المنجيات من النّار
زاد عاشوراء
إنّ هذه الآية تصرّح بأنّ الفوز في العرف القرآنيّ، والنهج الربّانيّ مؤلّف من ركنين، الأوّل: هو النجاة من النّار، وتمامه بالركن الثاني وهو:
عدد الزوار: 357
﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾1.
النجاة من النّار هي الفوز:
قال تعالى: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾2.
إنّ هذه الآية تصرّح بأنّ الفوز في العرف القرآنيّ، والنهج الربّانيّ مؤلّف من
ركنين، الأوّل: هو النجاة من النّار، وتمامه بالركن الثاني وهو: دخول الجنّة، ولعلّ
تقديم الزحزحة عن النّار في الذكر ذلك لأنّ العقلاء رسموا قاعدة ألا وهي أنّ دفع
المضرّة أو المفسدة أولى من جلب المنفعة، والعقل يقول كذلك إنّ على الإنسان أن يعمل
على الخلاص من الخطر والشرّ قبل أن يعمل على الحصول على الخير وما فيه النعمة
والمفسدة، فأيّ نعمة حتّى لو كانت كدخول الجنّة والخلود فيها تنغصّها بلا شكّ ضرورة
المكوث في العذاب، عذاب النّار. وحقّ أن يقول قائل: إنّ هكذا دخول الجنّة بعد
العذاب في النّار لا يكون فوزاً، وهذا ما أتت الآية لتقوله وهو أنّ دخول الجنّة ما
لم يقرن بالنجاة من النّار ليس بفوز وإنّما الفوز هو الزحزحة عن النّار والنجاة من
لهيبها ودخول الجنّة.
ومن يطيق يا ترى عذاب جهنّم التي هي محلّ تجلّي غضب الله الذي لا تقوم له السماوات
والأرض فكيف بعبد ضعيف ذي جلد رقيق وعظم دقيق؟!
كيف ننجو من النّار؟
إنَّ عذاب النّار إنّما كان للخارجين عن سكّة العبوديّة والتوحيد لله تعالى، هذه
العبوديّة أو الطاعة وهذا التوحيد الذي من تجلّياته الطاعة والعبوديّة له تعالى، ويتجلّى التوحيد عبوديّة وطاعة صادقة في شتّى نشآت النّفس
وقواه، من القلب إلى
العقل، إلى الجسد، ومن العاطفة إلى السلوك والمعاملة، فقد قال تعالى عن النّار:
﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾3.
أي تتسلّط بالعذاب المناسب على محلّ الجحود والشرك والمعصية من الأفئدة إلى
الجوارح، وعليه فلتكون لنا نجاة من النّار علينا أن نكون موحّدين حيث آلات التوحيد
وطائعين بآلات الطاعة.
ولنذكر بناءً عليه المنجيات من النّار:
1- الاعتقاد بالله وتوحيده:
بمعنى تثبيت الاعتقاد بألوهيّة الله تعالى ووحدانيّته حتّى لا تزلزله رياح الشكوك
وفتن المفتنين، لأنّ من الإيمان ما هو مستقرّ ومنه ما هو مستودع كما جاء عن الإمام
عليّ عليه السلام: "فمن الإيمان: ما يكون ثابتاً مستقرّاً في القلوب ومنه ما يكون
عواري بين القلوب والصدور"4.
وإذا أردنا تثبيت هذا التوحيد علينا أن نغذّي إيماننا بتحصيل العلم به ليترسّخ
اليقين به تعالى وبوحدانيّته وسموّ ذاته وعلوّ مقامه وليكتمل توحيدنا وإيماننا
بألوهيّة الله ووحدانيّته لا بدّ من ظهوره على آلة إظهاره والجارحة المعبّرة عن
العقل والقلب.
وقد جمعها أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل بسؤال أقرب إلى الإقرار منه إلى
الإنكار حيث جاء عنه عليه السلام في الدعاء الذي علّمه كميل بن زياد: "وليت شعري يا
سيّدي وإلهي ومولاي أتسلّط النّار ... وعلى ألسن نطقت بتوحيدك صادقة، وبشكرك مادحة
وعلى قلوب اعترفت بإلهيتك محقّقة، وعلى ضمائر حوت من العلم به حتّى صارت خاشعة...".
