كلمة الإمام الخامنئي في الروضة الرضوية الطاهرة
2009
عام التقدم والعدالة: العوامل والمؤهلات
عدد الزوار: 114كلمة الإمام الخامنئي في الروضة الرضوية الطاهرة 21-3-2009.
عام التقدم والعدالة: العوامل والمؤهلات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيّما بقيّة الله في العالمين.
أشكر الله تعالى من أعماق قلبي؛ أن وفّقني وأمهلني؛ لأنالَ مرّة أخرى سعادة وشرف الحضور في هذه العتبة المقدّسة، وألتقي أهالي مشهد الأعزّاء وزوّار هذا المرقد الرفيع. أسأل الله تعالى أن يبارك هذا العيد السعيد، وهذا العام الجديد، لكافّة الشعب الإيراني العزيز.
عقد
العدالة والتقدّم: العوامل والمؤهلات
عامنا هذا هو العام الأوّل من العقد الرابع للثورة، الذي سُمّي باسم
«عقد التقدّم والعدالة»1. هنا وبهذه المناسبة،
أذكر بعض النقاط والمسائل التي تتعلّق ببعض أهمّ قضايا بلادنا؛ وأشير كذلك، إلى بعض
القضايا الدوليّة والخارجيّة المهمّة.
سمّينا هذا العقد «عقد التقدُّم والعدالة في البلاد وفي نظام الجمهوريّة الإسلاميّة»، والحال أنّ الشعب الإيراني- ومنذ مطلع الثورة- قد سار بحركته العظيمة، وبتأسيسه وتكريسه لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة، نحو التقدّم والعدالة. فما هي خصوصيّة الأعوام العشرة القادمة، حتى أطلقنا عليها عنوان عقد التقدّم والعدالة؟
من وجهة نظرنا، إنّ الفرق بين السنوات العشر القادمة والعقود الثلاثة الماضية يكمن في الاستعدادات الواسعة والهائلة جدًّا، للتقدّم والعدالة، التي ظهرت في بلادنا العزيزة؛ وهي استعدادات تسمح لشعبنا الكبير ذي العزيمة العالية، بأن يقطع خطوةً وقفزةً متقدّمةً في هذا المجال. الشعب مستعدّ لتحرّك سريع وكبير، صوب التقدّم والعدالة، وهذا ما لم يكن متوفّرًا له، بهذا الحجم، في العقود المنصرمة.
أ ــ
الطاقة الشبابية الموهوبة الواسعة
لو أردنا تحديد العوامل الأساسيّة والعناصر الرئيسة لهذا الاستعداد، فينبغي أن
نقول: إنّ هناك عدّة عناصر كان لها تأثير كبير في هذا الجانب: أحد هذه العوامل هو
حضور جيلنا الشابّ من الخرّيجين. واليوم، يحضر في ساحة العلم والبحث العلمي،
والنشاطات الاجتماعيّة والسياسيّة- الملايين من الشباب المتوثّبين المحصّلين2. وإنّ
وجود هذا العدد من الشباب العلماء، والخرّيجين، والموهوبين في بلادنا- ظاهرةٌ جدّ
لافتة وكبيرة.
ب ــ
التجربة المتراكمة لدى النخب عبر السنين
العامل الثاني هو عامل التجربة. لقد اكتسبت نُخب البلاد ومسؤولوها، في مواجهتهم
للمشكلات المختلفة، طيلة الأعوام الماضية، تجارب قيّمة جدًّا. هذه التجارب موجودة
اليوم أمام الشعب.
تنفيذ
"سياسات المادة "44 وسياسة "توجيه الدعم" نموذجا
و لو أردنا الحديث عن نموذج من هذه التجارب لقلنا: إنّ من آثارها تنفيذ سياسات
المادّة (44) من الدستور3. الاهتمام بهذه السياسات ناجم عن تجربة طويلة، استمرّت
طوال العقود الماضية، وأوصلت نخبة بلادنا إلى هذه المحطّة.
و النموذج الآخر هو "توجيه الدعم"4؛ والناتج أيضًا عن تجارب طويلة، تراكمت لدى نخبة البلاد، وأوصلتهم طوال هذه الأعوام إلى أنّ الدعم الذي يخرج من بيت المال (أي من جيوب عموم الشعب) ويُخصَّص لعموم الشعب، يجب أن يوجَّه إلى الشرائح المحتاجة أكثر. أي، يجب أن تنال الشرائح الفقيرة والطبقات المتوسِّطة فما دون، في المجتمع، نصيبًا أوفر من بيت المال، ومن خزانة الشعب العامة، قياسًا إلى الطبقات المتمتّعة بدرجة عالية من الرفاه، والذين لا يحتاجون، في الحقيقة، إلى هذا الدعم. بلوغ هذه الحقيقة، والقرار، والعزيمة الراسخة لتنفيذها, من تجارب طويلة الأمد، تراكمت على مدى هذه الأعوام، وبلغت أخيرًا طور التنفيذ.
ج ــ توفر البنى التحتيّة اللازمة
العامل الآخر هو البنى التحتيّة للبلاد. ليست بلادنا اليوم كما كانت عليه في العقد
الأوّل أو العقد الثاني للثورة، حينما كانت تفتقر للبنى التحتيّة العلميّة التي
تحتاجها. يستطيع شبابنا ومتخصّصونا وعلماؤنا اليوم، القيام بأعمال كبيرة في أيّ حقل
يخوضون فيه. لذا فإنّ الأشياء اللازمة للتقدّم الواسع في مضمار الاتّصالات،
والمواصلات، والبحث العلمي، والبناء، متوفّرة في بلادنا والحمد لله. إنّنا من حيث
وجود الطرق المهمّة والدوليّة، ووجود المطارات، والاتّصالات السلكيّة واللاسلكيّة،
وشبكات الاتّصال، وبناء السدود، لا نحتاج إلى الآخرين. ذات يوم، لم يكن يخطر ببال
أحد، أن يتمكّن خبراؤنا ومتخصّصونا المحلُّيون من بناء سدّ، أو مخزن غلال صومعة، أو
طريق سريع، أو مطار، أو معمل فولاذ؛ كانت عيون شعبنا في كلّ هذه الأمور على
الأجانب. وبعد ذلك، حينما قصرت أيدي الأجانب، كنّا نعاني فقرًا في هذه المجالات؛
لكنّنا نتمتّع اليوم بقدرات كبيرة في هذه الميادين؛ فشبابنا يصنعون المصانع
المعقّدة، ويقومون بأعمال علميّة وتقنيّة معقّدة، ويسدّون احتياجات البلاد،
ويساعدون البلدان الأخرى كمستشارين، وكجهات تزاول تجارة العلم والتقنية.لقد اكتسبت البلاد واقعًا مميّزًا من هذه الناحية. وهذا التقدّم ليس بقليل. ذات
يوم، لم يكن باستطاعة شبابنا حتّى رمي قذائف الـ (آر. بي. جي)، ولم يكونوا يعرفوا
ما هي. واليوم، يطلق هؤلاء الشباب أنفسهم صاروخًا حاملًا للأقمار الصناعيّة، يشدّ
إليه أنظار العلماء وكل العالم. ذات يوم، كنّا بحاجة إلى المتخصّصين، من أجل
استخدام محطّات الطاقة الموجودة لدينا في البلاد، واليوم تقدّم شباب بلادنا في
الصناعة، إلى حدّ أنّهم يصنعون بأنفسهم، وينتجون المصافي، ومحطات الطاقة، وإمكانات
أخرى بأيديهم.في يوم من الأيام كان البلد يعاني الفقر المطلق على صعيد علم الأحياء، واليوم يحقّق
تطوّرًا في علوم الأحياء، بما في ذلك مجال الخلايا الأساسيّة، التي تعدّ مجالًا على
مستوى عالٍ من الأهميّة في العالم. هذه إمكانيّات متوفّرة في البلاد اليوم. هذه
كلّها بنى تحتيّة يتيسّر على أساسها التقدَّم المستقبلي.أضف إلى ذلك - وكما ذكرنا - أنّ تجربة المدراء المسؤولين باتت اليوم تجربة عميقة
جدًّا وواسعة. البلاد اليوم أمام أنظار المسؤولين والنخبة، هي أشبه بمشهد، يمكنهم
البرمجة من أجل تطوّره. وإنّ زيارات المسؤولين لأنحاء البلاد المختلفة، والمناطق
المحرومة، والمحافظات البعيدة، وزيارة المدن المختلفة في المحافظات، والاتّصال
بالجماهير، ومشاهدة الأوضاع عن كثب، والاطّلاع على المشاكل بأمّ العين- قد أكسبتهم
تجربة قيّمة وعظيمة. وتشكّل هذه أرضيّة لطفرة تؤهل البلاد لأن تستطيع- إن شاء الله-
السير في طريق التقدّم والعدالة. وهذا ما يستدعي أن يكون العقد المقبل ــ أي العقد
الذي يبتدئ من هذه السنة ــ عقد التقدّم والعدالة لبلادنا، ولنظام الجمهوريّة
الإسلاميّة، وعلى الجميع العمل والجد من أجل ذلك.
