يتم التحميل...

دوافع العمل

شوال

الأعمال الحسنة والكبرى لا يمكن أن تُنجز إلا بالدوافع المميزة والنابعة من أعماق القلب. فلا يمكن القيام بالأعمال الكبيرة بمجرد الاكتفاء بالأمور التشريفية والإدارية والدستورية.

عدد الزوار: 131

دوافع العمل


من كلام للإمام السيّد عليّ الخامنئيّ (دام ظلّه) حول دوافع العمل:

"الأعمال الحسنة والكبرى لا يمكن أن تُنجز إلا بالدوافع المميزة والنابعة من أعماق القلب. فلا يمكن القيام بالأعمال الكبيرة بمجرد الاكتفاء بالأمور التشريفية والإدارية والدستورية. وذلك أن العمل الذي ينبع من القرارات يؤدّى ضمن حدّ العمل المتعارف، بينما يكون العمل المميز تابعاً للدافع. ذاك الذي يقضي وقتاً طويلاً بلحاظ كمية العمل ويضحي بوقت راحته لديه دافعٌ سامٍ، وهذا شيء مميّز. وقد شاهدنا مثل هذه الروحية، وهي متوفرة أيضاً هنا.

إن هذا الدافع مركّبٌ من الإيمان والوعي، فهذان الأمران يعطيان الإنسان الدافع: أن يكون مؤمناً وأن يكون واعياً.

بهذه الرؤية يمكن لذلك الدافع إذا وُجد أن لا يُبقي الإنسان عاطلاً أبداً. وقد استغرق الإسلام بتاريخه ونبيه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وانهمكوا في تقوية هذا الدافع وتحديد مواطن وجوده والاستفادة منه لمصلحة الأهداف والمبادئ. فعندما يطّلع المرء على تاريخ الإسلام يرى انهماكاً في هذا الخصوص. وأذكر هنا نموذجاً. ففي معركة أُحد ـ مثلما لديكم علم، قد سمعتم أو قرأتم ـ

كان المسلمون في البداية منتصرين وبعدها وبسبب طلب الدنيا انهزم بعضهم. بعضهم استشهد كحمزة سيد الشهداء وغيره والبقية فرّوا وذهبوا إلى ذلك الجبل. والأعداء في نهاية ذلك اليوم الذي جرت فيه المعركة تركوا المكان بأيد مليئة وسرور. وبقيت هذه القصة والعقدة في قلوب المسلمين. فأمر النبي بحمل الشهداء وإحضارهم إلى المدينة ـ وجبل أُحُد قريب من المدينة ـ فتحركوا ودخلوا المدينة. ومن بين القافلين رجوعاً إلى المدينة كان هناك جرحى ومعوّقون وأجساد الشهداء المطهرة والعوائل المثكولة. فعجّت المدينة وضجّت بالبكاء والنحيب على المقتولين وبسبب الانكسار في الحرب، فكل هذه الأمور شكلت مرارة، في مساء ذلك اليوم الذي جرت فيه تلك الواقعة المرّة أخبروا النبي أن عدّة من المشركين بعد أن ابتعدوا عن المدينة يفكرون بالهجوم والقضاء على المسلمين طالما أنهم هُزموا. فبمجرد أن وصل الخبر إلى المدينة بدأ بعض الأشخاص الثرثارين - إما أنهم مغرضون أو جهلة ينشرون الشائعات مباشرة بسرعة البرق والريح ـ بنشر هذا الخبر.

مثل هؤلاء الأشخاص بمجرد أن يصلهم أي خبرـ دون أن يتأكدوا من سقمه - يبدأون مباشرة بإذاعته. ففي ذلك الزمان كان هناك أفراد مثل هؤلاء كزماننا. وبدأوا بإشاعة الخبر داخل المدينة. وقالوا لقد قُضي علينا، وها هم سيهجمون، وعلينا أن نخافهم، وبدأوا بإلقاء هذه الأمور في قلوب الناس، هنا جاء النبي الأكرم، ففي مثل هذه المواضع لا بد من إعمال روح النبوة. فجمع النبي الناس وأمرهم بالحضور في المسجد ثم قال: سمعت أن العدو قد اجتمع في المكان الفلاني وهو ينتظر أن تغفلوا حتى يحمل عليكم حملة واحدة. وعليكم أن تذهبوا إليهم لتبددوهم. قالوا: سمعاً وطاعة يا رسول الله. قال: كلا، أريد فقط من كان معنا في أُحد. أي إنه كان يطلب أولئك الذين كانوا يحاربون من الصباح حتى المساء وأولئك الذين أصيبوا بالجراحات ولا يريد غيرهم.

لعل بعض القوم في البداية تعجّبوا، ثم بعد ذلك اندهشوا من هذا الحكم. فجُمع أولئك الذين كانوا في اُحد ممن أصيب وأُنهك وأمرهم النبي بأن يذهبوا وينهوا القضية ثم يرجعوا. فأولئك الذين أصيبوا في ذلك اليوم وأرادوا أن يردّوا الضربة بالضربة كانوا يخبرون الأمر جيداً لا أنهم سمعوه من هنا وهناك، هؤلاء هم الذين عبّأهم النبي وأمرهم بالذهاب، وكانوا عدّة غير كثيرة، فركبوا واتّجهوا إلى تلك المنطقة وغافلوا العدو ووجّهوا إليه ضربة شتّتته وبدّدته ثم رجعوا. فنزلت حينها هذه الآية الشريفة: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ. فالمؤمنون هم أولئك الذين يأتيهم أصحاب الشائعات ليخوفوهم بالأعداء ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَان لكن هذا التخويف لم يتحقق بل ازداد الدافع والإيمان وأصبح أقوى، ﴿وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فقد قالوا إن الله يكفينا ونحن نكل الأمر إليه. فهل ترون مثل هذه المعرفة العظيمة؟ فها أنتم تقومون بالعمل وأيديكم تعمل وكذلك فكركم وقلمكم ولكن العمل هو عمل الله وموكولٌ إليه.

فإيكال الأمر إلى الله لا يعني أن نجلس جانباً ونقول إن الله ينجزه. كلا، فإن الله لا يفعل مثل هذا، عندما يشعر المرء بأن العمل كبير وله أهمية وتأثير اجتماعي شامل يكبر دافعه. وعلى كل حال فإن الذي يزول هو أيامنا المتصرّمة بحسنها وسوئها، سواء عملنا بتكليفنا أم لم نعمل. كل هذه تزول. فطبيعة العالم هي طبيعة الزوال (العالم متغيّر) وما يبقى هو أثر هذا العمل في الديوان الإلهي فهذا ما لا يزول".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

2016-07-05