كلمة الإمام الخامنئي أمام الباحثات القرآنيّات في إيران
2009
القرآن نظام حياة: نظام الجمهورية الإسلامية أعظم مصاديق العمل بالقرآن
عدد الزوار: 146
كلمة
الإمام الخامنئي أمام الباحثات القرآنيّات في إيران_20-10-2009
القرآن نظام حياة: نظام الجمهورية الإسلامية أعظم مصاديق العمل بالقرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحّب بكن كثيرًا أيّتها السيّدات
المحترمات والأخوات العزيزات! إنّه ليوم عيد حقيقي بالنسبة إليّ حيث ألتقي هذا
الحشد الكبير والمثقّف والمحبّ للقرآن، وإنّني لأعدُّ هذا لطفًا من كريمة أهل البيت
السيّدة فاطمة المعصومة (سلام الله عليها). نشكر الله على أن جعل في بلادنا يومًا
تتوجّه فيه هذه المجموعة العظيمة الواسعة من سيّدات البلاد وبدافع قوي ومنطقي وعلمي
نحو القرآن ونحو فهم القرآن والترويج له والبحث فيه، وأن يساعدن على ازدهار الأجواء
القرآنيّة للبلاد بهذا الشكل. لا شك أن هذه موهبة كبرى منَّ الله بها على بلادنا.
كل الاقتراحات التي قدمتها السيدات المحترمات هنا جديرة بالاهتمام. سنأخذها إن شاء
الله وندرسها ونهتم بها، ونحيلها إلى المسؤولين عنها في هذا المجال. ونتمنى أن تأخذ
الاقتراحات العلمية والمنطقية والمقبولة طريقها إلى التنفيذ إن شاء الله.
أذكر هنا نقطتين: النقطة الأولى؛ هي أصل هذه الحركة النسوية المميزة والعظيمة جدًا
في بلادنا وفي الجمهورية الإسلامية. والنقطة الثانية حول المسائل المرتبطة بالقرآن
الكريم.
إنخراط نساء البلاد في القضايا البحثية مفخرة للجمهورية
الإسلامية
أعتقد أن أساس اهتمام سيدات بلادنا بالقرآن ومشاركتهن في الساحة القرآنية ظاهرة يجب
أن توضع أمام أنظار الناظرين والباحثين والناقدين والأصدقاء والمعارضين باعتبارها
نجاحًا كبيرًا لنظام الجمهورية الإسلامية، ليراها الجميع.
أولًا، إنّ انخراط السيدات في القضايا البحثية والعلمية - وهذا لا يختص بالأبحاث
القرآنية – لهو شيء لافت للنظر. إنني أرى عادةً المجلات التي تنشر في البلاد - سواء
كانت مجلات علمية، علمية بحثية أو علمية ترويجية - وأراجعها. ويجد الإنسان أن عدد
الكاتبات والباحثات فيها ملحوظ في جميع الحقول التي تهتم بها مجلاتنا. نلاحظ أنّ
حضور نساء بلدنا في العلوم الحوزوية، وفي الفقه، وفي الفلسفة، وفي القضايا
الجامعية، وفي العلوم الإنسانية، وفي العلوم الطبيعية، هو حضور بارز في كافة الفروع
العلمية. فتياتنا الطالبات يملأن الجامعات، وإنّ الأجواء العلمية تشهد مشاركة واضحة
ومدهشة للنساء. ما معنى هذا؟ وأية ظاهرة هذه؟ أية حقيقة هذه؟ متى شهدت البلاد كل
هذه العناصر النسوية من الباحثات والدارسات والعالمات والمثقفات والمبلّغات؟ لم يكن
مثل هذا الشيء موجودًا في ماضينا التاريخي. إنما كان هناك عدد قليل جدًا من
العالمات والمميزات ولكن هذا لا يعني مشاركة غالبة وواضحة للمرأة في المجتمع ككل.
هذه حالة مختصة بمرحلة الجمهورية الإسلامية. وقد تحققت بفضل سيادة الإسلام في هذا
البلد حيث تتمكن النساء من تسجيل مشاركتها بهذا الشكل في المجالات العلمية والوصول
إلى هذا التميز. هذه من مفاخر نظام الجمهورية الإسلامية.