مرادنا من التقدّم؛ التقدم الشامل في مختلف نواحي الحياة.
أذكر نقطة مقتضبة عن مفهوم التقدّم، ونقطة مقتضبة أخرى عن مفهوم العدالة. وتفصيل هذا المجمل ممّا ينبغي على المسؤولين والمتحدّثين، ومن هم على اتصال بالجماهير والرأي العام- التحدّث فيه؛ عليهم البحث والتحقيق في هذا المجال، واطّلاع الشعب على نتائج ذلك.
ما هو مرادنا من التقدّم؟ ليس المقصود التقدّم في اتّجاه معين بحدّ ذاته، بل نبتغي التقدّم الشامل في كلّ المجالات.
شعبنا جدير بالتقدّم على كافّة الأصعدة: التقدّم في إنتاج الثروة الوطنيّة، والتقدّم في العلم والتقنيّة، والتقدّم في الاقتدار الوطني والعزّة الدوليّة، والتقدّم في الأخلاق والمعنويّة، والتقدّم في أمن البلاد - سواء الأمن الاجتماعي، أم الأمن الأخلاقي للشعب– والتقدّم في تحسين الانتاجيّة وارتقائها. وإنّ معنى تحسين مستوى الإنتاجيّة أن نستخدم ما عندنا على أحسن وجه: استخدام النفط، والغاز، والمعامل، والطرق، وكلّ ما يوجد لدينا، على أحسن وجه وبأكبر قدر. وكذلك التقدّم في الالتزام بالقانون والانضباط الاجتماعيّ. فلو ابتلي شعب بانعدام القانون، وطغت حالة خرق القانون على أفكار الناس وممارساتهم، فلن يكتب له أيّ تقدّم معقول وصحيح. والتقدّم على صعيد الوحدة والانسجام الوطني، وهو الشيء الذي حاول الأعداء إفساده منذ بداية الثورة، لكنّ شعبنا حافظ ولحسن الحظّ على اتحادّه وانسجامه، رغم كلّ الظروف التي كان بالإمكان انتهازها لبثّ الفرقة.
علينا التقدّم إلى الأمام ورفع مستوانا في كلّ هذه المجالات. وهناك التقدّم في مجال الرفاه العامّ؛ حتّى تستطيع كافّة الطبقات التمتّع بالرفاه. والتقدّم في التنمية والنضج السياسيّ. إذ إنّ الوعي السياسي والرشد السياسي، والقدرة على التحليل السياسي ــ بالنسبة إلى منظومة عملاقة مثل شعبنا- أشبه بسور فولاذيّ يصدّ نوايا الأعداء الشريرة. لذلك علينا رفع مستوى نضجنا السياسي. فشعبنا اليوم يتقدّم على كثير من الشعوب من حيث الرشد السياسي، لكنّنا يجب أن نتقدّم أكثر من هذا. كذلك فيما يتعلّق بتحمّل المسؤوليّة والعزيمة والإرادة الوطنيّة، ينبغي تحقيق التقدّم في كلّ هذه المجالات. طبعًا، هذا الشيء لا يتحقّق بالكلام والألفاظ والكتابة على الورق. لا بدّ من الحركة والبرمجة وسأشير إلى هذا الجانب فيما بعد.
العدالة: تكافؤ الإمكانات والفرص بين مختلف المناطق والطبقات
أمّا بخصوص العدالة؛ فيجب أن يُقال: إنّ التقدم إذا لم يكن مصحوبًا بالعدالة، فهو
ليس التقدّم الذي يبتغيه الإسلام؛ فأن نرفع الناتج الإجمالي الوطني والدخل العام
للبلاد إلى مستوى، مع وجود تمييز وعدم مساواة في داخل البلاد، ومع وجود الأثرياء5؛
بينما يعيش بعضهم الآخر الفقر والحرمان؛ هذا ليس ما يريده الإسلام؛.وليس هذا هو
التقدّم الذي يبتغيه الإسلام. ينبغي تأمين العدالة. والعدالة مفردة عميقة جدًّا
وواسعة، يجب البحث عن خطوطها الرئيسة والعثور عليها.
نعتقد أنّ العدالة هي خفض الفواصل الطبقيّة والجغرافيّة. فإذا كانت المحافظة أو المدينة أو القرية، بعيدة عن العاصمة، وتقع في منطقة نائية جغرافيًّا، فيجب أن لا تعاني الحرمان بسبب بعدها هذا، بينما تتمتّع المناطق القريبة بالخيرات؛ هذه ليست عدالة. ينبغي رفع الفواصل الطبقية، ويجب أيضًا ردم الفواصل الجغرافيّة، وتوفير المساواة في الاستفادة من الإمكانيّات والفرص. يجب أن يكون بمقدور جميع أبناء البلاد - ممّن لهم القابليّة والاستعداد والقدرة - الانتفاع من الإمكانيّات العامّة للبلاد. يجب أن لا يجري تقديم المحظّيين، وأن لا يوضع المخادعون والغشّاشون في المقدّمة. لنعمل ما من شأنه أن يُمكّن أبناء البلد بمختلف مناطقهم وطبقاتهم من التمتّع بفرص متساوية، أمام إمكانيّات البلاد وخيراتها. هذه طبعًا طموحات كبيرة، لكنّها ممكنة وليست مستحيلة. وبوسعنا الوصول إليها إذا سعينا وعملنا. العمليّة هنا صعبة لكنّها ممكنة.
مصاديق العدالة:
أ ــ مكافحة الفساد المالي
من مصاديق العدالة: مكافحة الفساد المالي والاقتصادي، وهو ما يجب أخذه مأخذ الجدّ.
لقد ذكرتُ هذه النقطة قبل سنوات، وأكّدتُ عليها عدّة مرات، وبُذلت من أجلها مساعٍ
جيّدة ولا تزال تبذل؛ بيد أنّ مكافحة الفساد عمليّة صعبة، تخلق للإنسان معارضين
يبثّون الإشاعات ويكذبون، ويكون الشخص الذي يتقدّم الآخرين في هذا الميدان، عرضةً
للهجوم أكثر من غيره. وهذا الكفاح بدوره ضروري ولا بدّ أن يتمّ. أمّا الذين يريدون
النهوض بهذه المشاريع الكبرى- إنْ على صعيد التقدّم وإنْ على مستوى العدالة- فيجب
أن يكونوا مدراء مسؤولين مؤمنين بهذه الأمور. يجب أن يؤمنوا حقًا بقيامة العدالة
ومكافحة الفساد. بإمكان المدراء المؤمنين بهذه الركائز، ومن لديهم الشجاعة والإخلاص
والتدبير والعزم الراسخ، تحقيق هذه المقاصد وهذه الأهداف الإلهيّة العالية قطعًا.
