يتم التحميل...

الركائز الأساسية الأربعة لبنية النظام الإجتماعي في الإسلام

الحكومة الدينية

من كلمة الامام الخامنئي(دام ظله الشريف) في بداية العام الهجري الشمسي 1394(عيد النوروز) في حرم الإمام الرضا(ع) ــ 21-3-2015

عدد الزوار: 23

من كلمة الامام الخامنئي(دام ظله الشريف) في بداية العام الهجري الشمسي 1394(عيد النوروز) في حرم الإمام الرضا(ع) ــ 21-3-2015
الركائز الأساسية الأربعة لبنية النظام الإجتماعي في الإسلام

ركائز النظام الاجتماعي الأربع
لقد اخترتُ اليوم عددًا من المسائل التي سأتحدّث بها مع الإخوة والأخوات الأعزّاء الحاضرين في هذا المحفل الكريم ومع سائر أبناء الشعب الإيراني.
بدايةً أودّ التعرّض لبحث قرآني؛ لقد وضع الله سبحانه لعباده الذين وعدهم بالنصر شرطًا حيث يقول تعالى (وإنّ الله على نصرهم لقدير)1 ثم قيّد تعالى تلك النصرة لعباده بشرط: (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)2.
حدّد الله تعالى - من خلال هذه الآية الشريفة- أربع صفات وعلائم لأولئك المؤمنين الذين سيمكّنهم في الارض ويخرجهم من تحت سلطة القوى المتكبّرة والجائرة، ووعدهم بالنصر "إنّ الله على نصرهم لقدير"؛ وسينصرهم حتمًا.
أحد هذه الشروط الأربعة إقامة الصلاة, والآخر إيتاء الزكاة والثالث الأمر بالمعروف والرابع النهي عن المنكر؛ وكلّ واحد من هذه الخصوصيّات والعلائم الأربع فيه جهة فرديّة وشخصيّة؛ لكن إلى جانب ذلك يوجد في كلّ واحد منها بعد اجتماعي وله تأثير في تشكيل النظام الاجتماعي.

- الشرط الأول: الصلاة
الصلاة هي كذلك؛ فعلى الرغم من كلّ تلك الأسرار والرموز التي تنطوي عليها حقيقة الصلاة بحيث كانت " معراج المؤمن "، و" قربان كلّ تقي "3، ووسيلة للفلاح والسعادة وكانت أفضل الأعمال وأعلاها شأناً؛ على الرغم من ذلك كلّه فإنّ للصلاة أيضًا بعداً اجتماعيّا، حيث ترى المسلمين حين يقفون لأدائها تكون وجهتهم جميعًا وجهة واحدة، عندما يحين وقت الصلاة تتعلّق قلوبهم جميعًا وحيث كانوا في هذا العالم الواسع، بمقصد واحد وجهة واحدة.
إنّ هذا التعلّق وهذا التوجّه من قبل المسلمين جميعًا نحو جهة واحدة ومركز واحد هو أمر ذو بعد اجتماعي، أمرٌ يؤثّر في تشكيل النظام الاجتماعي، يؤثّر في تحديد ورسم هندسة النظام الإسلامي.

- الثاني: الزكاة
الزكاة التي لها جوانب فرديّة؛ إذ تربّي الإنسان على التخلّي عن ماله وعلى إعطاء ما يحبّ, وهذا في نفسه امتحان بالغ الأهميّة، لكن لها أيضًا ترجمة اجتماعيّة.

الزكاة في الاستعمال القرآني تعني مطلق الإنفاق وهو أعمّ من المعنى الاصطلاحي للزكاة الذي تحدّثت عنه الآية الشريفة (خذ من أموالهم صدقة)4، إذًا؛ الزكاة تعني مطلق الإنفاق المالي، أما الجنبة الاجتماعيّة والترجمة الاجتماعيّة للزكاة المؤثرة في تشكيل النظام الاجتماعي، فهي أنّ الإنسان حينما يحصل على شيء من مال الدنيا يرى نفسه مسؤولاً عن هذا المال تجاه مجتمعه ومحيطه، وأنّ هذا المال دينٌ في رقبته، هو لا يرى نفسه دائنًا للمجتمع بل مدينًا له وعليه أداء هذا الدين إلى الفقراء وفي سبيل الله؛ فالزكاة من هذه الناحية هي حكم وعامل مؤثر في تشكيل النظام الاجتماعي.

- الثالث والرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو القاعدة الأساسيّة التي ترتكز عليها كلّ الخطوات الأخرى " بها تقام الفرائض "[5] فالأمر بالمعروف يعني أنّه يجب على جميع المؤمنين في سائر أنحاء العالم المساهمة في توجيه المجتمع نحو الخير والمعروف وسائر الأعمال الحسنة، وكذلك بالنسبة للنهي عن المنكر حيث يجب على كلّ مؤمن أن يعمل على نهي الآخرين عن المساوئ والأمور الدنيئة. وعليه فإن كل واحدة من هذه المؤشرات والمعالم الأربع, بنحوٍ أو بآخر, هي ترجمة لبنية النظام الإسلامي وهندسته.

