يتم التحميل...

ركائز الجمهورية الإسلامية الثلاث: "الإسلامي"، "الشعبية"، و"الخلاقية العلمية"

الحكومة الإسلامية

من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة عشر لرحيل الإمام الخميني (قدس). الزمان: 14/3/1386هـ. ش ـ 18/5/1428هـ.ق ـ 4/6/2007م.

عدد الزوار: 63

من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة عشر لرحيل الإمام الخميني (قدس). الزمان: 14/3/1386هـ. ش ـ 18/5/1428هـ.ق ـ 4/6/2007م.
ركائز الجمهورية الإسلامية الثلاث: "الإسلامي"، "الشعبية"، و"الخلاقية العلمية"

إنّ نظام الجمهورية الإسلامية هو أكثر الأنظمة استقراراً في المنطقة اليوم.

وإنّ الشعب الإيراني هو أشدّ شعوب المنطقة اليوم حماساً وعزماً ورسوخاً. وهكذا فإن نظام الجمهورية الإسلامية استطاع خلال هذه المدة أن يمضي بخطوات واسعة محرزاً تقدّماً عظيماً على كافة الأصعدة.

لقد ضخّ عناصر مهمة في ميادين السياسة وفي أدبيات السياسة الدولية، وأما على الصعيد العالمي فقد استطاع تغيير المعادلة والتغلّب على ذلك الجمود الرهيب الذي كان مسيطراً على هذه المنطقة وهذا البلد. لقد انبثقت الآمال الكبرى من صدور شبابنا، وامتلأت نفوسهم بالثقة.

إنّ تقدم الحركة الشعبية الجماهيرية ومعها الحكومة نحو آفاق الطموح تمّ بقفزة عالمية.

إنّ الحكومة التي تعاقبت على إيران منذ انتصار الثورة حققت انجازات باهرة بفضل رجالها المخلصين، وغدت الجمهورية الإسلامية أشدّ تألّقاً، وصار الشعب الإيراني أكثر مجداً وافتخاراً.

إنّ نظام الجمهورية الإسلامية والإمام العظيم والشعب الإيراني يتمتع بشعبية واسعة, ويحظى بدعم كبير حيثما توجّهتم اليوم في دنيا الإسلام, وأنحاء الأمة الإسلامية, وفي أوساط الشباب والجامعيين والجماهير الشعبية.

إنّ الشعب دائماً في الساحة، والنظام في طريقه للتطور، والبلاد تتقدم نحو أهدافها وطموحاتها، وقلوب الشباب تنبض بالأمل.

ولكن علينا أن نعلم بأن استمرار وامتداد هذه الحركة المباركة منوط بالحفاظ على قِيَمها وخطوطها الأساسية، وهو ما تميّز به حتى الآن كافة أبناء الشعب الإيراني والأغلبية الكاسحة من النخبة في البلاد.

وإذا أردنا أن نضع أصابعنا على النقاط البارزة في تلك الخطوط الأساسية، فإنها ثلاث: الإسلامية، والشعبية، والخلاّقية العلمية.

وللإسلامية مميزات مختلفة، ويُفهم من هذا المصطلح أبعادا عديدة لابدّ من الانتباه إليها.

إننا نقول: بأن نظامنا إسلامي، أي أنه وثيق الصلة بالإسلام، ومحل اهتمام ورضا جميع المسلمين، وأنه لا يختص بفرقة خاصة من المسلمين.

لا شك أنّ هذا النظام يستلهم من نبع المعارف الشيعية، وتأسّس بقيادة مرجع تقليد شيعي، ومع ذلك فإن النظام الإسلامي لم يحصر نفسه بهوية مذهبية معيّنة، ولهذا نجد أنّ الشباب من شتى المذاهب الإسلامية وفي كافة بقاع الإسلام صاروا من أنصار وعشّاق هذا النظام, ودانوا لإسم الإمام بالتكريم والتجليل.

إنّ الشباب في البلدان العربية والعديد من الدول الإسلامية غير العربية في شرق العالم الإسلامي وغربه تهفوا قلوبهم بالحب لإمامنا العظيم والجمهورية الإسلامية، وهم على ذلك منذ ثمانية وعشرين عاماً.

إنّ الشباب من أهل السنة في فلسطين كإخوانهم من أهل الشيعة في لبنان يعقدون آمالهم على نظام الجمهورية الإسلامية، وإنّ تعلّقهم بالجمهورية الإسلامية يوقظ في نفوسهم الأمل.

كما أنّ ثبات واستقرار الجمهورية الإسلامية عزز في صدورهم الحلم والطموح.