هذه هي النقطة الأولى التي كان يجب عليَّ ذكرها.
ب ــ مكافحة الإسراف
من الأعمال والإجراءات الأساسيّة في مجال التقدّم والعدالة، ما ذكرته في نداء
النوروز وخاطبت به الشعب الإيراني العزيز. ألا وهي مكافحة الإسراف، والسير نحو
إصلاح نمط الاستهلاك، والحؤول دون البذخ، وتضييع أموال المجتمع؛ هذه قضيّة على جانب
كبير من الأهميّة. طبعًا، هذه ليست المرة الأولى التي نطرح فيها هذه الفكرة. إنّني
في لقائي بالجماهير بداية السنة وفي مرّات عدة، خاطبت شعبنا العزيز، وذكرت بعض
النقاط حول الإسراف، والتبذير، وإتلاف الأموال، وضرورة الاقتصاد، بيد أنّ هذه
المسألة لم تنتهِ، ولم يتحقّق هذا الهدف كما يجب. من الضروري أن نطبّق مسألة
"الاقتصاد"6، كسياسة، في الخطوط العريضة لخططنا على شتّى المستويات. ليتنبّه شعبنا
العزيز إلى أنّ الاقتصاد لا يعني عدم الاستهلاك؛ بل يعني الاستهلاك بنحوٍ صحيح
ومناسب، وعدم تبذير الأموال، وجعل الاستهلاك مثمرًا ومفيدًا. فالإسراف في الأموال
وفي الاقتصاد هو أن يستهلك الإنسان المال، من دون أن يكون لهذا الاستهلاك تأثيرٌ
وفاعليّة. الاستهلاك العبثيّ والتبذير هو في الحقيقة إهدارٌ للمال.
على مجتمعنا أن يجعل هذا الأمر شعاره الدائم نصب عينيه، ذلك أنّ واقع مجتمعنا من
حيث الاستهلاك ليس واقعًا جيّدًا. هذا ما أقوله ويجب أن نعترف به. فإنّ عاداتنا
وتقاليدنا وأساليبنا الخاطئة التي تعلّمناها من ذا وذاك، تقودنا إلى التمادي في
الاستهلاك إلى درجة الإسراف.
1 ــ ضرورة الموائمة بين الإنتاج والاستهلاك
لا بدّ أن يكون هناك في المجتمع تلاؤم ما بين الإنتاج والاستهلاك. لا بدّ أن تكون
العلاقة لصالح الإنتاج، بمعنى أن يكون إنتاج المجتمع- دائمًا- أكثر من استهلاكه؛
وينبغي أن يكون استهلاك المجتمع من الإنتاج المحلّي، ويُخصّص الفائض منه لرقيّ
البلاد. واليوم ليس الوضع بهذا الشكل في بلادنا؛ فاستهلاكنا أكثر من إنتاجنا
نسبيًّا؛ وهذا ما يتسبّب في تأخّر البلاد ويكبّدنا خسائر اقتصاديّة مهمّة، ويخلق
للمجتمع مشكلات اقتصاديّة. أكّدت الآيات القرآنيّة مرارًا، على اجتناب الإسراف في
الشؤون الاقتصاديّة، والسبب هو أنّ الإسراف يوجّه ضربةً اقتصاديّةً وضربةً ثقافيّةً
أيضًا. حينما يُصاب مجتمعٌ بداء الإسراف، فسيترك هذا تأثيراته السلبيّة عليه، من
الناحية الثقافيّة أيضًا. إذًا، قضيّة الاقتصاد واجتناب الإسراف ليست قضيّة
اقتصاديّة صرفة؛ بل هي قضيّة اقتصاديّة، واجتماعيّة، وثقافيّة في نفس الوقت،
والإسراف يهدّد مستقبل البلاد.
2 ــ إحصاءات مهولة متعلقة بالإسراف
1- الإسراف في الخبز
أذكر ها هنا بعض الإحصاءات المهولة، المتعلّقة بالإسراف في المواد الاستهلاكيّة
المهمّة في البلاد؛ ومن ذلك: الإسراف في الخبز. بحسب دراسات ميدانيّة أجريت في
طهران، وبعض مراكز المحافظات، يقال إنّ 33 بالمئة من الخبز يذهب هدرًا؛ ثلث مجموع
الخبز الذي يُنتج في هذه المدن يرمى بعيدًا ولا يؤكل. تصوّروا الأمر: ثلث الخبز!
بينما الفلاح عندنا ينتج القمح بكلّ مشقّة، وإذا كانت الأمطار شحيحة في عام من
الأعوام - كالعام الماضي حيث انخفض إنتاج القمح في البلاد - تنفق الحكومة المال
العام ومن ميزانيّة الشعب؛ لتستورد القمح من الخارج، وتحوّله إلى دقيق ثم عجين؛ ثم
يكون خبزًا؛ وبعد ذلك، تُرمى ثلث هذه الثروة بعيدًا! كم هو مؤسف هذا الوضع! هذا -
للأسف- واقع موجود.
3 ــ الإسراف في المياه
وحول المياه، تقول الدراسات التي أجريت: إنّ إهدار المياه في الاستهلاك المنـزلي
يصل إلى نحو 22%. بلدنا ليس بلدًا غنيًّا بالمياه، وعلى شعبنا الاقتصاد في استهلاك
المياه إلى أقصى درجة. ثم إنّ هذا الماء الذي يتمّ إنتاجه بكلّ هذه الجهود
والمشاقّ، ويُجَرّ عبر طرق ومسافات بعيدة؛ وتبنى السدود بتكاليف عالية، وتستخدم كلّ
هذه العلوم والتجارب والجهود؛ لكي يصل الماء إلى بيوتنا، وإذا بـ 22% من هذا الماء
يُهدر! هذا بالنسبة إلى الاستهلاك المنـزلي فقط، وأمّا الاستهلاك الخاص بالزراعة
والصناعة، فيشهد، أيضًا، تبذيرًا من نوع آخر.
4 ــ الإسراف في الطاقة
فالإحصاءات التي أفادتنا بها الدراسات، تقول أنّنا نستهلك من الطاقة أكثر من ضعفيْ
متوسّط استهلاك الطاقة في العالم، سواء بالنسبة إلى الكهرباء أو حوامل الطاقة، أي:
النفط، والغاز، والغازؤيل، والبنـزين.
استهلاك هذه المواد في بلادنا أكثر من ضعفي متوسط الاستهلاك العالمي؛ هذا إسراف..
أليس إسرافًا؟!
ثمّة مؤشّر يسمّى مؤشّر "شدة الطاقة"، أي: نسبة الطاقة المستهلكة إلى البضائع
المنتجة. وكلّما كان استهلاك الطاقة أقلّ، كان ذلك أنفع للبلد. في هذا المجال، تصل
شدّة الطاقة عندنا أحيانًا إلى أكثر من ثمانية أضعاف شدّة الطاقة، لدى بعض البلدان
المتقدّمة! هذه نماذج للإسراف الموجود في المجتمع.