الغرب يريد المرأة أداة ترفيه عن الرجل
ولهذا قلت مرارًا أمام الحشود الطلابية والجموع والشبابية إننا في قضية المرأة لا
ندافع عن أنفسنا حيال الدعاوى الغربية، وإنما نهجم، وعلى الغرب ــ وليس الإسلام ــ
الدفاع عن نفسه فيما يتعلق بقضية المرأة. يمنح الإسلام المرأة شخصيتها، وهذا خلاف
ما كان دومًا في الأنظمة الطاغوتية حيث ينظرون للمرأة نظرة مختلفة. حينما يريد
الإسلام عرض نموذج عن المؤمن يأتي بامرأة لتكون هذا النموذج:
«و ضرب الله مثلًا للذين آمنوا امرأة فرعون»1. هذا هو
المثال الأول: «و مريم ابنة عمران»2
المثال الثاني.. امرأتان هما النموذج الأمثل للذين آمنوا. وللذين كفروا أيضًا هناك
نموذجان نسويان: «امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين
من عبادنا... فخانتاهم»3؛ أي إنه يجعل المرأة محورًا وعبرة
ومرآةً لا للنساء وحسب بل للمجتمع كله. كان بالإمكان أن يختاروا رجلًا. لا؛ هذا ردّ
على تلك النظرة التحريفية الخاطئة التي كانت موجودة عن المرأة، ولم تكن نظرةً مذلةً
دائمًا، لكنها كانت خاطئة على الدوام.
كانت الأنظمة الطاغوتية تنظر للمرأة دائمًا نظرة خاطئة. وكذا الحال في الغرب اليوم
أيضًا. وقد تظهر بعض النسوة -كالكثير من الرجال- في الأنظمة الغربية فتكون شخصيات
بارزة ومحترمة ونزيهة، لكن النظرة العامة للمرأة والتي تكرست في الثقافة الغربية
نظرة خاطئة نظرة أداتية4 نفعية؛ نظرة مُهينة. من وجهة نظر الغرب إن
السبب في أن لا ترتدين الشادر أو الحجاب ليس لأنكن يجب أن تتمتعن بالحرية، فأنتن
تؤكدن على تمتعكن بالحرية مع وجود هذا الحجاب. إنما يرمي الغرب إلى غاية أخرى.. إنه
يريد المرأة للترفيه عن الرجل وليستغلها الرجل بشكل غير شرعي، لذلك يريد لها الظهور
بشكل معين في المجتمع. هذه أكبر إهانة للمرأة حتى لو غلفوها بأثواب عديدة من
المجاملات وأطلقوا عليه أسماء أخرى.
الإسلام يرى في المرأة طاقة مشاركة في بناء المجتمع
إنّ احترام المرأة هو أن تعطى المرأة الفرصة لإظهار طاقاتها ومواهبها العظيمة التي
أودعها الله تعالى في كل إنسان - بما في ذلك المرأة مضافًا إلى المواهب المودعة لدى
المرأة نفسها - على مستويات شتى.. على مستوى العائلة، وعلى مستوى المجتمع، وعلى
المستوى العالمي، ولأجل العلم، والمعرفة، والبحث العلمي، والتربية، والبناء. هذا هو
احترام المرأة. أرى أن هذا الشيء يبرز في مجتمعنا بتوفيق وفضل من الله. هذا ما
يتعلق بأساس العمل الذي تقوم به السيدات في بلادنا والحمد لله، وهو عمل قيّم جدًا،
حيث يسجلن مشاركتهن في كل المجالات العلمية وبشكل فاعل مثير للإعجاب. وبالأخصّ
الحضور والمشاركة في المنظومة القرآنية والعمل القرآني الذي هو على قدر جدًا من
الأهمية.
