور التي لا بدّ من الإلتزام بها: هو أنّ أيّ نموذج للتقدّم، يجب أن يضمن استقلال البلاد. ينبغي النظر لهذه المسألة كمعيار.أي نموذج من النماذج المقترحة للتقدّم؛ إذا كان يفرض على البلاد التبعيّة والذلّ واتّباع البلدان المقتدرة وذات القوّة السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، فهو نموذج مرفوض. أي إنّ الاستقلال من اللوازم والضروريّات الحتميّة لنموذج التقدّم في "عقد التقدّم والتنمية".

لا يُعدّ التقدّم الظاهري تقدّمًا إذا اقترن بالتبعيّة في السياسة والاقتصاد وفي الأصعدة الأخرى. توجد حاليًّا بلدان -خصوصًا في آسيا- حقّقت تقدّمًا ظاهريًّا في مجالات التقنيّة والعلوم والصناعات، وقد نفّذت إلى أسواق الكثير من أنحاء العالم، لكنّها بلدان تعاني من التبعيّة؛ إذ لا دور لشعوبها ولحكوماتها على الإطلاق؛ لا في السياسات العالميّة، ولا في سياسات العالم الاقتصاديّة، ولا في التخطيطات المهمّة على المستوى الدولي. إنّها بلدان تابعة، وهي تابعة لأمريكا في الغالب. هذا ليس تقدّمًا وليست له قيمة.

العولمة اسمٌ جميل؛ ولكن...
ثمّة نقطة لا بأس أن أذكرها هنا هي مسألة العولمة. العولمة اسمٌ جميل جدًّا وكلّ بلدٍ يخال أنّ العولمة ستفتح أسواق العالم في وجهه. لكن ينبغي أن لا تكون العولمة بالنسبة إلى أيّ شعبٍ من الشعوب المستقلّة بمعنى التحوّل إلى صامولة أو برغي في ماكنة الغرب الرأسماليّة. إذا أُريدَ للعولمة أن تتحقّق بالمعنى الصحيح للكلمة، فعلى البلدان أن تحافظ على استقلالها الاقتصادي والسياسي، وقدرتها على اتّخاذ القرارات، وإلاّ فلا قيمة للعولمة التي وُجدت منذ عشرات الأعوام عن طريق البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظّمة التجارة العالميّة وغيرها من المنظّمات التي كانت جميعها أدوات أمريكيّة واستكباريّة.

إذًا، الاستقلال مبدأ مهم، إذا لم يتحقّق فلا تقدّم، بل مجرّد سراب.

ب ــ إنتاج العلم
· من القضايا الأخرى ذات الصلة الوثيقة بكم، هي قضيّة إنتاج العلم. لحسن الحظ أرى أنّ إنتاج العلم وضرورة اجتياز11 حدود العلم قد تحوّل في الجامعات إلى خطابٍ عام غالب. هذا شيء بالنسبة إليَّ باعث على الرضا والأمل الكبير، ويجب تنفيذه. وكلّ الاقتراحات التي تقدَّم بها أعزائي في مضامير العلم والبحث العلمي وتأسيس مراكز لإعداد النخبة والتواصل وغير ذلك- تصبّ في اتّجاه إنتاج العلم. وهذا شيءٌ له قيمة كبيرة. يجب متابعة هذا الطريق والسير فيه بخطى حثيثة؛ لأنّنا متأخّرون. وإنّ سرعة تقدّمنا في الوقت الحاضر جيّدة، ولكن بالنظر إلى التخلّف الذي عاني منه بلدنا في الماضي، مهما كانت سرعتنا متزايدة فلن تكون كبيرة. يجب أن نحقّق تقدّمًا كبيرًا، ونسير في الطرق المختزلة، وأن نستفيد من السرعة العالية. ينبغي أن يكون لنا إنتاجنا العلمي في كافّة الحقول والمجالات.

لميزان متعادل بين ما نستورد وما نصدر من العلوم
يجب أن تكون العلاقة بين البلدان، فيما يتّصل بقضيّة العلوم، علاقة تصدير واستيراد، بمعنى أن يسودها التعادل والتوازن. كما أنّه، في القضايا الاقتصاديّة والتجاريّة، إذا كان استيراد بلدٍ ما أكثر من تصديره كان ميزانه سلبيًّا، ويشعر بالغبن والخسارة؛ كذلك الحال في مجال العلوم.

لا عيب في استيراد العلم؛ ولكن ينبغي، إلى جانب ذلك، تصدير العلم بنفس مقدار الاستيراد، على الأقل، إنْ لم يكن أكثر. يتعيّن أن تكون الحركة ذات اتّجاهين، وإلا إذا بقيتم تقتاتون على فتات موائد علم الآخرين فلن يكون ذلك تقدّمًا.

أُطلبوا العلم وخذوه وتعلّموه من الآخرين، ولكن أنتجوه أنتم أيضًا وقدّموه للآخرين. احذروا من أن يكون ميزان تجارتكم هنا سلبيًّا أيضًا. للأسف، كان ميزاننا سلبيًّا، على مدى قرنَي ازدهار العلم في العالم. أُطلقت أعمالٌ ومشاريع جيّدة منذ انتصار الثورة، ولكن يجب مواصلتها بحزمٍ وسرعة أكبر.