5 ــ الإسراف في الاستهلاك الشخصي
و يحصل الإسراف الفردي أيضًا، في الاستهلاك الشخصي والعائلي المتنوع ؛ نزعة البذخ،
والتنافس مع الآخرين، وأهواء أفراد العائلة: ربّ العائلة، أو ربّة العائلة، وشباب
العائلة، وشراؤهم أشياء غير ضروريّة. هذه كلّها من نماذج الإسراف؛ فأدوات الزينة
والترف وأدوات وأثاث المنـزل، والزينة والزخارف داخل البيت؛ هذه أشياء ننفق الأموال
لأجلها؛ هذه الأموال التي يمكن إنفاقها على الإنتاج والاستثمار، فتساعد على تطوير
البلاد، ومساعدة الفقراء، وزيادة الثروة العامة للوطن؛ نستهلكها على هذه الأمور
المنبعثة من الأهواء، والتنافس، والحفاظ الوهمي على السمعة. يسافرون ويرجعون،
فيقيمون الولائم والضيافات؛ وأحيانًا، تكون تكاليف تلك الضيافة أضخم من تكاليف
السفر إلى مكّة! يقيمون عرسًا أو عزاءً فينفقون على الضيوف أموالًا طائلة، ويقدّمون
شتّى صنوف الطعام. لماذا؟! ما الداعي لذلك؟! لا يزال في بلادنا من هم محرومون من
ضروريّات العيش. يجب أن نساعد على تقدّم البلاد. لا نقول: انفقوا الأموال بالضرورة
على الفقراء- وطبعًا أفضل الأعمال أن ينفق الإنسان في سبيل الله – ولكن، حتى لو لم
ينفقوا، فليستثمروا هذه الأموال التي يبذلونها على الترف والكماليات، في الإنتاج من
أجل أنفسهم، وليساهموا في المصانع والمعامل والإنتاج؛ وسيكون ذلك نافعًا للبلاد.
لكنّنا بدل هذه الأعمال نقيم الولائم، والمجالس، والمآتم، واصطناع العادات،
والمراسم، لماذا؟! ما الضرورة لذلك؟! عقلاء العالم لا يفعلون هذا! هذا ليس رأي
الدين فقط. يقول القرآن الكريم: ﴿ولا تسرفوا إنّه لا يحب المسرفين﴾7،
﴿كلوا واشربوا
ولا تسرفوا﴾8. ويقول في آية شريفة أخرى:
﴿كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقّه يوم
حصاده، ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين﴾9. نحن عباد الله، وهذا كلام الدين، وثمّة
الكثير من الأحاديث في هذا المضمار. جاء في إحدى الروايات أنّ شخصًا أكل فاكهة،
وبقي نصفها فرماه، فنهره الإمام (عليه السلام) وقال له: لقد أسرفت. لِمَ رميته؟
ولدينا في الروايات أوامر بالاستفادة حتى من نواة التمر. القضية جدّية إلى هذا
الحد. استهلكوا كِسَر الخبز المتفرّقة. يقدّمون الطعام في الفنادق لعدد من الناس،
ثم يرمون كلّ ما يتبقّى من الطعام في صناديق النفايات، بحجّة أنّه غير صحّي. هل هذا
ممّا يناسب مجتمعًا إسلاميًّا؟ هل يمكن بلوغ العدالة بهذه الطريقة؟
وجوب إصلاح نمط الاستهلاك
علينا إصلاح أنفسنا. يجب إصلاح نموذج الاستهلاك في المجتمع والبلاد. نموذجنا
للاستهلاك نموذج خاطئ. كيف نأكل؟ وماذا نأكل؟ وماذا نلبس؟ نضع في جيوبنا هاتفًا
جوالًا، وبمجرّد أن ينـزل للأسواق طراز أحدث نرمي جهازنا جانبًا، ونشتري النسخة
الأحدث، لماذا؟! أيّة نزوة هذه التي أُصبنا بها؟!
6 ــ إسراف يتعلق بمسؤولي البلاد
ليس الإسراف في المجالات الفرديّة فقط، فهناك إسراف على المستوى الوطني. فيما يخصّ
الكهرباء والطاقة التي قلنا أنّهما يُبذران؛ هناك شطر كبير من هذا التبذير لا
يتعلّق بالناس، وإنّما بمسؤولي البلاد. حينما تهترئ شبكات الاتصالات، وشبكات نقل
الكهرباء، وأسلاك الكهرباء فسوف تُهدر الكهرباء. ننتج الكهرباء ثم نهدر قسمًا
كبيرًا منه في هذه الشبكة القديمة التالفة. وشبكات نقل المياه كذلك، إذا تهرّأت
فسوف تهدر المياه. هذه نماذج للإسراف الوطني وعلى المستوى الوطني، والمسؤولون عنه
هم مدراء البلاد. وقد يحصل الإسراف على مستوى المؤسسات. مدراء المؤسسات المختلفة لا
يستهلكون استهلاكًا شخصيًّا، ولكن يحصل استهلاك منفلت وغير منضبط في مؤسساتهم؛
الترف والفخفخة في الإدارة، وغرف العمل، والزينة، والأسفار والزيارات غير الضرورية،
وأنواع الأثاث.. ينبغي الحيلولة دون هذه الظواهر عبر المراقبة والإشراف. ينبغي
النظر إلى الإسراف على أنّه عيب10، سواء كان على مستوى الدولة أم على مستوى أبناء
الشعب، أم على مستوى المؤسسات. وكما ذكرنا، فإنّ هذه الأمور لا تتحقّق بمجرّد
الكلام، بل ينبغي البرمجة لها. والسلطتان التشريعيّة والتنفيذيّة مكلّفتان بمتابعة
الأمر. يجب عليهما البرمجة والتقنين لذلك، ويجب تنفيذ القانون بكلّ حسم، وإنّ
التقدّم الذي سنحرزه خلال الأعوام العشرة القادمة، يرتبط جزءٌ كبيرٌ منه بهذه
القضيّة.
الاقتصاد المطلوب
هذا هو الاقتصاد المطلوب واللازم؛ ابتداءً من الإنتاج، إلى الاستهلاك، وإلى إعادة
الاستهلاك. لنقتصد في الماء، أي، نصون سدودنا، ونصلح شبكات نقل المياه، ونؤهِّل
الفلاحين لإتقان الأساليب الاقتصاديّة في الرّي، وكيفيّة سقاية الأراضي. طبعًا، تمّ
إنجاز هذه الأعمال بنسبة كبيرة خلال الأعوام الماضية لحسن الحظ، لكن هذا لا يكفي
ويجب توسعته. لنمهّد الأرضيّة لخفض معدّلات استهلاك المياه في المنازل. أن يقال:
يجب استيفاء ضرائب أكبر، وتقديم دعم أقلّ لأصحاب الاستهلاك العالي، فهذا كلام معقول
وجيّد. وأن يتمتّع أصحاب الاستهلاك القليل بمساعدات الحكومة والمساعدات العامة.
البعض يستهلك الماء بنسبة قليلة جدًّا، بحيث لو لم تقبض الحكومة منهم رسوم الماء،
لما كان في ذلك أيّ ضير. والبعض يستهلك عشرة أضعاف أو عشرين ضعفًا ممّا يستهلك
هؤلاء، ولا بدّ أن يسدّد هؤلاء فواتير أكبر.
أمّا بخصوص الخبز، فمن الضروري إنتاج القمح الجيّد، والدقيق الجيّد، وحفظه بطريقة
جيّدة، وطحنه بطريقة جيّدة، ومن ثمّ استهلاكه بطريقة صحيحة.
كان هذا ما يتعلّق بقضيّة الإسراف والاقتصاد التي كان ينبغي الحديث عنها.