لا أظن أنه يوجد في أي مكانٍ من العالم الإسلامي هذا الكم الكبير من الأنشطة
القرآنية بهذا الدافع والحماس المنصب على الأنشطة القرآنية. طبعًا ليست لدي معلومات
دقيقة، ولم أدرس المسألة، ولكن كما يسمع المرء من المعلومات العامة لا يوجد مثل هذا
الشيء. ولو كان لبان. ولا أظن أن له مثيلًا في العالم الإسلامي. هذه ميزة مختصة بكن
فقط. كل هذا العدد من السيدات الباحثات في مختلف قضايا القرآن من القضايا العلمية
المحضة إلى القضايا التبليغية، والقضايا التربوية، والشؤون الفنية.. هذا كله برأيي
شيء له قيمته. وإذا تحقق الاقتراح الذي طرح - ويجب أن يدرس وينظر في أبعاده
المختلفة - بإقامة مسابقات دولية، عندئذ ستتجلى للعيان قيمة جهود المرأة الإيرانية
في مجال القرآن. وهذه مفخرة، سواء للمرأة الإيرانية أو للجمهورية الإسلامية أن
تستطيع ممارسة مثل هذا النشاط الملحوظ في المجال القرآني.
الأنس بالقرآن يتوسع في مجتمعنا مع قيام النظام الإسلامي
على صعيد القرآن، يجب الاعتراف أن مجتمعنا كان بعيدًا عن القرآن لسنوات طويلة.
ونعمل في الجمهورية الإسلامية على تقليص هذه الفاصلة، وتلافي حالات التأخر. لكن
التأخر كان كبيرًا جدًا. خلال فترة الحكومات الطاغوتية لم يكن للقرآن دور ومشاركة
رسمية في المجتمع. كان بعض الأشخاص هنا وهناك على معرفة بالقرآن: متدينون يتلون
القرآن في دور القرآن. إلا أنها كانت مجرد تلاوة وحسب، أما التدبر في القرآن فقد
كانت نادرة جدًا خصوصًا على مستوى المجتمع وفي الأوساط العامة. وكانت النتيجة أن
ابتعدت المجموعات المتنوّرة والجامعية عن القرآن كليًّا. أي إننا لا نجد حقًا في
ذلك الوقت وبين المتعلمين والخريجين شخصًا يمتلك أنسًا ومعرفة بالقرآن الكريم ولا
أقصد هنا المعرفة الواسعة العميقة بل المعرفة المحدودة، إلا من كان لهم سابقة دراسة
حوزوية وقد حفظوا بعض الآيات من زمن دراستهم الحوزوية.
أما في سائر البلدان الإسلامية وخصوصًا في البلدان العربية وبسبب بعض الظروف، فلم
يكن الوضع على هذه الشاكلة وهكذا هو اليوم أيضًا. حينما يلتقي المرء مثقفيهم
ومتعلميهم وشخصياتهم الجامعية الذين يتولون مناصب حكومية مختلفة يرى أنهم يستخدمون
الآيات القرآنية ويذكرونها للتمثيل والاستشهاد بها والتأييد والاستدلال. الأمر الذي
لم يكن مشهودًا لدى مجاميعنا الثقافية القديمة، لكنه مشهود لدى جيلنا الشاب. وقد
كان هذا بسبب الابتعاد عن القرآن فقد كنا بعيدين عنه. أما ما هي نوعية التربية
والتعليم في تلك البلدان فهذا بحث آخر. كان هذا ولا يزال شيئًا دارجًا في البلدان
العربية خصوصًا. لقد واجهنا هذه الظاهرة منذ بداية الثورة. كان القرآن حاضرًا في
أذهان وعلى ألسنة رجال السياسة والحكم في البلدان العربية والذين كنا نعترض دومًا
على بعدهم عن مباني القرآن عمليًا، ولا نزال نعترض وهو اعتراض حق،. كنّا نأسف دومًا
لأننا لسنا كذلك. وإذا أردت تشبيه المسألة اليوم لقلت إنهم كانوا كبعض الذوّاقين
الإيرانيين الذين يذكرون أثناء كلامهم عبارات أو أبيات من
«كلستان» سعدي الشيرازي أو من ديوان حافظ الشيرازي، أو عبارات لبعض
الكتّاب المعروفين.. كان أولئك يستشهدون بالقرآن على هذا الغرار، لكن الأمر لم يكن
في بلادنا علی هذه الشاكلة. كنّا بعيدين عن القرآن بسبب نوعية التربية قبل الثورة.
