يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئيّ -دام ظلّه- في عوائل الشهداء والمضحّين في كردستان

2009

يشتمُّ الإنسان، في هذا الاجتماع الحميم والزاخر بالمحبّة والروح المعنويّة، عطر الشهادة الذي هو في الحقيقة عطر جنائني في حياتنا الماديّة.

عدد الزوار: 115

كلمة الإمام الخامنئيّ -دام ظلّه- في عوائل الشهداء والمضحّين في كردستان ـ 12-05-2009

بسم الله الرحمن الرحيم

يشتمُّ الإنسان، في هذا الاجتماع الحميم والزاخر بالمحبّة والروح المعنويّة، عطر الشهادة الذي هو في الحقيقة عطر جنائني في حياتنا الماديّة. أوّلًا، أتقدّم بالشكر إلى جميع الإخوة والأخوات الأعزّاء وعوائل الشهداء، الذين منحوني اليوم، بتفضّلهم بالمجيء إلى هنا، فرصة الحضور بين عوائل الشهداء العزيزة، والنهل المعنوي والروحي من الأنفاس القدسيّة لشهدائنا الأبرار، وأنتم ذووهم وعوائلهم الكريمة. وأشكر خصوصًا، الأعزّاء الذين قدّموا برامج وفقرات، سواء أبناء الشهداء الذين أنشدوا قصائدهم أو قرأوا نصوصًا نثريّة وكانت جميلة جدًّا، أم هؤلاء اليافعين الأعزّاء الذين قدّموا نشيدهم واستمتعنا به.

غربة شهداء كردستان
إنّني أفخر في كلّ أسفاري بزيارة عوائل الشهداء وبلقائي بهم، وألمس الروح المعنويّة في جميع المحافظات والمدن حينما تنعقد اجتماعات مماثلة لهذا الاجتماع، وأشعر بها؛ ولكن أريد أن أقول: إنّ شهداء كردستان وعوائل هؤلاء الشهداء لهم خصوصيّات، قلّما نجد لها نظيرًا، وقد لا تُرى في المحافظات الأخرى. من هذه الخصوصيّات أنّ شهداء هذه المنطقة استشهدوا مظلومين وغرباء أكثر.

أسر الشهداء تصمد أمام الضغوط المختلفة
وتحمّلت عوائلهم صبرًا أكبر. لماذا؟ لأنّ عملاء أعداء الثورة وأعداء البلاد أوجدوا لأُسر الشهداء في هذه المحافظة، وخصوصًا في السنوات الأولى، وضعًا وظروفًا ربّما كانت أحيانًا، أصعب بالنسبة إلى آباء الشهداء وأمّهاتهم وأخوتهم وأخواتهم من شهادة أبنائهم نفسها؛ فأعداء الثورة والأصابع القذرة التي أرادت تحويل كردستان إلى ساحة حرب داخليّة، واقتتال بين الإخوة في البلاد- لم يكتفوا بقتل وتخضيب خيرة شباب هذه المحافظة وهؤلاء الأهالي بالدماء؛ وإنّما مارسوا الضغوط على أسرهم لفترة طويلة نسبيًّا.

كانت مصيبة أسر الشهداء في سائر محافظات البلاد، أنّها فقدت أحبّتها فقط، وقد حملت هذه العوائل في أجواء من العنفوان والحيويّة والنشاط أسماء شهدائها الأعزّاء وافتخرت بها. أمّا في كردستان فكثيرًا ما حدث -وقد أُخْبرنا واطّلعنا على ذلك- أن يمارس أعداء هذه المحافظة وأعداء هذا البلد، الضغوط على عوائل الشهداء؛ ضغوطًا نفسيّة، وضغوطًا جسديّة، وضغوطًا أمنيّة. طبعًا، لم تتمخّض هذه الضغوط عن نتائج، ولم تحسِّن سُمعة فاعليها في أنظار هؤلاء الأهالي، بل زادتها سوءًا.

فضائل أهل كردستان
يُعرف أهالي كردستان بالعطف، والمحبّة، وحسن الضيافة والروح الزاخرة بالمودّة، واللّين - وهذه هي الحقيقة فعلًا – كذلك هم معروفون بالشجاعة، والشهامة، والبساطة أيضًا، ولم يستطع أعداء هذا الشعب النيل من عوائل الشهداء.

تضحيات أهل كردستان
في زيارتي السابقة لسنندج زرت ربَّ عائلة استشهد ستّة من أولاده. وقلّما شاهدت نظيرًا لهذا في البلاد. ستّة أولاد! ثلاثة منهم استشهدوا في سوح القتال وثلاثة أثناء التظاهرات التي قصفها العدوّ البعثي. يستشهد ستةٌ من فلذات كبده ويبقى هذا الوالد صامدًا قويًّا إلى درجة أنّني شعرت بالصغر أمام عظمة تلك الروح. شهدت هذا في كردستان. التقيت اليوم باثنين آخرين من أبناء ذلك الرجل العظيم -وهذه عظمة حقًّا- وسألتهم عن والدهم فقالوا: إنّه انتقل إلى رحمة الله.

