يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في حشد من المعلّمين والعمّال والممرّضين

2009

الثورة منحت الشعب الإيراني دورا فاعلا في إدارة البلاد عبر الإنتخابات

عدد الزوار: 70

كلمة الإمام الخامنئي في حشد من المعلّمين والعمّال والممرّضين بمناسبة: يوم الممرّض/ ذكرى ولادة السيّدة زينب (عليها السلام) 29-04-2009.
الثورة منحت الشعب الإيراني دورا فاعلا في إدارة البلاد عبر الإنتخابات

بسم الله الرحمن الرحيم

أوّلًا، أرحّب بكم فردًا فردًا أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء؛ فقد عقدتم اليوم هذا الاجتماع الحميم والودّي وذي المعاني العميقة في هذه الحسينيّة، وأحيّي الروح الطاهرة للسيّدة زينب الكبرى (سلام الله عليها) وهي محور إحدى المناسبات الثلاث اليوم، أي يوم الممرّض؛ كما أدعو بعُلُوّ الدرجات للشهيد الغالي المرحوم آية الله مطهري وهو أيضًا محور وعنوان واحدة أخرى من مناسبات اليوم.

المعلمون هم الأمناء على شخصيات أبناء الشعب
أرى أنّ الشرائح الثلاث 1 المجتمعة هنا - كلّما نظرت في الأمر– تشكِّل أهمّ شرائح مجتمعنا. أحد الجوانب هو جانب التربية والتعليم؛ المعلّمون هم الأمناء على أبناء هذا الشعب طوال السنين المتمادية، وهم الذين بوسعهم أن يخطّوا السطور الحسنة أو السيّئة الأولى، على اللوح الأبيض المستعِدّ لأذهاننا وأذهان أطفالنا. ربّما لا يسعنا أن نجد دورًا أرقى من دور المعلّم - بالمصطلح الدارج في زماننا، أي: معلّم المرحلة الابتدائيّة والمتوسّطة والثانويّة - بين كلّ المهن الموجودة في مجتمعنا.

إنّ منزلة المعلّمين الذين يزاولون التدريس في المراكز العلميّة العليا - في الحوزة والجامعة - منزلة سامقة جدًّا، بالطبع وصولًا إلى المعلّمين الأرقى، إلّا أنّ لمعلّمي التربية والتعليم أنفسهم دورًا استثنائيًّا فريدًا.

وإنّ الذي يوجد الشاكلة الأولى الأساسيّة لشخصيّاتنا ــ أنا وأنتم ــ ويوجده في الواقع إلى جانب التربية العائليّة ، هم هؤلاء المعلّمون، الذين يتعاملون مع أطفالنا وأبنائنا طوال اثنتي عشرة سنة. كلّما فكّرنا في الأمر نجد أنّ هذا الشيء له قيمة عالية جدًّا، وهو يستوجب أن يعرف مجتمعنا وشعبنا وحكومتنا ومسؤولونا، قدر المعلم، ويعلّموا أنّ المعلِّم بهذا المعنى ‌قيمة عالية جدًّا؛ وعلى المعلمين أنفسهم أيضًا أن يعرفوا قدر هذا الدور بدقّة ويعتبروه موهبة إلهيّة، وأن يعرفوا أهميّة هذا العمل العظيم الذي يتمّ إنجازه على أيديهم، بإرادة الله وإذنه.