في الإنتخابات
الموضوع الآخر من مواضيع البلاد الداخليّة، هو الانتخابات التي ستجري في بلادنا بعد
فترة، وأودّ هنا الإشارة إليها. طبعًا، ثمة وقت إلى حين موعد الانتخابات. وإذا
أعطانا الله عمرًا، فسأطرح على شعبنا العزيز الأمور التي أرى من الضروري طرحها. لم
يفت الأوان، لكنّني سأشير هنا إلى بعض النقاط:
أ ــ الانتخابات إحدى أسس نظامنا وليست حركة استعراضية
أوّلًا - ليست الانتخابات في بلادنا حركة استعراضيّة، فهي أساس نظامنا. الانتخابات
إحدى أسس النظام، لا يمكن تحقيق حاكميّة الشعب الدينيّة11 بالكلام. الحاكميّة
الدينيّة ممكنة الحصول بمشاركة الجماهير، وحضورهم، وإرادتهم، وارتباطهم الفكري
والعقلاني والعاطفي بتطوّرات البلاد. وهذا غير متاح إلّا عن طريق انتخابات صحيحة
عامّة، ومشاركة شعبيّة واسعة فيها. هذه الحاكميّة الشعبيّة سبب صمود الشعب
الإيراني. إذا كان صراخ القوى العظمى طيلة ال30 عامًا عاجزًا عن إلقاء الرعب في
قلوبكم، وإذا لم تستطع هذه القوى توجيه ضربة قاصمة لكم باستثناء الصراخ، وحين يظهر
شباب البلاد هذه الشجاعة وهذا الإخلاص في خوض شتّى السوح والميادين؛ فهذا كلّه
ببركة الحاكميّة الشعبيّة الدينيّة. وهذا ما يجب معرفة قدره بحقّ.
ب ــ الحث على المشاركة الواسعة في الإنتخابات الرئاسية
الانتخابات هي بمثابة رصيد استثمار كبير للشعب الإيراني؛ هي بمثابة رأسمال ضخم
وكبير تضعونه في البنك، فيعمل به البنك وتنتفعون أنتم من أرباحه. الانتخابات أشبه
بهذا الشيء. يقوم الشعب الإيراني باستثمار كبير جدًّا وإيداع هائل للغاية وينتفع من
فوائده. وإنّ صوت كلّ واحد منكم -أيّها الجماهير- هو بمثابة حصّة من هذا الاستثمار
والإيداع. كلّ صوت تضعونه في صناديق الاقتراع هو كجزء من المال الذي توفّرونه
للإيداع والاستثمار. حتى الصوت الواحد له أهميّته. كلّما كانت الانتخابات أعظم
وأنشط، برزت عظمة الشعب الإيراني، في أعين معارضيه وأعدائه، أكثر، وسيكون له حُرمةً
أكبر. وأصدقاؤكم في العالم سوف يفرحون بدورهم. عظمة الشعب الإيراني تعبّر عنها
مشاركة الشعب في الانتخابات؛ فالمسألة الأولى التي أسعى دائمًا إلى التركيز عليها
في الانتخابات، هي التأكيد على أهميّة مشاركة الجماهير. وإنّ مشاركتهم هي تصديق،
وتأييد، وتعزيز لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة. ليست المسألة مجرّد مسألة سياسيّة،
وفرديّة، وأخلاقيّة محضة؛ بل هي مسألة شاملة متعدّدة الأبعاد. الانتخابات متّصلة
بمصير الشعب، وخصوصًا انتخابات رئاسة الجمهوريّة، التي تمثّل وضع السلطة التنفيذيّة
في البلاد بعهدة شخص ومجموعة تدير البلاد لعدّة سنوات. الانتخابات مهمّة إلى هذا
الحدّ.
ج ــ ليكن التنافس بين المرشحين منصفا
وأقول كلمة للمرشحين المحترمين، الذين أعلنوا عن ترشيحهم أو الذين سيعلنون ذلك في
المستقبل: ليعلم الذين يرشّحون أنفسهم للانتخابات، أنّ الانتخابات وسيلة لرفع قدرات
البلاد وتكريس سمعة الشعب، وليست مجرّد وسيلة لتولّي السلطة. إذا كانت هذه
الانتخابات لأجل اقتدار الشعب الإيراني، فعلى المرشّحين الاهتمام بها، ومراعاة ذلك
في إعلامهم وتصريحاتهم ونشاطهم. لا يتصرفَنَّ المرشحون أثناء نشاطهم الانتخابي أو
يُصرّحَنّ بطريقة تُطمِع العدو. ليجعلوا التنافس منصفًا، وليجعلوا الكلام
والتصريحات منصفة، ولا ينحرفوا عن جادّة الإنصاف. من الطبيعي أن يكون لكلّ مرشّح
كلامه، وأن يرفض كلام الطرف المقابل. لا إشكال في نفس هذا الرفض والنقد، شريطة أن
لا يعتريه عدم الإنصاف، أو كتمان الحقيقة. الساحة مفتوحة للجميع، فليأتوا
وليقدِّموا أنفسهم أمام الشعب في ساحة الانتخابات، والخيار للشعب الذي سيتصرّف -إن
شاء الله- كيفما يدرك ويشخّص ويساعده وعيه على ذلك.
لعدم التشكيك بسلامة الانتخابات ونزاهتها قبل حصولها
الانتخابات سليمة ونزيهة بفضل الله وحوله وقوته. أرى أنّ البعض بدأوا من الآن
يشكّكون في الانتخابات، التي ستقام بعد شهرين أو ثلاثة. أيّ منطق هذا؟! وأيّ تفكير
هذا؟! وأيّ إنصاف هذا؟! أقيمت كلّ هذه الانتخابات طوال الأعوام الثلاثين الماضية-
حوالي ثلاثين انتخابات - وتعهّد المسؤولون رسميًّا آنذاك -في كلّ دورة- بضمان نزاهة
الانتخابات، وكانت الانتخابات نزيهة، فلماذا يشكّكون اعتباطًا، ويضعضعون إرادة
الجماهير، ويبثون فيهم الشكوك؟! طبعًا، لن تتزلزل أذهان شعبنا العزيز بهذا الكلام.
و أنا أؤكّد على مسؤولي الانتخابات وأوصيهم، أن يقيموا الانتخابات بشكل حماسي
ملحمي، بحيث تتوفّر الحريّة لكلّ المرشّحين، ويستطيع الشعب أيضًا التصويت بحريّة،
وتقام الانتخابات، وستقام، إن شاء الله- بنحو نزيه وبأمانة تامّة.
لن أقول لأحد إنتخب هذا أو ذاك من المرشحين
و أقول لكم أيضًا- أيّها الأعزاء- ولكلّ شعبنا العزيز فيما يتعلّق بالانتخابات:
إنّه كانت وستكون هناك دومًا، تخمينات وإشاعات حول موقف القيادة من الانتخابات.
إنّني أمتلك صوتًا واحدًا سأضعه في صندوق الاقتراع. وسأصوّت لشخص واحد، ولن أقول
لأيّ شخص: انتخب هذا ولا تنتخب ذاك. إنّه اختيار وتشخيص الناس أنفسهم. إنّني أدعم
الحكومة أحيانًا وأدافع عنها، فيحاول البعض اختلاق معنى غير صحيح لهذه الممارسة.
كلا؛ إنّني أدافع عن الحكومات دومًا، ولكن إذا تعرّضت حكومة لهجمات أكثر، وشعرت
أنّها تتعرّض لهجمات غير منصفة، فسأدافع أكثر. إنّني أتحيّز للإنصاف، وأقول: يجب أن
نكون منصفين وننظر إلى الأعمال، ولا صلة لهذا بالانتخابات، إنّما هي قضيّة الإنصاف
وعدم الإنصاف. وإنّ دعم وحماية العاملين في البلاد، واجب أتحمّله على عاتقي
ويتحمّله الجميع أيضًا. هذا لا علاقة له بالإعلان عن موقف انتخابي. إنّني أرحّب
بكلّ نشاط إيجابي، وبكلّ خطوة جيّدة، وبكلّ تقدّم إلى الأمام، وبكلّ خدمة تقدّم إلى
الشعب، وبكلّ تعاطف مع المحرومين، وبكلّ مواجهة للظلم والاستكبار، وأقدّم الشكر
والثناء للشخص الذي يفعل ذلك، أيًّا كانت الحكومة، وأيًّا كان الشخص. هذا هو واجبي.