نريد اليوم تلافي القضية. وللحق والإنصاف فقد بذلت جهود كبيرة في هذا السياق منذ
مطلع الثورة وإلى الآن. وها نحن نلاحظ نتائجها، بيد أن هذه هي بداية العمل والطريق.
القرآن نظام حياة
ينبغي الامتزاج بالقرآن. إنّ مفاهيم القرآن مفاهيم للحياة وليست مجرد معلومات. قد
تكون المعلومات القرآنية لدى شخص ما جيدة ولكن لا أثر للقرآن في حياته إطلاقًا.
أشارت بعض السيدات هنا إلى هذا المعنى. علينا السعي لتجسيد القرآن في حياتنا. وكما
قالت إحدى زوجات الرسول الأكرم المكرمات حينما سُئلت حول أخلاق الرسول:
«كان خلقه القرآن»5 أي إنه كان
قرآنًا متجسدًا. ينبغي إيجاد هذا المعنى في مجتمعنا.
نظام الجمهورية الإسلامية أعظم مصاديق العمل بالقرآن
هناك حقيقة واضحة جدًا لكنها خافية في الغالب بسبب شدة وضوحها. لنطرح هذه الحقيقة
ونذكرها. هذه الحقيقة هي أصل تحقق الجمهورية الإسلامية. هذا تجسيد للقرآن. إنّ نظام
الجمهورية الإسلامية نظام ديني وهو من أكبر مصاديق العمل بالقرآن.. المصداق الذي
أوجدته لنا الثورة. يجب أن لا نغفل عن هذا الشيء. أجل، هناك جداول عديدة داخل هذا
الإطار الكبير ينبغي أن تُملأ، وأعمال كثيرة لا بد أن تنجز، بيد أن المهمة والعمل
الرئيسي هو إيجاد هذا النظام.. إيجاد نظام قائم على الدين وتكون هوية المسؤولين فيه
وخصوصياتهم وأداؤهم وعلاقتهم بالجماهير وخدمتهم للناس كلها [قائمة] على أساس الدين
وعلى أساس القانون الديني والقانون الإسلامي. هذا هو أكبر مصداق من مصاديق العمل
بالقرآن.. إنه الشيء الذي قام به الرسول الأكرم حينما هاجر إلى المدينة. ما لم يكن
هناك مجتمع ونظام وسلطة مركزية تنشر ظلالها على كافة الأنشطة الاجتماعية فلن تكون
هناك ضمانة للأعمال. كان هناك قبل الثورة خيّرون وناصحون قلائل تتحرّق قلوبهم
وضمائرهم ويتألمون وينصحون الناس باستمرار - في وسائل الإعلام العامة أو ضمن حدود
أضيق - ويعظونهم و ليست الموعظة عديمة التأثير بل هي تؤثر في القلب، لكنها لم
تتحقّق عمليًّا؟ لماذا؟ لأن النظام نظام خاطئ، ولأن اتجاه المجتمع يخالف العدالة
والإنصاف والمروّة والأخلاق. في مثل هذا الاتجاه الخاطئ هل من المجدي الإصرار على
هذا وذاك أن كن عادلًا، وكن رحيمًا، وكن منصفًا؟ الاتجاه هو المهم. يتشكل أساس
الاتجاه من خلال تأسيس نظام ذي اتجاه ديني صحيح. هذا ما قامت به الثورة حيث أسست
هذا النظام. ما أودّ قوله هو أن لا ينسى باحثونا القرآنيون وشبابنا المتحمسون
والمحبون هذه الحقيقة. إنها حقيقة جد واضحة وساطعة، لكنها تبقى مغفولًا عنها في
الغالب. إنها حقيقة مهمة جدًا.