دور الممرضات يبعث الحياة في الإنسان
وشريحة الممرّضين أيضًا شريحة مؤثّرة ومهمّة جدًّا من زاوية أخرى. دور الممرِّضين، وكذلك القوابل، مهمّ وعظيم جدًّا في نظام سلامة البلاد. إذا لم يكن هناك ممرّض مخلص وعطوف إلى جانب المريض، فمن المحتمل جدًّا أن لا يؤثّر علاج الطبيب في ذلك المريض. فالعنصر والشخص الملائكيّ، الذي يَعبُر بالمريض في الواقع من طريق المرض والشدّة الطويل العصيب، هو الممرّض. هذا ما شعر به عيانًا كلُّ واحدٍ منّا، ونشعر به نحن الذين تمرّضنا، وتعرّضنا لأمراض شديدة، وعمليّات جراحيّة صعبة، وأنا واحد من هؤلاء. دور الممرِّض، دور الشخص الذي يبعث الحياة في الإنسان. وكذلك القوابل، دورهنّ حيوي ومصيري في سلامة الوليد والأم. وأوصي ها هنا الممرّضين -سواء الإخوة منهم أم الأخوات- وكذلك القوابل المحترمات، أن يعرفوا قدر هذه الخدمة والنعمة الكبيرة؛ فكما يجب على الناس النظر إليهم بعين التكريم، يجب عليهم هم، أيضًا، النظر إلى مهنتهم بعين التكريم؛ وتكريم الذات هنا ومعرفة قدرها، له دور هائل في جودة العمل لدى كافّة الشرائح.

العمّال؛ العنصر المحوري في نظام أنشطة المجتمع
دور العامل أيضًا من الأدوار المعروفة في العالم اليوم تقريبًا. مع أنّ حقوق العمّال تغمط في كثير من أنحاء العالم، غير أنّ العمّال هم في الواقع ذلك العنصر المحوري في نظام التشكيلات للأنشطة داخل المجتمع. العامل هو الذي ينهض بالأعمال؛ وينتج المصنوعات؛ ويسدّ احتياجات المجتمع الضروريّة بيديه، وعيونه، وعقله، ومهارته، وخبرته. كلّما دقّق الإنسان أكثر تجلّت له أهمّية هذه الشرائح الثلاث أكثر. إنّ لقضيّة العمل طرفان: الطرف الأوّل العامل، وفي الطرف الثاني مدراء العمل والمستثمرون؛ وكلّهم أصحاب دور وتأثير في العمل.

أعتقد أنّها مسألة مهمّة: أن تعرف هذه الشرائح الثلاث قدر نفسها وكرامتها. إذا تبيّن للإنسان أهمّية العمل الذي يقوم به، فلن يتهاون فيه ولن ينتابه الخمول والقنوط. حينما نفهم مدى أهميّة العمل الذي نقوم به، لحياة المجتمع والبلاد، فسيخلق هذا في داخلنا طاقةً تتغلّب على كلّ العقبات الخارجيّة.

الوصيّة: معرفة قدر المهنة وإتقانها
لذا، فإنّ توصيتنا الأولى للجميع، هي أن يعرفوا قدر المهنة الملقاة على عاتقهم، بكلّ محبّة ورغبة ]واندفاع[، مهما كان السبب الاجتماعي أو الفردي لتوجّههم نحو تلك المهنة؛ وأن يقدِّروها، ويهتمّوا بها، وينجزوا أعمالهم بصورة صحيحة. كثيرًا ما ذكرنا قول الرسول العظيم: «رحم الله امرأ عمل عملًا فأتقنه»، وهذا ما يصدق عليّ، وعليكم، وعلى كلّ واحد من العمّال، والمعلّمين، والممرّضين، وسائر المشاغل، والمهن، والمسؤوليّات. علينا إنجاز العمل الذي نتولّاه بإتقان وبشكلٍ كامل.