عوائلٌ قدّمت ثلاثة شهداء وشهيدين؛ سيّداتٌ فقدنَ أزواجهن وأبناءهن، ولم يستسلمن لضغوط الأعداء النفسّية والسياسيّة بعد فَقْدِهِنَّ فلذات أكبادهنَّ، ولم يبدين ضعفًا وخورًا أمام تلك الضغوط. هذه عظمة كبيرة شهدتها هنا في كردستان.

جهاد شباب كردستان
شبابكم الأعزّاء قاتلوا في جبهة مقارعة أعداء الثورة، وفي جبهة مقارعة نظام صدام البعثي. صمد أولئك الشباب على الجبهتين، أمام مجموعتين من الأعداء لهما جذور متقاربة. قاتل الشباب الكُرد من أهالي "مريوان وسقز وبانه وقروه وبيجار"1 في عمليّات الفاو2، إلى جانب باقي أبناء وطنهم وإخوانهم، واستشهد منهم من استشهد. وهنا أيضًا جاهدوا ضدّ أعداء الثورة، كما العدُوّ البعثيّ. لا أنسى الجهاد الذي شاهدته في "مريوان" و"دزلي"، وكيف وقف الشباب بوجه الأعداء كالنيران المنصهرة. أعزّائي، إنّ الشيء الذي يقوّي الشعب من الداخل هو هذا الجهاد. لن نصل إلى أيّ نتيجة بالوهن والتراخي. ولن نكسب أيّ مرتبة في مضمار السباق بين الشعوب، مع الرضوخ أمام التعسُّف والهيمنة.

حين يقول الإمام علي (ع) في نهج البلاغة: "إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فتحه الله لخاصّة أوليائه" 3؛ فما معنى ذلك؟ معناه أنّ شبابكم وشهداءكم وأعزّاءكم من خاصّة أولياء الله، حيث استطاعوا اجتياز هذا الباب. لماذا يعتبر الله تعالى هؤلاء خاصّة أوليائه؟ لأنّه لو لم يكن هذا الجهاد لبقي الشعب ذليلًا متأخِّرًا ضعيفًا خاضعًا للعسف على الدوام. وإنّ شعبنا الإيراني العظيم قد أظهر عظمته بهذه المجموعات العظيمة والمكوّنات المختلفة وخرجتم هنا من الامتحان مرفوعي الرأس. لقد أحرزتم في هذا الامتحان الكبير درجة عالية.

وصايا
ثمّة نقطتان لا بدّ من الالتفات إليهما وعدم نسيانهما، يجب عليكم أنتم أنّ لا تنسوهما، وخصوصًا الشباب واليافعين الأعزّاء يجب أن لا ينسوهما أبدًا:
أ ــ أحيوا ذكرى الشهداء وصونوها من النسيان
النقطة الأولى: هي أن نحافظ على الشعور بالفخر الذي يبعثه فينا اسم الشهيد وذكراه. كما نفخر ببطولات الرجال الكبار في صدر الإسلام، لنفخر ببطولات هؤلاء الرجال الكبار في زماننا. وهذا ما لا يريده العدُوّ. يريد العدُوّ لذكريات الشهداء أن تُنسى. يريد العدُوّ لذكريات هذا الجهاد وهذه البسالة أن تمُحى من ذاكرة الشعب. وعلى الجميع السير بالاتّجاه المعاكس تمامًا لهذه الإرادة. شدِّدوا على ذكرى الشهداء، وأحيوها، وصونوا ذكرياتهم. هذه هي النقطة الأولى.

ب ــ لا تسمحوا للعدو أن ينال من إيمان وعقائد الناس
النقطة الثانية: يجب أن لا يعتبر شعبنا وشبابنا ونساؤنا ورجالنا أنّ زمن الجهاد قد انتهى، وأنّه لا خطر يهدِّدنا. قد لا تهدِّدنا أخطار عسكريّة، وهذا هو الحال. لقد بلغ شعب إيران اليوم درجة من الاقتدار، رفعت من قدرته على مواجهة الأعداء عاليًا، بحيث لا يتجرَّؤون على مهاجمة هذا الشعب عسكريًّا فهم يعلمون أنّهم سيُقمعون، ويعلمون أنّ هذا الشعب شعب مقاوم. إذن، احتمال خطر الهجوم العسكري ضئيلٌ جدًّا. بيد أنّ الهجوم ليس عسكريًّا وحسب؛ يركّز العدوّ على المواقع والنقاط التي تمثّل رأسمال صمودنا الوطنيّ. يستهدف الأعداء وحدتنا الوطنيّة وإيماننا الديني العميق؛ يستهدفون روح الصبر والاستقامة لدى رجالنا ونسائنا. وهذا الهجوم أخطر من الهجوم العسكري.