العلاقة مع أمريكا
أ ــ سلوك عدواني مستمر تجاه الجمهورية الإسلامية
حول قضايا بلادنا الدوليّة؛ أشير إلى نقطة واحدة فقط هي قضيّتنا نحن مع أمريكا. وقد
كانت هذه القضيّة من الاختبارات المهمّة، التي واجهت الثورة منذ يومها الأول؛ فمنذ
اليوم الأول لانتصار الثورة، كان الشعب الإيراني أمام اختبار كبير، في مواجهته ونمط
تعامله، مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد استمرّ هذا الاختبار الكبير، والمهمّ على امتداد هذه الأعوام الثلاثين. وقد
واجهت الحكومة الأمريكيّة هذه الثورة منذ البداية بوجه مكفهرّ عبوس، ولهجة معارضة.
وطبعًا، هذا حقّهم طبقًا لحساباتهم الخاصّة.
كانت إيران قبل الثورة في قبضة أمريكا، وكانت مصادرها الحيويّة تحت تصرّف أمريكا،
وكانت مراكز اتّخاذ القرار السياسي أيضًا في يد أمريكا، والعزل والنصب في المواقع
الحسّاسة بيد أمريكا. كانت إيران مرتعًا لرعايا أمريكا، والعسكريّون الأمريكان،
وسواهم. وخرج كلّ هذا من أيديهم. كان بوسعهم أن لا يبدو معارضتهم بهذا الشكل
العدائي، إلّا أنّ الحكومة الأمريكيّة – سواء كان رؤساؤهم الجمهوريّون أم
الديمقراطيّون - أساءوا معاملة نظام الجمهوريّة الإسلاميّة منذ مطلع الثورة. وهذا
ليس بالشيء الخافي على أحد.
ب ــ نماذج من العداء الأمريكي
1 ــ دعم حركات الإنفصال والإرهاب في الداخل
أوّل ما قام به الأمريكيّون- هو تحريض معارضي الجمهوريّة الإسلاميّة هنا وهناك،
ومساعدة حركات الانفصال والإرهاب في الداخل. شرعوا بهذه الممارسات منذ البداية؛
وأيّة منطقة من مناطق البلاد، كانت تتوفّر فيها الأرضيّة لحركات التقسيم والانفصال،
كنّا نشاهد الأصابع الأمريكيّة فيها؛ رأينا أموالهم أحيانًا، بل ورأينا هناك
أحيانًا أخرى حتى العناصر الأمريكيّة نفسها. وقد ألحق هذا الأمر بشعبنا خسائر
كبيرة. وللأسف فإنّ هذا العمل لا يزال مستمرًّا إلى الآن؛ فالأشرار الذين ينشطون في
المناطق الحدوديّة بين إيران وباكستان، لدينا بعض اتّصالاتهم وهم مرتبطون بالعناصر
الأمريكيّة، ويتحدّثون معهم عبر اللاسلكيات ويتلقّون الأوامر. هناك أشرار إرهابيّون
قتلة مرتبطون بضابط أمريكي في بلد جار. هذا الواقع مستمرّ إلى الآن للأسف.
2 ــ الاستيلاء على ممتلكات إيران
هذه كانت نقطة انطلاق عملهم. ثم كان الاستيلاء على أموال وممتلكات وبضائع إيران
وتجميدها. أعطى النظام السابق الأميركيّين أموالًا طائلة لشراء طائرات ومروحيّات
وأسلحة منهم. وقد تمّ تجهيز بعض هذه المعدّات هناك، لكنّهم لم يسلّموها حينما قامت
الثورة، ولم يعيدوا تلك الأموال التي كانت مليارات الدولارات، والأغرب أنّهم
احتفظوا بتلك المعدّات في مخازن، وقرّروا لأنفسهم أجورًا على هذا التخزين، وظهروا
بمظهر الدائن، واقتطعوا أجور تخزين لأنفسهم من حساب معاهدة الجزائر. يغتصبون
ممتلكات شعب ويحتجزونها عندهم، ثم يتقاضون أجور تخزينها! هذا سلوك ابتدأ منذ اليوم
الأول ولا زال مستمرًّا إلى اليوم. لا تزال الأموال الإيرانيّة هناك: في أمريكا،
وفي بعض البلدان الأوربيّة. وقد تابعناهم لسنوات وطالبناهم بممتلكاتنا التي دُفعت
أثمانها، فقالوا: لأنّها تحتاج إلى ترخيص الأمريكي، فالأمريكيّون لا يسمحون
بتسليمها ولن نسلّمها لكم، وأبقوها عندهم. ولا تزال ممتلكات الشعب الإيراني موجودة
هناك إلى يومنا هذا.
3- دعم صدام في الحرب
أعطوا لصدام الضوءَ الأخضرَ للهجوم على إيران، وكانت هذه خطوةً أخرى من قبل الحكومة
الأمريكيّة. لو لم يتلقّ صدام الضوء الأخضر من أمريكا، لكان من المستبعد أن يهاجم
حدودنا. فرضوا على بلادنا ثمانية أعوام من الحرب، واستشهد في هذه الحرب قرابة
ثلاثمئة ألف من شبابنا وأبناء شعبنا. وقد ساند الأمريكيّون طوال هذه الأعوام
الثمانية - وفي السنوات الأخيرة منها خصوصًا– صدّامًا دومًا، وقدّموا له العون
والمساعدة : مساعدات ماليّة، وتسليحيّة، وخبرات سياسيّة. وزوّدوه بما لديهم من
معلومات وتقارير من خلال الأقمار الصناعيّة، وسائر إمكاناتهم الاستخباريّة. كانت
أقمارهم الصناعيّة تسجّل تحرّكات قوّاتنا في الجبهة، ويعطونها في الليلة نفسها
لمقرّات صدام؛ كي يستخدمونها ضدّ شبابنا وقوّاتنا.
4- مجزرة حلبجة وإسقاط الطائرة المدنيّة
غضّوا الطرف عن جرائم صدّام. وقعت فاجعة حلبجة وقصف مدننا بالصواريخ وخرّب بيوتنا،
واستخدم الطرف المقابل السلاح الكيميائي في الجبهات، فغضّوا طرفهم، ولم يحرّكوا
ساكنًا على الإطلاق، بل واصلوا مساعدة صدام. هذه أيضًا كانت واحدة من ممارسات
الحكومات الأمريكيّة، طوال هذه الأعوام، ضد شعبنا وبلادنا. وفي نهايات الحرب، أطلق
ضابط أمريكي صاروخًا من فرقاطة حربيّة أمريكيّة على طائرتنا المدنيّة، في سماء
الخليج الفارسي، فأسقطها وكان فيها نحو 300 مسافر قتلوا جميعهم. ثم بدل أن يوبّخوا
ذلك الضابط، منحه رئيس جمهوريّة أمريكا، آنذاك، مكافأة ووسامًا. فهل ينسى شعبنا هذه
الممارسات؟ وهل بوسعه أن ينساها؟ دعموا الإرهابيّين المجرمين، الذين قتلوا في
بلادنا الرجال والنساء والأفراد والجماعات والعلماء الكبار والأطفال الصغار؛ وسمحوا
لهم بالعمل داخل بلادهم.