طبعًا، أنا لا أقصد العلوم الطبيعيّة فقط، فالعلوم الإنسانيّة لا تقلّ أهميّةً عنها: علم الاجتماع، وعلم النفس، والفلسفة.. وإنّ نظريّات الغرب في علم الاجتماع هي معتبَرة عند بعضهم كالقرآن، بل اعتبارها عندهم أكثر من القرآن! قال عالم الاجتماع الفلاني كذا. وكأنّه لا نقاش في هذا لماذا؟! فأنتم تستطيعون أن تفكّروا وتنظّروا، ولنستفِد من العلوم المتاحة والمنتجة في العالم، ونضِف إليها شيئًا ونعلن عن مكامن الخطأ فيها. هذه من الأعمال التي تعدّ من ضروريّات التقدّم الحتميّة.

ج ــ الكفاح ضد الظلم السائد في العالم
من الضروريّات الأخرى أيضًا قضيّة الكفاح. إذا أردتم التقدّم فعليكم أن تكافحوا؛ فالركون إلى الدّعة وحبّ السلامة والعزلة ووضع يد على يد، والتفرّج على أحداث العالم، وعدم النـزول إلى الميادين الكبرى، لن يحقّق التقدّم لأيّ شعب. عليكم النـزول إلى وسط الساحة. وهذه الساحة ليست ساحة حرب عسكريّة بالضرورة؛ فالمعارك السياسيّة والأخلاقيّة هي اليوم أهمّ من الحروب العسكريّة. وإنّ الكثير من البلدان والحكومات والمجتمعات التي تُعدّ اليوم متطوّرةً في العالم، إذا حُوسبت أخلاقيًّا وسياسيًّا فهي في الحضيض.

انظروا اليوم إلى المشهد في العالم، في غزّة مثلًا. هناك جماعة محاصَرة في بقعةٍ من الأرض -لا يسمحون بدخول أيّ شيءٍ من مستلزمات الحياة إليهم- يقصفونهم بالطائرات والصواريخ والمدفعيّة، وتزحف جيوشهم المدرّعة نحوهم، ويقتلون منهم أكثر من خمسة آلاف إنسان خلال 22 يومًا، والعالم يتفرّج، وبعد مدّةٍ يُسمع من هنا وهناك بعض الأنين والاعتراض غير المؤثّر. وأخيرًا تعلن منظّمة الأمم المتّحدة - وقد أعلن ذلك الأمين العام للأمم المتحدة قبل أيام -أنّ ملف قضيّة غزة قد أُغلق. عجيب!

ثمّة ظلم وتمييز في العالم اليوم وكَيلٌ بمكيالَين؛ ومن مصاديق ذلك قضيّتنا النوويّة. ومن مصاديق ذلك: الاعتداء العسكري على البلدان المسلمة الجارة؛ وقد أصبح تقتيل المدنيّين وقصفهم أمرًا يوميًّا مألوفًا. قبل أسبوعٍ، أعلنوا عن مقتل 150 إنسانًا في أفغانستان، بسبب القصف الجوّي الأمريكي، ولا يكترث أحدٌ لذلك، ثم يقولون: نعم، عفوًا، لقد أخطأنا. هذا كلام!

لو حاسبوا صدّامًا يوم قصف حلبجة بالأسلحة الكيميائيّة ولو أخذوه وحاكموه. لو حاسبوا الجنرال الأمريكي الذي قصف الطائرة المدنيّة الإيرانيّة، وأسقطها في الخليج الفارسي، وقتل المئات من الإيرانيّين وغير الإيرانيّين، وحاكموه –حيث أنّ رئيس جمهوريّة أمريكا قد منحه آنذاك وسامًا، لاحظوا الانحطاط! ولو حاكموا الضابط المجرم المسؤول عن قصف أوّل قافلة عرسٍ في أفغانستان من قبل العسكريّين الأمريكيّين، لما وقعت هذه الأحداث في العالم مجدّدًا أو لقلَّ وقوعها. هذا واقعٌ قبيح وسيّئ وغير إنساني. على الشعب الحيّ أن يناضلَ ضدّ هذا الواقع.

وجوب مواصلة شعبنا النضال ضد الظلم
نحن نفخر بأنّ شعبَنا وحكومتنا ومسؤولينا وشبابنا ونخبتنا، لم يكونوا غير آبهين حيال هذه الأمور طوال السنوات الماضية؛ بل أعلنوا مواقفهم وأظهروا معارضتهم وإدانتهم. يتوجّب على الشعب الإيراني أن لا يفقد هذه الروح التي يتحلّى بها؛ لا تتركوا هذه الروح، خصوصًا أنتم الشباب. يريد البعض قلبَ المفاهيم والأمور رأسًا على عقب، فيعترضون قائلين: لمَ ترفعون شعارات الموت لفلان، والموت لفلان؛ ويعترضون: لماذا تطرحون جرائم أمريكا والصهاينة وحلفائهم من على المنابر العالميّة علانيةً؟! يجب أن تُطرح هذه الجرائم، ويجب أن نتحدّث بها لتأخذ الشعوب الدروس.