أعظم " المعروف ": إيجاد النظام الإسلامي والحفاظ عليه
أستطرد هنا لأقول؛ يجب أن لا نحصر هذا المعنى المهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمسائل الأقل أهمية. يتصوّر البعض أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضيّة محصورة بنهي فلان أو فلانة عن المخالفة التي تُرتكب على مستوى فرع من فروع الدين؛ طبعًا هذا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؛ لكنّه ليس أهم عناوين وأبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنّ أهم عنوان وباب في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بأعظم معروف والنهي عن أعظم منكر، وأعظم معروف يأتي في المرتبة الأولى [من حيث لزوم الأمر به] هو إيجاد النظام الإسلامي والحفاظ عليه، هذا أمر بالمعروف.

ليس عندنا معروف أعظم وأولى من إيجاد النظام الإسلامي والحفاظ عليه؛ كلّ من يسعى في هذا السبيل هو آمر بالمعروف؛ إنّ حفظ عزّة وهيبة الشعب الإيراني هو من أعظم المعروف.

المعروف هو: نشر الثقافة وتعزيزها، سلامة المحيط على المستوى الأخلاقي, سلامة المحيط الأسري، زيادة النسل وتربية جيل الشباب ليكون قادرًا على النهوض بالبلد، العمل على تحقيق الازدهار الاقتصادي وزيادة الإنتاج، نشر وتعميم الأخلاق الإسلامية، تنمية ونشر العلم والثقافة، تثبيت العدالة القضائية والاقتصادية، الجهاد والسعي لاقتدار إيران ومن خلفها وأكثر من ذلك اقتدار الأمة الإسلامية والعمل والسعي للوحدة الإسلامية؛ هذه من أهم أعمال المعروف, والسعي نحو تحقيق هذه القضايا تكليف يقع على عاتق الجميع.

من جهة أخرى، فإنّ الأمور التي تقابل هذه القضايا تعتبر من المنكرات. فالابتذال الأخلاقي منكر، مساعدة أعداء الإسلام منكر، إضعاف النظام الإسلامي منكر، إضعاف الثقافة الإسلاميّة منكر، إضعاف الاقتصاد منكر، إضعاف المستوى العلمي والتقني منكر، ويجب النهي عن هذه المنكرات.

هذه هي الركائز الأربعة الأساسية في تشكيل النظام الاجتماعي ولكل واحدة منها فروع تتفرّع عنها.

المعنى الحقيقي للانسجام الاجتماعي في الجمهورية الإسلامية
يُبنى النظام الإسلامي على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي على الانسجام والترابط الاجتماعي والقلبي بين أفراد المجتمع في النظام الإسلامي.

أريد خلال هذا اللقاء أن أخلص إلى نتيجة من هذا البحث ترتبط بشعار هذا العام الذي أتيتُ على ذكره خلال حديثي منتصف الليلة الماضية (الشعب والحكومة؛ التعاطف ووحدة الكلمة)
إنّ الإسلام يدعونا جميعًا في هذا المجتمع وفي هذا البلد العزيز والمترامي الأطراف على اختلاف أصولنا وخلفيّاتنا الاجتماعيّة، إلى الانسجام في ما بيننا؛ يدعونا إلى مساعدة بعضنا بعضًا، إلى مؤازرة أحدنا للآخر.

كذلك على الشعب في الجمهورية الإسلامية أن يدعم الحكومات القائمة، حتى أولئك الذين لم يصوّتوا لفرد معين في الحكومة لا بدّ لهم من دعم تلك الحكومة، هذا هو المعنى الحقيقي وجوهر الانسجام الاجتماعي والشعبي في هذا البلد الإسلامي. علينا جميعًا أن نكون يداً واحدة خلف الحكومة القائمة والمتصدّية لإدارة البلاد وأن نمدّ يد العون لها؛ خصوصًا حينما يواجه البلد استحقاقات وتحدّيات مهمّة، وسوف آتي على ذكر بعض المسائل في هذا الخصوص.

اليوم على أبناء هذا الشعب فردًا فردًا دعم المسؤولين في هذا البلد وفي هذه الحكومة، وهذا أمر لا يختصّ بالحكومة الحالية بل هو أمر مطلوب اتجاه سائر الحكومات وهو ما ينبغي أن يكون عليه الحال اتجاه الحكومات التي تتولى إدارة البلاد في المستقبل.
 


1- سورة الحج، جزء من الآية 39
2- سورة الحج؛ الآية 41
3- من لا يحضره الفقيه؛ ج1، ص210
4- سورة التوبة؛ جزء من الآية 103
5- الكافي، ج5، ص56

2017-02-22