ينبغي الدخول في البناء القرآني ضمن هذا الإطار والنهوض بالمهام الأساسية. وذلك من
اجل أن يكون المحتوى قرآنيًا بالمعنى الحقيقي للكلمة. سلوكنا الفردي، وسلوكنا
الإداري، وسلوكياتنا المؤسساتية، سلوكنا في التربية والتعليم - أي أجهزة التربية
والتعليم بما في ذلك الجامعات ومراكز البحث والحوزات وغيرها - وسلوكنا داخل
العائلة، وسلوكنا السياسي، وسلوكنا الدولي؛ يجب أن يكون كل هذا على أساس الإسلام.
فمتى ستتحقق هذه الغاية؟ حينما نكون قد تعرفنا على المفاهيم القرآنية بشكل صحيح.
إنه الشيء الذي يتحقق بهذه الحركة البحثية القرآنية العظيمة، سواء في جانبها النسوي
أو الرجالي. هذا هو الاتجاه المنشود الذي ينبغي للبحوث أن تسير فيه.
من يريد الاهتداء بالقرآن عليه بتطهير قلبه
من النقاط المهمة في الأعمال البحثية القرآنية هي أن من يريد السير في طريق العمل
القرآني عليه إعداد فؤاده لمواجهة الحقيقة القرآنية الخالصة. بمعنى أن عليه تطهير
قلبه. إذا لم يكن القلب طاهرًا ولم يكن جاهزًا لتقبل الحق والحقيقة من لسان القرآن،
وإذا كان متعلّقًا ومنجذبًا للأسس غير الإسلامية وغير الإلهية، ثمَّ واجه القرآن
فسوف لن ينتفع منه شيئًا. يقول القرآن: «يضلُّ به كثيرًا
ويهدي به كثيرً»6 طيب، لماذا الإضلال بالقرآن؟ الهداية
بالقرآن حالة معلومة وواضحة، ولكن لماذا الإضلال بالقرآن؟ السبب هو:
«و أما الذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجسًا إلى رجسهم»7،
فالذين في قلوبهم مرض حينما يقرأون القرآن يتضاعف الرجس الذي في داخلهم.. تزيدهم
الآيات القرآنية أو السور القرآنية رجسًا. فما هو هذا الرجس؟ حينما يقول «في قلوبهم
مرض« فما هو هذا المرض؟ إنه الأمراض الأخلاقية. حينما نكون مصابين بالحسد، والنوايا
السيئة، والحرص، والتكالب على الدنيا، وحينما تتغلب علينا الشهوات وطلب السلطة،
وحين نسحق الحق ونتجاهله ونكتمه عندها لن ننتفع من القرآن. سوف نتلقّى من القرآن
نقيض الشيء الذي ينبغي أن نأخذه منه. يجب اللجوء إلى الله. ترون أن البعض يقرأون
أحيانًا آيات قرآنية لدحض الإسلام، ولإسقاط الجمهورية الإسلامية، وللقضاء على
الفضائل التي وفرتها لنا الجمهورية الإسلامية. ينبغي التقرّب إلى القرآن بطهر لتؤثر
أنوار القرآن ودعوة القرآن للتذكّر والذكرى في قلوبنا، ونستطيع الانتفاع منها إن
شاء الله.
مقدمات لا بد منها على طريق البحث القرآني
النقطة الأخرى بخصوص البحوث القرآنية هي أن الاهتمام بالمشاريع التأسيسية في البحوث
القرآنية حالة ضرورية جدًا.
ليس كل من كان على معرفة باللغة العربية يستطيع فهم جميع ما في القرآن فيكون باحثًا
قرآنيًا. لا، أولًا لا بد من الأنس بالقرآن نفسه. أي إن على الباحث القرآني
الاستئناس بمجموع القرآن الكريم. فتلاوة القرآن، وتلاوته مرة ثانية، ومرة ثالثة،
والتدبر الشخصي في القرآن أمور تساعدنا حينما نبحث عن الحقائق في القرآن فيما يتعلق
بموضوع معين، على أن نصل لنتائج جيدة حول ذلك الموضوع. إذن، الأنس بالقرآن أمر
ضروري.