فصدق الألسن بكلمة التوحيد تابع ليقين القلوب بالألوهيّة عن تحقق، ويرسخ ذلك في
أعماق النفس طلب العلم به تعالى بما يؤدّي إلى معرفة تنعكس خضوعاً وخشوعاً له
تعالى.
2- العمل الصالح:
لا نحتاج كثيراً لنؤكّد على ضرورة اقتران الإيمان القلبيّ بالعمل الجوارحيّ، وقد
غدا سمة من سمات الخطاب القرآنيّ، وكم تكرّرت عبارة ﴿الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ﴾ وأمثالها وما في معناها في القرآن الكريم.
ولذا أكمل أمير المؤمنين تساؤله وليس فقط سؤاله في دعاء كميل إذ قال: "... وعلى
جوارح سعت إلى أوطان تعبّدك طائعة".
ولذا كان في عرف أمير المؤمنين للعلم مراتب ودرجات أدناه درجة الذي لم يجاوز
اللسان، وأرفعه الذي يتجلّى طاعة على الجوارح ويقيناً في الجوانح فعنه عليه السلام:
"أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان"5.
3- الاستغفار والتوبة:
ويكفي في ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن وجد في صحيفة
عمله يوم القيامة تحت كلّ ذنب استغفر الله"6.
وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"7.
4- العبادة لله تعالى:
فالعبادة خصوصاً الصلاة سبب في غفران الذنوب وموجبة لرضا الرحمن كما في قوله تعالى:
﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾8 ورد أنّها الصلاة إلى الصلاة فإنّه
يغفر ما بينهما.
ومن العبادة السجود لله تعالى وهي أقرب حالات العبوديّة له تعالى، ولذا نجد أمير
المؤمنين عبّر عن هذا الأمر المنجي بدعاء كميل قائلاً: "... أتسلّط النّار على وجوه
خرّت لعظمتك ساجدة..."
لكنّ السجود المنجي في هذه الفقرة هو السجود الناجم عن الشعور بالعظمة الإلهيّة،
سجود المتوجّه بذلّه إلى عزِّ المولى وعظمته، وليعمل على مصاحبة ذلك من المنجيات
البكاء من خشية الله حيث الدمعة منه تطفي بحاراً من النيران.
5- حسن الظنّ بالله تعالى:
فالله تعالى عند حسن ظنّ عبده به إن أحسن الظنّ بالله تعالى بمعنى أن يكون بحسب
علمه به تعالى ويقينه بجماله وامتلاء الوجود وشتّى النشآت برحمته متوقّعاً لتجاوزه
عن سيّئاته وغفران ذنوبه وذلك لكرم الله تعالى وسعة رحمته.
رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام: "يؤتى بعبد يوم القيامة ظالم لنفسه فيقول الله: ألم آمرك بطاعتي؟ ألم أنهك عن
معصيتي؟ فيقول: بلى يا رب، ولكن غلبت عليّ شهوتي فإن تعذبني فبذنبي، لم تظلمني،
فيأمر الله به إلى النّار، فيقول: ما كان هذا ظنّي بك، فيقول: ما كان ظنّك بي؟ قال:
كان ظنّي بك أحسن الظنّ؟ فيأمر الله به إلى الجنّة، فيقول الله تبارك وتعالى: "لقد
نفعك حسن ظنّك بي الساعة"9.
خاتمة: زيارة الحسين عليه السلام منجية من النّار:
إنّ الشفاعة، شفاعة النبيّ وأهل بيته من المنجيات من النّار ولهذه الشفاعة موجبات،
منها حبّ آل البيت والولاء لهم، ومنها البكاء على مصاب أبي عبد الله الحسين، ومنها
الزيارة لمرقده الشريف.
كما جاء عن ذلك شعراً:
إذا رمت النجاة فزر حسيناً لكي تلقى الإله قرير عينِ
فإنّ النّار ليس تمسّ جسماً عليه غبار زوّار الحسينِ
* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة آل عمران، الآية 185.
2- سورة آل عمران، الآية 185.
3- سورة الهمزة، الآيتان 6 - 7.
4- نهج البلاغة، الخطبة 189.
5- نهج البلاغة، ج4، الحكمة 92، ص20.
6- مكارم الأخلاق، للطبرسيّ، ص313.
7- الكافي، ج 2 ص 435.
8- سورة هود، الآية 114.
9- المحاسن للبرقيّ، ج 1، ص 25.