5 -عمل إعلامي عدائي متواصل
أطلقوا الإعلام العدائي ضدّ بلادنا دون انقطاع. متى ما تحدَّث رؤساء جمهوريّة
أمريكا - خصوصًا خلال فترة الرئيس الأمريكي الزائل السابق - طوال هذه الأعوام، عن
شعب إيران؛ وضد بلادنا، وضد مسؤولينا، وضد نظام الجمهورية الإسلامية، أهانوا الشعب
الإيراني، وأطلقوا كلامًا فارغًا سخيفًا ضدّه. هكذا كان الوضع دائمًا على مدى هذه
الأعوام. ضعضعوا أمن منطقتنا، وأمن الخليج الفارسي، وأفغانستان، والعراق، وأطلقوا
سيول التسليح لبلدان المنطقة من أجل مواجهة الجمهورية الإسلامية، وفي الواقع من أجل
ملء جيوب شركات السلاح. دعموا الكيان الصهيوني دون قيد أو شرط؛ ذلك الكيان الظالم،
الذي شاهدتم نموذجًا لظلمه في أحداث غزة، قبل شهرين أو ثلاثة، ولاحظتم أيّة فاجعة
اجترحوا هناك؛ كم قتلوا من الأطفال والرجال والنساء. قتلوا، على مدى 22 يومًا، خمسة
آلاف إنسان في غزة، بقصفهم وصواريخهم ورصاصهم المباشر؛ ومع ذلك، دافعت الحكومة
الأمريكيّة عن ذلك الكيان إلى آخر لحظة. كلّما أراد مجلس الأمن إصدار قرار ضد
الكيان الصهيوني، تقدّمت أمريكا إلى الأمام، وجعلت من نفسها درعًا يحمي ذلك الكيان،
ودافعت عنه، وحالت دون إصدار القرار. هدّدوا بلادنا بمناسبة ودون مناسبة. قالوا
دومًا: إنّنا سنهجم، وأنّ الخيار العسكري على الطاولة، وسنفعل كذا وكذا. هدّدوا
شعبنا في كلّ مرة تحدّثوا فيها عن بلادنا. طبعًا لم تؤثر هذه التهديدات في شعبنا،
لكنّهم أظهروا عداءهم بهذه الوسائل. وجّهوا الإهانات إلى شعب إيران، وحكومة إيران،
ورئيس جمهورية إيران مرارًا.
6 ــ إهانة الشعب الإيراني
قال أحد الأمريكيّين قبل سنوات، إنّه يجب استئصال جذور الشعب الإيراني! وفي السنوات
الأخيرة قال أحد المسؤولين الأمريكيّين: إنّ الإيراني الجيّد والمعتدل هو الإيراني
الميّت! هكذا وجّهوا الإهانات إلى هذا الشعب الكبير الشريف، الذي لم يكن ذنبه سوى
دفاعه عن هويّته واستقلاله.
7 ــ الحظر على بلادنا
فرضوا الحظر على بلادنا مدّة ثلاثين سنة. وطبعًا، انتهى هذا الحظر لصالحنا، وعلينا
تقديم الشكر للأمريكيّين بسبب ذلك!
فلولا الحظر الذي فرضوه علينا، لما كنّا وصلنا إلى ما وصلنا إليه من العلم
والتقدّم. اضطرّنا الحظر دومًا إلى أن نصحو على أنفسنا، ونفكّر وننبعث من الداخل.
لكنّ نيّتهم لم تكن مثل هذه الخدمة، بل أرادوا ممارسة العدوان. هكذا تعاملوا مع شعب
إيران مدة ثلاثين سنة. والآن تقول الحكومة الجديدة في أمريكا: إنّنا نرغب في
التفاوض مع إيران، وتعالوا ننسى الماضي. يقولون: إنّنا مددنا يدنا نحو إيران. طيّب،
أيّة يد هذه؟! إذا كانت اليد الممدودة مغلّفة بقفاز من مخمل، لكنّ تحتها يدًا
حديديّة، فليس لهذا معنى إيجابي على الإطلاق. يباركون العيد للشعب الإيراني، لكنّهم
في هذا التبريك نفسه يتّهمون شعب إيران بمناصرة الإرهاب، وطلب السلاح النووي، وأمور
من هذا القبيل!
يرفعون شعار التغيير نحونا مكرا وخداعا
أنا لا أدري من هو صاحب القرار في أمريكا، هل هو رئيس الجمهوريّة، أم الكونغرس، أم
العناصر الكامنة خلف الكواليس؟ لكنّني أريد أن أقول: إنّ لنا منطقنا. لقد سار الشعب
الإيراني منذ اليوم الأوّل وإلى الآن وفق المنطق. لسنا عاطفيّين فيما يخصّ قضايانا
المهمّة، ولا نتّخذ قراراتنا انطلاقًا من العواطف والأحاسيس؛ إنّما نقرّر وفقًا
لحسابات.
يقولون: تعالوا نتفاوض، ونُقِم علاقات. ويرفعون شعار التغيير. طيّب، أين هو هذا
التغيير؟ وأيّ تغيير هو؟ أوضحوا لنا هذا. ما الذي تغيّر؟ هل تغيّر عداؤكم للشعب
الإيراني؟ أين هي علامة ذلك؟ هل أفرجتم عن ممتلكات الشعب الإيراني؟ هل ألغيتم الحظر
الظالم؟ هل أقلعتم عن التشويه، وتوجيه التّهم، والإعلام السيئ ضدّ هذا الشعب
الكبير، ومسؤوليه الشعبيّين؟ هل أقلعتم عن الدفاع غير المشروط عن الكيان الصهيوني؟
ما الذي تغيّر؟ يرفعون شعار التغيير، ولكن لا يُشاهد تغيير على المستوى العملي. لم
نشاهد أيّ تغيير. حتى أنّ اللهجة والأدبيّات لم تتغيّر. لقد أهان رئيس جمهوريّة
أمريكا الجديد، وفي اللحظة الأولى، التي تولّى فيها رئاسة الجمهوريّة رسميًّا وألقى
كلمته؛ أهان إيران وحكومة الجمهوريّة الإسلاميّة. لماذا؟ إن كنتم صادقين في حصول
تغيير فأين هو هذا التغيير؟ لماذا لا يُشاهد شيء؟
إنّني أقول هذا للجميع: ليعلم المسؤولون الأمريكيّون، وليعلم الآخرون أيضًا، أنّ
الشعب الإيراني لا يمكن خداعه، ولا يمكن إخافته.
أوّلًا- التغيير في الألفاظ ليس كافيًا - ولم نر تغييرًا يذكر حتى في الألفاظ - بل
يجب أن يكون التغيير تغييرًا حقيقيًّا. ونقول للمسؤولين الأمريكان: إنّ التغيير
الذي تتحدثون عنه هو ضرورة بالنسبة لكم، وليس أمامكم مفرّ من التغيير. إذا لم
تغيّروا، فسوف تغيّركم السنن الإلهيّة، وسوف يغيّركم العالم. يجب أن تغيّروا، إلّا
أنّ هذا التغيير يجب أن لا يكون مجرّد كلام يخفي نوايا غير سليمة. تقف وراءه نوايا
غير نظيفة. تارةً يقولون: إنّنا نروم تغيير سياساتنا، لكنّنا لا نغيّر أهدافنا؛
إنّما نغيّر تكتيكاتنا فقط. هذا ليس بتغيير؛ هذه خدعة. وتارةً يكون التغيير تغييرًا
واقعيًّا، عندها يجب أن يُشاهد على مستوى الفعل.
إستكباركم يفاقم من كراهية الشعوب لكم
إنّني أنصح المسؤولين الأمريكيّين، وكلّ من بيده القرار في أمريكا - سواء كان رئيس
الجمهوريّة، أم الكونغرس، أم غيرهم – وأقول: إنّ الواقع الذي اتّسمت به الحكومة
الأمريكيّة في السابق يضرّ بالشعب الأمريكي، ويضرّ بالحكومة الأمريكيّة نفسها.