أقول لكم: إنّ بعض البلدان المستقلّة والمتحرّرة - مع أنّنا لا نستطيع إثبات ذلك، لكنّنا نعلمه وقد شاهدتُهُ عيانًا، ومنها أحد البلدان الأفريقيّة المعروفة -استلهمت النموذج من إيران. استخدَموا ذات الأسلوب الذي انتُهج في إيران خلال أيّام الثورة؛ قيل لهم هذا الشيء هنا. جاء زعماؤهم الثوريّون إلى هنا، وقيل لهم أنّ الإمام استخدم هذا الأسلوب، فعادوا إلى بلادهم واستخدموا الأسلوب نفسه، واستطاعوا تحقيق استقلالهم، وقضوا على التمييز العنصري في بلادهم.

حينما ترى الشعوب والحكومات شعبًا صامدًا بهذا الشكل تستلهم، وتتعلّم، ويتشجّع القادة الوطنيّون. فلماذا نخجل؟ في عهد الطاغوت قبل انتصار الثورة، كان إذا أراد بعض الأشخاص أن يصلّي أمام الأنظار -إذا حلّ وقت الصلاة وهم يمشون في الشارع مثلًا، أو كانوا بانتظار الرحلة الجويّة في المطار، أو كانوا في زاوية من زوايا الجامعة -كانت إقامة الصلاة غير مألوفة وغير عاديّة إلى درجة ــ كان يُقال لهم بتعجّبٍ: أنتم تصلّون؟! أخزيتمونا! نعم كانت الصلاة مدعاة خزي! هكذا كان الحال، وأنتم الشباب لم تدركوا ذلك العهد، لكنّنا شهدناه. إذا قام شاب متديّن وصلّى في مكانٍ أمام أعين الآخرين، كان أصدقاؤه يخجلون ويقولون له: لقد أذهبتَ ماء وجهنا. وكذلك في الاجتماعات العامّة -التي يلقي فيها أشخاص كلماتهم- إذا بدأ المحاضر كلمته بعبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) يخجل أصدقاؤه، وينكّسون رؤوسهم!

اليوم وفي عهد عظمة الإسلام وشموخ النظام الإسلامي وعزّة شعب إيران بفضل مواقفه المناهضة للاستكبار، إذا وقف شخصٌ على المنابر العالميّة وتحدّى أمريكا وإسرائيل والصهيونيّة وحلفاءهم، وتحدّث بصراحة، فإنّ البعض يخجل هاهنا! ويتأفأفون ويقولون: لقد أخزيتنا! خجلٌ يشبه ذلك الخجل من أداء الصلاة في أيّام حكم الطاغوت. لماذا نخجل؟! يجب أن لا تتوقّف المواقف الصريحة للشعب الإيراني من الظلم والجور الدولي، وخصوصًا الشباب.
 


1- يراجع خطاب النوروز [بداية العام الإيراني الشمسي الهجري]
عقد التقدّم والعدالة: منظومة مشاريع وقوانين وبرامج اقتصادية علمية واجتماعية، سيتمّ العمل عليها لمدة عشر سنوات تقوم الحكومة من خلالها بالتعاون والمواكبة التشريعية والقانونية من المجلس (الشورى)، بإعداد هذه الخطط والعمل على تطبيقها في مختلف مساحات عمل النظام والدولة؛ تراعي بالدرجة الأولى: البناء العلمي وحُسن توزيع الفرص والإمكانات. والعقد الرابع هو العشر سنوات الرابعة من عمر الثورة والنظام الإسلامي في إيران وقد جُعلت مقولة "التطوّر والعدالة" عنوانًا عريضًا لمختلف نشاطات الدولة ومؤسساتها، وخاصة المستوى العلمي والتربوي والاجتماعي والاقتصادي....
2- مقولة وطنية؛ ما يستلزم دخولها في صلب المشاريع والخطط، وأن تُلحَظ في رسم الأهداف المتوسطة والبعيدة الأمد.
3- الذي هو في طور التغرُّب أي أن يصبح غربيًّا في نمط حياته وثقافته وعيشه
4- إذا تطلّب الأمر
5- [شرعي وقانوني ]
6- أو بتعبيرٍ آخر: قد تكون بعض الممارسات قِيَمية أو ذات قيمة لأنّها تجلب الربح، لكن المجتمعات التي لا تقيم وزنًا للمال ولا يكون هو المعيار في الحكم والتقييم فقد تُعتبَر هذه الممارسات ذاتها فاقدة للقيمة.
7- سورة هود، الآية: 61.
8- راجع (تحف العقول): ص410 وفيه: (ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه).
9- نهج البلاغة، ص 187.
10- سورة الأعراف، الآية: 32.
11- بمعنى استثمار العلم وجعله منتجًا في الحقول الأخرى؛ سواء في حقول الأبحاث أو التطوير أو في التطبيق في الصناعة وغيرها.

2017-02-24