ثقافة تشجيع الإنتاج الداخلي
بخصوص مسألة العمل، فإنّ ما أكّدتُ وأؤكّد عليه اليوم أيضًا هو أن ننسِّق، وننظّم، ونتقدّم بثقافة بلدنا نحو تشجيع الإنتاج الداخلي. هذا شيء على جانب كبير من الأهميّة. في الماضي، حُقِن شعبنا لأعوام طويلة بثقافة الركض وراء المنتجات والصناعات الأجنبيّة. حينما يقال: إنّ هذه البضاعة أجنبيّة، فسيكون هذا دليلًا تامًّا وكاملًا على تفوّقها في الجودة، ومرغوبيّتها. ينبغي تغيير هذه الثقافة. طبعًا، إنّ جودة البضاعة الداخليّة مؤثّرةٌ في هذا التغيير؛ وعدم الدعاية الاعتباطيّة المنفلتة للمنتجات الأجنبيّة مؤثّر أيضًا، وتشجيع المنتج الداخلي مؤثّر أيضًا، والإخلاص2 لدى المُنْتِج في العمل - سواء كان عاملًا بسيطًا أم عاملًا صاحب خبرة أم مهندس العمل - مؤثّر أيضًا؛ وكذلك، فإنّ للحكومة دورها في هذا، وللمسؤولين دورهم، وللعامل نفسه دوره، وللمنتج، وربّ العمل دوره، وللتاجر الذي يستورد البضائع الأجنبيّة دوره. على الجميع أن يتكاتفوا لترجَحَ كفّة الإنتاج الداخلي، وتزدادَ قيمته، وتسودَ في مجتمعنا وأذهاننا ثقافة أهميّة استهلاك الإنتاج الداخلي وقيمته. إنّنا من خلال استهلاكنا لإنتاج العامل الأجنبيّ، نحضّه على العمل، ونجعل العامل في الداخل عاطلًا. على ‌جميع المسؤولين في البلاد، والذين يرسمون السياسات، والمسؤولين الإعلاميّين، والمنتجين أنفسهم، وأرباب العمل، والعمال أنفسهم، والحكومة، والقطاعات ذات الصلة- الاهتمام بهذه النقطة. فالكثير من المنتجات والصناعات الداخليّة ‌اليوم هي لحسن الحظّ أفضل وأحيانًا أفضل بكثير من مماثلاتها الخارجيّة. لِمَ يجب أن لا نكترث لصناعاتنا الداخليّة؟

مضى ‌ذلك اليوم الذي كان فيه عملاء أجهزة السلطة يبثّون الدعايات المسمومة، ويلقّنون أنفسهم أنّ الإيراني غير قادر على الإنتاج والبناء؛ فهؤلاء هم الذين جعلوا إيران تتخلّف. لقد وجّهوا ضربة إلى روح الإبداع والرغبة في العمل داخل البلاد. وجاءت الثورة فغيّرت الوضع. شبابنا اليوم ينجزون أكثر الأعمال تعقيدًا؛ وإنّ كلّ هذه البنى التحتيّة، التي أُنشئت في البلاد من أجل المشاريع الكبرى، وكلّ هذه الأعمال التقنيّة المعقّدة- يتمّ إنجازها بذهنيّة الشباب الإيراني وإبداعه. يتابع المسؤولون هذا الأمر. على الجميع اليوم أن يتوجّهوا صوب الصناعات، والمنتجات الداخليّة. وينبغي أن تصبح هذه ثقافة. طبعًا، إنّ جزءًا ملحوظًا من هذا يتعلّق بالأمن المهنيّ للعمال، وهذا -أيضًا- ما يجب أن يلتفت إليه الجميع. يجب أن يكون العمال في راحة بال، ومطمئّنين، وشاعرين بالأمن المهنيّ. ولا بدّ أن يتعاضد ربّ العمل والعامل، والمستثمر والعامل، ومدير الورشة والعامل- بأخوّة ويتقدّموا بعجلة ‌العمل إلى ‌الأمام. هذا ما يتعلّق بمسألة العمل.