إنّكم مكروهون في العالم اليوم. اعلموا ذلك إنْ لم تكونوا تعلمون. الشعوب تحرق
علَمَكم. الشعوب المسلمة في كلّ أنحاء العالم تقول: "الموت لأمريكا". ما هو سبب هذه
الكراهية؟ هل درستم ذلك وحلّلتموه؟ هل استلهمتم العبر منه؟ السبب هو أنّكم تتعاملون
مع العالم تعامل القيّم عليه، وتتحدثون بطريقة متكبّرة، وتريدون فرض إرادتكم في
العالم، وتتدّخلون في شؤون البلدان، وتستخدمون معايير مزدوجة في العالم. تارةً
تصبّون سيول الدعاية ضدّ شاب فلسطيني، يضطرّ بسبب شدّة الضغوط إلى تنفيذ عمليّة
استشهاديّة؛ ولكن من جهة ثانية تتجاهلون جرائم الكيان الصهيوني، الذي اقترف تلك
الفاجعة في غزة على مدى 22 يومًا. تسمّون ذلك الشاب إرهابيًّا، وتقولون عن هذا
الكيان الإرهابي: إنّنا ملتزمون حيال أمنه. هذا ما يجعلكم ممقوتين في العالم.
نصيحةٌ إلى الأمريكيّين: تخلوا عن إستكباركم
هذه نصيحة لكم، وهي لخيركم وصلاحكم، ولأجل مستقبل بلادكم: اقلعوا عن لهجة
الاستكبار، واقلعوا عن أساليب الاستكبار، وعن تصرّفات القوامة 12، ولا تتدّخلوا في
شؤون الأمم، واقنعوا بحقّكم، ولا تقرّروا لأنفسكم مصالح في كلّ مكان من العالم،
وسترون أنّ الوجه الأمريكي في العالم سيخرج تدريجيًّا من حالة كونه مكروهًا ممقوتًا
إلى حالة أخرى. اسمعوا هذا الكلام. هذه هي نصيحتي للمسؤولين الأمريكان سواء رئيس
جمهوريّتهم وغيره. فكّروا في هذا الكلام بدقّة. خذوه؛ ليترجموه لكم؛ طبعًا لا تعطوه
للصهاينة ليترجموه، بل استشيروا أشخاصًا نظيفين، واطلبوا آراءهم.
لن نتفاوض معكم تحت الضفوط
ما دامت الحكومة الأمريكيّة تواصل أسلوبها، وأعمالها، وتوجّهاتها، وسياساتها ضدّنا
كما فعلت في الثلاثين سنة الأخيرة، فسنكون على ما كنّا عليه في هذه الثلاثين سنة،
وسنبقى الشعب نفسه الذي كان طوال هذه الأعوام الثلاثين. شعبنا يسوؤه أن تواصلوا رفع
شعار "التفاوض والضغوط"، وتقولوا: نتفاوض مع إيران ونمارس الضغط ضدّها في الوقت
نفسه؛ التهديد والتطميع في آن واحد. لا يمكن التحدّث مع شعبنا بهذه الطريقة. ليست
لدينا سوابق عن الحكومة الجديدة ورئيس الجمهوريّة الجديد في أمريكا، وسننظر إلى
أدائهم ونحكم. غيّروا وسوف يتغيّر أسلوبنا أيضًا. وإذا لم تغيّروا فإنّ شعبنا أصبح
خلال هذه الأعوام الثلاثين أكثر تهيؤًا، وخبرةً، وتجربةً، وصبرًا، وقوّة.
رحيل زوجة الإمام (رض)
أدعو الله تعالى ثلاث دعوات:
اللهمّ بمحمد وآل محمد، لا تقطع لطفك ورحمتك عن هذه الأمّة. وأقول لشعبنا العزيز:
إنّنا علمنا، أنّ زوجة إمامنا الراحل ورفيقة دربه الدائمة، رحلت عن الدنيا هذا
اليوم، للأسف. لقد كانت هذه السيّدة الجليلة شخصيّة قيّمة لشعب إيران. لقد صبرت
وصمدت عشرات السنين، إلى جانب إمامنا العزيز الذي كان قبلة قلوب الشعب، في كلّ
الامتحانات الصعبة، ورافقت الإمام، وكانت سيّدة وشخصيّة بارزة بحدّ ذاتها. أعزّي
شعب إيران بمناسبة رحيلها وأعزّي ذويها، وأسأل الله أن يشملها برحمته وغفرانه.
اللهمّ احشر هذه السيّدة الجليلة مع أوليائك. اللّهم احشر إمامنا الكبير وأبناءه
الأعزّاء وزوجته مع أوليائك. اللّهم اجعلنا دومًا عارفين قدر إمامنا العزيز. ربّنا
اشمل جميع أبناء شعبنا، لا سيّما شبابنا الأعزّاء بهديك ولطفك وعونك. اللّهم أنزل
أمطار رحمتك على كلّ بلادنا وعلى أراضينا العطشى، ومزارعنا، وشعبنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- عقد التقدم والعدالة: منظومة
مشاريع وقوانين وبرامج: اقتصادية، وعلمية، واجتماعية، سيتم العمل عليها مدة عشر
سنوات. تقوم الحكومة –بالتعاون والمواكبة التشريعية القانونية من المجلس (التشريعي)- بإعداد هذه الخطط والعمل على تطبيقها في
مختلف ساحات عمل مؤسسات النظام والدولة. تراعي بالدرجة الأولى: البناء العلمي
(تقوية القدرات العلميّة والابتكارات التقنيّة وما يتعلّق بالصناعة والعلوم المنتجة
للعناصر الصناعية والتقنية) وحسن توزيع الفرص والإمكانات (رعاية العدالة في تهيئة
فرص العلم والعمل والاستفادة من الإنتاج وتوزيع الثروات و.. سواء على المستوى
المناطقي أم على المستوى الاجتماعي).
والعقد الرابع هو العشر سنوات الرابعة من عمر الثورة والنظام الاسلامي في ايران.
وقد جُعلت مقولة "التقدّم والعدالة" عنوانًا عريضًا لمختلف نشاطات الدولة
ومؤسساتها، وخاصة على المستوى العلمي والتربوي والاجتماعي والاقتصادي..
2- الجادّين في طلب العلم.
3- المادة 44: فقرة في دستور الجمهوريّة الإسلاميّة تحدّد السياسات الاقتصاديّة؛
وقد طلب الإمام الخامنئي قبل سنتين العمل على هذه المادّة وتحديد هذه السياسات
وشرحها والعمل على وضع المشاريع والخطط وفقًا لها؛ وهذا ما تمّ، حيث وضعت البرامج
والمشاريع وهي في طور التنفيذ.
4- توجيه الدعم: وهو برنامج بدأت حكومة الرئيس أحمدي نجاد تطبيقه؛ قوامه رفع الدعم
الحكومي عن السلع والخدمات الأساسيّة واستثماره في برامج ومشاريع تعود بالفائدة على
عموم الناس وخاصّة على الطبقات المحتاجة والفقيرة.
5- بتعبير القائد: وحيازة بعضهم على آلاف الألوف.
6 المقصود بالاقتصاد هنا (تدبير استهلاكي) أي ما يتعلّق بكيفيّة الاستهلاك وشؤونه
لجهة الحدّ من التبذير والإسراف والأعمال غير المنتجة.. حسب سياق الحديث.
7- سورة الأعراف، الآية 31
8- الآية نفسها.
9- سورة الأنعام، الآية 41.
10- أي بنحو سلبي ومستقبح
11- أو سيادة الشعب الدينيّة
12- أن يتصرّف وكأنّه قيّم ووصيّ على العالم.