في الهجوم العسكري، تستطيعون معرفة الجانب الذي تواجهونه، وتستطيعون مشاهدة عدوّكم، أمّا في الهجوم المعنوي والغزو الثقافي والهجوم "الناعم"، فلا تشاهدون العدوّ شاخصًا أمامكم؛ لذلك لا بدّ من التيّقظ والوعي. أرجو من عموم الشعب الإيراني، لا سيّما أُسر الشهداء، وأطلب منكم جميعًا أيّها الأعزّاء، خصوصًا الشباب، أن تحرسوا الحدود الفكريّة والروحيّة بمنتهى اليقظة. لا تسمحوا للعدوّ أن ينال من الأسس الفكريّة، والعقيديّة، والإيمانيّة للناس، ويتغلغل إليها كَتَغلْغُل الأَرَضَة4؛ هذه مسألة على جانب كبير من الأهميّة. كلّنا مكلّفون بحماية حدودنا الإيمانيّة، والروحيّة، والمعنويّة.

مع الأسف، استطاع أعداء الشعب الإيراني اليوم الحضور، حتّى، خلف حدود بلادنا. في الماضي وفي بداية الثورة، كانت المخطّطات تأتي أيضًا من الأعداء الأقوياء، والاستكبار والصهاينة؛ أمّا اليوم وفي ظلّ التحوُّلات التي شهدتها المنطقة، فقد أوجدوا قواعد ومراكز بالقرب من حدودكم الجغرافيّة، وراحوا يستخدمونها للفعاليّات الناعمة الموغلة في العدوان.

التحلّي بالوعي واليقظة إزاء العاملين للفرقة
على الجميع التحلّي باليقظة. وأقول للشباب خصوصًا:
أيّها الشباب الأعزّاء، وطنكم اليوم بحاجة إلى الوعي واليقظة. ترصّدوا تحرّكات الذين يرومون إبعاد القلوب عن الوحدة والودّ والألفة. قلتُ اليوم للجميع في ساحة المدينة، وأقول لكم أيضًا: هناك من يريد بثّ الخلافات والفرقة بين أبناء الشعب، بأيّ وسيلة وأيّ ذريعة. كلّ من وجدتموه يعمل بهذا الاتّجاه، احكموا عليه بأنّه يد من أيادي العدوّ سواء علِم هو بذلك أم لم يعلم. ربّما لا يعلم، لكنّه يدٌ للعدوّ؛ لأنّه يعمل لصالح العدوّ. والنتيجة واحدة؛ لا فرق بين الشخص الذي يوجّه لكم الضربة متعمّدًا، والذي يوجّه لكم الضربة غير متعمّد، من حيث نتيجة عملهما. ينبغي التحلّي باليقظة والوعي.

لتقوية أنفسنا في شتى المجالات
الشعب يقظ لحسن الحظ. لقد اكتسب شعبنا خبرةً وتمرُّسًا خلال هذه التجربة الطويلة في الأعوام الماضية. استطاع شعبنا معرفة شتّى صنوف المؤامرات ومواجهتها. وسيحصل هذا الشيء اليوم أيضًا. علينا تقوية أنفسنا من الداخل؛ تقوية أنفسنا علميًّا، واقتصاديًّا، وإبداعيًّا، وتقنيًّا وفوق كلّ هذا تقوية إيماننا. أقول لكم: لن يكون بعيدًا اليوم الذي يستطيع فيه شباب اليوم، بتوفيق من الله، تولّي أمور البلاد، وسيصل بلدنا وشعبنا في المستقبل غير البعيد بلا شكّ، إلى المرحلة التي لن يفكّر فيها أيّ عدوّ بالهجوم عليه، لا الهجوم العسكري ولا الهجوم السياسي، ولا الهجوم الاقتصادي. ما لدينا اليوم إنّما هو بفضل جهاد السنوات الطويلة -حيث أبدى شبابنا الأعزّاء هذا الجهاد- وببركة دماء الشهداء الأبرار.

نرجو أن يوفقنا الله تعالى لحماية هذه الأمانة الكبرى، وأن نضاعف ما استطعنا من كنـز الشعب الإيراني العظيم.

الّلهم احشر أرواح الشهداء الأبرار الطيّبة مع الروح الطاهرة للرسول الأعظم. الّلهم اجعلنا من السائرين الحقيقيّين على درب الشهداء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- مريوان وسقز وبانه وقروه وبيجار: قرى ومدن في محافظة كردستان.
2- عمليات الفاو: عمليات الفاو عمليات الإنزال على شبه جزيرة الفاو، المعروفة أيضًا باسم عملية الفجر 8، كانت عملية برمائية إيرانية على شبه جزيرة الفاو. ووقعت في الفترة بين 9 و25 فبراير؛ حيث حقق الهجوم على شط العرب مفاجأة تكتيكية وعملياتية كبرى، وهو ما سمح للقوات الإيرانية بتحقيق انتصار سريع في البداية على قوات الجيش الشعبي العراقي في المنطقة. وكانت تعتبر هذه العملية نقطة تحول في الحرب، فعلى عكس تكتيك هجمات الموجات البشرية المستخدمة في مكان آخر في المقدمة، كانت معقدة وبرمائية ومخططًا لها بعناية.
3- نهج البلاغة؛ ج1 ص67.
4- الأرَضَة: دويبة بيضاء تشبه النملة، تظهر في أيّام الربيع.

2017-02-14