ضرورة التحوّل في التربية والتعليم من النظام التقليدي القديم
و في مجال التربية والتعليم؛ فإنّ ما أؤكد وأصرّ عليه ، بالدرجة الأولى، هو مشروع التحوّل في نظام التربية والتعليم 3؛ وهي القضيّة ‌التي أشار إليها الوزير المحترم وشدّدنا عليها في الماضي مرارًا. نظامنا التربوي والتعليمي نظام تقليدي قديم؛ فيه صفتان سيّئتان:

أولًا- منذ اليوم الأوّل، الذي أطلقوا فيه نظام التربية والتعليم في بلادنا، خلال العهد البهلوي الأسود، وقبل ذلك بفترة قصيرة- لم يأخذوا في الحسبان احتياجات البلاد وتراثه. لا بدّ لركيزة التراث الوطني أن تبقى؛ كما تنبغي الاستفادة من تجارب الآخرين إلى ‌أقصى حدّ؛ لا أن نأتي ونقتبس لبلادنا، النموذج المعتمد في البلد الغربي الفلاني بذاته، مع ما يقتضيه- مع كلّ الأخطاء التي قد تكون فيه؛ لقد فعلوا هذا مع الأسف وكان تقليدًا محضًا، هذا أوّلًا.

وثانيًا- إنّ ذلك النظام نفسه، أصبح اليوم باليًا؛ وإنّ الذين كانوا، ذات يوم، مراجعَ تقليد 4 مسؤولي بلادنا،التابعين للأجنبي- قد تجاوزوا اليوم تلك الأساليب، وأطلقوا أساليب أحدث، وبقينا نحن ملتصقين بتلك الأساليب القديمة! لا بدّ من تحوّل.

الفرصة، لحسن الحظ، متاحة اليوم لهذا الإنجاز. يعيش البلد ظروف الاستقرار، والأمن، والهدوء، وقد تمّ إنجاز العديد من المهامّ. استطاع الشعب الإيراني في هذا العالم الصاخب، والمضطرب، أن يحافظ على اتّزانه، ووقاره، وسكينته، وهدوئه. تتوفّر الفرصة، اليوم، للخوض في هذه الأمور المهمّة. وإنّه لأمر حسنٌ جدًّا ما أخبر به الوزير المحترم بأنّهم فكّروا وعملوا في هذا الموضوع، وهو شيء جدير بالتقدير، ولكن ينبغي نقله إلى حيّز التنفيذ، والإجراء والتقدّم به إلى الأمام والبدء به عمليًّا. إنّها مهمّة تقتضي الشجاعة، والمبادرة، والإبداع، والأفكار الصالحة. كانت هذه إحدى المسائل، وهي التحوّل النوعيّ في نظام التربية والتعليم.

عدم الغفلة عن الإهتمام بالتربية لصالح التعليم
النقطة الأخرى- وهي مهمّة بدورها- عبارة عن العناية بنظام التربية في منظومة التربية والتعليم في البلاد؛ فبعضهم وبسبب عدم الاهتمام بالنظام التربوي، استبعدوا عن منظومة التربية والتعليم ذلك البناء، الذي شُيّد أساسه مع بداية‌ الثورة وبدّدوه تدريجيًّا، ويمكن أن يُقال أنّهم ألغوه. أمّا أنتم اليوم فتؤمنون بهذا الشيء، فانقلوه إلى حيّز التنفيذ والعمل. إذا لم تكن التربية ‌أهمّ من التعليم، فهي ليست أقلّ أهميّة منه. وإنّ اللوح الأبيض المستعدّ الذي هو ذهنيّات أطفالنا وطلابنا، لا يصلح بمجرّد "الخطخطة" عليه وكتابة الأعداد والأرقام؛ إنّما يحتاج إلى بناء. وهذا البناء يتمثّل بالتربية. يجب الاهتمام بقضايا التربية ومسارها؛ بكلّ الأشكال التي يمكن بواسطتها أن تنهض بذلك وتساعد عليه، ولسنا الآن بصدد الحديث عن هذه الأشكال؛ في الكتب المدرسيّة، وفي اختيار المعلمين، وفي تربية المعلمين، وفي عمليّة التخطيط والتنظيم نفسها. كلّما استطاعت التربية والتعليم اجتناب التوسُّع الكمّي –سواء كان في المؤسسات أم الموارد البشريّة- كان هذا أفضل، فالاتّساع الكمّي في التربية والتعليم ليس اليوم على رأس الأولويّات؛ إنّما التوسُّع النوعي هو المهم. يجب تلبية الاحتياجات، ويجب ذلك المقدار من تأمين الحاجة للمعلّمين والمدارس. لتكن الأولويّة الأولى التوسُّع النوعي، ورفع مستوى المعلّمين، من حيث الاستعداد والتجربة والعلوم والثقافة؛ هذه هي الأمور المهمّة في التربية والتعليم.