إنهم يستمدّون كرامتهم من كرامة الجمهورية الإسلامية، وكلّما قام أحد مسؤولينا الكبار بزيارة إحدى الدول الإسلامية، وتفقّد إحدى جامعاتها، أو حيّا جماهيرياً، فإن الناس كانوا يَقْدِمون على مصافحته واحتضانه تعبيراً عما يختلج في نفوسهم من مشاعر الحب والتقدير. وكلما كان موقف المسؤولين أكثر صراحةً ووضوحاً في التعبير عن مواقف الجمهورية الإسلامية كلما ازداد حبّاً وإجلالاً في العالم الإسلامي.

وعلى هذا الأساس فإن الدين الإسلامي عندنا ليس مذهبياً، بل إنه يتجاوز الفِرَق والطوائف، إنّ الغالبية من أبناء شعبنا وهم شيعة إمامية وعشّاق لأهل البيت عليهم السلام ينظرون للجمهورية الإسلامية بنفس النظرة التي ينظر بها الأغلبية في العالم الإسلامي من إخوانهم من أهل السنة ومن إخواننا الشيعة في العراق ولبنان وباكستان والبحرين وغيرها من الأنحاء، كما أنهم على استعداد للتضحية بأرواحهم في سبيل الجمهورية الإسلامية.

إننا نعرف الكثيرين من أبناء البلدان الأخرى الذين كانوا على استعداد للتضحية في سبيل الدفاع عن الجمهورية الإسلامية خلال سنوات الحرب المفروضة.

إنّ الإسلامية تعني الانتماء للإسلام والقيام على أساس الشرع الإسلامي المقدس.

وأما البُعد الآخر لمصطلح (إسلامية) فهو: أننا نستقي قيَمنا الأخلاقية ونُظمنا السياسية والاجتماعية والقواعد العامة للدين من الكتاب والسنة، ونتعبّد بها.

إننا نفخر ونعتزّ بالتعبّد بالكتاب والسنة، ونعتقد أنّ الفهم الصحيح لهما يمكن أن يفتح آفاقاً واسعة أمام المجتمع الإسلامي وذوي الألباب النيّرة على صعيد كافة قضايا الحياة المختلفة.

إنّ البعض يتصور أنّ التعبّد بالكتاب والسنة يحدّ من تجارب الإنسان ويقف عائقاً أمام امتداد وتجدد الخبرة البشرية. وهذا نابع من الفهم الخاطئ للكتاب والسنة، ولا يعدو أن يكون عاميّاً وسطحياً.

إنّ النظرة العلمية الثاقبة للكتاب والسنة يمكن أن تفتح أبواباً وسبلاً واسعة أمام الإنسان من أجل الارتقاء بنفسه وبمجتمعه وجوانب حياته المختلفة، وأن يكتشف آفاقاً جديدة للعيش الرغيد.

وأما البعد التالي فهو: أنّ بمقدور الاجتهاد الإسلامي تلبية جميع المتطلبات، كما أنّ بوسع الدعامة العلمية للفقهاء والمتكلمين والفلاسفة والمشتغلين بالعلوم الإسلامية أن تفتح هي الأخرى آفاقاً جديدة للحياة.

وأما الخط الأساسي الثاني، فهو الشعبية.

إنّ الشعبية فرع أصلي في نظام الجمهورية الإسلامية، أي أنّ صوت الشعب وهويته وكرامته ومطالبه تعدّ من العناصر الأساسية في نظام الجمهورية الإسلامية وهذا الصرح المشيد.

إنّ صوت الشعب هو الذي يحدد المسار. وكذلك فإن احتياجات المواطنين هي الهدف الأساسي لحكومة ونظام الجمهورية الإسلامية، وهي بالطبع احتياجات مادية ومعنوية وأخلاقية وروحية.

وكما أنّ الوضع الاقتصادي للمواطنين يحظى بأهمية خاصة في نظام الجمهورية الإسلامية، فكذلك هو الوضع الأمني والصحي والجسمي والأخلاقي والحفاظ على المؤسسات المدنية والنظام العائلي.

إنّ الجمهورية الإسلامية تعتبر نفسها مسؤولة عن توفير كل هذه المستلزمات، وللجماهير كلمة الفصل بكل ما للكلمة من معنى، خلافاً للديمقراطية الشائعة في الغرب والليبرالية الديمقراطية الفاشلة والمفضوحة في الدول الغربية.

إنّ الديمقراطية الغربية لا تمتّ لصوت الجماهير بصلة، بل إنها من ترتيب الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال، وحتى أنها لا تمتّ بصلة لصوت أعضاء الأحزاب، فأزمّة الأمور هناك بِيَد رؤساء وزعماء تلك الأحزاب.

إنهم هم الذين ينصّبون الحكومات ويسقطونها، وإنهم هم الذين يتخذون القرارات المصيرية.