ثم هناك كيفية الاستفادة من القرآن. الأسلوب الذي يتبعه علماء ديننا وفقهاؤنا في
الاستفادة من الآيات والروايات هو أسلوب مجرّب.. إنه منهج علمي ناضج ومجرّب تمامًا.
يتعين إتقان هذه الأمور. لا أريد القول إن كل من يروم مزاولة البحث القرآني يجب أن
ينخرط في الدراسة الحوزوية لسنوات.. ليس هذا ما أرمي إليه، إلا أن البحث القرآني
غير ممكن من دون التعرف على مقدمات فهم القرآن ومبادئه، ومنها المعرفة باللغة
ودقائقها وأحوالها والتعرف على بعض مباني أصول الفقه. هذه مقدمات وأدوات ينبغي
فهمها، كما يجب التعرف على الروايات والأحاديث ذات الصلة بالآيات القرآنية. هذه
كلها أمور مؤثرة في البحوث القرآنية.
العلوم الإنسانية يجب أت تقوم على أسس قرآنية
و النقطة الأخرى التي نذكرها ولتكن النقطة الأخيرة هي أنني وجهت عتابًا للجامعات
والجامعيين بخصوص العلوم الإنسانية. وقد وجهت هذا العتاب مرارًا وفي الآونة الأخيرة
أيضًا: إنّ علومنا الإنسانية مبنيّة على مبادئ ومبانٍ متعارضة مع المباني القرآنية
والإسلامية.
تبتني العلوم الإنسانية الغربية على رؤية كونية أخرى وعلى فهم مختلف لعالم الخلق؛
فهي تقوم غالبًا على الرؤية المادية. هذه النظرة نظرة خاطئة؛ وهذا المبنى مبنى
خاطئ. إننا نأتي بهذه العلوم الإنسانية على شكل ترجمات من دون أن نُعمِل أي بحث
فكري إسلامي فيها، وننشرها في جامعاتنا وندرسها في الأقسام المختلفة. والحال أنه
يجب البحث عن العلوم الانسانية في القرآن. هذا أحد الأجزاء الهامة للبحث القرآني.
ينبغي التفطن لإشارات القرآن ودقائقه في المجالات المختلفة والبحث عن مباني العلوم
الإنسانية في القرآن الكريم واستخراجها. هذه عملية جد أساسية ومهمة. إذا ما حصل هذا
عندئذ يستطيع المفكرون والباحثون والمتخصصون في العلوم الإنسانية المختلفة تشييد
صروح شامخة على هذه الأسس والأركان. وبالطبع يستطيعون عندئذ الاستفادة من تقدم
الآخرين والغربيين ومن حققوا تقدمًا في العلوم الإنسانية. إلا أن الأساس يجب أن
يكون أساسًا قرآنيًا.
نتمنّى أن يوفّقكن الله تعالى. إنّني أتقدّم بالشكر الجزيل لجميع السيّدات
المحترمات الناشطات في مجال القرآن في شتّى مؤسّسات البلاد. إنّ مشاركتكن في مجال
العمل القرآني سوف تلهم المجتمع النسوي في البلد بحيث ترغب النساء الإيرانيّات -أي
نصف المجتمع- في التوجّه والانعطاف نحو القرآن إن شاء الله. وإذا تحقّق الأنس
بالقرآن لدى النساء سيتمّ علاج الكثير من مشكلات المجتمع، لأنّ أفراد الجيل اللاحق
سيترعرعون في أحضان النساء. وإنّ المرأة التي تحوز على المعرفة والأنس بالقرآن
والمتعلّمة لمفاهيم القرآن يمكنها أن تكون مؤثّرة جدًّا في تربية أبنائها. ونتمنّى
ببركة حركتكن وأنشطتكن العظيمة هذه أن يغدو مجتمعنا في المستقبل مجتمعًا قرآنيًّا
أكثر بكثير ممّا هو عليه اليوم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- سورة التحريم، الآية 11.
2- سورة التحريم، الآية 12.
3- سورة التحريم، الآية 10.
4- على أنها أداة ووسيلة
5- فضائل الخمسة، ج1، ص 117.
6- سورة البقرة، الآية 26.
7- سورة التوبة، الآية 125.