أتمنّى أن يوفّقكم الله تعالى، وأنتم -والحمد لله- تعملون وتجهدون. وينبغي معرفة قدر هذه الجهود. وإنّ التقدّم الذي أشار إليه الوزراء المحترمون في قطاع الصحة، وقطاع العمل، وقطاع التربية والتعليم- هو من مفاخر النظام؛ النظام هو الذي يظهر لنفسه هذه القدرات. لا أدري لمَ ينكر البعض هذه الحقائق ليسوا على استعداد لتصديق هذا التقدّم. كلّما ازدادت هذه الحقائق، تضاعفت مفاخر الشعب الإيراني، ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة.

دور الشعب في إدارة البلاد قبل الثورة وبعدها
أذكر هنا نقطة خارج نطاق المسائل المهنيّة، تتعلّق بكلّ الشعب الإيراني وبهذا المقطع الزمني ألا وهي مسألة الانتخابات. أعزّائي: كان شعبنا طوال تاريخه الممتدّ عدّة قرون من الزمن عنصرًا عديم التأثير في نظام إدارة البلاد. لماذا؟ لأنّ هذه هي طبيعة الحكم الاستبداديّ والحكم الملكيّ. لم يكن الشعب ذا دور يذكر. أمّا كيف سيكون واقع الشعب والحال هذه، فهذا يرجع إلى إنصاف الشخص، الذي يتولّى زمام الأمور. إذا كان الشعب محظوظًا ليأتي إلى الحكم دكتاتور في قلبه شيء من الرحمة- يذكرون في تاريخنا مثلًا كريم خان زند 5 - فعندها سيكون حال الناس أفضل بعض الشيء. أمّا إذا تولى الحكم أمثال رضا خان 6 أو ناصر الدين شاه 7 أو غيرهما من السلاطين المستبدّين، فإنّهم سيعتبرون البلاد ملكهم، والشعب الذي لم يكن له أيّ دور سيعتبرونه رعيّتهم. لاحظوا التاريخ -لا أقصد تاريخ القرون الطويلة، بل تاريخ عصر الثورة الدستوريّة  فصاعدًا - وستجدون أنّ الدستور ظهر في بلادنا بالاسم فقط، ولكن منذ أن تولّی النظام البهلوي زمام السلطة، أصبحت الانتخابات عمليّة استعراضيّة محضة، باستثناء فترة قصيرة جدًّا خلال النهضة الوطنيّة، على مدى عامين حيث تحسّنت الحال قليلًا؛ لكنّ ذلك العهد أيضًا، صاحبته مشكلات عديدة، فأغلقوا المجلس ومنحوا صلاحيّاته للحكومة، وهذا ما حدث في عهد "مصدّق". وفي بقيّة تلك المرحلة، كانت الانتخابات محض مسرحيّة. في تلك الفترة -التي أتذكّرها ومن هم في سنّي- كان الجميع يعلم أنّ الانتخابات لم تكن تعني على الإطلاق انتخابات شعبيّة؛ بل كانت هناك مجموعة من الأفراد يشخّصهم جهاز السلطة والبلاط الملكي، يومذاك، وتدور المنافسات والصراعات بينهم؛ لكنّ الذي يريدونه عضوًا في المجلس يجب أن يكون مطيعًا خاضعًا، ويضمن مصالحهم وحقوقهم الماليّة المغصوبة. مثل هذا الشخص يأتون به ليشغل مقعدًا في المجلس؛ أمّا الناس، فليذهبوا لحالهم. طوال كلّ هذه المدّة نادرًا ما شعر الناس أنّ عليهم التوجّه إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، من أجل التأثير في إدارة البلاد. لم يكن مثل هذا الشيء على الإطلاق. كنّا نسمع اسم الانتخابات في الصحف حيث يقولون: الآن موسم الانتخابات. ولا ندري متى يوم الانتخابات، ولا يدري الناس بذلك. وفي موعد الانتخابات يضعون عدّة صناديق في مكان ما، ويثيرون ضجيجًا وحوارات قليلة، ويفعلون في نهاية المطاف ما يريدونه وينتهي الأمر. لم يكن للجماهير دور حقيقيّ.