إن المواطنين العاديين لا دخل لهم في أغلب القرارات الكبرى، فهم بعيدون عن دائرة القرار، ولا أحد يوليهم أهميةً تُذكر، فهم يشغلونهم بالقضايا الجانبية ومشاكل العمل حتى لا يجدون الفرصة للتعبير عن آرائهم.

إنّ النظام الاستبدادي والديكتاتوري المصاغ على نسق حديث ومتطور للغاية هو الحاكم اليوم في الكثير من البلدان الغربية وعلى رأسها أمريكا.

إنّ الشعوب هناك ـ كـ(بشر) ذوي إرادة واختيار ـ لا دور لها في انتخاب الحكومات، بل إنّ الثروة وقدرة الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال هي التي تتحكّم في مصير تلك الشعوب وتتجه بقطار الحياة إلى حيث ترغب وتريد.

إنّ نظام الجمهورية الإسلامية يرفض تلك الديمقراطية القائمة على أساس مبادئ الغرب الخاطئة.

فالديمقراطية الدينية تعني الكرامة الحقيقية للإنسان والحركة العامة للمواطنين في إطار الدين الإلهي وليس في إطار التقاليد والسنن الجاهلية وأطماع الشركات الاقتصادية, والقِيَم التي يضعها العسكر وطلاّب الحروب.

إنّ الحركة في النظام الإسلامي تتنافى مع كل ذلك، فهي حركة في إطار دين الله، كما أنّ إرادة الشعب هي التي تحدد المصير بامتياز.

واليوم، فإن الأنظمة الغربية وعلى رأسها أمريكا تريد فرض تلك الديمقراطية الهزيلة الفاشلة بالقوة على بعض البلدان.

إنهم لا يقبلون بالحكومة الفلسطينية المنُتخبة من المواطنين، كما أنهم يختلقون شتى أنواع المشاكل للحكومة العراقية التي تشكّلت بناءً على انتخابات شعبية بمعنى الكلمة، ويساندون الانقلابات العسكرية وقادتها بشرط أن يكونوا خاضعين لنفوذهم، ومع ذلك فإنهم يرفعون شعار الديمقراطية!

وأما الخاصيّة الثالثة فهي: الخلاّقية. وهنا أودّ أن أوصي نخبنا السياسية والثقافية بكل إصرار: أن يعملوا على إيضاح المبادئ الإسلامية كما وردت في الكتاب والسنة، وأن يفنّدوا الإثارات القادمة من الخارج, أو التي تبدر ربما من الداخل, ويتخذوا موقفاً إزاءها.

إنّ من السيّئ جداً أن يسعى بعضنا لتطبيق الفكر الإسلامي على النظريات الغربية؛ بسبب انبهارهم بالغرب وشعورهم بالضّعة أمام الغربيين، فهذا أمر ليس مناسباً ولا لائقاً.

إنّ لدينا اليوم معارفنا الخاصة، كما أنّ لأدبياتنا السياسية جمهوراً عريضاً في العالم.

إنّ البعض ممن تنبض قلوبهم بحب المفاهيم الغربية يجعلون من الفكر الغربي مقياساً يَزِنون عليه أصول الحكم والقواعد الاجتماعية المختلفة في الإسلام, طلباً لرضى الغربيين ومن أجل أن يخطبوا بذلك وُدّ الغرب.

إنّ علينا التفكير في كيفية إطلاع العالم على هذه الخلاّقية العلمية الإسلامية, التي آتت أُكلها حتى الآن بسخاء ووضوح, رغم ما كان لدينا من نقائص في هذا المجال.

إنّ التوّاقين لمعرفة العلوم المعنوية الحقّة والصحيحة كثيرون ولا حصر لهم في العالم، وعندما نقول المعارف المعنوية الصحيحة فإننا لا نقصد بالطبع ما تقدّمه بعض المذاهب المنحرفة من معارف معنوية خاطئة.

إنّ الحياة المادية وتحكّم الآلة في دقائق الحياة اليومية أصاب الناس بالإحباط وأفقدهم صوابهم.

وإنّ بمقدور الدين الإسلامي أن يفتح نافذة من الأمل أمام البشرية, وأن يطلعهم على آفاق جديدة للحياة. ويجب علينا ألاّ نطبّق الحقائق الإسلامية والخلاّقية العلمية الإسلامية على القِيَم الخاطئة للآخرَين لدى إعلام هذه الحقائق والتبليغ عنها؛ لأن هذا يقضي عليها ويشوّه ملامحها الناصعة.

إننا لا نشعر بالعار في الأخذ من الآخَرين، فبوسعنا أن نتعلّم منهم ما لا نعرف, وأن نتقبّل ما لديهم من أفكار صائبة، وهو ما يحثّنا عليه الإسلام، ولكن عندما نريد أن نتحدث عن الإسلام فلابد أن يكون هو الإسلام الأصيل.

2017-02-22