قلبت الثورة الإسلاميّة الصفحة تمامًا، وصار للجماهير دورهم؛ ليس في انتخابات نواب المجلس وحسب، بل في انتخاب رئيس الجمهوريّة، وانتخاب الخبراء الذين من المفترض أن يختاروا القائد، وفي انتخاب المجالس البلديّة، التي تضطلع في اختيار رؤساء البلديات. في كلّ هذه الأطوار الحسّاسة، أضحت أصوات الجماهير حاسمة. على هذا الأساس تمّ تدوين الدستور، وقد مضت عليه ثلاثون سنة. وأقول لكم إنّ هذا السياق مستمرّ إلى اليوم بكلّ قوّة واقتدار.

الأعداء مستمرون في إثارة الشبهات حول الإنتخابات والتشكيك بنزاهتها
في فترة ما قبل الثورة كانت إيران مرتعًا للأجانب. وكان النفط الإيراني والأسواق الإيرانيّة والمنتوجات الإيرانيّة، والطاقات البشريّة الإيرانيّة؛ وكلّ ما كان وما لم يكن- تحت تصرّف المهيمنين والأقوياء؛ كان الانجليز ذات يوم، والأمريكيّون والصهاينة في يوم آخر. وبعد ذلك، عندما انتصرت الثورة تولّى الشعب زمام الأمور، فانقطعت مصالح الأجانب، وكان من الطبيعي أن يناصبوا هذا النظام العداء، وهم يناصبونه العداء منذ ثلاثين عامًا. ومن ممارساتهم العدائيّة أن ينكروا هذه الظاهرة القيّمة، أو يتجاهلوها في إعلامهم؛ ظاهرة مشاركة الشعب ودوره وتأثيره في إدارة البلد. لطالما شكّكوا في انتخابات بلادنا في مواقفهم وكلماتهم تصريحًا أو تلميحًا. كلا؛ إنّ انتخابات بلادنا أكثر حريّة وحماسًا من غالبيّة هذه البلدان التي تدّعي الديمقراطيّة. كما أنّ اندفاع الجماهير للمشاركة فيها أكبر. إنّها انتخابات ملحميّة وجيّدة ونزيهة. يبثّ الأعداء الشبهات، ونحن لا نتوقّع من الأعداء سوى العداء؛ ما الذي نتوقّعه منهم؟ إنّما لا نتوقّع مثل هذا الشيء من الأصدقاء، ومَن هم جزء من هذا الشعب ويشاهدون الحقائق، ويرون كيف تقام هذه الانتخابات بنزاهة ودقة؛ لكنّهم مع ذلك، يتحدّثون بنفس ما يتحدّث به العدو! توقُّعي هو أنّ الذين هم مع الشعب الإيراني، وجزء من الشعب الإيراني ويتوقّعون أن يلتفت إليهم الشعب- انتظر منهم أن لا يصرّحوا ضدّ شعب إيران ولا يشكّكوا في انتخابات الشعب الإيراني؛ لا يكرّروا دومًا: إنّ هذه الانتخابات ليست نزيهة وأنّها ليست انتخابات. لماذا يكذبون؟ لماذا لا ينصفون؟ لماذا يتحدّثون خلاف الواقع؟ لِمَ يتجاهلون كل هذه الجهود، التي تحمّلها الشعب والمسؤولون طوال هذه الأعوام؟ لماذا؟ لماذا ينكرون الفضل؟

كانت الانتخابات نزيهة في الدورات السابقة؛ وفي الحالات التي تُطرح بعض الشبهات، بعثنا من حقّق وتابع الموضوع. في إحدى ‌دورات المجلس انتشرت إشاعات، وقدّم بعضهم أدلّة وطرح كلامًا معيّنًا يفيد أنّ الانتخابات لم تكن سليمة، وكان توقّعه إلغاء الانتخابات في بعض المدن المهمّة مثل طهران. وبعثنا أشخاصًا ذوي خبرة واطلاع، وحقّقوا، ودرسوا القضيّة ووجدوا أنّ الأمر ليس كذلك، وأنّ الانتخابات كانت سليمة. من بين آلاف الصناديق قد ترد إشكالات على صندوقين أو خمسة صناديق. هذا لا يهدم الانتخابات. ثمّ إنّ هذا خاصٌّ ببعض الأحيان. أحيانًا يكون هناك تيّار أو مجموعة

من التيّارات العاديّة في البلاد والتي تعرفونها، تتولّى السلطة وتنتهي الانتخابات لغير صالحهم، بل لصالح التيّار المنافس، وقد حدث هذا مرارًا. كيف يمكن لأحد التشكيك في هذه الانتخابات؟ حسنًا، إذا كنتم مستعدّين، شارِكوا كلّكم إذن في الانتخابات إن شاء الله، وسيحضر الشعب الإيراني كلّه عند صناديق الاقتراع، على الرغم من أنف العدوّ، ليشارك في الانتخابات بكلّ حماس، ورغبة، واندفاع، وسيخلق انتخابات تغضب الأعداء.

اللّهم أنزل رحمتك وفضلك على هذا الشعب العزيز. ربّنا أفض توفيقك على هذا الشعب أكثر فأكثر. اللّهم ثبّت أقدام هذا الشعب وخطواته، يومًا بعد يوم، في طريق الكمال. ارفع دومًا من درجات الروح المطهّرة لإمامنا الجليل، وأرواح شهدائنا الأبرار.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- أي: المعلمون والمعلمات والممرضون والممرضات والعاملون والعاملات.
2-  أي مصداقيّة المنتج
3-  وثيقة التحول في التربية والتعليم:
4-  المقصود: المهندسين والخبراء والسياسيين الأجانب.
5-  مؤسس الدولة الزندية في فارس ، كان كريم خان أحد قادة نادر شاه وبعد وفاة نادر شاه عام 1747 م سقطت بلاد فارس في حرب أهلية ، فأتخذ كريم خان من شيراز عاصمة لدولته خلال فترة حكمه من 1750 إلى 1779 م وأستطاع أن يمد نفوذ حكمه إلى كثير من مناطق ما يعرف اليوم بإيران كما أحتل البصرة صلحا بعد حصار طويل. ويرجع كريم زند إلى قبيلة زند الكردية في لورستان.
6-  رضا بهلوي، شاه ايران، مؤسس الدولة البهلوية، حكم بين عامي 1925 و1941م، خلفه ابنه محمد رضا، الذي أطاحت الثورة الاسلامية الايرانية بحكمه.
7-  ناصر الدين القاجاري (16 يوليو 1831 - 1 مايو 1896) كان ملك إيران من الأسرة القاجارية امتدت فترة حكمه لما يقارب الخمسين عاما من 17 سبتمبر 1848 حتى اغتياله في 1 مايو 1896.

2017-02-14